وصلت قضية المخطوفين لدى آل المقداد إلى خواتيمها. أفرج عن المخطوف التركي، طوعاً، وسُلّم إلى الأمن العام. قبلها كان الجيش قد حرر أربعة من المخطوفين السوريين في حي السلم. حصلت «مفاوضات» مع الخاطفين انتجت مبادرة حسن نية واتفاقاً على «حل شامل». يأتي هذا بعد دخول الجيش بقوة، بظهور لافت، إلى الضاحية المرحبة بالبذلة المرقطة
محمد نزال
تيكين توفان في عهدة الأمن العام. المواطن التركي حرّ بعد 26 يوماً من «ضيافة» آل المقداد. هكذا، حلّت القضية، ليل أمس، مع تسلم المدير العام للأمن العام، اللواء عباس ابراهيم، التركي المذكور. سُلّم الأخير إلى سفير بلاده في لبنان أونان اوزيدليز، بحضور ابراهيم ووزير الداخلية مروان شربل، عند مدخل مقر الأمن العام في منطقة المتحف. آل المقداد أفرجوا عن توفان، بسلاسة بالغة، في «بادرة حسين نية تجاه الدولة اللبنانية والدولة التركية». طبعاً، سبق ذلك «مفاوضات» بين العائلة واللواء ابراهيم، وكذلك بين أمين سر رابطة آل المقداد، ماهر المقداد، ووزير الداخلية مروان شربل. الأخير أعلن أن «الأتراك جديون في مساعدتنا، وغداً سوف نأتي بالمخطوف التركي الآخر، وسوف نأتيكم بأخبار طيبة حول المخطوفين اللبنانيين في سوريا». هكذا، أعلن الوزير عن «فتح صفحة جديدة مع المخلصين من آل المقداد». وبعد منتصف الليل، رافق شربل وابراهيم المخطوف التركي إلى بلاده، بعدما تلقى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي اتصالاً من نظيره التركي رجب طيب أردوغان وآخر من وزير الخارجية التركي أحمد داوود أوغلو لشكره على تحرير مواطنهما. واكدت مصادر رسمية أن هذه العملية تأتي ضمن عملية تبادل غير معلنة ينبغي أن تٌستَكمَل من الجانب التركي بالعمل على إطلاق عدد من اللبنانيين المخطوفين في سوريا، والذين صار العدد الأكبر منهم، عملياً، في عهدة الاستخبارات التركية.
ما حصل ليل أمس، جاء بعدما حرر الجيش 4 سوريين في الضاحية، ليل أول من أمس، كانوا قد خطفوا على أيدي أشخاص من آل المقداد. كثرت الأقاويل حول طبيعة ما حصل، ليأتي بيان الجيش لاحقاً، فيوضح أن «مديرية المخابرات، بمؤازرة وحدة من الجيش، تمكنت بعيد منتصف ليل أمس (أول من أمس) من تحرير أربعة مخطوفين سوريين، بعد دهم مكان وجودهم في محلة حي السلم، إثر عملية رصد ومتابعة، بالإضافة إلى توقيف شخصين في المكان نفسه يشتبه بضلوعهما في عملية الخطف، وذلك من دون مقاومة تذكر». لم تقتصر عمليات الجيش على المنطقة المذكورة في الضاحية، إذ كانت جادة الشهيد هادي نصر الله تشهد حركة آليات عسكرية للجيش، ليل أول من أمس، على نحو غير مألوف. تبيّن لاحقاً أنه كانت هناك عملية دهم حصلت في منطقة حارة حريك. وبحسب بيان الجيش، فإن هذه العملية استهدفت «مطلوبين للعدالة، فأوقف عدد من الأشخاص الذين يشتبه بضلوعهم في عملية الخطف، وقد بوشر التحقيق مع الموقوفين».
هكذا، نامت الضاحية على وقع هدير ناقلات الجند العسكرية، وعلى ظهور قوي للجيش في الشوارع الرئيسية وحتى الفرعية. لكن ما ان إطل الصباح، حتى كان حي آل المقداد، في منطقة الرويس، يعج بأبناء العائلة الغاضبين مما حصل. لم يكن حسن ضاهر المقداد حاضراً هذه المرّة، وهو الذي ظهر في الإعلام، منذ اللحظات لعمليات الخطف، كأحد «قبضايات» العائلة. هو من حدد لـ«الجيش السوري الحر» قاعدة «الخطف بالخطف والإعدام بالإعدام». أصبح الآن موقوفاً لدى الجيش.
كخلية نحل كان حي آل المقداد أمس. لكن ثمة «نكسة» ألمت بالقوم. عملياً، انتهت مفاعيل الظهور الإعلامي لما سُمي بـ«الجناح العسكري» للعائلة. غابت مظاهر استعراض القوة، بمختلف أشكالها، لتحل مكانها مظاهر الغضب والقلق. ما يقال في الشارع، هناك، يوحي بأن العائلة تشعر بـ«الطعن في الظهر». ربما كانوا يعولون على حماية ما، من الأحزاب الفاعلة في الضاحية مثلاً، بيد أن هذا ما لم يحصل. لقد نفذ الجيش ما وعد به في بياناته خلال الأيام الأخيرة. ضربت عمليات دهمه، ليل أول من أمس، في منطقتي حي السلم، وحارة حريك. لم يكن أحد يتوقع أن يكون هناك مقر «ضيافة» المخطوفين السوريين.
أمين سر رابطة آل المقداد، ماهر المقداد، كان يتنقل في شوارع الحي أمس بشكل طبيعي. يهمس في أذن هذا وينادي على ذاك. بدت الأنظار كلها موجهة إليه. كأنه أملهم الوحيد. وقف إلى جانبه أحد كبار العائلة وسأله: «ماذا يحصل؟». سمع يجيبه همساً: «حزب الله غير قادر على فعل شيء. أما نبيه بري فقد باعنا. للأسف يا حاج، الجيش دخل بهذه القوة بأمر من بري وبتنسيق تام معه... لعبوها علينا».
على بعد أمتار من ماهر، كان ثمة «مقدادي» آخر، هو من «مشاهير» الحي أيضاً، يوجه شتائم الغضب في كل الاتجاهات. ركّز على حزب الله وحركة أمل، الذين «لا يتذكروننا إلا وقت الانتخابات، ولكن وقت الشدة يتخلون عنا». في المقطع الثاني من كلامه أشرك الدولة، بكل رموزها، في شتائمه: «أليست السيارات الوزارية هي التي أوصلت شادي المولوي إلى منزله في الشمال؟ هل كان يمارس الرياضة أم أنه كان يهرّب السلاح؟ كيف تعاملت الدولة مع أحمد الأسير؟ لم يكن ينقص إلا أن يقبّلوا قفاه لينسحب من الشارع. أما الآن فالدولة تتشاطر علينا وتريد أن تفرض هيبتها على ظهرنا». راح الشاب، ومن حوله شبّان كثر، يتحدثون عن نيتهم رفع صور لشخصيات سياسية من قوى 14 آذار، كفعل نكاية بحزب الله وحركة أمل. أحد الإعلاميين كان هناك. راقه الأمر، فراح يحرضهم على فعل المزيد، بل ويسمي لهم أسماء الشخصيات التي «لازم» أن ترفع صورها، طالباً منهم أن يكون أول من يعلم عند بدء التنفيذ.
إلى ذلك، كان ماهر المقداد يستشعر حجم الخطر الذي وصلته «اللعبة». قرر أن يلاعب الاستخبارات بلعبتهم. فبعدما كان أعلن أن المخطوف التركي، ومعه 50 مقدادياً، اختفوا من الرويس إلى مكان لا يعلمه، ها هو يعلن أن المخطوف التركي «أصيب في صدره أو في كتفه، لست متأكداً، لكن وضعه الصحي مأساوي».
في ساعات متأخرة من ليل أمس، وصلت «المفاوضات» بين وزير الداخلية مروان شربل من جهة، وماهر المقداد من جهة أخرى، إلى صيغة تقضي بأن «يفرج عن التركي الموجود لدى العائلة، مقابل السعي الجدي إلى حل شامل لقضية المخوطفين، بعد أن أعلم الجيش بالأمر، وكذلك الجهات المعنية خارج لبنان». هذا ما أكّده شربل لـ«الأخبار». وبالفعل، كان المخطوف التركي، تيكين توفان، جالساً إلى جانب المقداد في اجتماع للعائلة ليلاً، فكانوا يلاطفونه ويمازحونه، تحضيراً للإفراج عنه. بدا أن ثمة «ثقة» بين شربل والمقداد، دفعت الأخير إلى القول: «لم نكن نريد أن نؤذي أي لبناني منذ البداية، ونحن تحركنا عندما غابت الدولة، ولكن عندما ولدت اللجنة الوزارية، ورأينا الدولة تتحرك، أوقفنا تحركنا. هذا كل ما في الأمر. نريد أن يعود إبننا حسان إلينا».
شربل «عشائري الهوى»
يرفض وزير الداخلية مروان شربل التعاطي بـ«قسوة» مع آل المقداد. يتمنى على المعنيين «تفهم وضعهم، فلو خطف ابن اي منا لكنا ربما شعرنا بما شعروا، ولكن طبعاً هذا لا يبرر الخروج على القانون وضرب هيبة الدولة». وفي حديث له مع «الأخبار»، قال شربل إن العشائر «وصلت إلى ما وصلت إليه بسبب سياسة الدولة على مدى عقود، خاصة تجاه الأطراف المحرومة. فأبناء العشائر هم من أطيب الناس، وكان يجب الاهتمام بهم ليكونوا ذخراً وعوناً للدولة لا خارجين عليها». يذهب شربل بعيداً، فيتمنى لو يعيش مع هذه العشائر في الجرود، لأن هؤلاء «معشرهم طيب، وأغلبهم معترين وقلوبهم طيبة. ففي جلسة مع بعض ابناء البقاع أخيراً، حول موضوع تلف المخدرات، تمنوا عليّ لو أزورهم لكي يستضيفوني ويهتموا بي. رأيت كم هم طيبون، وأنهم لم يولدوا ليكونوا ضد القانون، ولكن، للأسف، الحالة الموجودة الآن هي نتيجة طبيعية لغياب الدولة منذ سنين بعيدة».
الاربعاء ١٢ أيلول ٢٠١٢