مكافأة المضاربين بدل تغريمهم

لم تعد المعركة التي تخوضها هيئة التنسيق النقابية محصورة بمطالبها، فالحكومة ذهبت بعيداً جداً في تماهيها مع مصالح «اللوبي» المسيطر على الدولة والاقتصاد... فهي لم تكتف باستبعاد كل نقاش حول فرض الضرائب على الريوع المالية والعقارية، بل تنوي مكافأة هذه «الريوع» عبر منح المضاربين العقاريين أرباحاً إضافية من زيادة عامل الاستثمار

محمد زبيب

«فضيحة حقيقية»، هذا ما توصف به «دراسة الآثار الاقتصادية لمشروع قانون سلسلة الرتب والرواتب»، التي وضعها الفريق الاقتصادي لدى رئاسة مجلس الوزراء، وناقشتها الحكومة في جلستها يوم الاثنين الماضي، فهذه الدراسة حصرت النقاش في تمويل الكلفة الإضافية (للرواتب والأجور ومعاشات التقاعد وتعويضات نهاية الخدمة) بمصدرين أساسيين: زيادة عامل الاستثمار العام (أو ما سمّي طابق ميقاتي)، وزيادة تعرفة الكهرباء على الشطرين الرابع والخامس بمعدّل 66.66% على تعرفة الاستهلاك بين 400 و500 كيلوواط و50% على تعرفة الاستهلاك فوق 500 كيلوواط، فضلاً عن زيادة اشتراك العدّاد تحت 20 أمبير بنسبة 58.33%، وفوق 20 أمبير بنسبة 100%! وكذلك زيادة اشتراك العدّاد للمؤسسات الصناعية والتجارية بنسبة 100%!

تتوقع الدراسة أن يؤمن هذان المصدران أقل من 900 مليار ليرة من الإيرادات الإضافية، منها نحو 262 مليار ليرة من زيادة تعرفات الكهرباء واشتراكات العدّادات، إلا أن ذلك لن يكون كافياً لتمويل كلفة التعديلات على السلسلة المقدّرة بأكثر من 1500 مليار ليرة، لذلك تقترح الدراسة أن يتم تخفيض الكلفة بمبلغ 600 مليار ليرة... كيف؟ تطرح الدراسة أمام الحكومة 3 خيارات، هي:

_ تخفيض الزيادات بنسب متفاوتة للملاك الإداري العام وأفراد الهيئة التعليمية والرؤساء والوزراء والنواب... وإعادة النظر في الزيادات الممنوحة (سابقاً) للقضاة وأساتذة الجامعة اللبنانية! وتقدّر قيمة هذا التخفيض بنحو 121 مليار ليرة.

- تخفيض الزيادات لكل الفئات بنسبة 5% مقطوعة، وتقدّر قيمة التخفيض بنحو 99.758 مليار ليرة.

- تخفيض الزيادات لكل الفئات بنسبة 30%، وتقدّر قيمة هذا التخفيض بنحو 598 ملياراً و548 مليون ليرة.

وبما أن الخيارين الأول والثاني لا يغطيان الفارق بين الكلفة والإيرادات المتوقّعة من المصدرين المذكورين، تطرح الدراسة السير بمشروع قانون رفعته وزارة المال والرامي إلى: فرض ضريبة الدخل على المعاشات التقاعدية وتعويضات نهاية الخدمة (تؤمن نحو 131 ملياراً و943 مليون ليرة). وزيادة الحسومات التقاعدية من 6% الى 8% (تؤمن 142 ملياراً و455 مليون ليرة). وتخفيض المعاش التقاعدي لأرملة (أرمل) المتقاعد (ة) من 100% الى 65%، وللأولاد حتى سن 25 سنة الى 50%، وللبنات بعد سن 25 سنة الى 10% (يؤمن نحو 216 ملياراً و606 ملايين ليرة).

هذه الاقتطاعات من المتقاعدين وعائلاتهم، فضلاً عن إجراءات أخرى، ستؤمن وفق الدراسة نحو 501 مليار و868 مليون ليرة!

ماذا يعني ذلك؟ يعني ببساطة أن الحكومة، في حال تبنّيها لهذه الدراسة واقتراحاتها، تكون قد رضخت للمضاربين بالعقارات والمال (اللوبي المسيطر)، واستبعدت أي نقاش لفرض ضريبة على الربح العقاري (لا يوجد حالياً أي ضريبة من هذا النوع) وزيادة الضريبة على ربح الفوائد، وقررت ان تكافئ هؤلاء المضاربين (بدلاً من تغريمهم) بمنحهم المزيد من الأرباح الريعية التي ستنتج من زيادة طابق على كل بناء (وهو تعدّ خطير على المواطنين وحقوقهم والحيّز العام والبنى التحتية)، وفي المقابل، قررت أن تغرّم المواطنين جميعاً والمنتجين (الصناعيين تحديداً) بزيادة أسعار الكهرباء واشتراكات العدّادات، وكذلك معاقبة المتقاعدين، بالإضافة الى التراجع عن الوعود الممنوحة للموظفين والمعلّمين التي جرى تكريسها بمشروع القانون العالق حتى الآن لدى رئاسة مجلس الوزراء على الرغم من إقراره في الحكومة منذ مدّة!

لا تقف الفضيحة عند هذا الحد، بل إن الدراسة تشترط للمضي في تنفيذ هذه الاقتراحات وقف كل استخدام من أي نوع في الدولة وإطلاق موجة «خصخصة» جديدة للكهرباء والاتصالات وعبر عقود الشراكة مع القطاع الخاص في مجالات البنى التحتية! باختصار، هذه الدراسة تريد تحويل كلفة السلسلة إلى «خوّة» على اللبنانيين جميعاً وربح إضافي للوبي الحاكم.

شربل نحاس: كفى عهراً

كتب وزير العمل السابق (المستقيل) شربل نحّاس على صفحته الخاصّة على «فايسبوك» ان «الصورة واضحة وضوح الشمس، اجتمع أصحاب السلطة الفعليون في لبنان، من مصرفيّين واحتكاريّين ومضاربين وسماسرة، وقالوا كلمتهم بالفم الملآن: لا زيادة لمعاشات العاملين في الدولة، ولا حاجة للدولة، لا سيما إذا كان يلزَم زيادة الضرائب على المضاربين بالأموال والعقارات... انبطح هؤلاء في الديوان، الذي يسمّى مجلس الوزراء، ليسجّلوا قرار أصحاب السلطة (الفعليين). اقترح (الرئيس) نجيب ميقاتي تصوّراته لتدمير النسيج العمراني والبيئة وزيادة أسعار الكهرباء، التي لا تصل إلى أحد، وفرض الضرائب على معاشات التقاعد، لم يقف أحد ليقول لميقاتي إنّك تخرق الدستور وأنْ لا صفةَ لك لطرح هذه الفضائح. لم نسمع صوت مَن أُسقطت عليه صفة وزير المال (محمد الصفدي)، وأثبت غازي العريضي (وزير الاشغال العامّة والنقل) شطارته بأن تغيّب (عن جلسة مجلس الوزراء يوم الاثنين الماضي)، ويُقال إنّ جبران باسيل سجّل اعتراضه لكنه لم يذهب أبعد من ذلك». تساءل نحّاس «مَن يقف بوجه نجيب ميقاتي صاحب المليارات الذي يمثّل مع أعوانه سلطة الرأسماليين الفعلية في البلد؟ أين الإصلاح وأين المقاومة وأين المحرومون؟». اسئلة تحمل في مضامينها الاجابات، يتابع نحّاس لقد «تبخّرت الضرائب على الفوائد، وتبخّرت الضرائب على المضاربات العقاريّة، وطلع سليم جريصاتي (وزير العمل) ليطمئن المواطنين بقوله إنّ موضوع سلسلة الرواتب سيُناقش حتى يوم القيامة في كل جلسة من جلسات مجلس الوزراء، وإنّ تمويل السلسلة قرار متكامل، وفات ذلك العالِم الدستوري أنّه وحكومته يخرقان الدستور بعدم إرسال الموازنة في موعدها، وبفصل السلسلة عن سائر نفقات الدولة ومواردها».

ختم شربل نحّاس تصريحه بالقول «وقاحةُ اللصوص لا حدود لها وطرابلس سكبت دمعاً ودماً والفقراء محاصرون باليأس. ليست الحكومة فقط هي التي سقطت أمس لأنّها ضحّت على مذبح مصالح الأصدقاء والزبائن بمصالح الإدارة العامة، بل ممثّلو المافيات جميعاً كشفوا القناع عن وجوههم القبيحة. أيّها اللبنانيون لا تتركوا هذا البلد فريسةً للحراميّة وللمتاجرين بدمائكم... كفى عهراً».

(الأخبار)

الخميس ١٣ كانون الأول ٢٠١٢

الأكثر قراءة