2700 متخرّج ينطلقون من صرح الجامعة الأميركية في بيروت هذا العام نحو الحياة العملية. وهو رقم قياسي منذ بدء التعليم فيها عام 1866. حينها، كان عدد طلابها 16 فقط. لكن فرحتهم قد لا تكتمل، بعدما وصلتهم رسالة أخيراً تؤكّد لهم أنّ الفساد ينخر في إدارة الجامعة التي صقلتهم
حسن شقراني
«إذا لم نقترف أي خطأ فلماذا نحن خائفون إلى هذه الدرجة؟»، بهذا التساؤل يُعيد رجل الأعمال اللبناني نبيل الشرتوني فتح الباب على الممارسات المثيرة للجدل في إدارة الجامعة الأميركية في بيروت (AUB). يتحدّث من موقعه كعضو سابق ـــ «مقصيّ» ـــ في مجلس أمناء هذا الصرح الأكاديمي. وهذه المرّة كلامه ليس موجّهاً فقط إلى الأمناء، بل إلى الجميع (AUBite Kassiounc) عبر رسالة إلكترونية يُعرب فيها عن «القلق البالغ من احتمالات الفساد، سوء الإدارة، التبذير، ضعف الحوكمة، السرقة وصراع المصالح في الجامعة»، عارضاً أمثلة عن هدر ملايين الدولارات في أقسام المعلوماتية، مساكن الجامعة، المركز الطبي، الإدارة القانونية وصولاً إلى التصريح عن الدخل.
القضيّة ليست جديدة، فرائحتها تتصاعد منذ عام 2011، حين أرسل نبيل الشرتوني تقريره المؤلّف من 500 صفحة إلى مجلس أمناء الجامعة، طالباً التحقيق في «ممارسات فاسدة» امتدّت لفترة طويلة ورصدها خلال وجوده في موقع المسؤولية. دفع هذا التقرير مجلس الأمناء إلى تأليف لجنة تحقيق خاصّة (Ad Hoc committee) للوقوف عند الحقائق وأعدّت تلك اللجنة تقريراً مفصلاً.
لكن يبدو أنّ شيئاً لم يتغيّر وفقاً لنبيل الشرتوني. وإزاء هذا الركود في مواجهة أوجه الفساد في الجامعة، قرّر أن يبعث رسالة مفنّدة إلى جميع أعضاء هذا المجتمع الأكاديمي لتنبيههم إلى أنّ محاولات التغطية على الفساد لا تزال قائمة.
يقول الشرتوني في رسالته الإلكترونيّة (بتاريخ 8 حزيران 2012) إنّ «التحقيق أكّد مضمون الادعاءات التي رفعتُها ويوصي بضرورة اتخاذ الإجراءات اللازمة لتصحيح الأخطاء». غير أنّه يُشير في الوقت نفسه إلى أنّ «رئيس مجلس أمناء الجامعة، فيليب خوري، همّش التقرير الذي أعددته وعمد إلى تقديم نتائج تحقيق اللجنة على نحو غير دقيق؛ علماً بأن هذا التقرير انتقد على نحو لاذع إدارة الجامعة والحوكمة فيها».
التقرير يبقى سرياً، «وهو السلوك الذي تعتمده الإدارة إجمالاً في التعاطي مع قضايا كهذه،» يؤكّد أحد العارفين بالسلوكيات الإدارية في الجامعة. في المقابل «يبقى الموقف الرسمي للإدارة، وهو معلن ومعروف، بأن الادّعاءات المقدّمة غير صحيحة».
لكن إذا كانت أخبار نبيل الشرتوني فقط عبارة عن مزاعم يُريد منها «تدمير الجامعة الأميركية» ـــ على حدّ تعبير أحد الذين ردّوا على رسالته الإلكترونيّة ـــ فلماذا يبقى التقرير الذي يُفترض أن يكشف الحقائق سرياً؟ ولماذا التكتّم عن طبيعة تلك الملاحظات المتعلّقة بالإدارة المالية واللوجستية لهذه الجامعة التي يُفترض أن تحكمها الشفافية على نحو مزدوج، من بيروت ونيويورك في آن واحد؟
هذه الأسئلة هي برسم إدارة الجامعة ومجلس أمنائها، لا من موقع المسؤولية الاجتماعية والأخلاقية فحسب، بل من الموقع الاقتصادي، نظراً إلى كمّ المال الهائل الذي يجري في عروقها (233.5 مليون دولار في العام الجامعي 2011 ـــ 2012).
تنقسم ملاحظات نبيل الشرتوني في رسالته إلى مجتمع الـ AUB (!) إلى 5 مجالات، في كلّ منها يلحظ خروقاً لبروتوكولات الإدارة الرشيدة.
أوّلاً، لا تزال مساكن الجامعة في حالة «فوضى عارمة»؛ إذ إنه لم تطبَّق حتّى الآن إجراءات عملية لإدارة هذا المجال. وفي ظل غياب الرقابة والإدارة، «فإن بعضاً من المساكن الجامعية قد يكون مشغولاً من أشخاص ليسوا طلاباً في الجامعة».
ثانياً، تُشير الرسالة إلى مبلغ 613 ألف دولار دُفع لقاء خدمات قانونية ـــ دفعات للمحامين إضافة إلى تعويضات قانونية ـــ «وهو مبلغ هائل، نظراً إلى أنّ المبلغ المستحق وفقاً للمعايير القانونية كان 300 ألف دولار فقط». وعلى الرغم من أنّ تسوية هذا المبلغ «جرت منذ وقت طويل»، إلّا أنّ هذه القضية تبقى ذات أهمية خاصة، نظراً إلى حجمها وانعكاساتها. والأهم هو أنّ «هذا المبلغ الذي تقاضاه محامٍ لبناني في بيروت، لم يُسدّد من حساب الجامعة في لبنان... ولطالما تساءلت لماذا كلّ هذا التكتم على هذه القضية لدرجة أن مجلس الأمناء لم يُسمح له بالاطلاع عليها».
ثالثاً، التهرّب الضريبي في دفع بعض المستحقّات والتعويضات. والمثال هنا هو تعويضات التقاعد للنائب السابق لرئيس الجامعة جورج طعمة، التي بلغت 3 ملايين دولار، والتي أساساً كان يجب أن تكون 350 ألف دولار. ويقول الشرتوني إنّه لدى مساءلة المحامي الذي يعمل مع لجنة التدقيق القانونية في الجامعة عن إمكان وجود سوء إدارة وتهرّب ضريبي عبر الاحتيال على القانون الضريبي اللبناني، أوضح أن الرأي الذي اعتمد عليه كان شفهياً ولم يُقدّم المستندات القانونية التي تبرر هذا الأمر. «من الواضح أن إدارة الجامعة ضلّلت لجنة التحقيق على نحو بارع، وقدّمت معلومات خاطئة لا تتواءم مع الحقيقية والوقائع». ومن هذا المنطلق «يُمكن القول علانية إنّ إدارة الجامعة الأميركية ومستشارها القانوني إمّا كانوا مستهترين في هذا الخصوص أو أنهم تعمّدوا وساعدوا وحرّضوا على التهرّب الضريبي في لبنان عبر مكتب الجامعة في نيويورك». والتساؤلات في هذا السياق مشروعة، تتابع الرسالة: لماذا دُفع المبلغ سراً عبر نيويورك، على الرغم من أن جورج طعمة هو موظّف لبناني يجب أن يقبض من بيروت؟ هل صرّحت إدارة الجامعة على نحو ملائم عن هذا المبلغ لمصلحة الضرائب اللبنانية (وزارة المال) مع العلم أن عدم التصريح يعني مسؤولية قانونيّة على الإدارة والأمناء؟
رابعاً، تنسحب الفوضى أيضاً إلى إدارة نظام المعلوماتية في الجامعة (IT Systems)، وفقاً لتأكيدات لجنة التحقيق نفسها، تقول الرسالة. وتوضح أنّه خلال 10 سنوات بلغت الخسائر المتراكمة من سوء إدارة هذا المجال 90 مليون دولار. وقد توصّلت اللجنة إلى أن منذ وصول فيليب خوري إلى رئاسة المجلس، لم يُصرّ الأخير على تصحيح الوضع، «وقد أفضى التحقيق إلى ضرورة اعتماد خطة سريعة للعمل».
خامساً، المركز الطبي في الجامعة الذي «يفتقر إلى الضوابط الخاصة بالمنتجات المجانية (FOC) ورفع اصطناعي لأسعار بعض الأدوية، ما يؤدّي إلى تبديد نحو 6 ملايين دولار سنوياً». ويقول نبيل الشرتوني في هذا السياق إنّ «التحقيق أكّد أن النظام الاستشفائي غير ملائم تماماً، وعلى الرغم من أنّ الفساد المباشر لم يُرصد، غير أن التحقيق توصّل إلى أن أنظمة الشراء في المشفى مفتوحة على كلّ أنواع الغش والتلاعب».
السبت ١٦ حزيران ٢٠١٢