إضراب فمؤتمر «من دون غصن»... فحركة نقابيّة جديدة؟
حسن شقراني
يبدو الأمر وكأنّنا عشية الإضراب العتيد الذي كان مقرراً في 12 الشهر الجاري: الاستعدادات على أوجّها لتنفيذ الاعتصام/ الإضراب يوم الأربعاء المقبل. حركة تقودها هيئة التنسيق النقابية (النقابات التعليميّة)، تنضمّ إليها النقابات الأخرى التي وعت حجم المشكلة التي نتجت من وضع جميع الأوراق على طاولة الاتحاد العمالي العام؛ فالأخير لم يُساوم بها بل ساوم عليها.
القضيّة تتعلّق طبعاً بالصيغة الغريبة التي آلت إليها مفاوضات شارك بها رئيس الحكومة والهيئات الاقتصاديّة (أصحاب العمل) والاتحاد العمالي العام: 200 ألف ليرة زيادة الحدّ الأدنى للأجور، 200 ألف ليرة زيادة الاجور التي تراوح بين 500 ألف ليرة ومليون ليرة و300 ألف ليرة زيادة على الأجور التي تراوح بين مليون ليرة و1.8 مليون ليرة. صيغة رضيت بها قيادة الاتحاد على نحو مشبوه، رفضتها الهيئات الاقتصاديّة من منظورها الخاص، وفرضتها حكومة الرئيس نجيب منقسمةً على الشعب اللبناني. مسوّدة مرسومها سيرفعها وزير العمل، شربل نحاس، لتتحوّل مرسوماً يُقرّ ويشمل القطاع الخاص فقط، بعدما أسقطت طروحاته التغييريّة، بل الثوريّة، رياح السياسة التي تحمل الروائح الكريهة. هذا المسار الذي سلكته المفاوضات على حقوق العمّال مثّل صدمة حقيقيّة ليس فقط للنقابات التي سلّمت شؤونها للاتحاد العمالي العام، وتحديداً رئيسه غسّان غصن، بل للشعب اللبناني بمجمله الذي اكتشف أنّ صيغة ما يُسمّى «تصحيح الأجور» لن تؤدّي سوى إلى مشاكل إضافية في نسيج الشركات، ليبدو أنّه مشروع فتنة وليس مشروعاً تصحيحياً! «هذا القرار لن يمرّ بسهولة» يُعلّق رئيس رابطة أساتذة التعليم الثانوي، عضو هيئة التنسيق النقابيّة، حنّا غريب. «الاستعدادات على أوجها والهيئات بدأت بحسم مواقفها الإيجابية للمشاركة في إضراب يوم الأربعاء المقبل الذي سيترافق معه اعتصام أمام السرايا الحكومية». حتّى الآن أعربت هيئة التعليم الثانوي والمهني عن مشاركتهما، فيما تعقد هيئة القطاع الخاص جمعيّة عموميةً غداً، ويحسم القطاع الإداري شؤونه الإثنين المقبل. والجميع متّجه نحو الإجماع على رفض الصيغة المهينة التي أقرّها مجلس الوزراء: إجماع سينتج منه «أكبر اعتصام في تاريخ لبنان»، يجزم حنّا غريب، «لكسر القرار وإعادة احتساب معدّلات التضخّم التي فاقت 100% منذ آخر تصحيح للأجور واحتساب الزيادات على أساس الشطور والنسب المئوية ورفض المبالغ المقطوعة». وليس الأساتذة وحدهم من سيكون في الإضراب، فحركتهم نواة جذب لطيف الحركة النقابية الذي يبدو أنّه انقسم عن الاتحاد العمالي العام/ غسّان غصن؛ هذا الطيف سيشارك في الاعتصام المقبل ويشمل «الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين» وصولاً إلى «التكتل النقابي المستقل». ويزداد الغضب النقابي تحديداً، بعدما يتبيّن أنّ اللقاءات التي لحقت القرار تحت مزاعم تصحيحه لا تؤدّي إلى أي نتيجة إيجابيّة. فرغم أنّ غسّان غصن أكّد بعد لقائه نجيب ميقاتي أوّل من أمس، أنّ البحث في التصحيح يسير لمعالجة خلل القرار في ما يتعلّق بالرواتب التي تفوق 1.8 مليون ليرة، وذكر عبارة «تحديد سقف للزيادة مخالف للقانون»، تُفيد المعلومات بأنّ أجواء اللقاء لم تكن إيجابيّة وأنّ ميقاتي لم يعد النقابي المفترض بشيء. هذا الموقف، المتوقّع بطبيعة الحال بعدما أكّد الجميع في حكومة ميقاتي باستثناء وزراة التيار الوطني الحرّ موافقتهم عليه، أكّده أيضاً وزير الاقتصاد نقولا نحّاس أمس، حين قال إنّ القرار غير قابل للتعديل. كذلك فإنّ المعلومات تفيد بأنّ «حزب الله» و«حركة أمل»، الحزبين من ذوي الأوزان الثقيلة في الحكومة، تشير إلى أنّ هناك ضغوطاً باتجاه إنهاء السجال والقبول بالأمر الواقع بل حتّى ممارسة ضغوط على النقابيين لحسم النقاش. لكن للنقابيّن رأياً آخر؛ يتحدّث حنّا غريب بغضب من كيفيّة تعاطي الحكومة مع التنظيم النقابي الذي ينتمي إليه والذي خالف الاتحاد العمالي الذي يبدو أنّ السياسة دجّنته إلى أقصى حدود. «نحن أكبر تنظيم نقابي في لبنان ويرفضون استماع وجهة نظرنا!». وجهة النظر هذه ستعلو الأصوات بها في المؤتمر النقابي العام الذي تنظّمه هيئة التنسيق في 30 من تشرين الأوّل الجاري؛ وللمناسبة فإنّ قيادة الاتحاد العمالي العام بصيغتها الحالية لم تعد مدعوة إلى المؤتمر ولم يعد هناك كلمة يلقيها غسان غصن. وبالتوازي مع هذا الحراك، هناك تحرّك قانوني يتجه للطعن بقرار الحكومة على أساس أنّه غير عادل. ففور صدور المرسوم عن مجلس الوزراء يُمكن الهيئات الاقتصادية الطعن به على اساس أنّه يُعدّ غير دستوري، كيف؟ «يحقّ للحكومة فقط أن تُعدّل الحدّ الأدنى للأجور، لكن لا يحقّ لها تعديل الشطور في القطاع الخاص»، يوضح وزير المال السابق، الياس سابا. يقول: «يقع في إطار مسؤولية الحكومة ضمان تأمين حدّ أدنى كاف للمواطنين على صعيدين: الحد الأدنى للأجر النقدي، وتأمين الخدمات العامّة من طبابة ونقل وعلم...». أمّا على صعيد تعديل الأجور في القطاع العام، فيُمكن الدولة إقرار ما ترتئيه لأنّها ربّ العمل؛ بيد أنّه حتّى بدء العمل على آلية تصحيح الأجور في القطاع العام، التي للمناسبة أسقطت من قرار الحكومة لتعقيدها، لم يبدأ بعد في أروقة وزارة المال! إذاً، الصورة حالياً هي كالتالي: فيما تتجه الحكومة لإقرار مرسوم مبتور، تتربص به الطعون القانونيّة وأيضاً الحركة النقابيّة التي تكثّف لقاءاتها مع وزراء جميع الأطياف السياسية، بحسب حنّا غريب. لكن ربّما تشكّل هذه المرحلة نافذة لإعادة تقويم العمل النقابي نحو سكّة أكثر شفافيّة، فالمؤتمر بنهاية ااشهر الجاري لن يشمل فقط موضوع تصحيح الأجور بل حتّى حقّ التنظيم النقابي، يختم حنا غريب. ليبدو أنّ ما بعد المؤتمر لن يكون كما قبله، نقابياً بالحدّ الأدنى.