نزل معلمون وموظفون إلى الشارع ليصرخوا فحسب. في بيروت أمام وزارة التربية وفي سرايا طرابلس وبعبدا والهرمل وبعلبك وزحلة وجب جنين. حاولوا نفي علاقة اعتصاماتهم بإضراب أصحاب العمل والرساميل، إلا أن الخطابات والمواقف لم تكن موحّدة في هذا الشأن. يمكن القول إن الانقسامات السياسية بدأت تهزّ وحدة المعلمين
فاتن الحاج
يتهامس المشاركون في اعتصام هيئة التنسيق بشأن أفق حراك السلم الأهلي. لا يقوى هؤلاء على إخفاء إحباطهم من نتائج معركة سلسلة الرواتب، ولا يخفون خشيتهم من تكرار السيناريو نفسه مع العنوان الجديد.لا يستطيعون أيضاً تجاهل الخوف المتسلل إلى نفوسهم من الوضع السياسي العام والحرب القادمة «ما في شي إلو قيمة لأنو ما منعرف شو رح يصير بكرا». ومع ذلك حضروا «فقط لأنو ما فينا نعمل شي إلا نصرّخ». ماذا عن هيئة التنسيق؟ هل تراهن على أبعد من الصراخ؟ الهيئة وسّعت فجأة عنوان حراكها ليطال جمهوراً أوسع من قواعد المعلمين والموظفين وباتت تتحدث عن «فرصة وطنية ذات بعد سياسي في وجه الفراغ وعن فرصة اجتماعية منظمة يتوحد حولها الشعب اللبناني في وجه كل مؤامرات الفتن والتفجير، وخصوصاً في هذا الظرف السياسي بالذات». بالنسبة إلى بعض مكوناتها «الأزمة أكثر من قصة تشكيل حكومة ونقطة على السطر». مقابل ذلك، ثمة من يطالب الهيئة بعدم تغييب الفاعل في المعركة المقبلة. يرى هؤلاء أنّ مسببي الاحتراب الداخلي والتحريض المذهبي والطائفي معروفون ويجب أن يصوّب الحراك باتجاههم لتحميلهم المسؤولية. لا يتردد كثيرون في القول إنّ «كل القوى السياسية من دون استثناء أوصلتنا إلى هذا الانهيار الأمني والسياسي والمعيشي». فهل وضعت الهيئة فعلاً خطة جديدة للحراك الجديد؟ وهل الشعب اللبناني جاهز أصلاً لمعركة مماثلة؟ الجواب عن هذا السؤال ليس بسيطاً ما دامت مكونات هيئة التنسيق نفسها لا تخوض الحراك بالسقف نفسه. ثمة اختلافات بينها في المقاربات وهناك من لديه حسابات أخرى مثل نقابة المعلمين في المدارس الخاصة. يرفع رئيس النقابة نعمه محفوض عنوان تشكيل الحكومة أولاً. ويقول عضو المجلس التنفيذي مجيد العيلي لـ«الأخبار» إننا «لا نستطيع أن نتكلم بالنفَس نفسه الذي يتكلم به حنا غريب، فهو يرفع السقف كثيراً في وقت نسعى فيه نحن إلى تنظيم الخلافات مع اتحاد المؤسسات التربوية الخاصة ولجان الأهل، وقد شكلنا لجنة ثلاثية لدراسة سلسلة الرواتب والأقساط حتى نتجنب الإشكالات التي حصلت في السنة الماضية، فلا نكررها في السنة الحالية». يستفز العيلي أن يتناول غريب البطريرك بشارة الراعي في كلامه «فالنقابة هي المخولة فقط أن ترد لكونها المعنية بصورة مباشرة بالموضوع». ويلفت إلى أنّ «ما قاله الراعي ينقصه بعض التوضيحات والمعلومات، وقد طلبنا موعداً منه لتوضيح النقاط التي أثارها ووضع الحقائق في هذه القضايا». وقد جمع الأمين العام للنقابة وليد جرادي من صيدا معلمي المدارس الخاصة في مقر النقابة هناك ليركز على السلم الأهلي والوحدة الوطنية والإسراع في تشكيل حكومة تدير شؤون البلاد والعباد وتبعد شبح الانهيار الاقتصادي. يذكر أنّ المعلمين والموظفين لم يعتصموا في سرايا صيدا بسبب الإجراءات الأمنية المشددة. بمعنى ما، بدت هيئة التنسيق النقابية أمس هيئات مختلفة، بعضها استسهل رفع مطلب «الخصوم»، هيئات أصحاب العمل والرساميل، وبعضها يريد مراعاة القوى السياسية وانقساماتها، وحنّا غريب القائد النقابي الذي يريد أن يرسم دوراً رائداً لهيئة التنسيق كشريك في إعادة صياغة مواقف المجتمع اللبناني. غريب على الأقل يصدّق بأن القرار يجب أن يكون بيد الشعب، ويدعوه إلى عدم الرهان على من هم فوق على قاعدة أن فاقد الشيء لا يعطيه. يؤلمه أن «تكون الناس متروكة من دون غطاء أمني وسياسي ومعيشي... وحتى صحي بعدما توقف وزير المال محمد الصفدي عن تمويل تعاونية موظفي الدولة». يمهل غريب الصفدي أسبوعين ليس أكثر، لتحويل المال للتعاونية و«إلا سننفذ مزيداً من الاعتصامات لتوفير التغطية الصحية لكل اللبنانيين». يسارع الرجل إلى التأكيد أن «لا علاقة لتحرك هيئة التنسيق بحيتان المال»، داعياً هؤلاء إلى تغيير موقفهم الرافض للسلسلة «التي هي جزء من السلم الأهلي، ومن الدفاع عن الوحدة الوطنية». بل يقول إن «الهيئات الاقتصادية وقفت ضد الوحدة الوطنية عندما وقفت ضد السلسلة التي وحّدت اللبنانيين، ومن يقف ضد السلسلة يقسم اللبنانيين ويمرر الفتنة». يذهب غريب إلى حد «دعوة كل الشعب اللبناني للنزول إلى الساحات ونصرة قضية الوطن في وجه الفتن والانقسامات والإفقار والفراغ والشلل الذي يدب في كل مؤسسات الدولة». فهل يستجيب الشعب، أم أنّ الدعوة ستدور هي الأخرى في الفراغ؟ ثم، هل هذه أجندة هيئة التنسيق فعلياً وهي التي اضطرت إلى القبول بوضع مطالبها المباشرة في مرتبة ثانية؟ في المقلب الآخر قد يكمن الجواب، كان نقيب المعلمين في المدارس الخاصة يقول كلاماً مختلفاً عن غريب في اعتصام السرايا الحكومية في طرابلس، أعلن محفوض أنّ «هيئة التنسيق النقابية ستتخذ خطوات سريعة وفاعلة بالتنسيق مع الهيئات الاقتصادية في حال لم يع المسؤولون دقة المرحلة»، مشيراً بوضوح إلى أنّ «الاعتصام هو للضغط على المسؤولين لتشكيل الحكومة والتنازل عن حصصهم ومصالحهم الشخصية والتناتش في ما بينهم على الوزارات والمراكز المهمة في الدولة». مسؤول الدراسات في رابطة التعليم الأساسي الرسمي عدنان برجي يعوّل هو الآخر على الشعب «الذي أثبت أنّه مع السلم الأهلي وموحد ضد الطبقة السياسية التي أفلست البلد سياسياً واجتماعياً». ويقول: «نعتصم لنقر بأنّ هروب الطبقة السياسية من المشكلة يزيدها، وإذا أرادت الاستقرار والإنماء الاقتصادي والاجتماعي فيجب أن تنتبه لصوت الناس ومطالبهم، أما ما تطالب به الهيئات فهو مطلب حق يراد به باطل، فهي تريد حكومة لتنفذ لها مشاريعها». أما رئيس رابطة موظفي الإدارة العامة محمود حيدر، فيطالب القوى السياسية بأن تلتقي وتتحاور وتتناقش لتتلاقى على حد أدنى يحفظ الأمن والاستقرار في البلد، وحكومة تهتم بالقضايا المعيشية والمطلبية للناس وفي مقدمها الإسراع في إقرار السلسلة». على أي حال، لم تقتصر المواقف في اعتصامات هيئة التنسيق النقابية أمس على السلم الأهلي، بل قصد حنّا غريب أن يستغل الفرصة لمعاتبة البطريرك الراعي. قال: «يرى سيدنا البطريرك أنّ سلسلة الرواتب تؤدي إلى التعثر في المدارس، وتضغط على الأهالي بعدما وصلته معطيات غير صحيحة. أكيد هو لا يقبل أن يكون راتب المعلم (640 ألف ليرة) أقل من الحد الأدنى للأجور (675 ألف ليرة). أكيد أنّه لو يعرف أنّ معلمي المدارس الخاصة لم يقبضوا غلاء المعيشة لما صرّح بما صرّح به. وهل لنا أن نفهم لماذا يرفعون الأقساط المدرسية ولم يدفعوا للمعلمين؟ يجب على الأهالي ألا يدفعوا الزيادة على الأقساط، لأن المدارس لم تدفع للمعلمين. ما يرهق الناس ليس الرواتب بل هذه الزيادات العشوائية في الأقساط».