انخفاض أسعار العقارات للأثرياء

التراجع ما بين 10 و 20% ... والإمارات وتركيا مقصد المستثمرين

أدت الثورات العربية والوضع اللبناني المأزوم إلى إحداث تغييرات في المشهد العقاري الذي ساد في لبنان خلال السنوات الماضية؛ إذ يلحظ المراقبون جموداً في الأسعار، واتجاهات نحو انخفاض يطال العقارات والشقق الفخمة، قد يمتد إلى تلك الصغيرة، لكن بعد حين

رشا أبو زكي

لم يعد الحديث عن انخفاض أسعار العقارات مجرد شائعة، ولم تعد التوقعات هذه مصبوغة بالأمنيات؛ فبعدما كانت السوق العقارية تتجه نحو ارتفاع جديد في الأسعار، بمتوسط 15 في المئة حتى نهاية عام 2011، تضافرت الأزمة المحلية مع الثورات العربية لتفرض واقعاً جديداً على المشهد السكني في لبنان، مشهد تظهر فيه المؤشرات العقارية أنها إلى انخفاض، والانخفاض هذا يبدأ بالشقق الكبيرة (فوق 300 متر)، لينسحب بنسب أقل على الشقق الصغيرة (أقل من 200 متر).

فالواضح حالياً، أن الطلب على العقارات والشقق الكبيرة ينخفض، في مقابل جمود في الطلب المتعلق بالعقارات والشقق الصغيرة... ومظاهر تراجع الأسعار لن تظهر غداً، ولا بعده، بل في فترة تمتد بين شهرين و 6 أشهر من الآن. وإن كان بعض العاملين في القطاع لا يزالون يراهنون على صعود مقبل في الأسعار، فإن التحليلات المالية والاقتصادية تشير إلى عكس ذلك، لا بل تظهر أن الانخفاض سيراوح ما بين 10 و 20 في المئة على المدى المنظور... وإن كان الخفض سيكون مقتصراً على عقارات الأثرياء ووحداتهم السكنية، فإن الفقراء ستلحقهم «طرطوشة»، لعلها حجر يُبنى عليه أمل بأن يصبح في مقدورهم التملك بأرض أصبحت، عاماً بعد عام، ليست لهم! يرتبط الوضع المالي مباشرة بالقطاع العقاري، وتؤثر بكلا القطاعين الظروف السياسية والأمنية المحلية والإقليمية. وهذا الارتباط، بحسب الخبير المالي وليد أبو سليمان، يجعل من السوق العقارية رهينة عاملي العرض والطلب. أما الواقع القائم خلال هذه الفترة، فيمكن تلخيصه بوجود عرض يقابله تراجع في الطلب، والأسباب متعددة، لكن أكثرها تأثيراً هو العامل الخارجي؛ إذ إن «الاضطرابات» في المنطقة العربية وشمال أفريقيا ووجود «مشاكل» على الحدود اللبنانية ـــــ السورية أدىا إلى تراجع في الاستثمارات الخارجية على نحو ملحوظ، بعدما أصبحت كل من تركيا والإمارات العربية المتحدة المقصد الآمن للاستثمار. ويشير أبو سليمان إلى وجود حديث خلال هذه الفترة عن تصفية عدد من العرب استثماراتهم العقارية في لبنان، إلا أنه ليس ثمة ما هو فاضح حتى الآن... والتأثير الثاني، الناتج من الاضطرابات هذه، يقع على استثمارات المغتربين اللبنانيين الذين يمثلون نسبة ملحوظة في عمليات شراء الوحدات السكنية والعقارات. أما المسبب الثاني للمشهد الجديد في السوق العقارية، فهو الوضع اللبناني المأزوم. ويشرح أبو سليمان قائلاً إن القطاع العقاري هو عمود من أعمدة الاقتصاد في لبنان. والاقتصاد مرتبط بالاستقرار السياسي والأمني. لبنان خلال هذه الفترة ينعم باستقرار أمني، إلا أن الوضع السياسي معقد ويعيش في مرحلة ترقب في ظل الفراغ الحكومي القائم. ويقول أبو سليمان إن أسعار الشقق والعقارات في لبنان لا تزال مقبولة مقارنة بدول الجوار، والارتفاع الجنوني الذي ساد خلال السنوات الماضية كان ناتجاً من عملية تصحيح للأسعار، إلا أن هذه العملية توقفت خلال الأشهر الماضية، ليسود جمود عام لحقه انخفاض بنسبة 10 إلى 15 % في بيروت وضواحيها في الشقق الفخمة والعقارات المرتفعة الثمن. إلا أن الهبوط هذا لن يصل إلى 50 في المئة. أما الشقق الصغيرة، فسيبقى عليها طلب، لكن الأسعار ستشهد ثباتاً في الفترة المقبلة. وإذا استمر الوضع المأزوم في لبنان ومحيطه، فسيطالها الانخفاض. ويلفت أبو سليمان إلى أن هذه المؤشرات لن تبدأ بالظهور إلا بعد ثلاثة إلى ستة أشهر تعقب الاضطرابات والانكماش الحاصل، لكن يمكن أن ترتفع الأسعار بعد هذه الفترة إذا تحسن الوضع الإقليمي والمحلي. إنها المرة الأولى التي تظهر فيها آثار الأزمات في لبنان ومحيطه على القطاع العقاري منذ أكثر من 5 سنوات. هذا ما يشير إليه رئيس شركة رامكو العقارية رجا مكارم، شارحاً أنه لا يستطيع توقع مستوى الأسعار الذي سيسود خلال الشهر المقبل مثلاً، إلا أن الواقع الحالي يشهد جموداً مستمراً بسبب الخوف لدى الناس والهواجس المقبلة من التطورات الحاصلة في العالم العربي من ثورات وتغييرات. ويلحظ مكارم أن القطاع لا يشهد النشاط المعتاد، والطلب تراجع منذ فترة تراجعاً إجمالياً. إلا أن هذه التأثيرات تتركز حالياً في الشقق الفخمة والعقارات المرتفعة الثمن، ولم تطاول حتى الآن الشقق السكنية الصغيرة... لافتاً إلى أن استمرار هذا الوضع والإحجام المتواصل عن الطلب سيجعلان من العارضين في موقع خفض الأسعار لتشجيع المستثمرين واللبنانيين أيضاً على الشراء. أما حجم الخفض المقبل، فهو ـــــ بحسب مكارم ـــــ سيكون بحجم «الشراهة» التي تحكمت بأسعار الشقق والعقارات في السنوات السابقة، بحيث أضيفت نسب مرتفعة عن الأسعار العادلة، وبالتالي من المتوقع ـــــ إذا حصل الخفض ـــــ أن تعود الأسعار إلى المستويات العادلة بانخفاض بين 10 و 20 في المئة. ويلفت مكارم إلى أن المضاربة العقارية تراجعت؛ إذ ثمة إحجام عربي عن الشراء، ولم يستفد لبنان من المشكلات في الدول العربية، ولم يستقطب رؤوس الأموال الهاربة من هذه البلدان بسبب الوضع المحلي المأزوم. أما اللبنانيون المغتربون فيتريثون في الشراء؛ لأن الأحداث المتنقلة أصبحت تعم معظم البلدان، بحيث تجري المفاضلة لمصلحة إبقاء السيولة بدلاً من الاستثمار. الخبير الاقتصادي إيلي يشوعي، يبدو أقل تفاؤلاً؛ إذ يرى أن الأسعار تشهد تراجعاً في المناطق التي لم تشهد إنماءً خلال السنوات الماضية، فيما المناطق الاستراتيجية لم يصلها الانخفاض، بل تشهد تراجعاً في حركة الطلب، فيما العارضون متمسكون بأسعارهم المرتفعة، باستثناء بعض الحالات التي تُعَدّ شواذاً عن القاعدة. ويوضح يشوعي أنه بعد الأزمة المالية العالمية تراجعت الاستثمارات كثيراً إلا في القطاع العقاري، إن كان في لبنان أو في العالم، وذلك بسبب اتجاه المضاربين إلى السوق العقارية والمعادن الثمينة بدلاً من الاستثمار في الأدوات المالية والأسواق المالية، ويضيف: «على المدى المنظور، أي حتى الصيف المقبل، لن نشهد تغييرات. أما بعد هذه الفترة، فلا نستطيع التوقع بسبب المتغيرات المتسارعة التي نشهدها على جميع الصعد».

60 في المئة

هي نسبة استثمارات اللبنانيين المغتربين من الحجم الإجمالي للاستثمار اللبناني في القطاع العقاري؛ إذ إن نسبة اللبنانيين المقيمين الذين يستثمرون في هذا القطاع (أي شراء الوحدات المبنية) تُراوح ما بين 30 إلى 35 في المئة فقط من مجمل العمليات

الجمود ظرفي؟

بعكس معظم المحللين والعاملين في القطاع، رأى الأمين العام لجمعية تجار ومنشئي الأبنية أحمد ممتاز، أن لبنان يشهد «هدوءاً» في الطلب؛ لأن هذا الموسم ليس موسم شراء، لافتاً إلى وجود حالة جمود في أسعار العقارات، ولا سيما الكبيرة والشقق التي تفوق مساحتها 400 متر؛ لأن «سوقها» يأتي في الصيف والأعياد. ويرى ممتاز أن تحريك الوضع السياسي في لبنان يمكن أن يحرّك أسعار العقارات صعوداً، شارحاً أن الطلب على المواد الأولية للبناء كبير عالمياً بسبب إعادة الإعمار القائمة في اليابان، وبالتالي ثمة ارتفاع في أسعار هذه المواد سيُترجم ارتفاعاً في أسعار العقارات والشقق السكنية في لبنان.

الأكثر قراءة