فشلت محاولات ضرب الحريات النقابية بالضغط على مطرانية بيروت للروم الأرثوذكس لصرف حنا غريب من ثانوية مار الياس بطينا الخاصة. فالقائد النقابي يعود اليوم إلى طلابه، بعد اتصال تلقاه أمس من مدير الثانوية يقول له فيه «نحن بانتظارك». وكانت البلاد قد ضجت في اليومين الأخيرين بخبر تعيين بديل دائم منه بحجة اختفائه شهراً ونيّف وعدم إعلام الإدارة بتغيبه. أما راتب الرجل فحجز في المدرسة ولم ينزل في المصرف كالعادة
فاتن الحاجليست القضية صرفاً تعسفياً بقدر ما هي انتقام من رمز نقابي ذنبه أنّه خرج إلى الشارع لحماية حقوق الناس. هذا ما قاله رفاق حنا غريب في ساحات النضال فور انتشار خبر الاستغناء عن خدماته في ثانوية مار الياس بطينا الخاصة. لكن إدارة الثانوية لم تتأخر في الاتصال بالقائد النقابي لتدعوه مجدداً إلى العودة إلى الصف بعدما ضجت البلاد في اليومين الأخيرين بالخبر.
لم يقرأ النقابيون السيناريو خارج إطار الهجمة المنظمة التي شنّتها الهيئات الاقتصادية واتحاد المؤسسات التربوية الخاصة ضد هيئة التنسيق النقابية منذ بدء معركتها المفتوحة من أجل انتزاع سلسلة رتب ورواتب جديدة.لا ينفصل القرار، برأيهم، عن هذا السياق، «فالمشكلة ليست بين أستاذ وإدارة مدرسة خاصة، بل بين رمز نقابي ومرجعيات اقتصادية وسياسية ودينية عليا تريد كسر رأس هيئة التنسيق على قاعدة: إذا كان رأس الحركة النقابية لا يستطيع أن يحمي نفسه فكيف سيحمي المعلمين؟». ببساطة، يرى النقابيون «أن أصحاب المدارس الخاصة يريدون توجيه ضربة لحراك استطاع أن يفك أسر ضغوط يمارسها هؤلاء على الأساتذة في لقمة عيشهم. يرغبون في ضرب الحريات النقابية في الصميم».الثابت أنّه ليس هناك كتاب رسمي بصرف غريب من الثانوية. لكن ماذا حدث فعلاً خلال المكالمة الهاتفية الأولى التي أجراها النقابي بمدير الثانوية ميشال بيطار، ليل 24ــ25 من الشهر الماضي، أي بعيد تعليق الإضراب المفتوح لهيئة التنسيق، بغية التشاور معه بشأن استئناف التدريس؟تقول مصادر مطلعة على الحكاية إنّ بيطار أبلغ القائد النقابي، بعد شكره على جهوده بانتزاع سلسلة الرتب والرواتب، قرار الاستغناء عن خدماته. تنقل المصادر ما حصل عندما سأل غريب المدير: «شو بدنا نعمل؟»، فأجابه الأخير: «ما في ضرورة تجي لأننا أمنّا أستاذة جديدة كبديل دائم وعليك خير للسنة الجايي». انتظر الرجل تسلّم كتاب رسمي في هذا الشأن، لكن ذلك لم يحصل قبل 30 الشهر الماضي، أي موعد قبض الراتب الشهري. بل إنّ المفارقة أنّ غريب لم يعثر على راتبه في المصرف بعد 20 عاماً من التعليم نسج خلالها علاقات متينة مع إدارة الثانوية وقدم فيها الكثير من التضحيات، على حد تعبير المصادر. أضافت الأخيرة: «لا أحد في لبنان لا يعرف أين كان حنا غريب خلال هذه الفترة. فهو خرج إلى الشارع ليحمي حقوق المعلمين في المدارس الرسمية والخاصة على حد سواء».أما بيطار، فيروي لـ«الأخبار» تفاصيل أخرى عن مضمون المكالمة. يقول إنه هنّأ غريب على الإنجاز الذي حققته هيئة التنسيق للمعلمين. ويقرّ بأنه قال له «صحيح أننا أمّنا أستاذة بديلة، لكننا ننتظر منك الحضور إلى الثانوية للتفاهم بشأن أيام الغياب منذ 19 شباط، لكن غريب لم يأت على دوامه، الأربعاء الماضي، أي في 27 شباط، مع العلم بأننا كنا ننتظره ولم نستغن عنه أبداً». نسأل: ماذا عن قطع الراتب الشهري؟ يجيب: «نحن لم نقطع الراتب، وهو موجود في الثانوية، وكان باستطاعته أن يحضر ويأخذه في أي وقت». يعني محجوز؟! يلفت بيطار إلى أنّ مثل هذه القضية لا تعالج على الهاتف، ولم تكن تحتاج إلى كل هذا السجال الإعلامي، «وكنت أتمنى أن أُسأل عن الموضوع قبل إثارته هنا وهناك، وخصوصاً أنّه ليس هناك كتاب رسمي بأي إجراء بحق الرجل».وفيما يشير نقيب المعلمين نعمة محفوض إلى أنّه هو من توسط لدى بيطار لعودة غريب، علمت «الأخبار» أنّ بريد مطرانية بيروت للروم الأرثوذكس التي تنتمي إليها ثانوية مار الياس بطينا غصّ في اليومين الأخيرين بمطالبات فعاليات دينية أرثوذكسية متضامنة مع غريب بالعودة عن قرار الصرف. أما محفوض فيعلق: «غيمة صيف ومرت، ولا أحد يستطيع في هذا البلد أن يدق بقائد نقابي. لذا تم استدراك الموضوع». لكن نقيب المعلمين كان قد وصف، قبيل اتصال بيطار بغريب، الإجراء بأنّه «لا يمت إلى الأخلاق وإلى الوطنية بأي صلة، إذ ليس مقبولاً أن يكافأ من ضحّى في سبيل البلد على هذا النحو». ولفت إلى أن نقابة المعلمين طلبت من محاميها الوزير زياد بارود تسلّم القضية والدفاع عن غريب، إذ كان مقرراً أن يذهب الأخير إلى كاتب عدل صباح اليوم لتوكيل بارود، على أن تعقد هيئة التنسيق اجتماعاً، عند الرابعة من بعد الظهر، لاتخاذ موقف من قرار الصرف. لكن اتصال بيطار ألغى كل هذه الخطوات النقابية والقانونية.إلى ذلك، تدفقت التعليقات التضامنية مع غريب على مواقع التواصل الاجتماعي فوز انتشار الخبر، فيما لم يثر الرجل نفسه القضية، رغم مرور أكثر من أسبوع على المكالمة الهاتفية الأولى.لكن هيئة التنسيق ستكون بالمرصاد لأي إجراء من هذا القبيل، ولن تسكت عن الانتقام، بل ستستخدم، بحسب رئيس رابطة موظفي الإدارة العامة محمود حيدر، كل وسائل الضغط كي لا يتحول ما حصل إلى سابقة بحق أي معلم أو موظف. ويلوّح بأنّ الهيئة، كما فعلت مع الوزراء والمديرين العامين الذين حاولوا أن يتخذوا إجراءات بحق بعض الموظفين المشاركين في الإضراب المفتوح، ستشهّر بأي شخص أو جهة تتعرض لحقوق يكفلها الدستور. أما رئيس رابطة أساتذة التعليم المهني والتقني إيلي خليفة، فرفض مثل هذا القرار جملة وتفصيلاً، مؤكداً أهمية حماية النقابيين. من جهته، رأى رئيس رابطة التعليم الأساسي الرسمي محمود أيوب أنّ الإضراب حق ديموقراطي مكفول في الدستور، ولن «نقبل بمثل هذا القرار وبمحاسبة أي نقابي».كذلك استنكرت «مصلحة العمال والموظفين» في القوات اللبنانية في بيان أصدرته أمس قرار الفصل لكون المدة التي تغيّب خلالها غريب عن مدرسته كانت مشمولة بإضراب هيئة التنسيق، لذا فغيابه عن العمل حق مشروع يكفله القانون. من هنا، فقرار الفصل هذا هو ضرب للحركة النقابية برمتها، التعليمية بشكل خاص والعماليّة بشكل عام.
الثلاثاء ٢ نيسان ٢٠١٣