انطلق «الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين» مع عدد من الاتحادات النقابية وهيئات المجتمع المدني في الإعداد لعقد «المؤتمر النقابي الأهلي المدني». الهدف هو التأسيس لحراك واسع في مواجهة «الأزمات» و«الانقسام السياسي الحاد» والتصدي للتدمير المنهجي للدولة ومؤسساتها. المؤتمر التأسيسي سينعقد تحت شعارات صون السلم الأهلي والمصالح الاجتماعية ــ الاقتصادية لغالبية المواطنين
فراس أبو مصلح
انسحب «الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين» من الاتحاد العمالي العام، إثر تواطؤ الأخير مع أصحاب العمل على إمرار التصحيح الجزئي الأخير للأجور. حاول الاتحاد الوطني العمل مع الكثير من الاتحادات العمالية المنضوية في إطار الاتحاد العمالي العام من أجل تفعيل العمل النقابي المستقل، لكن العدد الأكبر من هذه الاتحادات «ليس في وارد المواجهة»، يقول كاسترو عبدالله، رئيس الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين، الذي لم ينسَ الإشارة إلى انتهاء مدة ولاية المكتب التنفيذي للاتحاد العمالي العام منذ حزيران 2011، من دون إجراء انتخابات جديدة.
يستذكر كاسترو مشاركة الاتحاد الوطني مع قوى مدنية عدة في تحركات مطلبية متنوعة، مثل «حملة إسقاط النظام الطائفي في لبنان»، التي كان مركز الاتحاد مقراً لها، وتحركّات «هيئة التنسيق النقابية» للمطالبة بإقرار سلسلة الرتب والرواتب وانتزاع الحق بالتنظيم النقابي، وتحركات طياري الـTMA، وموظفي الـLBC المصروفين من العمل، والمياومين في مؤسسة كهرباء لبنان، وصيادي الاسماك في بيروت والجنوب. ويقول «أنشأنا أول نقابة للعاملات في الخدمة المنزلية، من لبنانيات وأجانب، ولم نتقدم بترخيص لذلك، استناداً إلى شكوى تقدم بها الاتحاد الوطني إلى منظمة العمل الدولية، يرى الاتحاد فيها أن الاتفاقيات الدولية التي يلتزم بها لبنان تضمن حق التنظيم النقابي من دون الحاجة إلى موافقة مسبقة أو لترخيص». قد يوحي كلام كاسترو عبدالله بنشاط نقابي لافت، وهو ما لا تعكسه الوقائع، إذ إن حضور الاتحاد بقي متواضعاً في كل هذه المعارك. ما قصده من هذه «الذكريات» هو التعريف باتحاده على أنه «اتحاد عام»، أي إنه ليس اتحاداً قطاعياً، وبالتالي فهو معني بالمعارك المختلفة التي تُخاض، من الزراعة إلى الإدارة العامة والجامعة الوطنية والتدريب المهني والسلم الأهلي، وكل ما يتصل بأمن المواطنين وحقوقهم ومصالحهم... و«من هنا تفرض الحاجة الموضوعية إنشاء تحالف مع قوى المجتمع المدني الحية وجمعيات الطلاب والهيئات النسائية والبيئية وتلك المختصة بمحاربة الفساد، فضلاً عن موظفي القطاع العام»، يقول عبدالله. بادر الاتحاد الوطني إلى إنشاء لجنة تحضيرية «للمؤتمر النقابي الأهلي المدني» تحت شعارات الدفاع عن السلم الأهلي ومصالح المواطنين الاجتماعية والاقتصادية، وسيُحدد تاريخ انعقاد المؤتمر في وقت قريب. يقول عبدالله إنه تم الاتفاق على «المؤازرة المتبادلة» بين الأفرقاء الداعين إلى المؤتمر، وتنظيم حملات مشتركة تحت شتى العناوين الاجتماعية والاقتصادية السالفة الذكر. هناك توجه «لتوسيع دائرة» المشاركين في الحراك، إذ ستتم دعوة محامين وأطباء وناشطين و«كل العمال والموظفين والمخلصين» لمشاركة الأطراف الرئيسية المنظمة، وأبرزها اتحادات «الوطني» وعمال البناء وعمال صناعة الأغذية وعمال البقاع، والتي انضم إليها أخيراً «الاتحاد العام للنقابات الزراعية»، إضافة إلى «اللجنة التأسيسية لنقابة موظفي القطاع العام»، ونقابة صيادي الأسماك، واتحاد الشباب الديمقراطي، و«الجبهة الطلابية»، والحركة الاجتماعية _ تيار المجتمع المدني، ولجان حقوق المرأة، وجمعية ديمقراطية الانتخابات، وغيرها من النقابات والجمعيات والهيئات. ويشدد عبدالله على حاجة الحراك إلى دعم كل هؤلاء، داعياً إياهم إلى «رفع الصوت» والمشاركة الفاعلة في الحراك. «العلاقة مع هيئة التنسيق النقابية جيدة. كنا إلى جانبهم، وسنبقى»، يقول عبد الله، واعداً بأن تكون المجموعات المكونة لهيئة التنسيق جزءاً من الحراك الذي يساهم في تنظيمه، آملاً أن يشارك هؤلاء «في إطار نقاباتهم» التي يتمنى تشكيلها في وقت قريب. يعاني «العمال والموظفون وذوو الدخل المحدود» على وجه الخصوص من «الأزمات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية المتلاحقة»، التي تتحمل مسؤوليتها «سياسات الحكومات المتعاقبة» التي «تنهب خيرات الوطن» وتتسبب بالانقسامات السياسية الحادة وتمزيق النسيج الاجتماعي، بحسب بيان «اللجنة التحضيرية للمؤتمر النقابي الأهلي المدني». تعلل اللجنة دعوتها إلى المؤتمر بـ«استمرار الطبقة الحاكمة في تآمرها على القطاعين العام والخاص»، و«ضرب الحركة النقابية والقطاعات الإنتاجية»، ما أدى إلى «انهيار البلاد بكل إداراتها ومؤسساتها الخدماتية»، وتفشي الفساد، «وشلل المؤسسات العامة، (كمقدمة) للاستيلاء على الثروة النفطية والغازية». تدعو اللجنة التحضيرية إلى «مواجهة هذا النهج الخطير، صوناً للسلم الأهلي ودفاعاً عن حقوق العمال والمستخدمين والموظفين وكافة فئات المجتمع المدني والشعب اللبناني»، عبر حشد القوى الحية في المجتمع لانتزاع الحق في الاستقرار الأمني، والمشاركة في الحياة السياسية، والحق في فرص العمل والاستقرار الوظيفي، والحق في التنظيم النقابي لكل العاملين في القطاعين العام والخاص، والحق في السكن والتغطية الاجتماعية والصحية الشاملية والتعليم الرسمي «الراقي»، والحق في «قانون مدني عصري وعادل للأحوال الشخصية، وإقرار حق المرأة اللبنانية بإعطاء الجنسية لأولادها». وتدعو اللجنة كذلك «الدولة اللبنانية» بمؤسساتها كافة إلى رعاية اللاجئين «بما يليق بإنسانيتهم وبما تنص عليه شرعة حقوق الإنسان». هدف المؤتمر بإيجاز، بحسب بيان اللجنة، «الدعوة للتحرك لإعادة بناء دولة المؤسسات والقانون، من خلال وقف الخصخصة ورفض التعاقد الوظيفي وملء الشواغر في ملاك الإدارات العامة من الأجراء والمتعاقدين والمياومين»، وإقرار سلسلة الرتب والرواتب، وشمول جميع الأجراء والموظفين بمفاعيلها. تلتقي دعوة الأطراف الممثلة في «اللجنة التحضيرية» مع دعوة هيئة التنسيق النقابية «للدفاع عن السلم الاهلي والوحدة الوطنية وتشكيل الحكومة وتسيير المؤسسات الدستورية ومعالجة الملفات الاجتماعية». وقد أعلنت هيئة التنسيق تلقّيها للعديد من الاتصالات «من اتحادات نقابية وهيئات مجتمع مدني مرحبة بهذه الدعوة ومبدية الاستعداد للمشاركة» في أي تحرك تقوم به الهيئة في هذا الإطار. ستشارك هيئة التنسيق النقابية في «المؤتمر النقابي الأهلي المدني»، فـ«لا مسارات منفصلة ما دام العنوان واحداً»، يقول عضو هيئة التنسيق حنا غريب، و«مبادرات اللجنة التحضيرية وهيئة التنسيق تصبّ في الاتجاه نفسه، وستتوحد هذه المبادرات في مسار الحراك، إن لم يكن في بداياته». غريب يفضّل توحيد جهود كافة الأطراف منذ بداية الطريق.