منذ خطف اللبنانيين في منطقة حلب، قبل نحو أسبوع، لم يتبن أي فصيل سوري العملية، لكن رئيس «حزب أحرار سوريا» الشيخ ابراهيم الزعبي قدّم نفسه مفاوضاً مع الجهة الخاطفة «المجهولة»، إلّا أن الدلائل تشير إلى أن الزعبي هو المسؤول عن عملية الخطف، أو على الأقل تربطه علاقة ما بالخاطفين
رضوان مرتضى
لا يزال مصير المخطوفين اللبنانيين مجهولاً. المعلومات الرسمية في هذا الشأن شحيحة، ولا سيما بعد المهزلة التي عاشها لبنان ليل الجمعة الماضي على وقع تصريحات المسؤولين الأتراك، منتظراً وصول طائرة المخطوفين. ما خلا ذلك، معلوماتٌ متضاربة عبر وسائل الإعلام، حصّة الأسد فيها لكل من الأمين العام لـ«حزب الأحرار السوري» الشيخ ابراهيم الزعبي، والعميد المنشق حسام الدين العوّاك. بين الشيخ والعميد تضيع الحقيقة.
المقارنة بين الرجلين ترجح كفة الزعبي. لا لمكانته الدينية وحيثيته الميدانية، بل لأن من قدّم نفسه عميداً منشقاً، يصفه ضباط منشقون في «الجيش السوري الحر» بـ«زهير الصدّيق الثاني». تشبيهٌ يكاد يكون ملطّفاً إذا ما قورن بلقب «العلّاك» الذي ينادونه بها استهزاءً بـ «كمّ الكذب الذي يُطلقه». يقول هؤلاء إن العواك كان ضابطاً برتبة رائد في الجيش النظامي، طرد عام 2004 بسبب شبهة فساد. العواك، بحسب هؤلاء، يقيم حالياً في القاهرة ولا علاقة له بأيّ من مجموعات المعارضة في سوريا. في المحصّلة: «لا صدقية لأي معلومة مصدرها هذا الضابط الذي رقّى نفسه إلى رتبة عميد»!
هكذا، يسطع اسم الزعبي. الشيخ السلفي كان مغموراً، على الأقل بالنسبة إلى اللبنانيين، حتى اليوم التالي لخطف الرهائن. يومها خرج لينفي أي علاقة لحزبه بالعملية، لكنه لم يلبث أن قدّم نفسه، بعد ساعات، مفاوضاً غير مباشر مع المجموعة الخاطفة. أما الوسيط المباشر، فادّعى أنه «صحافي أوروبي من جذور عربية». نسب إليه التواصل المباشر مع «المجموعة التي لا تنتمي إلى الجيش السوري الحر ولا إلى المجموعات الإسلامية المقاتلة». ومنذ ذلك الحين، لم يذكر شيئاً عن الصحافي الذي تبخّر فجأة من دون أن يكتب تقريراً واحداً لوسيلته الإعلامية.
مذذاك، تعددت إطلالات الزعبي الإعلامية. في كل مرّة، كان يتحدث كناطق رسمي باسم المجموعة الخاطفة. احتكر تقديم المعلومات قائلاً إنه «فاعل خير»، ينقل معلومات عن المجموعة الخاطفة.
قبل أشهر قليلة أعلن الزعبي عن حزبه (الأحرار السوري)، متحّدثاّ عن ثلاث كتائب مسلّحة تقاتل تحت رايته. في مقابلة مع «الأخبار»، في آذار الماضي، ادعى أنه يؤدي دوراً بارزاً في تمويل «الجيش الحر» وإمداده بـ 70 في المئة من حاجاته من السلاح. وأعلن أنه غادر الأراضي السورية بسبب ملاحقة النظام السوري له بتهمة الانتماء إلى التيار السلفي، كاشفاً أنه يقيم منذ ذلك الحين في السعودية.
في المقابل، نفى قياديون في «الجيش السوري الحر» معرفتهم بالزعبي أو بـ «حزب الأحرار السوري»، كما نفى نائب قائد هذا «الجيش» العقيد مالك الكردي لـ «الأخبار» دعم الزعبي «الجيش الحر» بالمال أو السلاح، لافتاً إلى أنه «لم يسبق أن تعاون الزعبي معنا أبداً، ولم نتواصل معه سابقاً». وذهب الى القول إن «هذا الحزب غير موجود على الأرض»، فيما جزمت مصادر ميدانية في «الجيش الحر» بأن الزعبي متورّط في عملية الخطف.
على صعيد مواز، وفي اتصالات لاحقة، كشف الزعبي أن تنسيقاً على مستويات رفيعة يُجريه مع الحكومة التركية لتأمين نقل السلاح إلى الداخل السوري، مشدداً على ضرورة «عسكرة الثورة وتسليحها لإسقاط النظام». وهو أعلن في المقابلة مع «الأخبار» أن «الحزب يموّل نفسه ذاتياً عبر الفدية التي يحصل عليها من مبادلة الرهائن»، كاشفاً أنه يتلقى دعماً من إحدى الدول العربية.
هذا في الظاهر، أما في الخلفية، فتتحدث مصادر سورية معارضة عن تورّط مجموعة تابعة للزعبي في خطف الزوّار اللبنانيين. وتشير المصادر نفسها إلى أن أسلوب الخطف سياسة ينتهجها «حزب الأحرار السوري» لغايات مادية وسياسية. هذه المعلومات تتقاطع مع حادثة خطف مشابهة سرق فيها الزعبي الأضواء. فقبل أشهر، خطف 12 ايرانياً على الأراضي السورية. مرّت عدة أسابيع قبل أن يتبنّى «حزب الأحرار السوري» العملية ويعلن أمينه العام أنه سيتوّلى المفاوضات مع الجانب الإيراني عبر الحكومة التركية. يومها، اشترط الخاطفون لاطلاق الرهائن دفع فدية مالية وإطلاق عدد من المعتقلين لدى الجيش السوري، بينهم المقدم حسين هرموش، إضافة إلى إطلاق صحافيين أوروبيين وأتراك اعتقلهم الأمن السوري، وتأمين الرعاية الصحية لجرحى المعارضة السورية، وتأمين نقلهم إلى الحدود التركية. يومها قال الزعبي إن هدفه من طلب إطلاق الصحافيين الأوروبيين «كسب التعاطف الدولي معه والبرهنة عن حسن نيتنا تجاه العالم الغربي».
يقيم الشيخ الزعبي، ابن درعا، اليوم في السعودية. علاقاته مع الأتراك أكثر من ممتازة. تحوّل من يصفه قادة في «الجيش الحر» بـ «صيّاد المواقف» إلى مصدر شبه وحيد لوسائل الإعلام بشأن تطورات عملية الخطف ومآلها. وهو، بذلك، أصاب بحجر واحد أكثر من هدف: عوّم نفسه وحزبه شعبياً، خدم سياسة كل من السعودية وتركيا، وأطلق النار على حزب الله وأمينه العام. وفوق ذلك كله، سيحصل على أي فدية تُدفع لإطلاق الرهائن الذين تجزم مختلف الجهات بأنهم في «صحة جيدة». أما إذا نجحت الاتصالات في إطلاق المخطوفين من دون دفع أيّ فدية، فتكفيه النقاط الثلاث الأولى.
الاثنين ٢٨ أيار ٢٠١٢