»
«ما تَكّس ولا تأكّس»، و«ما تخلّي الجو ولعان». هكذا ستصبح الدعايات الجديدة لمشروبات الطاقة مع الكحول، مثل «XXL» و«Buzz»، فهي ستودّع السوق اللبنانية نهائياً في موعد أقصاه حزيران المقبل. طبعاً، في حال الالتزام بتنفيذ قرار وزارتي الاقتصاد والصحّة، الذي منع استيراد وتصدير وتسويق مشروبات الطاقة الممزوجة بالكحول ابتداءً من 1/6/2014
سهى شمص - الاخبار
يتلقّى كريم (21 سنة) الخبر بصدمة، كونه من مستهلكي مشروب الطاقة الممزوج بالكحول. ردّ فعله السريع، عندما سمع بقرار منع تسويقه في لبنان اعتباراً من أول حزيران المقبل، كان تلك العبارة المشهورة: «شو وقفت علينا، هلق صارت صحتنا بتهمهم». طبعاً لا يعي كريم المخاطر الصحية الناتجة من استهلاكه لهذا المشروب، فهو، كسائر المستهلكين، خضعوا طيلة الفترة الماضية لدعاية مركّزة عن مزايا هذا المشروب وقدرته السحرية على تنشيط وظائف الجسد والدماغ والجنس، من دون أي تحذير من المخاطر. لن يكون المستهلكون راضين في ظل تشجيعهم على نمط استهلاكي من دون أي ضوابط، تماماً كمعارضة معظم المدخنين لتطبيق قانون منع التدخين في الأماكن العامة المغلقة.
صحيح أن غالبيتهم يشعرون بعوارض ما يحصل بعد تناول المشروب المكوّن من الكافيين والكحول؛ إلا أن إدراكهم للمخاطر بقي مضعضعاً في ظل الرسائل الإيجابية التي تناولها الإعلان بكثافة. بحسب الأسباب الموجبة لقرار المنع، لهذا المشروب مفعولان: الأول بعد دخول كمية منه إلى جسم المستهلك، فيصبح المستهلك في حالة نشاط. أما الثاني، فهي يحصل بعد انتهاء مفعول كمية الكافيين، واستمرار مفعول الكحول في الدم، وعندها يصبح الجسد، فجأة، في حالة ارتخاء. وهذا التقلّب السريع يترك آثاراً خطيرة. «لمّا الجو يكون ولعان ممنوع إنت تنطفي». عبارة ردّدها كثيرون لا يرغبون بالوقوع في حالة «انطفاء»، لكن ما يحصل في الواقع هو مختلف. فبحسب الدراسات الصحية العالمية، إن منبّه «الكافيين» الموجود ضمن تركيبة مشروبات الطاقة والممزوج مع الكحول، بنسب عالية، يجبر الدّماغ على البقاء في حالة وعي ونشاط بعد أن يسرّع نبضات القلب. لكن وجود المكوّن الثاني ضمن التركيبة، أي «الكحول» و«التورين» بنسبة تتراوح بين 10% و40%، يمنح الجسم شعوراً كاذباً باليقظة. ووفق الاختصاصي في أمراض القلب الدكتور هيثم سرحان، فإن هذا الخليط يعطي المستهلك شعوراً بالنشاط يدفعه إلى شرب كميات أكبر، من دون معرفة تأثير المخدّر. أما مزج هذه المشروبات مع العصير فإنه يخفّف من الطعم الحادّ للكحول، ما يزيد وتيرة الشرب بسرعة وبكميات أكبر ... لكن تأثير الكافيين يختفي قبل انتهاء تأثير الكحول، فيشعر الجسم، فجأة، بالتعب ويدخل في حالة السكر التام. وفي الواقع، إن الشعور بالنشاط الناجم عن احتساء هذا المشروب يدفع المستهلك إلى ممارسة نشاطات عادية كالذهاب إلى العمل أو الجامعة أو قيادة السيارة وسواها، من دون أن يعلم في أي لحظة سيختفي مفعول الكافيين في الجسم، ما يؤدي إلى ضعف في التركيز وتشتّت الانتباه وارتفاع احتمال وقوع حادث، سواء حادث سير أو غيره. وفي بعض الحالات، إن هذا النوع من المشروبات يؤدي إلى أزمات قلبية مفاجئة نظراً إلى كونه «يزيد تسارع ضربات القلب ويرفع ضغط الدم، مسبباً ألماً في الرأس، وبالتالي يزيد احتمالات حصول أزمات قلبية وحالات موت مفاجئ نتيجة توقف القلب» يقول سرحان. وبالإضافة إلى ذلك، هناك تداعيات إضافية لهذه المشروبات، فهي «تحتوي على مادة الغلوكوز الذي يرفع نسبة السكر في الدم ويزيد إفراز الأنسولين، ما يزيد احتمالات الإصابة بالسكري. أما كمية الكحول التي تدخل إلى الجسم، فتؤثر تأثيراً مباشراً على الكبد ويصبح كسولاً، ثم تؤدي إلى تلف في الدماغ، فيما يهيّج الأعصاب ويسبب خسارة كبيرة وسريعة للسّوائل في الجسد». بسبب هذا الدراسات، قرّر المجلس الوطني لحماية المستهلك منع هذا المشروب. قراره جاء على ثلاث مراحل؛ الأولى كانت في 19 كانون الثاني 2012 وبموجبها منع الاستيراد، والثانية صدرت في حزيران 2012 وهي مرحلة تحديد نسبة الكافيين في العبوة الواحدة. أما الثالثة التي صدرت أخيراً، فقد جاءت لتمنع الاستيراد والتصدير والبيع. تعدّد المراحل سببه وجود لوبي تجاري يضغط على وزارتي الاقتصاد والصحة لمنع مثل هذا القرار. تجار ومصنّعو هذه المشروبات كانوا يضغطون في اتجاه إقفال الأبواب على مثل هذه القرارات. وفي اجتماعات المجلس الوطني لحماية المستهلك، عُرضت تقارير ومعلومات عن هذه المشروبات في بلدان العالم. تبيّن أن كندا، فرنسا، أوستراليا، الدنمارك، النروج، ماليزيا، تايلندا، وأكثر من نصف الولايات في الولايات المتحّدة الأميركيّة تمنع أيضاً مشروبات الطاقة الممزوجة مع الكحول. واللافت أن مستهلكي هذه المشروبات في لبنان هم من فئة الشباب، ولا سيما المراهقين بينهم، وذلك رغم أن وزارة الداخلية أصدرت تعميماً منذ عامين يمنع بيعها لمن هم دون الـ 18 عاماً. ويمثّل انتخاب «xxl» منتج العام في لبنان في 2012، دليلاً واضحاً على مدى انتشار المشروب. الأسوأ انتشاره بين طلاب المدارس والجامعات وسائقي الحافلات أيضاً. فعلى سبيل المثال، يعترف جاد (19 عاماً) بأنه بدأ يستهلك هذه المشروبات من سنّ الخامسة عشرة، وهو يفضّلها عن باقي المشروبات الروحيّة لأن «سعرها أرخص بكثير وطعمها لا يتضمن مرارة الكحول». وفي رأي جاد أن هذه المشروبات ليس لها تأثير صحّي «إلّا إذا أفرطت في تناولها فتسبب صداعاً خفيفاً». مصنعو ومستوردو مشروبات الطاقة مع الكحول يحضّرون لردّة فعل «عنيفة». ففي اتصال مع «الاخبار»، توعّد أكرم قساطلي، صاحب شركة قساطلي شتورة المنتجة لمشروب «Buzz»، بتحركات لمنع تنفيذ القرار الصادر أخيراً عن وزارتي الصحة والاقتصاد. يذهب قساطلي في اتجاه «رفع دعوى قضائية أمام شورى الدولة لأن القرار مجحف بحقنا، فنحن اتفقنا مع الدولة في عام 2012 على معايير معينة لإنتاج هذا المشروب وقمنا باستثمارات واسعة في هذا المجال، واتخاذ قرار كهذا سيكلفنا خسائر فادحة وسيدفعنا إلى صرف عمالنا وموظفينا وتشريد 250 عائلة. هل تريد الدولة إفلاس الصناعة الوطنيّة؟». وبحسب الدراسات التي أجراها بعض منتجي مشروبات الطاقة الممزوجة بالكافيين، فإن شركة قساطلي شتورة تستحوذ على ثلث الإنتاج المحلّي، فيما تتقاسم شركتان محليتان النسبة الباقية. أما القدرة الاستهلاكية الإجمالية في لبنان، فهي تبلغ 700 ألف صندوق سنوياً، ثمنها الإجمالي 20 مليون دولار. وبحسب قساطلي، فإن لبنان يصدّر إنتاجه لدول مثل سوريا والعراق وبعض دول أفريقيا. قساطلي، مثلاً، تصدّر نحو 30% من إنتاجها إلى الخارج. وتؤكد مصادر وزارة الاقتصاد أن المنتجين حاولوا التأثير على وزير الاقتصاد نقولا نحاس، لكنه أصرّ على موقفه. وتقول المصادر إن الدولة «تشجّع الإنتاج الوطني، لكن ليس على حساب صحّة مواطنيها. فقد تبيّن أن الكثير من حوادث السير في لبنان ناجمة عن تناول هذا المشروب بالذات. القرار اتخذ بناءً على دراسات علميّة تقدّمت بها لجنة المتممات الغذائيّة لاقتراح منع المشروب، وبعد نقاش طويل في المجلس الوطني لحماية المستهلك».