عماد الزغبي - السفير
أدى انتشار مقطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعية الثلاثاء الماضي، يظهر مدير «مدرسة ضيعة العرب المقاصدية» في الجنوب يعاقب تلاميذه بطريقة همجية غير مسؤولة، عبر «الفلق»، إلى ردود فعل مستنكرة، من جانب وزير التربية والتعليم العالي الياس بو صعب، والشؤون الاجتماعية رشيد درباس، و«جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية»، وقرارات تأديبية صارمة بحق المدير، إضافة إلى سلسلة كبيرة من التعليقات والإدانة لتصرفات عفا الزمن عليها، على مواقع التواصل الاجتماعية. ووصف «نقيب المعلمين في المدارس الخاصة» نعمه محفوض عبر «السفير» أسلوب الضرب بالمرفوض والمستنكر، واثبت أنه غير تربوي. وشدد على ضرورة إنزال اشد العقوبات بحق أي استاذ مخالف. ويظهر الفيديو المدير ويدعى (م.ض) وهو يستدعي عدداً من التلامذة ويقوم بضربهم واحدا تلو الآخر على أرجلهم، فيما التلاميذ يبكون ويرتجفون خوفا، ويتوسلونه أن يتوقف عن الضرب. روايات يروي علي وفواز لـ«السفير»، وهما اللذان ظهرا في الفيديو المسرب، أن زميلهم أحمد هو من عمد إلى تصويرهم إلى جانب ثلاثة آخرين لم يظهروا في الفيديو، للشماتة بهم بعدما رسبوا في مادة اللغة الإنكليزية، بعد نيل علي علامة عشرة على 30 وفواز 12 على 30، وبعد ذلك لا يعرفون كيف انتشر الفيديو. وينفي علي وفواز أن يكونا قد تعرضا سابقا للضرب، أو تألمهما كما ظهر في الفيديو، ويقول علي: «صرنا نبكي حتى ما يوجعنا». أما أهل التلامذة المعنفين، فلهم رأي مختلف، فقد أيدوا المدير ورفضوا أي إجراء بحقه، مع علمهم بما فعله المدير، ووصف عم التلميذ فواز ما أقدم عليه المدير، بأنه إجراء تأديبي علم به الأهل، كي يتم الضغط على التلامذة، لتحسين علاماتهم، و«سبق أن علمني المدير في المدرسة.. ونحن نعرف أهميته، ومقدرته.. مدير ناجح ومحبوب، وصارت غلطة». ويلفت إلى أن الأهل سعوا مع وفد «المقاصد» برئاسة رئيس الجمعية أمين الداعوق، لدى زيارته المدرسة صباح أمس، للتخفيف من الموضوع، وأنهم حاولوا إيجاد الأعذار للمدير، إلا أن الداعوق كان مصرّا على موقف الجمعية الرافض للعنف من أي نوع كان، وأن التدابير التي اتخذت بحق المدير لجهة صرفه من الخدمة، والادعاء عليه لدى القضاء، لن يتم التراجع عنهما مهما كانت الأسباب. ويوضح عضو الوفد ومدير مدارس المقاصد في الشمال جمال حسامي لـ«السفير»، أن قرار الجمعية واضح ولن يرضخ لأي ضغوط، حتى ولو أجمع جميع الأهل ونفذوا تهديداتهم بالإضراب دعما للمدير، فلن يتم التراجع عن القرار، فـ«سمعة المقاصد على المحك، وهي طوال 136 سنة من تاريخها، لم يُسجل فيها حادث مماثل، حتى نصل إلى مرحلة أنه بناء لطلب الأهل يتم ضرب التلامذة داخل المدرسة!». وسأل: «لماذا لم يتول الأهل تأديب أولادهم بدل تكليف المدير بذلك؟». وقال: «كرامة أي تلميذ مقاصدي هي من كرامة الجمعية ككل ولن نقبل أن تهان كرامة أحد». ويؤكد أن المدرسة ستفتح أبوابها اليوم، وأنه تم تكليف أحد المعلمين الإشراف عليها، على أن يتم في غضون يومين تعيين مدير جديد. ولم يستسلم الأهل للأمر، فعمد عدد منهم إلى التوجه للقاء وزير التربية برفقة ولديهما علي وفواز، ووضعه في صورة الحادث، في حضور الداعوق وحسامي، ورئيس مصلحة التعليم الخاص عماد الأشقر. وعلى الرغم من موقف الأهل، إلا أن الوزير لم يجد أي مبرر للمدير على فعلته. تدابير الوزارة جاءت حادثة تعنيف التلامذة، لتكشف عن تدخلات لقادة المحاور في مدرسة في طرابلس، وعن احتلال النازحين من سوريا للمدرسة الرسمية في بلدة «طفيل»، ولتعطي وزير التربية دفعا لرفع الصوت في وجه كل معلم أو مدير أو من تسول له نفسه التعرض بالعنف للتلامذة، وعقد لهذه الغاية مؤتمرا صحافيا في مكتبه في الوزارة خصصه لهذه المواضيع الحساسة، في حضور المدير العام للتربية فادي يرق، والأشقر، ومدير التعليم الابتدائي جورج داوود، ومديرة الإرشاد والتوجيه صونيا الخوري ومديرة المديرية المشتركة سلام يونس، والداعوق، والتلميذين المعنفين وأهاليهم. ولفت الوزير إلى أن الفيديو سلط الضوء ليس فقط على المدرسة بل على الموضوع المنتشر في مدارس رسمية وخاصة، لكنها المرة الأولى التي يتخذ فيها تدابير وإجراءات عقابية، لا سيما أنه صدرت تعاميم منذ العام 2008 عن المدير العام للتربية فادي يرق بضرورة الإبلاغ عن أي عنف جسدي أو نفسي، وبعد ذلك صدر تعميم في العام 2012 عن الوزير السابق حسان دياب يطلب فيه من المدارس اتخاذ التدابير الآيلة لمنع حصول الاعتداءات على التلامذة، واتخاذ الإجراءات القانونية في حال حصول اعتداء آو تعنيف. وشكر بو صعب جمعية المقاصد ممثلة برئيسها أمين الداعوق لاتخاذها إجراءات سريعة وحاسمة و«تستحق التهنئة، لأن إدارة المقاصد العريقة تربويا لا تقبل العنف ولا توافق على ما حدث فاتخذت إجراءات فورية». وقال: «اتخذنا قرارا بتسليط الضوء على القضية لكي يتم التعاطي مع الموضوع بأقصى جدية وتطبيق أقصى العقوبات، ومعاقبة المعلم المخالف، فالقانون يسمح بفصل المدير الذي يعتمد أسلوب الضرب والتعنيف». وطلب من جميع التلامذة الذين تعرضوا للتعنيف من أي نوع كان وفي أي مؤسسة تربوية، «إبلاغ ديوان المديرية العامة للتربية على الخط الساخن 01772101 أو إبلاغ مكتب الوزير على الرقم 01799766، أما في ما يتعلق بالتعليم الرسمي فإننا سنكلف التفتيش المركزي متابعة قضايا العنف في المدارس والثانويات الرسمية، وفي حال إثبات أي حالة عنف، فإن قرارنا سيكون إحالة المرتكب الى الهيئة العليا للتأديب. وكشف الوزير أن الوزارة تلقت اليوم (أمس) عددا من الشكاوى من مناطق عديدة من دون أن يحددها، وأنه كلف الإدارة التحقيق في شأنها. وفي مجال آخر، كشف الوزير انه تلقى من المدير العام للتربية مذكرتين الأولى مرسلة من مدير «مدرسة طفيل الرسمية» في البقاع يقول فيها إن النازحين من سوريا سيطروا على المدرسة وأقاموا فيها وأخرجوا منها التلامذة والأساتذة على اعتبار أن لا مكان لهم ليقيموا فيه. وأكد بو صعب أن هذا الأمر خطير جدا، موضحا أن المجتمع الدولي مقصر في معالجة قضية النازحين، ويجب أن يتضاعف التعاون مع الدولة اللبنانية. أما المذكرة الثانية، فكانت شكوى من مدير مدرسة في طرابلس تفيد أنه حضر إلى إحدى الثانويات في طرابلس عدد من قادة المحاور مع مسلحين مرافقين وشكوا أحد الأساتذة لإدارة المدرسة، معتبرين أنه لا يحسن شرح مادته للتلاميذ وهددوا باتخاذ تدابير في حال عودته للتعليم في المدرسة بعدما منعوا حضوره إلى المدرسة مجددا. ورأى الوزير أنها شريعة الغاب تسيطر في المنطقة وكشف أنه تواصل مع القيادات السياسية في طرابلس وأخذوا الموضوع على محمل الجد. وقال: «سنقوم بزيارة ميدانية إلى المنطقة لأن التلامذة هم أولادنا». وأمل من المعنيين تجنيب المدارس هذه الممارسات. وطلب من الجميع وضع مشاكلهم السياسية في مكان آخر وترك المدارس تعمل لخدمة أبناء الوطن جميعا . ونفى الوزير تعرض الأهل والتلامذة لأي ضغوط سياسية، وقال: «صحيح هناك تعاطف مع المدير، لكنه سينال عقوبته».
حرص لا إيذاء؟
أوضح مدير المدرسة م.ض. لـ«السفير» أن العمل الذي قام به «ممكن أن يكون غير مقبول تربوياً، إلا ان الهدف منه منع التلامذة من الرسوب في مادة اللغة الانكليزية مرة ثانية، وهم كانوا مقصرين بالمواد العلمية التي كنت احاسب من أجلها ولم أمارس أي عمل خارج الاطار المألوف، كل ما في الامر انني عاقبت التلاميذ كل تلميذ ثلاث قضبان وطريقة الضرب على الأرجل أفضل من اليدين، حتى لا يتأذوا». وأبدى استعداده لتحمل أي ضرر جسدي «من وراء العمل الذي قمت به وأنا مستعد أن يتم عرض التلامذة على أي طبيب وأن أتحمل كامل المسؤولية القانونية بهذا الموضوع وهؤلاء بالنهاية تلامذتي وأولادي وأسهر على تربيتهم كما أهاليهم». وتمنى على «وزير التربية والتعليم العالي أن يأخذ هذا الأمر بعين الاعتبار وأن الهدف لم يكن إيذاء التلامذة، وإنما الحرص على استمرارية المدرسة واستمرارية التلميذ ونجاحه وتأمين مستقبله وتحسين مستواه من اجل مستقبل أفضل».