من هي آنا آردين؟ اسمها الكامل Svea Anna Karolina Ardin، التي تقدمت برفقة شابة أخرى تدعى صوفيا فيلين Sofia Wilen بدعوى ضد مؤسس موقع ويكيليكس جوليان أسانج، في الأول من أيلول الماضي، بتهمة الاغتصاب، بعد أن قبل رئيس الادّعاء السويدي فتح القضية، قبل أن تكون في ٢٠ آب الماضي مجرد طلب نصيحة من الشرطة بشأن ما يمكن لهما القيام به ضد الرجل الذي مارس الجنس معهما كلاً على حدة، يومي ١٤ و١٧ آب. لائحة الاتهام لم تتضح بالكامل، رغم الحديث عن عدم استخدام الواقي الذكري مع الأولى، وممارسة الجنس مع الثانية وهي نائمة. الكرة الآن في ملعب القضاء البريطاني الذي سيمثل أسانج أمامه في شباط المقبل، في جلسة خاصة بمسألة ترحيله إلى السويد. في قصر نورفولك حيث يقيم قيد الإقامة الجبرية، منذ إخلاء سبيله بكفالة الأسبوع الماضي، أعلن أسانج خلال مقابلة مع قناة بي بي سي أن «تصريحات الفتاتين تجعله يشعر بعزلة عمّا حوله، وأن محاميه قد يُمنع من الحديث علناً عن الأدلة الموجهة ضده». تزخر المواقع الإلكترونية والمدوّنات بتفاصيل متناقضة عمّا جرى بين أسانج والفتاتين وعن حقيقة الأسباب التي دفعت بهما إلى الادّعاء عليه بتهم الإساءة الجنسية والاغتصاب. لكن الثابت أن آردين هي من أقنعت فيلين بالذهاب إلى الشرطة لطلب المشورة، وأنها هي من اقترحت لاحقاً على فيلين الاستعانة بمحامٍ معروف جداً في السويد، هو كلايس بورغشتروم، الذي تقدم باستئناف لإعادة فتح تهم الاغتصاب. آنا آردين هي إذاً «الصيد الثمين»، ويبدو أن تعاونها مع الحكومات يتعدى فترة تمرّنها في سفارات سويدية عدة حول العالم، قبل أن تصبح سكرتيرة الحزب المسيحي الاشتراكي الديموقراطي في السويد، والمرشحة التي فشلت في الوصول إلى البرلمان في الانتخابات التي جرت في أيلول الماضي. يصعب إعطاء وصف محدد لتلك الفتاة التي سعت إلى تمويه نفسها حين كتبت في موقعها على تويتر: «عميلة للاستخبارات الفدرالية الأميركية، نسوية متطرفة، محبة للإسلام، مسيحية محافظة، مغرمة برجل حتى الموت. هل يمكن أن أكون كل ذلك في وقت واحد؟». ليس مبالغة القول إن هذه الفتاة ستتخطى شهرتها الأميركية مونيكا لوينسكي بأشواط. فعلى الرغم من القاسم المشترك بينهما، الإيقاع برجل شهير عن طريق الجنس، فإن الرئيس الأميركي بيل كلينتون بات من التاريخ، فيما وضع أسانج لموقعه مهمة خطيرة تستحق البحث: إعادة كتابة التاريخ عن طريق تسريب وثائق تكشف الحقائق بعد وقوعها بوقت قليل، وليس حين أن تقرر الدوائر التي صاغتها أن تكشف اللثام عنها بعد مرور نصف قرن أو أكثر على حدوثها. تعرّف آردين عن نفسها بأنها يسارية، مدوّنتها باللغة السويدية http://www.ardin.se/ تعلوها صورة التقطت لها في حزيران عام ٢٠٠٦ في الوسط القديم لمدينة هافانا في عاصمة الجزيرة الشيوعية، وتحديداً في ساحة مشهورة لبيع الكتب. ماذا كانت تفعل آردين في كوبا؟ الإجابة عن هذا السؤال هي في رسالة الماجستير التي كتبتها بنفسها في جامعة ابسالا في السويد ونوقشت في ربيع عام ٢٠٠٧. تحمل الرسالة عنواناً مثيراً: «النظام الكوبي المتعدّد الأحزاب». في تلك الرسالة تكتب آنا: «وصلت إلى كوبا عاقدة النية على البقاء هناك لشهرين، بهدف إجراء مقابلات مع نشطاء حزبيين ومؤيدين للعديد من التجمعات السياسية الكوبية. وبالفعل، التقت آردين بواحدة من أشد المعادين للنظام الكوبي، هي ميريم ليفا القيادية في حركة «داماس دي بلنكو ـــــ نساء بالأبيض» التي تتلقى دعماً مالياً من وكالة الاستخبارات الأميركية. لاحقاً، بادرت السلطات الكوبية إلى الاتصال بها واستفسرتها عن الأشخاص الذين التقتهم، وأوضحت لها أن التأشيرة التي دخلت على أساسها إلى كوبا سياحية، ولا يُسمح لها بأن تقوم بنشاطات أخرى، وأن عليها أن تغادر البلاد. وبالفعل غادرت آردين كوبا، ولكن لا إلى استوكهولم، بل إلى ولاية ميامي الأميركية حيث تقيم أكبر جالية معادية للنظام الكوبي. هناك لم تتورع آردين عن التعاون مع «إرهابي» شهير هو لويس بوسادا كاريلس، المدان بجرائم عدّة أشهرها تفجير طائرة ركاب كوبية قتل على أثره العشرات، وتطالب كوبا عبر الأمم المتحدة بأن يُسلّم إليها أو أن يحاكم أمام القضاء الدولي. في ٢٤ تشرين الثاني الماضي، كتبت آردين في مدوّنتها أنها كانت في مهمة في قرية يانون في الضفة الغربية. والسؤال كيف وصلت إلى هناك؟ تنشط آردين عبر جمعيةKristen Vänster السويدية ضمن برنامج المرافقة المسكوني في فلسطين وإسرائيل. ويعرّف البرنامج عن نفسه بأنه يهدف إلى «مرافقة الفلسطينيين والإسرائيليين في نشاطاتهم السلميّة، وبذل جهود مشتركة تسرّع إنهاء الاحتلال». ويدعم البرنامج «أعمال المقاومة اللاعنفيّة التي يقوم بها ناشطو السلام الفلسطينيون ـــــ من مسيحيّين ومسلمين ـــــ والإسرائيليون، وتوفير الحماية من خلال الوجود السلميّ، والوقوف وقفة تضامن مع الكنائس ومواجهي الاحتلال». في الصفحة الرسمية للجمعية، على موقع فليكر الشهير بنشر الصور، عشرات الصور لآردين وهي تتجول في أسواق رام الله بالحجاب، وصور أخرى تجمعها مع نشطاء مسلمين في إفطار رمضاني في السويد. في تلك الصور ظهرت آردين ضمن أنشطة رسمية، باستثناء صورة واحدة التقطت لها في متنزه عام سويدي مع رفاق لها في الجمعية. في تلك الصورة تظهر جالسة فوق العشب بفستان أسود فضفاض وهي تحاول التقاط موزة رمتها لها إحدى صديقاتها. هذه الصور وغيرها يتناقلها المدوّنون على الإنترنت بسرعة قياسية. واحد من هؤلاء لم يتوان عن نشر العنوان التفصيلي لإقامتها وصندوق البريد الخاص بها ورقم هاتفها الخلوي. «الأخبار» حاولت الاتصال بالرقم المذكور ليتبيّن أنه مقفل. لكن، يبدو أن قصة آردين مع الهاتف هي المفتاح في اللغز الذي أوقع أسانج في الفخ. فلقد تبيّن أن الدعوة الرسمية التي وُجّهت إلى أسانج لإلقاء محاضرة بدعوة من جمعية الاخوة قد تضمنت أسماء ثلاثة أشخاص. الاسم الأخير في الرسالة هو «آنا آردين» بصفتها المسؤولة الإعلامية مرفق برقم هاتف للاتصال بها. وهذا يعني أن آردين كانت على تواصل مع أسانج منذ اللحظة الأولى التي دُعي فيها، وأنها لم تلتقِ به للمرة الأولى في شقتها بعد أن عادت «فجأة» من رحلة خارج استوكهولم. في موقعي تويتر وفايسبوك صفحات كثيرة لآردين. وفيما غابت آردين عن السمع لفترة عبر مدوّنتها الأساسية، عادت قبل أسبوع لتضع تعليقاً ينوّه بموقع http://prataomdet.se الذي أنشأته Johanna Koljonen. يعرض الموقع تجارب شخصية لفتيات تعرّضن للاغتصاب، وتقول صاحبته إنه أنشئ في أعقاب تنامي الحديث عمّا حصل بين أسانج وكل من آردين وفيلين. آردين المعجبة بهذا النوع من المواقع، يبدو أنها ستكون في موقف حرج بعد أن تناقل المدوّنون نصائحها السبع للانتقام من الشريك المخادع، التي اقتبستها عن موقع متخصص في هذه النصائح، وأهمها «التأكد من أن الشريك سيتعذب بالمستوى نفسه الذي تعذبت به».
أسانج والنساءيحرص أسانج على أن يظهر في وسائل الإعلام وإلى جانبه فتاة جميلة. هذا ما حدث في تشرين الثاني الماضي حين قرر أن يتحدث في نادي الصحافة في جنيف، في اليوم الذي سبق مناقشة الأمم المتحدة لسجل الولايات المتحدة الأميركية في حقوق الإنسان. يومها لم يتوقف وميض العدسات عن العبث بعيون أسانج، فيما لم يتوقف هو عن السعال، نتيجة إصابته بالتهاب حاد في القصبة الهوائية. إلى جانبه، جلست فتاة فائقة الجمال، حرصت على العناية الشديدة بالرجل الذي أحاط به الحراس. سكبت له الماء وأشربته بيدها، راقبت مئات الصحافيين الذين غصّت بهم الغرفة الضيقة، كأنها تريد أن تقول: «هذا حبيبي إلى جانبي، لا تنسوا أن تذكروا هذا في تقاريركم». لكن هوية هذه الفتاة لم تعرف بعد. في تلك القاعة، إلى جانب الصحافيين، كان يجلس شاب في مقتبل العمر، لم يسأل ولم يجب عن الأسئلة، بل كان يبتسم مزهوّاً بالنصر الذي حققه. من هو هذا الشاب؟ سؤال تملك «الأخبار» الإجابة عنه. المشهد نفسه تكرر أمام العدسات التي اقتنصت أسانج لحظة خروجه من الحجز البريطاني بكفالة مشروطة، فتاة أخرى جميلة وقفت إلى جانبه، وهو يتحدث عن براءته الأكيدة وعن تخوّفه من أن يُرحّل إلى الولايات المتحدة الأميركية ليحاكم على تهم مزعومة لم يثبت أنه ارتكبها. في قصر نورفولك يعيش أسانج الآن وفي يده سوار إلكتروني لتتبّع حركته، حول القصر أسوار ستحميه لبعض الوقت، لكن الدرس الذي تعلّمه أسانج من السويد هو أن الحماية الكاملة تعني العيش بعيداً عن شقق النساء.
العدد ١٢٩٧ الاربعاء ٢٢ كانون الأول ٢٠١٠