قانون الايجارات الذي اقرته الهيئة النيابية العامة، في مادة وحيدة، لم ينصف المستأجر، ولم يقدم الانصاف الى المالكين القدامى. بالنسبة للفئة الأولى سيؤدي القانون المذكور الى تهجيرها وتشريد ذوي الدخلين المحدود والمتوسط، كما انه لم ينصف المالكين القدامى، الذين جرى استغلال حقوقهم والغبن اللاحق بهم، بفعل التضخم الناتج عن المضاربات العقارية والمالية. اي انه اصاب القدامى من المستأجرين، واصحاب العقارات القديمة في مناطق شعبية عديدة، وقد آلت ملكيتها الى مجموعة من الورثة. يتضمن القانون عددا من المواد تؤدي الى حالات تهجير قسري او تشريد، من اماكن العمل، اما الى الهجرة القسرية الى الخارج، او العودة الى قراهم، التي لم تنعم بالإنماء المتوازن الموعود، بسبب العجز عن دفع الزيادات التي ستطرأ على الايجارات خلال ست سنوات متتالية، ومن ثم تحرر عقود ايجاراتهم. جاء في المادة 20 من القانون ما يأتي: «يحدد بدل المثل على اساس نسبة (5%) خمسة بالمئة من القيمة البيعية للمأجور في حالاته القائمة في ما لو كان خاليا. وتسري هذه الزيادة بعد ستة اشهر من تاريخ نشر القانون في الجريدة الرسمية». زيادات خيالية! الفارق بين البدل الحالي وبدل المثل هو الزيادة التي تلحظ الحق على بدلات الايجارات الحالية. هذه الزيادة موزعة على 6 سنوات وفق نسبة 15 في المئة كل عام من الاربع سنوات الاولى وتراكميا، و20 في المئة على كل واحد من العامين الخامس والسادس. وبعملية حسابية تكون اعباء النتيجة في الفارق بين بدلين: الحالي وبدل المثل، فيما لو كان البدل الحالي 200 دولار، مثلا، وبدل المثل 3000 دولار، كما يأتي: 3000 ناقص 200 يساوي 2800 دولار، قيمة الـ 15 في المئة منها البالغة 420 دولارا، تضاف الى 200 دولار للبدل الحالي في السنة الاولى ، فيصبح بدل الايجار الحالي 620 دولاراً. وفي السنة الثانية تضاف 15 في المئة على الـ 620 دولارا ليصبح البدل 620 زائدا 420 ليصبح 1040 دولاراً، وهكذا دوليك حتى بداية السنة الربعة. اما في السنة الخامسة فيصبح البدل 2440 دولارا مضافة اليه نسبة 20 في المئة، وفي الخامسة تضاف اليه نسبة الـ 20 في المئة ليصبح بدل المثل 3000 دولار. وتتغير هذه الارقام صعودا اذا ارتفع ثمن مبيع العقارات، وقد يلجأ بعض تجار الابنية الى رفع الاسعار من اجل تحقيق الارباح على حساب الفئات المعدمة. إذ ان ثمن الشقق لم يرتفع مرة، ثم يعود الى التراجع. بعد السنوات الستة الواردة اعلاه، يمكن تمديد ثلاث سنوات للمستأجر، اذا رغب وطلب ذلك، على قاعدة بدل المثل، ويصبح العقد حرا. صندوق المساعدات ورد في المادة الثالثة انشاء صندوق خاص للإيجارات السكنية المشمولة بأحكام القانون، على ان تكون وارداته من «مساهمات سنوية من الدولة تلحظ في موازنة وزارة المالية لتغطية التزامات الصندوق، ومن الهبات والوصايا بعد موافقة مجلس الوزراء عليها. وتنزل قيمة هذه الهبات والوصايا من المبالغ المتخذة اساساً لتحديد ضريبة الدخل المتوجبة، كما ينزل من المبالغ المتخذة اساساً لتحديد رسوم الانتقال وتعفى من الرسوم المفروضة على الهبات». ويدار من قبل وزارة المالية. يستفيد من الصندوق المستأجرون ذوو الدخل المحدود والمتوسط، أي اذا كان الدخل اقل من ثلاثة اضعاف الحد الادنى للاجور. اما اذا كان الدخل اقل بـ 30 في المئة، فيساعد الصندوق بحدود هذه النسبة. بينما اذا كان الدخل اقل من مرتين للحد الادنى للاجور، الصندوق يدفع ايضا نسبة الزيادة، على ان يحتسب دخل العائلة بمجموعة مداخيل العائلة. تنتهي مدة الاستفادة من الصندوق بانتهاء السنوات التسع التي يحددها القانون. واذا اراد المستأجر إخلاء المأجور وهو من الفئات المذكورة آنفاً، يستطيع طلب المبالغ المحددة من الصندوق الى حين انتهاء المهلة، وله الحق بأن يطلب تحويل المبلغ الى اقساط عن سكن آخر، او بدل ايجار آخر. اما بالنسبة الى المالك، خلال التسع سنوات، فله ان يطلب الاسترداد لسببين: ــ عائلي مقابل تعويض يوازي ست مرات بدل المثل. ــ اما اذا كان طلب الاسترداد بهدف الهدم فيدفع تعويضا اربع سنوات بدل المثل، وهذا التعويض تحدد نسبة الاستفادة منه استنادا الى تاريخ طلب الاخلاء وتحتسب نسبة واحد على تسعة من كل سنة. في ما خص المستأجر إذا كان من ذوي المداخيل المحدودة بأقل من ثلاث مرات الحد الادنى، ورغب بالاخلاء، فلا يدفع له المالك، بل يستفيد من مساعدة الصندوق فقط عن المدة المتبقية من التسع سنوات. المستفيدون والمتضررون من القانون يستفيد من قانون الايجارات كبار المالكين باستعادة املاكهم، والشركات العقارية التي تستهدف عقارات بيروت وضواحيها، المصارف التي تملك كتلة نقدية ضخمة تفتش عن استثمارات لها. اما المتضررون من القانون، ويمكن تسميتهم ضحايا، فهم كل اصحاب المداخيل المتدنية والمتوسطة، من خلال تفريغ بيروت. والأبنية القديمة والصغيرة التي ستوضع عليها اليد، لإقامة الابراج. والعيش المشترك، او الوحدة عن طريق الفرز الطائفي والمذهبي والمناطقي والطبقي. وتسهيل هدم الابنية التراثية وتدمير ذاكرة بيروت. وبالتالي فإن القانون سيفرض تغييرات جذرية قسراً على حياة جميع عائلات المستأجرين في السكن والعمل والعلاقات والعادات، واجبارهم على اعادة تأسيس اوضاعهم من جديد في ظروف غير ملائمة من حيث السن. في المحصلة ان القانون هو مشروع تهجيري، ويشكل فضيحة في ابتداع حل ازمة سكن عبر خلق ازمة اشد، انسانية واجتماعية، بل ديموغرافية. وكانت «لجنة المتابعة للمؤتمر الوطني للمستأجرين» رفعت كتابا الى رئيس مجلس النواب نبيه بري، وصفت القانون بأنه «مشروع كارثة وطنية وانسانية»، لأنه يطال حوالي 180 الف عائلة، أي ما يقارب 800 الف موطن. عدنان حمدان - السفير