لا يوجد في لبنان حتى اليوم قانونٌ موّحدٌ للأحوال الشخصيّة، فكلُّ طائفةٍ تتبع قوانينها الخاصة المستمدّة من الشريعة للمحمديين، ومن الكنيسة للمسيحيّين. وبما أن في لبنان اليوم 18 طائفة، فثمة 18 محكمة روحيّة، لها قوانينها الخاصة وقضاتها وطرق تنفيذ أحكامها، لذا تمّ اقتراح عدة مشاريع قوانين حول الاحوال الشخصية والزواج المدني، ما يوّحد اللبنانيين في حقوقهم وواجباتهم. تاريخ الزواج المدني مشروع قانون الاحوال الشخصية والزواج المدني الاختياري، في لبنان ليس حديثًاً، فهو يعود إلى سنة 1951، حيث نوقش في البرلمان لمرات عديدة ثم رفض، وعام 1960، بدأت جمعيّات علمانيّة، تطالب به من جديد عبر التظاهر، وعاد ليطرح في البرلمان من جديد سنة 1975، لكنه أثار جدلاً كبيراً، كما طرح في عهد الرئيس الراحل الياس الهراوي، بواسطة كتلة نواب الحزب السوري القومي الاجتماعي، وأخذ أصداء كبيرة من الموالين والمعارضين. أمّا اليوم، يعود هذا المشروع ليطرح من جديد، عبر تظاهرات شبابية في بيروت وفي المناطق اللبنانية كلها. كما إن أهم تعديل طال مشروع الزواج المدني في لبنان، جعله اختياريّاً وليس إلزاميّاً كما في الخارج، إرضاءً لرجال الدين لأسبابٍ عديدة، وبما أن غالبية المعارضين للزواج المدني في لبنان يرون فيه دماراً للعائلة لأنه يسهّل الطلاق، فقد جاء في بنود قانون الزواج المدني أنه عقدٌ بين طرفين لإنشاء عائلة. تيار المجتمع المدني، يحمل بقوة مشروع الزواج المدني، ويحارب من أجل إقراره قانونياً في السلطة التشريعية في لبنان، على الرغم من صعوبة المشوار، إلا أنه وناشطين في هذا التيار، يهدفون إلى فتح «كوّة» في جدار التغيير التشريعي، وسط مجابهةٍ عامودية من «السلطة الدينية»، وسط تشكيلٍ طوائفي، من 18 طائفة، يتشكل منها المجتمع اللبناني. ويجول ناشطون من تيار المجتمع المدني، حاملين «خيمةً» في كل المناطق اللبنانية، بهدف تعريف المواطنين على أفكارهم، وكانت محطتهم الرابعة في زحلة أول من أمس قد حملت عنوان: «عروس البقاع بزواجٍ مدني». عبدالله باسل عبدالله، ناشط ومنسق تيار المجتمع المدني قال لـ«البناء»: «إن البند التاسع من القانون اللبناني يقول بـ«حريّة الاعتقاد والزواج المدني الاختياري الذي يندرج تحت هذه الحريّة، فجميع القوانين الدينيّة تبني حاجزاً في وجه الزواج من طائفة أخرى، لذا يسافر كثيرون من اللبنانيين ليتزوجوا مدنياً. ويبدو الزواج المدني حلاً يوّحد اللبنانيين ويساوي بينهم في القانون، كما أنه يضمن حق المرأة وينقذها من التمييز الواقع عليها، لذا يجوز لنا التساؤل لماذا رفض مشروع الزواج المدني من قبل رجال الدين؟». أضاف عبدالله: «إن هدفنا من هذا الحراك المستمر، وورش العمل، تعريف المجتمع المدني على الزواج المدني، وانه الحل الأنسب لمشاكلنا الطائفية، التي نهدف إلى إلغائها، وإسقاط النظام الطائفي، وبناء دولة المواطنة، التي ترتكز إلى قوانين مدنية تنظم علاقة الفرد مباشرةً مع الدولة». كما لفت إلى «وجوب إقرار هذا القانون الموجود في أدراج مجلس النواب، في اللجان النيابية المشتركة سريعاً». وتحدث عبدالله عن «إحصاء ميداني لطلاب الجامعات الرسمية والخاصة، أجري مؤخراً، وشمل نحو 1000 طالب وطالبة، «وجدنا أن 58 % منهم مع الزواج المدني، فيما الـ42 % فإن مشكلتهم تكمن في تربيتهم على النظام الطائفي، وهذا يعود بشكل أساسي إلى الحرب الأهلية التي مرّ بها لبنان». وفيما أكد عبدالله «العمل على فك الحواجز أمام القبول بالزواج المدني وتطبيقه»، رأى «أن القانون المدني للأحوال الشخصية، هو أحد المحاور الأساسية لبناء الدولة المدنية في لبنان، تماماً كالتربية على المواطنية». وختم باسل عبدالله: «هناك أربعة محاور أساسية لتحقيق العبور نحو الدولة العلمانية وهي: التثقيف على مفهوم العلمانية ذات الحياد الإيجابي تجاه جميع الأديان والمعتقدات، وقانون انتخابات نسبي خارج القيد الطائفي على أساس لبنان دائرة واحدة أو دوائر موحدة». لزّيق جاد لزّيق، منسق لجنة النشاطات في تيار المجتمع المدني قال لـ«البناء»: «إن مشوارنا مع هذه النشاطات مستمر في كل مناطق لبنان لبلوغ أهدافنا، ونسعى إلى إقرار قانونٍ اختياري ولا إلزامي للزواج المدني، لأنه يحدّ من الطائفية في لبنان»، قاصوف ماريا قاصوف، الناشطة والمنسقة في تيار المجتمع المدني في زحلة قالت لـ«البناء»: «حان الوقت للتفكير بطريقة مدنية، مع أن عقد الزواج المدني يختلف عن العقد الكنسي أو الإسلامي، فالعقد المدني يساوي بين المرأة والرجل، وبين أفراد المجتمع المدني». ولفتت إلى وجود قوانين في لبنان لا تزال مجحفة بحق المرأة، وقالت: «من هنا فإنني أفضّل الزواج المدني، وسأتزوج مدنياً، لأنه يُشعرني بالطمأنينة والأمن والأمان»، مشيرةً إلى «أنه يتناقض مع تعدد الزوجات، لأن الزواج يرتكز إلى متانة العلاقة بين شخصين». وختمت قاصوف: «نعمل على المطالبة بإقرار قانون الزواج المدني، ليكون نموذجاً ومدخلاً لتطبيق الدولة المدنية، من أجل الانصهار والحدّ من الطائفية». صعب بشرى صعب ناشطة أخرى، قالت لـ«البناء»: «إن الزواج المدني هو حق من حقوق المواطنة، ومن البديهي المطالبة به، نعم، أريد الزواج المدني، ومن غير المقبول تطبيق قوانين غير لبنانية على الأراضي اللبنانية. فالزواج المدني لا يتناقض مع الزواج الديني، لأن وظيفته وبيئته العلاقة المدنية مع الدولة». وأكّدت صعب: «اننا نعمل ومن خلال AffinityCMSتنا على المناطق اللبنانية، لتعريف المواطنين على مفهوم الزواج المدني، لأن البعض منهم لديهم أحكام مسبقة عليه، إذ يحكمون عليه بـ«الإعدام»، وانه يتناقض مع مجتمعنا الشرقي، مع أن الكثيرين من هؤلاء تزوجوا زواجاً مدنياً، خارج لبنان، أما نحن فنريد تطبيقه في لبنان»، لافتةً إلى «أن الزواج المدني لا يضر بالعائلة كما يدعي البعض». بيضون ملاك بيضون ناشطة ومشاركة جنوبية في خيمة الزواج المدني التي نصبت في وسط عروسة البقاع زحله، قالت لـ«البناء»: «إن النواب الذين التقيناهم في مجلس النواب ولم يصوتوا على مشروع إقرار قانون الزواج المدني، متزوجون زواجاً مدنياً، وهذا «خبث» في مفهومهم، في القبول أو عدمه، وتناقض في تطبيق القانون». ولفتت بيضون إلى أن القانون موجود في اللجان النيابية المشتركة، لكن إقراره ومناقشته، يصطدمان في عدم اكتمال نصاب الجلسة، مع أن غالبية النواب مقتنعون بالفكرة، وهنا يكمن «الخبث». ووضعت بيضون عهداً على نفسها أنها ستتزوج زواجاً مدنياً، انطلاقاً من «رفضها تدخل رجال الدين»، فالزواج المدني يشعرني بالطمأنينة ويعطيني راحة في النفس، بعيداً عن الروتين الإداري».