أن تكون لبنانيّاً

خالد صاغية

فيما الشباب العرب يعرّضون حياتهم للخطر للمطالبة بالحريّة والديموقراطية، يتابع الشباب اللبناني رحلته مزهوّاً نحو التحوّل إلى قطيع. يزداد التحلّق حول الزعيم بصفته الراعي الصالح والعنوان الوحيد للعمل السياسي الذي يحمل برنامجاً معلناً واحداً هو الولاء المطلق. فيما يصرّ العرب على خوض امتحان التعدّدية والتعايش في مرحلة ما بعد الديكتاتور، رغم كلّ الإرث الثقيل للتحالف بين التكفيريّة والأنظمة البائدة، لا يملك «لبنان ـــــ الرسالة» أيّ نموذج يقدّمه. فهو ما كاد يخرج من حرب أهليّة غلب عليها التقاتل الإسلامي ـــــ المسيحي، حتّى دخل حرباً أهليّة باردة غالباً، استوحت الصراع السنّي ـــــ الشيعي الذي تفجّر مع الاحتلال الأميركي للعراق، وهو صراع لم يملك المسيحيّون اللبنانيّون فيه إلا موهبة صبّ الزيت على النار. فيما تتأسّس عشرات الأحزاب العربيّة، يساراً ويميناً ووسطاً، علمانيّة وإسلاميّة، تتحوّل الأحزاب اللبنانيّة إلى لزوم ما لا يلزم، وينصرف الشباب إلى جنّة الجمعيّات المدفوعة الأجر غالباً، أو إلى اللهاث وراء فتات المناصب الرسميّة أو شبه الرسميّة. فيما ساحات العالم العربيّ تطلق هتافات الحريّة والوحدة الوطنيّة، تحوّلت ساحاتنا إلى منابر لبثّ الكراهية والعنصريّة وذبح ما بقي من وحدة للنسيج الاجتماعي اللبناني. لم يكن لبنان يوماً باهتاً وعاجزاً وفاقداً لأيّ معنى وأيّ دور، كما يبدو الآن. لم يكن التباهي بـ«واحة الحرية» وريادة التحديث في المنطقة أجوف يوماً، كما يبدو الآن. لم تكن الحياة السياسيّة اللبنانيّة معلّقة وغير ذات موضوع، كما هي الآن. والأكثر مدعاة للأسف هو أنّ الانقسام الأهلي اللبناني نجح في تحويل الثورات العربيّة نفسها إلى مادّة تجاذب، لا تحتقر الشعوب المنتفضة وحسب، بل تحوّل نضالاتها وتضحياتها إلى ترّهات تصرَف في زواريب الطوائف المتحاصصة. عدم تأليف حكومة في لبنان ليس الحدث، بل العارض لأمراض أخرى ليس أقلّها خطورة غياب أيّ وظيفة لحكومة كهذه. وليس صدفة أن نقف اليوم أمام معارضة مرتاحة إلى عدم التأليف، وأكثريّة غير راغبة في التأليف، تكلّف رئيس حكومة سعيداً بلقب «المكلّف» وغير راغب في ممارسة مهمّاته قبل أن تتّضح الصورة في المنطقة. وهي صورة لن تتّضح قريباً، وإن اتّضحت، فسيتّضح معها لامعنى أن تكون لبنانيّاً اليوم.

الأكثر قراءة