في الدورة مطعم هندي ــ سيريلنكي صغير، يختبئ فوق «سوبر ماركت». ربما يريد أن يكتشفه اللبنانيون أو لا. هنا طهو عائلي بأسعار زهيدة. تاينن الأميركي يشعر هناك بأنّه في بيته، بينما نتصرّف نحن كسيّاح يحاولون اكتشاف ما يوجد في طبقهم
زينب مرعي
هناك مطعم يعشقه تاينن. اكتشفه الشاب الأميركي منذ فترة وهو سعيد به. المطعم يقدّم طعاماً حاراً يحبّه ويبعده في الوقت ذاته عن تكلّف اللبنانيين، هو يعرف أنّه لن يلتقي بهم هناك. فما هو المطعم الوحيد في البلد الذي لن تجد فيه لبنانياً واحداً برأيك؟ فكّر قليلاً، لا بد أن يكون له علاقة ببلد نسخر منه وهو يبدأ بحرف السين. هل حزرته؟ سيريلنكا بالتأكيد. هنا سنخبرك عن مطعم هندي ــ سيريلنكي في الدورة. في هذا «الملجأ»، ربما يكون غياب اللبنانيين عن المطعم و«السوبر ماركت» الصغير «New Indo- Lanka restaurant and store»، نعمة في الحقيقة. هو المكان الوحيد الذي يتذكّر فيه العاملون الأجانب فيه طعم بلادهم ويشعرون فيه بإنسانيتهم، بعيداً عن تذمّر «الميستر» و«المادم».
المطعم صغير، لا يحتوي على أكثر من 7 طاولات. لا تنتظر لائحة الطعام، بل فقط ما ستحمله إليك اليوم سيرين أو «السيدة البشوشة». سيرين هي «محرّك اللعبة». تتنقّل بين الطاولات لتخدم الزبائن، ثم تدخل خلف المنضدة التي تفصل المطبخ المفتوح عن الطاولات لتساعد الشيف موتوراما، وتحثّ الخطى من بعدها بين المطبخ وغرفة داخلية لغسل الملابس. بين سيرين وموتوراما تجهد مينو في تنظيف أرض المطبخ. الشابة الهندية لم تتخطّ العشرين، تعمل منذ 9 سنوات في لبنان. تعمل بجدّ بين الشيف وسيرين وتقتنص أوقات الراحة لتكون مراهقة لدقائق، فتتذمّر من الأوامر التي تتلقاها طيلة الوقت.
«الشيف» هندي هو الآخر. زميله «الشيف السيريلنكي» يداوم في أوقات أخرى. يحاول موتوراما بداية الهروب من الحديث معنا، يقول إنه مشغول. نذهب إلى داس في الطبقة السفلية أو «السوبر ماركت»، حتى يفرغ موتوراما من إطعام زبائنه. يسألنا داس مرتين إن كنّا هنا لنكتب عنهم بالسوء. نخبره أننا هنا لتذوّق طعامهم والتعرّف إلى المحل. دقائق ويطمئن الشاب إلينا، يسكب لنا بعضاً من الشاي بالزنجبيل من فنجانه، ويبدأ بتعريفنا بمنتجات المحل. على الطاولة أمامه تمرّ السيدات لتشتري الـ«pan». هي ورقة خضراء كبيرة، يقول داس إنّ طعمها مُرّ بعض الشيء وهم يمضغونها مثل العلكة. إلى جانبها أيضاً «Vadai» و«Dosa» وهما نوعان من الخبز يقدّمان في المطعم. هنا يمكنك أن تغمّس الخبز بالصلصة الحارة أو صلصة جوز الهند، ثم تقدّم لك سيرين من بعدها «rolls» السمك مع البطاطا الرائع والأرز والدجاج. يرتاح موتوراما ويحاول إظهار مهارته في تدوير العجين. في مطبخه، تفوح رائحة البخّور. فوق الباب يشعل العيدان إلى جانب صور القديسين. هو لا يذهب إلى عمله إلا بعد تلاوة صلاته، وهكذا قبل أن يقفل المكان.
لحظات، ويصل صاحب المطعم والمتجر. هو مصري يعيش في لبنان منذ 15 عاماً. مشروعه الذي افتتحه منذ 5 سنوات تجاري بحت. في الدورة، هناك الكثير من العمّال الأجانب وفكرة المطعم ستكون رابحة. صباحاً وظهراً ومساءً، يقدّم المطعم الطعام ذاته. يقول إنّه ترك الحريّة الكاملة لموظّفيه الهنود والسيريلنكيين أن يختاروا طهو الطعام الذي يناسبهم. بوجوده يخفت صوت الموظّفين، يخاف من أيّ «زلّة لسان» تصدر عنهم. لا يأكل صاحب المطعم ما يقدّمه موظّفوه ولا يعرف حتى اسم أيّ منهم. يبرّر الموضوع لكون أسمائهم صعبة جداً. غريب، كيف لم تكن 5 سنوات كافية لحفظ أسماء مثل موتوراما وسيرين ومينو. بم كان يناديهم طوال تلك الفترة يا ترى؟ لهؤلاء الموظّفين أسماء لا يخافون من إعطائها، بينما صاحب المحلّ يرفض ذكر اسمه. يراقب تاينن أو «الرجل الأبيض»، موتوراما وصاحب المحلّ. الاثنان مرّا بتجربة الاستعمار أو الاحتلال الشاحبة بشحوب البريطانيين، وفي مملكة المطعم الصغيرة، هناك من يحاول أن يكون أكثر بياضاً من الآخر.
في مطعم العمّال الهنود والسيريلنكيين، وجد تاينن راحته وأصبح يصطحب كلّ أصدقائه إليه. فالطعام اللذيذ وابتسامة سيرين جعلاه يبدأ للتخطيط مع صديقته بزيارة سيريلنكا. لكن، هل يتقبّل اللبنانيون فكرة أنّ «الرجل الأبيض» يفضّل سيريلنكا على لبنان؟
السبت ٢٤ تشرين الثاني ٢٠١٢