(إلى بشير ع.) حقّق شاطبو المذهب من سجلات النفوس انجازا محدودا في زواج خلود سكرية ونضال درويش مدنيّا على الأراضي اللبنانية. كانت المعركة قاسية وبطيئة وغير شعبيّة، وسط سيطرة الثقافة المذهبيّة، لكنّها أنجزت هدفها المباشر. والأهم من ذلك أنّها أعدّت أطروحتها القانونيّة. ولم يسبق لأيديولوجيا النظام الطائفي أن جُوبهت بأطروحة قانونيّة مدنيّة لا مذهبيّة نبيهة ومتينة واستطاعت استدراجه، ولو بشكل محدود، إلى حياة المواطن وحقوقه وحرّيته في الاختيار. وقد حصل ذلك في ظل سيادة السياسة المذهبيّة واستنفارها. وهذا إنجاز في ذاته. ولم يكن ليتحقّق لولا شطب المذهب من سجلات النفوس. فهنا مربط الفرس: شطب المذهب من سجلات النفوس. ومن هنا البداية، لا للتوجّه نحو دولة مدنيّة ديموقراطية فحسب، وإنّما أيضاً لحريّة المواطنين، بما في ذلك المذهبيّون. فالمذهبي يكون أصدق إذا اختار مذهبه، والأصح إذا اختار دينه، حتى لو اختار، بمعزل عن سجل نفوسه، الدين الذي ولد هو وسلالته عليه. لكنّه يكون قد اختار، وخاض تجربة الحريّة المفقودة في ثقافتنا الدينيّة والسياسيّة والاجتماعية... والفردية. إزاء ذلك، تبدو حملة شطب المذهب من سجلات النفوس، التي تتحضّر لمرحلة جديدة، بحاجة إلى إبداع في أساليب شرح مضمونها وإيصال ذلك إلى المواطنين. فطغيان الثقافة المذهبيّة حال حتى الساعة دون تظهير معنى الحملة والعمليّة قانونيّاً. واستند ذلك إلى التخويف منها، وإلى الخوف الكامن في «نفوس» المواطنين من أبعاد شطب المذهب و«عواقبه»، لا سيما في ظل الانقسام المذهبي الذي يدفع كثيرين إلى توهّم الحماية والمنفعة المذهبيّتين. ولا يعفي هذا الحملة والمدنيين والقانونيين والمشرعين والمواطنين، من توضيح الأبعاد والعمل لتجاوز الشوائب والثغرات التي تعتري القانون، وكأنّها أُبقيت لتخويف المواطنين وجعل من يقدم على شطب المذهب مغامراً يدفع الثمن... وحيداً.
حسان الزين