8 مطالب داخلية للحريري ولا اقتراب من سـلاح المقاومة

الحريري وسفير لبنان في واشنطن إدمون شديد (دون إمرت ــ أ ف ب)بعد زيارة الرئيس سعد الحريري الى واشنطن، باتت التكهنات بشأن مصير المساعي السورية ــ السعودية في مرحلة جديدة، وخصوصاً أن الجميع يعيش أجواء استئناف قريب لاتصالات الـ«س ــ س» على مستويات رفيعة، وسط انتظار إضافي لنتائج القمة الفرنسية ـــ الأميركية، التي ستتناول الملف اللبناني من زاوية المساعي العربية القائمة

ابراهيم الأمين

في الحسابات المنطقية يجب ملاحظة أن السعودية كما سوريا وكما الولايات المتحدة وإيران لديها نظرة أشمل إلى الملف اللبناني، وبالتالي فإن أيّ تسوية تسعى إليها وتعمل على ضمان نجاحها ستتضمن العناصر غير اللبنانية أيضاً، وربما هذا بحد ذاته عنصر حاسم في المقاربة القائمة من جانب كل طرف. لكن في نهاية الأمر، هناك لبنان، وفيه قوى رئيسية معنية بالتسوية، وأبرزها حزب الله وسعد الحريري. وكل ما يقع ضمن برنامج الحقوق والواجبات المفترض أن تتضمنه التسوية، سيتحول عملياً إلى أوراق عمل لدى هاتين القوتين، فكيف يتعاملان مع الملف.

أين يقف الحريري اليوم؟

يمثل سعد الحريري بهدوء من دون أيّ مبالغة الزعيم الأقوي بين سنّة لبنان، وهو الأكثر حضوراً عند آخرين من الفئات اللبنانية، حتى قسم كبير من الشيعة يفضل التسوية معه على تجاوزه والعمل مع غيره. وبناءً على ذلك، لا يخشى الحريري انهياراً لقاعدته الشعبية إذا قبل تسوية تصيب شعار الحقيقة، وهو يتكل على أنّه لا منافسين جديّين له في الوسط السني، وأنه في مدينة مثل بيروت لا أحد غير الأحباش يستطيع جمع 500 شخص من أبناء بيروت. وهذا الفريق يعيش أجواء توتر مع الشيعة، وخصوصاً بعد الأحداث الأخيرة. ومع ذلك فإن الحريري لا يريد أن يظهر في موقع المنهزم أمام جمهوره، وهو لهذا سيكون محتاجاً إلى خطوات يثبّت فيها بعض الوقائع: أولاً: أنه رجل الدولة الكبير والمضحي الذي وافق على عدم تحقيق العدالة في ما خص جريمة اغتيال والده من أجل حقن الدماء ومن أجل البلاد. ثانياً: أنه أعاد الاعتبار الى اتفاق الطائف، وألغى مفاعيل 7 أيار من خلال إلغاء مفاعيل اتفاق الدوحة. ثالثاً: أنه فرض بيروت منطقة منزوعة السلاح، وفرض إجراءات على الأرض تُخرج حزب الله من المدينة، وأعاد الاعتبار ولو المعنوي الى جمهوره لكي ينطلق في مواجهات ولو ذات طابع سياسي. رابعاً: أنه في صدد تثبيت الكيان الأمني الخاص بالسنّة، وهو فرع المعلومات، وتطوير الأمر من خلال وضع آلية تتيح لأنصاره الإمساك بقوى الأمن الداخلي ككل لا بالمفرّق. خامساً: أنه سيطلب من الدولة تمويل عدد من المشاريع الإنمائية في بيروت والمناطق من النوع الذي يظهره ساعياً إلى تحقيق مطالب السنّة في العاصمة والأطراف. سادساً: يسعى الحريري إلى حماية الفريق العامل معه منذ اغتيال والده وكذلك الحلفاء، لكنه يسعى الآن إلى أن لا تطيح التسوية عناصر رئيسية في مشروعه. وهو لذلك يقول صراحةً إن طريقة مقاربة المعارضة لملف شهود الزور إنما تريد وضعه تحت رحمة السلطات القضائية وهو لا يريد ذلك. وهو يقول صراحةً أيضاً، وخصوصاً أمام وسطاء، إنه يرفض إحالة ملف شهود الزور على المجلس العدلي لكونه يعتقد بأن الملف سوف يظل مفتوحاً الى أبد الآبدين، وقد تأتي لحظة سياسية يُعاد فيها الملف إلى نقطة حسّاسة، ويُستخدم ضده وضد فريقه، وهو قال لأحد السياسيين المقربين من سوريا إن هذا الملف يعني أنه مثلما حصل مع سمير جعجع عند إحالة ملفه على المجلس العدلي استُعيدت ملفات جرى على أساسها توقيفه. وهذا يعني أنه يمكن أن تأتي لحظة أسجَن فيها أنا وأعضاء فريقي ومعنا مروان حمادة وحتى وليد جنبلاط، رغم أن الأخير يعتقد أنه حمى نفسه من خلال الاستدارة التي قام بها، وموقعه الجديد.

المطالب المباشرة

بناءً على ذلك، يبدو الحريري واضحاً في مطالبه مقابل إعلان موقف رافض مسبّقاً لأيّ قرار اتهامي يتناول لبنانيين ومنها: ــ العودة عن الدوحة وإبطال مفاعيله من خلال تحديد دقيق لمفهوم الحكومة التوافقية، والحصول على تعهدات بعدم إثارة أيّ مطلب لتعديل اتفاق الطائف. ــ إعلان بيروت مدينة منزوعة السلاح، وتعهد حزب الله عدم اللجوء إلى استخدام سلاح المقاومة في الداخل. ــ نزع السلاح الفلسطيني خارج المخيمات، والبحث عن آلية لسلطة فلسطينية متوافق عليها مع الحكومة اللبنانية لتنظيم الوضع داخل المخيمات. ــ إلغاء مذكرات التوقيف الصادرة عن القضاء السوري بحق الفريق الأمني والسياسي والقضائي للحريري. ــ تحويل ملف شهود الزور إلى القضاء العادي. ــ تثبيت شعبة المعلومات وإدخال تغييرات شاملة على بنية قوى الأمن الداخلي، تتمثل في تعيين قياة جديدة يكون فيها وسام الحسن مرشح الحريري لمنصب المدير العام، بعد ترقيته الى رتبة عميد بمفعول رجعي يعود الى الأول من هذه السنة. ــ إقرار الموازنة العامة وإنهاء ملف الـ11 مليار دولار، والتفاهم على إطلاق آلية خصخصة القطاعات الرئيسية في الطاقة والاتصالات. ــ عدم إجراء أيّ تعديل حكومي وإبقاء حلفاء الحريري المسيحيين في مواقعهم، وخصوصاً القوات اللبنانية والكتائب. أما في ما خص المحكمة فإن الحريري لا يزال يميل إلى موقف لبناني عام، يظل محترِماً القرارات الدولية، بما في ذلك ما يتعلق بالمحكمة، لكن مع العمل على تعطيل محاولة استغلال القرار الاتهامي لضرب فئة لبنانية، وهو يعتقد أنه لا يمكن لبنان وقف الإجراءات الخاصة بعملها حتى لو قرّر سحب القضاة اللبنانيين، أو وقف التمويل، وأنّ لبنان لا يمكنه أن يصدر موقفاً ضد العدالة الدولية، وبالتالي على حزب الله الموافقة على صدور بيان حكومي يعلن التزام لبنان القرارات الدولية، بما فيها تلك التي تشمل ملف المحكمة.

ماذا عن حزب الله؟

بالنسبة إلى حزب الله، فإن الصورة تختلف كثيراً، لأن الحزب الذي ينظر الى الواقع اللبناني بواقعية شديدة، لا يتجاهل المتغيرات الكبيرة التي عصفت بالبلاد خلال السنوات الأخيرة، وهو لا يمكنه السير في تسوية كأننا في عام 1992. وهو يعرف أيضاً حجم القدرات المحلية والإقليمية والدولية التي يمكن أن يستخدمها الخصم ضده. ويبرز سعيه الى إنتاج التسوية انطلاقاً من حسابات كثيرة، أبرزها أنّ أولوية المقاومة في برنامج عمله، تفرض عليه العمل على هذا الخط بطريقة خاصة، لكنه يشعر بأنه مضطر إلى مواجهة عناوين داخلية كثيرة، بعدما أظهرت السنوات الماضية أنّ التآمر على المقاومة ليس مسألة خارجية فقط، وأنّ العاملين على ضرب المقاومة في الداخل ليسوا شبكات لعملاء فقط، بل هو بات مضطراً الى القيام بإجراءات داخل الدولة توفّر له الضمانات التي يحتاج إليها في مواجهة الساعين الى ضرب مقاومته. في ما خص المحكمة، لا يريد حزب الله من أحد القيام بمهمة غير ممكنة الآن، لذلك لم يطلب رسمياً إلغاء المحكمة الدولية، وإن كان قد حسم بأنه كقوة سياسية وشعبية لن يتعامل معها، لكنّ حزب الله يريد من الحكومة اللبنانية المبادرة إلى خطوات عملية تعطّل مفاعيل المؤامرة الجديدة الظاهرة من مواد القرار الاتهامي، لذلك فإن حزب الله يريد بوضوح الآتي: أولاً: صدور موقف لبناني رسمي رافض للقرار الاتهامي قبل صدوره، ويترافق مع موقف سياسي يصدر عن الرئيس سعد الحريري، بما يمثله سياسياً وشعبياً، وأن يكون الموقف ضمن رزمة إجراءات تفضي عملياً الى وقف تعاون الحكومة مع المحكمة بوضعها الحالي، وأن يُسحَب القضاة اللبنانيّون من المحكمة، وأن يُوقَف دفع حصة لبنان من تمويل المحكمة، وأن تصدر قرارت بوقف كل أشكال التعاون بين لبنان والمحكمة الدولية على الصعد كلها، وأن يسعى لبنان لدى عواصم القرار الى القيام بكل ما يلزم لمنع تحويل المحكمة الى مصدر فتنة في لبنان، أو مصدر خطر على استقراره. ثانياً: لا يمانع حزب الله تثبيت الوضع السياسي القائم، وحماية مؤسسة مجلس الوزراء كسلطة رئيسية في البلاد، لكنه لا يريد أن يكون تمثيله داخلها هو أو من هم معه من حلفاء على قاعدة شهود الزور، بل يريد شراكة حقيقة، وهذا لا يتحقّق إلا من خلال آلية تأليف الحكومة، ومن خلال التفاهم على برنامج عمل واضح، ومن خلال إعادة الاعتبار الى مجلس الوزراء كمؤسسة جامعة، لا كمؤسسة تخضع لسلطة رئيسها وفريقه. ثالثاً: لا يمانع حزب الله في تقديم ما يلزم من ضمانات بعدم استخدام السلاح في الداخل، وذلك ضمن سلة إجراءات أمنية وعسكرية، تمنع أيّ نوع من التأمر عليه، بما في ذلك إعادة النقاش بشأن دور المؤسسات الأمنية والعسكرية، بما يوفّر الشراكة داخل أطر القرار فيها. رابعاً: لا يعتقد حزب الله أنه سيخوض معركة مفتوحة ومطلقة لملفات مثل ملف شهود الزور وغيره من الأمور المتصلة بالمحكمة، بل هو مستعد على ما أعلن الأمين العام السيد حسن نصر الله لتجاوز الأمر على طريقة عدم محاسبة هؤلاء المتورطين، لكنّ حزب الله معني بتأكيد رد الاعتبار المعنوي والمادي لكل من تضرّر من عمل هذه المجموعة، التي وقفت خلف شهود الزور، وعدم تجاوز هذا الأمر. خامساً: لا يعارض حزب الله إطلاق آلية عمل واسعة لما خص البرامج الداخلية للحكومة، لكنه لا يرى نفسه صاحب قرار مطلق، فيما يقف حلفاء له في وجه لعبة الاستئثار التي يتقنها فريق الحريري. ويعتقد حزب الله أن من الصعب على أحد التفويض إلى أيّ جهة في لبنان بإدارة مستقلة للملفات الاقتصادية والمالية والإنمائية.

ماذا يعني الأخذ بمطالب الحريري؟

واضح أنّ الحريري ومعه السعودية وربما الولايات المتحدة الأميركية يشعرون بصعوبة التهرب من التسوية لأن ثمن عدم حصولها أكبر بكثير من ثمن شروطها، لكن هؤلاء يريدون وضع إطار عامّ من النوع الذي لا يسقط الاتهام عن حزب الله، بل يوقف الملاحقة. وبالتالي، فإن شيئاً من الأهداف الأصلية لن يتحقق، حتى لو كانت المقاومة غير آبهة بكل ما يصدر عن المحكمة الدولية، أو عن مجلس الأمن؟ ثم إن الحريري يحاول الفصل بين إجراء يقوم به هو لناحية الموافقة على وقف التمويل وسحب القضاة اللبنانيين، والموقف الحاسم من رفض عمل المحكمة، ذلك أنّ الخطوة الأولى ممكنة التحقق من خلال تحالف سياسي جديد، ينتقل فيه جنبلاط الى الموقع الآخر، فتكون هناك حكومة جديدة وأغلبية نيابية جديدة تتخذ هذه الخطوات. كذلك، فإن قبول شروط الحريري يعني: ـــــ أن يحصل على المقوّيات المطلوبة له ولفريقه للعودة الى منطق المنازعات السابقة. وهذا يعني أنّ التسوية في هذه الحالة تكون كمن وفرّ للحريري عناصر قوة إضافية (إلغاء الدوحة، ملف السلاح الفلسطيني، تثبيت فرع المعلومات بقيادته ككيان أمني للسنّة في لبنان... إلخ). ـــــ أنّ فريق مسيحيّي 14 آذار سوف يحتفظ بعناصر القوّة نفسها، سواء أكان الفريق الموجود داخل الحكومة والمجلس النيابي (القوات والكتائب) أم فريق الراسب في الانتخابات (فريق الأمانة العامة). ـــــ يأمل الحريري أن يعني قبول حزب الله وسوريا هذه المطالب الدخول في مواجهة مع النائب ميشال عون، الذي لا يرى موجباً لأيّ تنازلات من هذا النوع، عدا أنّ الأمر سيترك انعكاسات سلبية على مستويات أخرى، تخصّ بقية قوى المعارضة. وفي انتظار النتائج يبرز السؤال الآتي: هل التفاوض يحتاج إلى استعراض قوة من جانب أيّ من الطرفين أم لا؟

العدد ١٣١٠ الاثنين ١٠ كانون الثاني ٢٠١٠

الأكثر قراءة