زينب ياغيلا تستثنى من الاحتكار والسيطرة في المراسيم اللبنانية، إلا المواد الغذائية فقط. أما باقي المواد التي يحتاجها كل مواطن في حياته، من محروقات، ومواد بناء، وأدوات كهربائية ومنزلية، فهي تخضع لسيطرة الوكلاء الحصريين، وأصحاب الرساميل الكبرى، من رجال أعمال وسياسيين.وفي ظل غياب الحكومة، وحتى في وجودها ومع غياب أي سياسات اقتصادية أو مالية، ترتفع الأسعار في السوق اللبناني، بشكل جنوني، حتى أصبح كل مواطن، وخاصة إذا كان من ذوي الدخل المحدود، يشعر بأن جهات محددة تساهم في نهب دخله الشهري، الذي يذوب كحبات الملح في الماء.وتلك الجهات نفسها هي التي تمنع حتى الآن إقرار مشروع قانون المنافسة، وتنفيذ قانون إلغاء الحماية عن الوكالات الحصرية.ففي العام 2005 أعد خبراء اقتصاديون، دراسة بعنوان "المنافسة في الاقتصاد اللبناني"، وبتمويل من الإتحاد الأوروبي، تمهيدا لإقرار مشروع المنافسة. وتم في الدراسة إحصاء ما يقارب سبعة آلاف شركة مسجلة بحسب أرقام تسلسلية، وتدفع الضرائب على القيمة المضافة، وقد تبين بموجبها أن ست أو سبع شركات كبرى تسيطر على ستين في المئة من الاقتصاد اللبناني.لكن مشروع المنافسة مازال مع ذلك يتنقل بين مجلس الوزراء ومجلس النواب منذ عشر سنوات من دون اتخاذ قرار بمناقشته حتى اليوم.أما قانون إلغاء الحماية عن الوكالات الحصرية، فقد أقر في مجلس النواب في كانون الثاني من العام 2004، على أن يصبح ساريا بعد أربع سنوات من تاريخ إقراره، لكن رئيس الجمهورية السابق إميل لحود وقتها رد القانون إلى مجلس النواب، بعد الضجة التي أثارها الوكلاء الحصريون، وكان السبب الفعلي انتماء غالبيتهم إلى طائفة محددة، بينما كان السبب المعلن هو منع إغراق السوق بالبضائع "الرديئة"، واستمرار تأمين خدمة ما بعد البيع للمستهلك.ولدى البحث مع عدد من المسؤولين في الشركات الكبرى، اتضح أن الشركات التي تملك أكبر نسبة مبيعات هي شركات استيراد المحروقات والإسفلت، وتضم ثلاث عشرة شركة، والأدوات الكهربائية وتسيطر فيها شركتان، والأدوية وتسيطر فيها ثلاث شركات، والحديد وتسيطر فيه خمس شركات، والزراعة ويسيطر فيها خمسة في المئة من المزارعين على نصف الأراضي الزراعية في لبنان تقريبا.أما الشركات التي توصف بالمفهوم الاقتصادي بالإحتكارية، أي التي لا منافس لها فهي: شركتا الهاتف الخليوي المعروفتان، و"أوجيرو" للاتصالات الهاتفية، و"سوكلين" للتنظيفات، و"ليبان بوست" للبريد، و"الميدل إيست" للطيران. وتشكل تلك الشركات مزيجا بين القطاعين العام والخاص.كما تصنف الكهرباء ضمن القطاعات الإحتكارية لأنه لا منافس لشركة كهرباء لبنان.ويعتبر القطاع المصرفي المسيطر الأكبر على الاقتصاد على اللبناني، لكنه مع ذلك لا يصنف بالإحتكاري، لأن المصارف تعتمد المنافسة النسبية في تقديم الخدمات، وتوجد لها هيئة ناظمة، هي هيئة الرقابة على المصارف. ومن المعروف أن المصارف تسلف الدولة وتشتري سندات الخزينة، وتحصل على أكبر نسبة عائدات سنوية، بلغت العام الماضي مليار ومئتي ألف دولار.13 شركة تسيطر على تجارة المحروقات والإسفلتيوضح رئيس تجمع شركات استيراد النفط في لبنان مارون شماس أن شركات المحروقات تستورد سنويا بين مليون وخمسمئة ألف طن، ومليون وستمئة ألف طن من البنزين سنويا، يضاف إليها ثلاثمئة وخمسون ألف طن من المازوت الأخضر، وما بين 140 و160 ألف طن من الغاز سنويا، فيما تستورد وزارة الطاقة ما يقارب ثمانمئة ألف طن من المازوت الأحمر لاستخدامه في المصانع والتدفئة والآليات، علما أن استخدام المازوت الأحمر مخالف للقانون لأنه يسبب تلوثا كبيرا للبيئة.يتم استيراد المحروقات بالأطنان عبر البواخر من كل من إيطاليا وفرنسا وروسيا، حيث توجد مصافٍ لتكريره، وتبلغ سعة كل طن بنزين، ألف ومئة وستين ليترا، توزع على 58 صفيحة.وعلى الرغم من أن سعر استيراد صفيحة البنزين يقارب الثلاثة عشر ألفا وخمسمئة ليرة، إلا أن تسعيرة الحكومة تصل إلى سبعة وثلاثين ألف ليرة، وهي توزع السعر بين قيمة الإستيراد، وبين الضريبة الحكومية وتبلغ سبعة آلاف وخمسمئة ألف ليرة، والمبلغ الباقي هو من حصة شركات التوزيع والنقل التابعة لشركات استيراد المحروقات وعمولة أصحاب المحطات.ويقول شماس إن شركات استيراد المحروقات تستثمر في قطاع النفط، مثل كل شركات القطاع الخاص في لبنان، مشيرا إلى أنها وضعت استثمارات بقيمة ثلاثة مليارات دولار، لبناء مستودعات التخزين ومحطات التوزيع وتأمين وسائل نقل. ويعتبر أن الحكومة غير قادرة على استيراد النفط لأن كلفة تأهيل كل من مصفاتي الزهراني وطرابلس تبلغ ما يقارب الأربعة مليارات دولار، وبالتالي لا توجد جدوى اقتصادية من تولي الحكومة لعملية الاستيراد.والشركات المعنية هي : شركتا "كوجيكو" و"صيداكو" ممثلتان بالشيخ بهيج رشيد أبو حمزة، شركة "مديترانيان" ممثلة بـكارول ريمون الشماس ومارون نقولا شماس، شركة "وردية هولدينكز" ممثلة بـدانيا عزة نكد، شركة "توتال لبنان" ممثلة بـفنسان كلود موميس وجوزيف انطونيوس جعجع، شركة قبلان انطوان يمين وشريكه، شركة "جيفكو" ممثلة بشوقي يوسف مكرزل، شركة تابعة لأحمد سليم شوكت رمضان، شركة "هيبكو" ممثلة بـجوزيف بولس طايع، "الشركة العربية للنفط" ممثلة بـعبد الرزاق عبد الله الحجه، "شركة عيسى للبترول" ممثلة بـميشال زخيا عيسى، شركة "غاز الشرق" ممثلة بقيصر شحاده رزق الله.والشركات المستوردة للنفط هي التي تستورد الإسفلت في الوقت ذاته.5 شركات تحتكر استيراد الحديدتسيطر على تجارة الحديد خمس شركات كبرى، يمكن ترتيبها، بحسب حجمها، كالتالي: شركة النائب آغوب دمرجيان، وتسيطر تقريبا على نصف تجارة الحديد في لبنان، بعدها تأتي شركة سالم طنوس في المرتبة الثانية، ثم شركة علي الموسوي في المرتبة الثالثة، وشركة رشاد قاسم في المرتبة الرابعة، وأخيرا شركة جان يارد.ويوضح مسؤول مبيعات إحدى الشركات أن كمية الحديد التي تستورد سنويا تتراوح بين ثلاثمئة ألف و350 ألف طن، بينما يبلغ سعر بيع الطن الواحد حاليا تسعمئة دولار.وفي حين تردد أن نسبة أرباح الشركات في الطن الواحد تصل إلى مئتي دولار، يعتبر مسؤول المبيعات أن الأرباح في كل طن لا تتعدى العشرة دولارات، لكن الاستفادة الفعلية تأتي من مصدرين هما: كمية المبيعات الكبرى التي تصل إلى مئتي طن يوميا، بالإضافة إلى وجود مخزون من الحديد لدى الشركات يمكّنها، في حال ارتفاع الأسعار عالميا، من تحصيل ربح في الطن الواحد تتراوح قيمته بين مئة ومئتي دولار.وبعد الحديد، تعد الترابة من مواد البناء الأكثر مبيعا، لكنها مادة غير مستوردة، وإنما تنتجها معامل الترابة اللبنانية.شركات الالكترونياتتنتشر محلات بيع الأدوات الكهربائية في جميع أنحاء الأراضي اللبنانية، لكن شركات الاستيراد والبيع محدودة العدد، وتعتبر أدوات شركة "سامبسون" ووكلاؤها من آل شرفان والطويل، الأكثر مبيعا في لبنان. ويوضح وكيل الشركة أنطوان شرفان أن نسبة مبيعات سامبسون تصل إلى أربعين في المئة من مجموع الأدوات الكهربائية في السوق، بينما تصل قيمة الإستيراد السنوية إلى ستين مليون دولار، وتباع بمئة مليون دولار.وداخل لبنان، تأتي شركة "خوري هوم" في المرتبة الأولى في المبيعات، وهي تسوق جميع أنواع الماركات الكهربائية المستوردة تقريبا. وقد أصبح للشركة ثمانية فروع موزعة على المناطق اللبنانية، وقد تم دمج "شركة حكيم أخوان" معها.ويوضح مسؤول التسويق في الشركة جو قزّي أن نسبة المبيعات تصل إلى ما يقارب خمسة وأربعين في المئة من قيمة السوق. وبعد "خوري هوم"، تأتي "شركة عبد طحان" في المرتبة الثانية في نسبة المبيعات، والباقي محلات بيع صغرى.السيطرة على .. الدواءفي موضوع شركات الدواء الحصرية، يوضح رئيس جمعية مستوردي الأدوية أرمان فارس وهو رئيس مجلس إدارة لثلاث شركات استيراد للدواء، أن شركة "مرساكو" هي أكبر شركة لاستيراد الدواء في لبنان، وتملك ما يقارب العشرين في المئة من حصة السوق، فيما تملك شركتان أخريان عشرين في المئة، وتتوزع نسبة الستين في المئة الباقية، على الشركات الأخرى.ويبلغ عدد شركات الأدوية المسجلة لدى وزارة الصحة مئة شركة، بينها أربعون شركة فاعلة في السوق مسجلة لدى جمعية مستوردي الأدوية، تضاف إليها عشرون شركة فاعلة أخرى لكنها غير مسجلة في الجمعية. أما الأربعون الباقية فهي إما متوقفة عن العمل أو تبيع بكميات ضئيلة. كما يوجد عدد محدود من الشركات غير المستوردة، وإنما تملك أذونات توزيع داخل الأراضي اللبنانية.ويصل عدد الأدوية المسجلة لدى وزارة الصحة إلى ثلاثة آلاف وثلاثمئة صنف دواء، ستون في المئة منها أصلية، والأربعون في المئة الباقية "جنريك". وتقدر قيمة الاستيراد سنويا بستمئة مليون دولار، وقيمة المبيع بخمسة وسبعين مليون دولار.ويسمى الدواء عادة بالأصلي عندما يتم بيعه ضمن فترة الإمتياز لمخترعه، وتبدأ من لحظة ابتكاره كمادة أولية فاعلة إلى أن يصبح دواء صالحا للبيع وهي تستمر ما بين عشرين وبين اثنين وعشرين عاما. بعد ذلك يصبح بإمكان شركات الدواء تصنيع نسخ عنه، فيسمى دواء جنريك.احتكار الأراضي الزراعيةيؤكد وزير الزراعة حسين الحاج حسن أن خمسة في المئة من المزارعين في لبنان فقط يملكون ما يقارب 47 في المئة من الأراضي الزراعية، بينما يملك خمسون في المئة من المزارعين ثمانية في المئة من الأراضي الزراعية، ولا يمكن طبعا إعادة توزيع الملكية.وقد ألغت وزارة الزراعة، بموجب قرار أصدرته، جميع الإجازات التي تسمح لشركات أو مؤسسات محددة باستيراد مواد تدخل ضمن اختصاص وزارة الزراعة وتضم أدوية ولحوما ومنتجات الحليب من أجبان وألبان.ويوضح الحاج حسن أن ما يسمح باستيراده من الآن وصاعدا سوف يكون متوفرا لجميع الراغبين من دون حصرية، أمّا ما يمنع فسوف يمنع على الجميع، باستثناء بعض الأدوية الزراعية التي تصرّ الشركات المصنعة على توزيع وكالتها.