في مقابلة نشرها موقع «الحوار المتمدن» مع المفكر الشيوعي المصري سمير أمين، ونشرها أول من أمس، لخّص الأخير رؤيته للوضع في مصر في الذكرى الثانية للثورة، ورأى أن الإخوان المسلمين ليسوا حزباً إسلامياً، بل حزب يميني رجعي يستغل الإسلام لمصالحه البراغماتية المباشرة. الحوار، الذي أجري في نهاية العام الماضي، حمل إشارات لما هو قادم من صدامات وتفاعلات اجتماعية بحكم عدم قدرة الإخوان المسلمين على تحقيق التغيير الذي خرجت من أجله الجماهير منذ الخامس والعشرين من كانون الثاني 2011. وفي ما يأتي نص الحوار الذي تعيد نشره «الأخبار»:
■ بداية كيف ترى ما يحدث في مصر الآن؟
- لست متشائماً مما يحدث في مصر، ولكني أيضاً لا أحمل أوهاماً أسطورية عن الثورة المصرية، فالثورة حتى الآن لم تنجز شيئاً، لأن التجربة تثبت أن النظام لم يتغير، وعملية إفقار الشعب المصري لا تزال مستمرة، والنضال أيضاً مستمر عبر التظاهرات والاحتجاجات الاجتماعية.
وأعتقد أننا ما زلنا عموماً واقعين تحت أوهام الصندوق، وسيستمر هذا لفترة قصيرة؛ فالناس بدأوا يدركون أن الإخوان لن يغيروا شيئاً. والحقيقة المهمة التي تأكدت منذ الخامس والعشرين من يناير 2011 أن الشعب المصري شجاع، ولن يخاف من إشعال انتفاضة ثانية وثالثة، وهذا ما سيحدث باعتقادي وبشيء أكثر من الوعي حول البديل المطلوب.
■ ماذا تقصد بـ«أوهام الصندوق»؟
- الحركات الجماهيرية عادة ما تبدأ بأقلية، لكن تلك الأقلية قادرة على أن تجرّ الأغلبية، والتجربة المصرية في يناير وفبراير 2011 ما زالت ماثلة امام أعيننا، فالتحرك بدأ بأعداد قليلة مقارنة بعدد سكان مصر، ثم ظل يتزايد إلى أن وصل إلى نحو خمسة عشر مليون متظاهر في عموم القطر المصري.
لكن كما نعرف من التاريخ، تحتاج هذه الأقلية المتحركة إلى فترة زمنية من أجل بلورة تنظيماتها المستقلة ومشروعها البديل، وقدرات على بناء تحالفات وأهداف استراتيجية، وهذا يحتاج إلى وقت يمتد إلى سنوات، وفي مثل هذه الحالة تصبح الانتخابات السريعة هي الوسيلة لوقف تلك الحركة. وقد أعلن الرئيس الأميركي باراك أوباما هذا المشروع خلال الايام الأخيرة لحسني مبارك، حيث قال إن مصر تحتاج إلى فترة انتقالية قصيرة تنتهي بانتخابات تأتي بنظام شرعي، حيث إن الشرعية الوحيدة هي القادمة من الصندوق. وهذا يعني كسر قدرة الأقلية على سحب الأغلبية، ومن ناحية أخرى اللعب بالأغلبية الضعيفة الهشّة غير المسيّسة عبر من يستطيع أن يسيطر عليها.
ونُفِّذت هذه الخطة بنجاح، عبر استفتاء آذار 2011 ثم الانتخابات البرلمانية وبعدها الرئاسية، وبالتالي امتلك النظام الحالي شبه شرعية، وهي الشرعية الوحيدة التي تعترف بها الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة. ولكن السؤال: هل يعتبر الشعب المصري أن الصندوق هو المصدر الوحيد للشرعية؟ أعتقد أن الإجابة بالنفي. فالجماهير الشعبية بالمعنى الواسع في مصر، تدرك الآن أن الحركة لها شرعية تكتسبها من اهدافها مثل دمقرطة المجتمع، وإعطاء بعد اجتماعي للإصلاح، وبعد وطني عبر عودة شرف مصر، وإقامة دولة جديدة قادرة على ان تكون فاعلة في محيطها الداخلي والخارجي. وهدف المشروع الاميركي الاسرائيلي الخليجي المشترك تحطيم امكانيات بزوغ هذا المشروع. لتبقى مصر – كما هي منذ فترة طويلة – دولة منحطة وكما ستسمر كذلك لفترة في المستقبل القريب.
لذا، فالصندوق ليس مصدر الشرعية الوحيد، ومن ناحية أخرى مصدر قوة الإخوان هو فقر الجماهير والإفقار المستمر لهم عبر عمليات الإحسان الذي يرافقه خطاب إسلاموي، وهكذا يمكنهم الحصول على أصوات هذه الطبقات الفقيرة. إذن الإخوان لهم مصلحة موضوعية في استمرار سياسات الإفقار. وحديثهم عن العدالة الاجتماعية لا يعني في قاموسهم سوى الإحسان، ويسمحون بالإثراء الفاحش وتراكم الثروات عبر تأويلات خاصة بهم للآيات القرآنية.
وتساعدهم الأموال الخليجية في تثبيت مشروعهم، حيث تتولى قطر تمويل الإخوان والسعودية تمويل السلفيين تحت رعاية الولايات المتحدة الراعي الرسمي لتنفيذ هذا المخطط.
■ بالنسبة إليك، إلى أين يذهب الإخوان بمصر؟
- كتبت منذ فبراير 2011 أن السيناريو الأميركي للحالة المصرية هو أقرب للسيناريو الباكستاني، حيث يوجد برلمان بأغلبية إسلاموية على النمط الباكستاني، ومن ورائه مؤسسة عسكرية إسلامية هي الأخرى، من أجل تنفيذ المشروع الأميركي.
وتكفي المقارنة بين الهند وباكستان لنتعرف إلى نتيجة سيطرة الاسلام السياسي؛ فباكستان قبل 1948 لم تكن أفقر من الهند، بل على العكس كانت تضم مناطق من أغنى الأراضي في شبه الجزيرة الهندية، لكن اليوم استطاعت الهند – مع كل ملاحظاتي على النموذج الهندي – تحقيق تطور هائل بفضل العلمانية والديموقراطية.
نموذج آخر لحكم الإسلاميين في الصومال أدى إلى تحطيم الدولة بالأساس. الآن لا توجد دولة في الصومال، بل توجد مراكز قوى وصلت طبقاً لبعض الدراسات إلى 35 دويلة في الصومال الآن.
النموذج الثالث لحكم الإسلاميين هو السودان، عبر ومن بعد سياسات حسن الترابي، فقد انفصل ثلث السودان الجنوبي، رغم ان اهداف جيش التحرير الجنوبي منذ البداية لم تكن الانفصال ولكن دولة علمانية ديموقراطية لجميع السودانيين، والآن يأتي الدور على الغرب السوداني – الذي يقطنه مسلمون بالمناسبة – أي نحن أمام حالة جديدة من تفكك الدولة في السودان.
■ ولماذا تساند الولايات المتحدة هذا السيناريو؟
- الهدف الرئيسي لاستراتيجية الولايات المتحدة هو منع نهضة مصر، أن تظل دولة رأسمالها التسول من الخارج، وتبقى المعونة الأميركية للقوات المسلحة هدفها تخريب القوة الهجومية والدفاعية للجيش، وتبقى الأموال الخليجية تتدفق، لا من أجل بناء المصانع، ولكن من أجل تقوية النظام الحاكم وتقوية النمط التجاري لا التنموي في مصر.
ومصر في هذا المشروع من الناحية السياسية هي الدولة التي تساعد وتنحاز إلى السياسات الأميركية في المنطقة، فمصر ساندت التدخل الأميركي في العراق، وتدمير الدولة العراقية وتحويلها إلى دويلات عرقية، وحالياً نفس السياسات بالنسبة إلى سوريا.
وبالتالي هي خاضعة للمشروع الصهيوني في تصفية الوجود الفلسطيني داخل أراضي فلسطين المحتلة، بل والتوسع خارج حدود فلسطين، فبالنسبة إليّ، طموحات الإسرائيليين في سيناء لا تزال موجودة ويمكن أن تتجدد.
وهنا نجد ثلاث قوى من مصلحتها المشتركة عدم نهضة مصر، هي: الولايات المتحدة وإسرائيل ودول الخليج؛ لأن نهضة مصر – بمعنى وجود دولة وطنية تنموية – معناها أن تؤدي مصر دوراً قيادياً على صعيد المنطقة إن لم يكن على صعيد عالمي، وساعتها سيتلاشى الدور الخليجي المدعوم بأموال النفط والخطاب الإسلامي الرجعي. أيضاً الميول التوسعية لإسرائيل ستقف أمام قوى مانعة، وبالتالي يتوقف المشروع الأميركي لبسط السيادة على المنطقة المتحققة بأشكال مختلفة الآن في العراق وسوريا ومصر وغيرها.
■ برأيك متى بدأ هذا المخطط؟
- تركيبة النظام الحاكم بدأت تتغير مع السادات، لتصبح أشبه بمثلث رأسه في واشنطن وقاعدته المؤسسة العسكرية والإسلام السياسي اليميني الرجعي، من أجل تنفيذ الأجندة الاميركية في المنطقة، وهذه خطة استراتيجية وضعها كيسينجر وبريجينسكي، وبدأ السادات في تنفيذها؛ فهو من أرجع قيادات الإخوان من الخليج وأفرج عن باقي القيادات المعتقلة ليواجه الناصريين واليساريين، ليكمل هدفه الأساسي، وهو تفكيك هذه المشروع الناصري، الذي كان يهدف إلى بناء دولة وطنية تنموية. خلال فترة السادات ومبارك كانت القوات المسلحة هي الحجر الأساس في المثلث الحاكم وقوى الإسلام السياسي تابعة لهم، فالخطاب الإسلامي هو الخطاب السياسي الوحيد الذي كان موجوداً عبر الأربعين عاماً الماضية، وما يراه البعض على أن هناك منافسة بين المؤسسة العسكرية والإخوان غير صحيح، فهناك منافسة في مشاركة الحكم وليست من أجل إزاحة طرف من اللعبة. الآن توازن القوى تغير لمصلحة الإسلام السياسي من دون استبعاد قيادة الجيش، فهي ستظل كما هي، تتمتع بجميع الامتيازات والثروات التي كومتها عبر السنين الماضية.
الخميس ٢٤ كانون الثاني ٢٠١٣