رسالة من حملة مقاطعة داعمي «إسرائيل» إلى البطريرك الراعي
غبطة البطريرك الكاردينال مار بشارة الراعي تحيّةً طيّبةً وبعد، فقد فوجئنا بقراركم زيارةَ الأراضي المقدّسة، الواقعةِ تحت سيطرة الكيان الصهيونيّ، وذلك ضمن وفدٍ بابويّ، بين يوميْ 24 و26 أيّار، و«لأسباب رعويّة». وأحببنا أن نوجّه إليكم الأسئلة الآتية، آملين في أن تفكّروا فيها عميقاً: 1ـ هل الاهتمام بالرعيّة/ السجينة لا يكون إلّا بزيارتها وتقديم البركات إليها في سجنها؟ أمْ تراه يتمّ بشكلٍ أفعل من خلال العمل على تحريرها من سجنها، بمختلف الوسائل، ومن ضمنها الوسائلُ غيرُ العنفيّة التي تبنّاها مناضلون كنسيون عبر التاريخ؟
ثم ألا تقدّم التكنولوجيا الحديثة، كالسكايب، وسائلَ للتواصل مع الرعيّة/ السجينة، من دون المرور بالسجّان الظالم؟ 2 ـ ألن تضربَ زيارتُكم عرضَ الحائط بنداءٍ وجّهتْه إلى العالم غالبيّةُ منظّمات المجتمع الأهليّ الفلسطينيّ (وعددها 170) صيفَ عام 2005 تحثّه فيه على مقاطعة «إسرائيل» إلى حين «1) إنهاء احتلالها واستعمارها لكلّ الأراضي العربيّة وتفكيك الجدار، و2) الاعترافِ بالحق الأساسيّ بالمساواة الكاملة لمواطنيها العرب الفلسطينيين، و3) احترام وحماية ودعم حقوق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم واستعادة ممتلكاتهم كما هو منصوص عليه في قرار اﻷمم المتحدة رقم 194»؟ (1) ألن تؤثّر زيارتُكم، سلباً، في قوةِ وثيقةٍ وقّعها عام 2009 بطاركةُ القدس ورؤساءُ كنائسها؟ هذه الوثيقة، وعنوانُها «وقفة حقّ»، وقّعها، كما تعْلمون، كلٌّ من البطاركة ثيوفليس الثالث (بطريركيّة الروم الأرثوذكس) وفؤاد طوال (البطريركيّة اللاتينيّة) وتوركوم مانوجيان (بطريركيّة الأرمن الأرثوذكس)، والمطارنة أنبا أبراهام (بطريركيّة الأقباط الأرثوذكس في القدس) وسويروس ملكي مراد (بطريركيّة السريان الأرثوذكس) وماتياس (بطريركيّة الأحباش الأرثوذكس) وبولس صيّاح (النيابة البطريركيّة المارونيّة في القدس والأراضي الفلسطينيّة) ومنيب يونان (الكنيسة الإنجيليّة اللوثريّة في الأردن والأراضي المقدّسة) ويوسف زريعي (بطريركيّة الروم الملكيين الكاثوليك) وسهيل دواني (الكنيسة الأسقفيّة في القدس والشرق الأوسط) وبيتر ملكي (النيابة البطريركيّة للسريان الكاثوليك) ورفائيل ميناسيان (النيابة البطريركيّة للأرمن الكاثوليك)، والأب بيير باتيستا بيتسابا (لحراسة الأراضي المقدّسة). وجاء فيها: «إنّنا نرى أنّ ما تقوم به منظّماتٌ مدنيّة فلسطينيّة ودوليّة غير حكوميّة، وكذلك بعضُ الهيئات الدينيّة، من دعوة الأفراد والمجتمعات والدول إلى مقاطعةٍ اقتصاديّةٍ وتجاريّةٍ لكلّ ما ينتجه الاحتلالُ و[إلى] سحب الاستثمارات منه، يندرج في نطاق المقاومة السلميّة... إنّنا نرى في المقاطعة وسحب الاستثمارات وسائلَ لاعنفيّةً لتحقيق العدل والأمن والسلام للجميع... ندعو إلى الاستجابة لما تدعو اليه الهيئاتُ المدنيّةُ والدينيّة، والبدءِ بتطبيق نظام العقوبات على إسرائيل...». 3 ـ وفي الإطار الكنسيّ نفسِه نسألكم: هل كان إحجامُ بطاركة بكركي في السابق عن القيام بمثل هذه الزيارة إهمالًا لمصالح الرعيّة في فلسطين المحتلة، أمْ كانت لهم ربّما مبرّراتٌ تنسجم مع مصالح «الرعايا» والعرب الآخرين ومع القرراتِ الدوليّةِ التي ترفض تشريعَ احتلال «إسرائيل» للقدس تحديداً؟ ولماذا لم يفرّقْ أيٌّ منهم بين الرعويّة الدينيّة والتطبيع السياسيّ، على ما يفعل اليوم مروّجو زيارتكم؟ وكمثالٍ آخر نسألكم: هل خالفت الكنيسةُ الأرثوذكسيّةُ في مصر مصالحَ رعاياها حين منعتْهم من السفر إلى الأراضي المقدّسة؟ والسؤال الأخطر في هذا الصدد هو: ألن تشجّعَ زيارتُكم بعضَ اللبنانيين (وغير اللبنانيين) على زيارة الأماكن المقدّسة تحت الاحتلال، مقتدين بكم، ومتذرّعين بأهدافٍ دينيّة، للقيام بنشاطاتٍ سياسيّةٍ وتجاريّةٍ تخدم دولة العدوّ، وقد تخلق المزيدَ من الحزازات داخل مجتمعاتنا المليئة بالصدوع الطائفيّة أصلاً؟ إنّنا نأمل أن تتذكّروا مواقفَ البابا شنودة الثالث الراحل، ولاسيّما قوله: «من الصعب التراجعُ عن قرار حظر [سفر الأقباط المصريين] في المرحلة الراهنة... لأنّ السماحَ لهم سيدفع بمئات الآلاف منهم إلى زيارة الأراضي المقدّسة، وهذا ما يروّج للاقتصاد الإسرائيليّ ويؤدّي إلى إساءة العلاقات بين الأقباط والأشقّاء العرب. وهذا هو موقفُ البابا تواضروس الثاني اليوم، حين هدّد بحرمان كل الحجّاج الأقباط المصريين إلى القدس من «التناول» لمدةٍ تتراوح بين ستة أشهر وسنة. (2) 4 ـ ألا تشكّل زيارتُكم اعترافاً ضمنيّاً بولاية الكيان المجرم على الأراضي المقدّسة، وخصوصاً أنّكم لن تستطيعوا تفاديَ كلّ الإجراءات الرسميّة والأمنيّة الإسرائيليّة من أجل الدخول إلى فلسطين المحتلّة؟ 5 ـ ألن تضربَ زيارتُكم قراراتِ حركة المقاطعة العالمية (بي. دي. اس)، التي تأسّستْ عام 2006، وتدعو إلى «مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها»، وهي حملةٌ باتت تشمل عشرات آلاف الكنسيين والنقابيين والأكاديميين والفنّانين والعلماء والروائيين؟ بكلام آخر، هل تسمو مصلحةُ هذه الرعيّة أو تلك على مصالح (ودماء) شعبيْ فلسطين ولبنان، وعلى مواقف قسمٍ متزايدٍ من ناشطي العالم، ومن بينهم كنسيّون بارزون ككبير أساقفة جنوب أفريقيا وأحدُ أبطال تحريرها من نظام الأبارتهايد، دزموند توتو؟ 6 ـ تعلمون أنّ جزءاً لا يستهانُ به من حربنا مع العدوّ الصهيونيّ إعلاميّ في جوهره. أفلن يستغلّ الإسرائيليون وأنصارُهم زيارتَكم إلى الأماكن المقدّسة من أجل «تبييض» صورة إسرائيل، وتصويرِها وكأنّها دولةٌ ترحّب بكلّ الناس، وضمنَهم ضحاياها اللبنانيون؟ ألن يحاولوا تسويقَ زيارتكم لترويج كذبة «حريّة الوصول إلى الأماكن المقدّسة»، وأنتم خيرُ من يَعْلم أنّ مقدّساتِ القدس تحديداً «محرﱠمةٌ على العديد من المسيحيّين والمسلمين من الضّفة وغزّة والقطاع، وحتى على المقدسيين أنفسِهم في الأعياد»، كما أنّ بعض الكهنة العرب «يعانون منعَهم من دخول القدس بصورةٍ عادية»؟ (3) 7 ـ من المؤكّد أنّكم لن تستقلّوا طائرةَ «العال» الإسرائيليّة برفقة الحَبر الأعظم، شأن أعضاء الوفد البابويّ المرافق. (4) ومن شبه المؤكّد أنكم ستدخلون فلسطين المحتلة بجواز سفر غير لبنانيّ. ولن تلتقوا بالتأكيد، شأن البابا، الجزّاريْن بيريز ونتنياهو. والأرجح (والمأمول) ألّا تشاركوه زيارته لمتحف الهولوكوست (ياد فاشيم)، الذي بات منذ عقود أحد أهمّ الذرائع الدعائيّة الصهيونيّة لتبرير المجازر المتوالية ضدّ الشعبين الفلسطينيّ واللبنانيّ. (5) لكنّ ذلك كله لن يمحو الأضرارَ التي ستخلّفها زيارتُكم على الحركة الفلسطينيّة والعالميّة الداعية إلى مقاطعة إسرائيل، بل قد تلحق تصدّعاً في الموقف المسيحيّ التقليديّ ـ اللبنانيّ خصوصاً والعربيّ عموماً ـ الرافض لزيارة الأماكن المقدّسة تحت الاحتلال.
■ ■ ■
غبطة البطريرك
لا تذهبوا إلى الأراضي المقدّسة الواقعة تحت الاحتلال. حرصُكم على الرعيّة ينبغي ألّا يُفهمَ تجاوزاً لقرارات الإجماع الأهليّ الفلسطينيّ، ولقرارات حركة المقاطعة العالميّة. لا تتيحوا للعدوّ أن يلعب على حبل الفصْل (الواهي أصلًا!) بين السياسة والدين، فيما هو يواصل احتلاله وجرائمَه وعنصريته. كونوا أوفياءَ لنضال الشعب الفلسطينيّ الذي يُصلَب ـ كالمسيح ـ كلّ يوم، لكنّه ينهض كلّ يوم، ويقاوم عدوّه ويقاطعُه كلّ يوم.5-