ضت «هيئة التنسيق النقابية» التحدي الكبير المفروض عليها، على الرغم من الضغوط السياسية التي مورست عليها عشية تنفيذ الإضراب الشامل في المدارس الرسمية والخاصة، وفي مختلف إدارات الدولة، لثنيها عن السير قدماً في خطواتها التصعيدية، لإقرار مشروع قانون سلسلة الرتب والرواتب، بعدما فشلت الحكومة السابقة على مدى عامين ونصف العام من تأمين واردات للسلسلة، وأيضا اللجنة النيابية المصغرة، المشكّلة من جميع القوى السياسية والتي عقدت أكثر من أربعين احتماعا على مدى خمسة أشهر في الانتهاء من درس الواردات. وخير دليل على هذا الموقف ما نقله نقيب «المعلمين في المدارس الخاصة» نعمه محفوض عن رئيس اللجنة النائب إبراهيم كنعان، في محادثة هاتفية عشية يوم الإضراب، بأغنية لفيروز «وينن وين أصواتن وين وجوهن»، في إشارة إلى غياب مواقف الكتل النيابية التي كانت داعمة للسلسلة في اجتماعات اللجنة، إلى معارضين لها في اللجان النيابية المشتركة، بمن فيهم أعضاء «التيار الوطني الحر». ويشير محفوض إلى اتصالات جرت طول ليل الثلاثاء - الأربعاء مع النائب علي بزي مكلفاً من الرئيس نبيه بري، لثني الهيئة عن موقفها، فكان رد النقيب: «أعلن عن ذلك من مقر رئيس المجلس بعد أخذ، وعد بإحالة السلسلة إلى الهيئة العامة». وباتت هيئة التنسيق تملك قناعة كاملة بوجود «قطبة مخفية»، فكيف تحوّل موقف حاكم مصرف لبنان رياض سلامة من مؤيد لدفع السلسلة، إلى معارض لها، ودعا لتجزئتها على خمس سنوات، ويعلم أن هذا الأمر مرفوض لدى الهيئة. إضافة إلى موقف الهيئات الاقتصادية المعارض أصلاً للسلسلة، ومعهم «اتحاد المؤسسات التربوية في المدارس الخاصة» التي لم تنفك تحت ستار السلسلة أن رفعت أقساط مدارسها طوال السنوات الثلاث الماضية، وحتى تاريخه لم تدفع غلاء المعيشة للمعلمين، بحجة أن القانون لم يصدر بعدد، وما زالت تهدد بزيادة الأقساط. ولم تتوقف الاتصالات السياسية حتى في يوم الاعتصام أمس في ساحة رياض الصلح، وطلب الرئيس بري من هيئة التنسيق عدم اللجوء الى خطوات تصعيدية، ومنحه مهلة حتى يوم الأحد كأبعد تقدير لإقرار السلسلة، مشيرا الى أن أي اقتراح أو مشروع يقدم الى «مجلس النواب» يجب أن تحدد كلفته ومصدر تمويله. وأرفق طلب بري بدعوة اللجان النيابية للاجتماع بعد ظهر أمس لمتابعة درس إيرادات السلسلة. وبالفعل كانت أولى نتائج اجتماعات اللجان أن أقرت في نقاشها البند 15 في السلسلة المتعلق بفرض غرامات على «الأملاك البحرية» وضرائب على شركات الأموال في البورصة. ومن نتائج الاتصالات موافقة هيئة التنسيق على وقف تصعيدها حتى صباح الاثنين المقبل، بانتظار ما ستسفر عنه اجتماعات اللجان المشتركة. وكررت الهيئة في اجتماعها بعد الظهر لتقويم الاعتصام والإضراب، الرفض الكامل لاستخدام السلسلة كشماعة لفرض الضرائب على الفقراء وأصحاب الدخل المحدود عبر إصرار البعض على زيادة الضريبة على القيمة المضافة أو عبر رفع الرسوم الجمركية على السلع الاستهلاكية، أو عبر رفع تعرفة الكهرباء، أو أي وسيلة لسد عجز الخزينة المتزايد جراء سياسات المحاصصة في الإنفاق، وتغطية تكاليف خدمة الدين العام، والهدر والفساد والصفقات والتهريب وضعف الجباية حيث تكمن موارد تمويل السلسلة. وأعلنت السير على خطين، خط الاتصالات والمفاوضات والمشاركة، وخط تصعيد التحرك، بدءًا من يوم الاثنين المقبل، «إذا لم يجرِ إقرار حقوقنا في السلسلة». «ساحة الشعب» للجميع تحوّلت ساحة رياض الصلح، إلى «ساحة الشعب»، قولا وفعلا، بعدما استقطبت كل فئات المجتمع اللبناني، وباتت متنفساً لكل مطالب بحقه من الدولة اللبنانية، بدءاً من هيئة التنسيق، ومتطوّعي الدفاع المدني، إلى المستأجرين والمالكين القدامى، غير أن حماسة الأساتذة والمعلمين في القطاعين الرسمي والخاص، ومعهم موظفو الإدارة العامة، والعاملون في الجامعة اللبنانية» كانت لافتة، في ظل المماطلة التي عرفوها لجهة عدم إقرار السلسلة، بعدما كادت «اللقمة أن تصل إلى الفم» على حد قول أحد أعضاء الهيئة، وسط مخاوف من تطيير السلسلة بحجة الدخول في موعد استحقاق انتخاب رئيس للجمهورية على قول الأمين العام لـ«نقابة المعلمين» وليد جرادي. لم تتبدل مواقف قيادات أعضاء هيئة التنسيق، برغم كل الضغوط، ووجهوا رسائل واضحة وصريحة إلى النواب، فبعد تقديم من عضو الهيئة محمد قدوح، خاطب رئيس «رابطة موظفي الإدارة العامة» محمود حيدر النواب بقوله: «كونوا عادلين مع الموظفين والمتعاقدين وأقرّوا السلسلة من دون تجزئة، واشملوا بها العاملين بالساعة المحرومين من أبسط الحقوق»، وتوجه الى الرئيس بري قائلا: «الأمل ما زال عندك، نتمنى أن تحدد جلسة تشريعية الأسبوع المقبل مخصّصة لإقرار السلسلة فقط». ونقل النقيب محفوض عن بري عبر النائب علي بزي «أنه مؤمن بحقوقنا وان أحداً ليس ضدها، وانه طلب وما زال يطلب استكمال النقاش على أساس الانتهاء من السلسلة بما يحفظ الحقوق لتحويلها الى الجلسة العامة»، داعيا بري «لنتساعد سوية لننهي هذه المسألة في مناخ من التعاون لإنهاء هذه المسألة في هذا الأسبوع». وبعدما كرر رفض التجزئة والتقسيط، لفت إلى أن «التوصية المرفوعة بتصعيد التحرك إضراباً واعتصاماً وتظاهراً وصولاً الى الإضراب العام المفتوح ومقاطعة الامتحانات الرسمية هو إنذار من أجل إقرار الحقوق بالسلسلة من دون إبطاء أو تأخير». ورد على بيانات المؤسسات التربوية ولجان الأهل فيها بسؤال: «هل الالتزام بمواعيد العام الدراسي يعني أنه لا يحق لنا بالإضراب؟»، موضحا أن الإضراب اليوم يشكل إحدى الوسائل الديموقراطية للحصول على غلاء المعيشة وإقرار السلسلة. وختم محفوض: «سنلتزم بالوعد الذي قطعه الرئيس بري وسنفضّ الاعتصام، وابتداءً من الاثنين ستعود هيئة التنسيق إلى التصعيد إذا لم تقرّ السلسلة». ودعا رئيس «رابطة أساتذة التعليم المهني والتقني والمهني» إيلي خليفة، النواب لإقرار السلسلة و«لا تتباروا في فرض الضرائب، لأننا مصرون على سلسلة عادلة». وشدد رئيس «رابطة أساتذة التعليم الثانوي» حنا غريب، على وحدة الصف، ودعا المعتصمين أن «يكونوا يداً واحدة وسننتصر بهذه المعركة». وانتقد استبعاد هيئة التنسيق من المشاركة في إعادة صياغة السلسلة و«هذا أمر مرفوض»، مؤكدا أن الهيئة تتطلع إلى اجتماع اللجان النيابية المشتركة، وتبقى اجتماعات هيئة التنسيق مفتوحة لمتابعة التطورات واتخاذ الخطوات المناسبة. وأشار الى أن الرئيس بري أكد أنّه مع إقرار الحقوق لكل القطاعات الوظيفية مهما كانت كلفتها. معتبراً أن خفض أو تجزئة السلسلة يولّد موجات من التضخم، والتقسيط يزيل فائدتها. وحذر من تكرار ما حصل في قانون الإيجارات وقانون العنف ضد المرأة، مطـــالباً بإقرار سلسلة تحفظ الحقــوق ولا تضربها. بعد ذلك، ألقيت كلمات لرولا مراد باسم العاملين في «الجامعة اللبنانية»، وعصام عزام باسم المتقاعدين، وحمزة منصور باسم المتعاقدين الثانويين. مشاركة التزمت بالإضراب مدارس بيروت الرسمية التي أقفلت أبوابها، فيما تفاوتت نسبة الإقفال في المدارس الخاصة. ونفذت توصية هيئة التنسيق المدارس الرسمية في قضاء عاليه ومنطقة المتن الأعلى، ولم تلتزم المدارس الخاصة. كذلك الأمر في صيدا، ومعظم قرى وبلدات إقليم الخروب، باستثناء مدارس الحريري والإيمان والمقاصد، إضافة الى المؤسسات المصرفية والنقابية والإدارات الرسمية. وفي طرابلس وجبيل توقفت المدارس الرسمية والخاصة و«الجامعة اللبنانية «عن الدروس، وأقفلت بعض الإدارات العامة وكهرباء لبنان في عمشيت وسنترال هاتف مدينة جبيل، وتوجه عدد من المعلمين والموظفين الى بيروت للمشاركة في الاعتصام في ساحة رياض الصلح. عماد الزغبي