النهار: امين قمورية
يعود جورج ابرهيم عبدالله الى القبيات من سجنه الفرنسي. او سيعود. قد تتأخر عودته لكنه عائد.
هنيئا لجورج حريته. وهنيئا لاشقائه الذين انتظروا عودته 28 عاما حتى وخط الشيب رأسي جوزف وروبير. سيجد السجين المحرر لدى عودته شبابا متحمسين يرون فيه مثالا، وسيجد كهولا يغتنمون اللحظة للحنين الى زمن نضالي غابر يعتبرونه جميلا في ظل واقع يعيشون اليوم على هامشه ويشكل نقيضا لاحلامهم السابقة.
لكن فرحة العودة ولقاء الاهل والاصدقاء ومن صمد من الرفاق قد لا تخفف وقع الخيبة الآتية لا محالة.
لا شك في انك، يا جورج، تدرك كم تغيرت عكار وكم تغير لبنان وتغيرت فلسطين، والى اي منزلق انحدرت القضايا التي منحتها كل ما لديك حتى شبابك والحياة، فانت على اطلاع يومي على المتغيرات والانقلابات التي حدثت في غيابك ولا تفوتك شاردة او واردة. ولكن ما كنت تسمعه في سجنك غير ما ستراه غدا في شوارع بيروت وطرابلس او ستراه على شاشات التلفزيون المحلية التي زاد عددها منذ رحيلك كما الفطر في سهول قريتك. ستسمع بعض من كنت تظن انهم رفاقك المناضلون، يخجلون بماضيهم ويتخندقون في مواقع التعصب الطائفي والمذهبي بعدما كانوا ينشدون للاممية وازالة الحدود بين الاوطان. لا تسأل رفيقا عن رفيق آخر لانك لن تسمع سوى الشتائم وافعال التخوين. لا تسأل ايا من رفاقك الذين انتفخ ريشهم وجيوبهم اثناء غيبتك: من اين لك هذا؟ لانك ستلقى جوابا لا يسرك. ابقَ في القرية ولا تبحث عن سكن في بيروت، لان العاصمة التي عرفتها واحببتها لم تعد مدينتك او مدينة امثالك. صار قلبها مدينة غرباء، وشوارعها زوايا طائفية، وهويتها قطعة عقارية تباع وتشرى في المزادات.
لا تلفظ اسم فلسطين كثيرا لان تكرار هذه الكلمة مرتين كفيل بنعتك بالانفصام. اما كلمة نضال فكفيلة بتصنيفك في جنة المجانين. يكفي ان تشاهد نشرة اخبار واحدة لتسترجع ذاكرتك كل السباب الذي نسيته، ولتدرك اي درك سياسي وصلنا اليه.
وأخيرا امنية من القلب، الا تضطر الى طلب وظيفة او عمل او منحة استشفاء من زعيم طائفة او امير منطقة، لانك ستترحم فورا على امثالهم الذين عايشتهم قبل سجنك ونفرت منهم وسعيت الى تغييرهم بنخب جديدة. باختصار ستجد عكس كل ما حلمت به وناضلت من أجله.
ومع ذلك لا ادعوك الى البحث عن ملجأ آخر او وطن آخر. اهلا بك في لبنان، يسواك ما يسوى غيرك من قدامى المناضلين الخائبين.
2013-01-15