نادر فوز
لم تتبدل لهجة الوزير شربل نحاس بحضور خلفه سليم جريصاتي. السلف حافظ على رأيه «البديهي» في مقاربة شؤون الدولة وإشارته إلى «وقاحة الوقحاء»، والثاني تمسّك بشعار التغيير والإصلاح والتشديد على التهدئة. لم يقبل نحاس بما سبق لجريصاتي أن عبّر عنه بضرورة معالجة الأمور بهدوء، فكرّر له ست مرات العبارة الآتية: «عسى أن تستطيع إبقاء خطابك ليناً أمام وقاحة الوقحاء. لكنك قانوني، ولن تنسى أن سيف القانون حاد وقاطع». أراد نحاس استفزاز جريصاتي ـــــ على الأقل إيجابياً ـــــ وقرن العبارة الأخيرة بكل ملفات الفساد والتجاوزات المتراكمة في وزارة العمل.
ويسجّل للوزير جريصاتي أن أول كلمة قالها لموظفي الوزارة: «أين فريديريك؟». لم يجب أحد. كرّر سؤاله: «فريديريك وين؟ موسيو فريدي وين؟». من هو فريدي؟ لا أحد من الحاضرين يعلم.
ومن يأبه لهذا السؤال أمام الملفات الشائكة، كتأمين «إبقاء الهم الاجتماعي حياً»، كما قال نحاس؟ تحدث الوزير المستقيل عن الفساد الذي على جريصاتي مواجهته في وزارة العمل، عن الضغوط لاستيراد العمالة الأجنبية واستغلالها والاستغناء عن اللبنانيين. عن المجاهرة بالتهرّب من دفع الضرائب ومن التصريح عن الأجراء وأجورهم. عن فضائح منع العمال من الإضراب وخرق القوانين والشرع الدولية، عن «كون مجالس العمل التحكيمية معطلة منذ أشهر، وثمة موظفون متمردون ومرتكبون يحميهم سياسيون بحجج طائفية». دعا الوزير المستقيل خلفه إلى مواجهة هذه المصاعب وعدم السكوت عنها أو مهادنتها، وكأنه يسأله: «كيف بإمكانك التعامل مع هذه الأمور بهدوء»؟
قبل خروجه من الوزارة، تحدث نحاس عن تركته لخلفه و«بعض الأمانات العزيزة»: تنظيم عمل الأجراء من اللاجئين الفلسطينيين، آلية نافذة لدعم أول عمل للشباب، بروتوكول تعاون مع جمهورية الفيليبين، معاهدة مع منظمة العمل الدولية تحمي حرية العمل النقابي، وتعديل لقانون العمل يصون الأجر وحقوق الأجراء، وملف متكامل عن التغطية الصحية الشاملة للبنانيين المقيمين، وشكويان متطابقتان من قيادة الاتحاد العمالي العام ومن جمعيات أصحاب الأعمال لدى منظمة العمل الدولية ضد الدولة اللبنانية تستوجبان المتابعة.
في نفس نحاس أمنية أخرى، مرسوم بدل النقل «الباطل وغير الدستوري والمخالف للقانون». حتى اللحظة الأخيرة من وجوده في الوزارة، أصرّ نحاس على موقفه. «أعفيتَ أنت من مهانة توقيعه». بدا كأنّ في نفسه حرقة، وما لم يقله الوزير المستقيل لسلفه علناً: «لا تتردّد في رفض مخالفة الانتظام العام».
«ستسمع كلاماً عنصرياً مقززاً». قد لا يتوقّف كثيرون عند هذه العبارة التي قالها نحاس، إلا أنها دفعت أيضاً سليم جريصاتي إلى «البلع بريقه». كان شربل نحاس منهكاً أمس، وقد أفضى بكل ما في قلبه حول سوداوية الوضع في وزارة العمل.
أما جريصاتي، فحاول الدخول إلى الوزارة موحياً أنه عالم بالأمور وسيرها. كرّر «أعرف» تسع مرّات: أنّ ثمة «مسائل كثيرة تحتاج إلى عدالة اجتماعية أكثر، وأن الأمن الاجتماعي في لبنان ليس مؤمّناً كما يجب، إن علي الاستمرار مع الوزير نحاس إذا تكرم بذلك للوقوف أكثر فأكثر على تلك الهواجس، إن العمال ينقصهم الحقوق، وإن في بلدي مزاحمة لليد العاملة، حتى قطاع أصحاب العمل يعاني».
قال إنه سيسعى إلى «التغيير والإصلاح ضمن التركيبة الحاضرة»، وكرّر موقفه: «قلت إن الصلابة شيء والحدية شيء آخر. نعم للاستقرار، نعم للتهدئة، لكن لا سكينة قبل أن يتحقق طموح هذه الوزارة».
الثلاثاء ٢٨ شباط ٢٠١٢