استعرت الحرب على شبكة الانترنت لتتخذ طابعا عالميا. فبعد الهجمة الشرسة التي تعرض لها موقع «ويكيليكس» خلال الايام الماضية، بدوافع سياسية واضحة من جانب الولايات المتحدة، وتواطؤ اوروبي، شاركت فيه حكومات وشركات كبرى، صعد مؤيدو «ويكيليكس»، وأنصار حرية التعبير، حربهم المضادة في محاولة لاستعادة زمام المبادرة عبر شن هجمات على المواقع المعادية لـ«ويكيليكس»، وذلك في إطار «حرب معلومات» تبلورت ملامحها بشكل اكبر مع اعتقال جوليان أسانج في بريطانيا.وفي المقابل، حث مركز «اميريكان انتربرايز» الأميركي اليميني الإدارة الأميركية على الرد بشكل صارم على محاولات «ويكيليكس» الاستفادة من خدمات الدول الأخرى للالتفاف على إجراءات حجبه في الدول الغربية. واعتبر المركز أنه بعد إخراج «ويكيليكس» من المجالات الإلكترونية التابعة للبلدان الغربية الكبرى المستهدفة بشكل أساسي، سوف يلجأ إلى مواقع أخرى على الإنترنت. ودعا المعهد المقرب من المحافظين الجدد الادارة الاميركية الى التوجه إلى الحكومات التي توفر ملاذات آمنةلـ«ويكيليكس» بعبارات لا لبس فيها: «إما أن تكونوا معنا، أو أنتم مع ويكيليكس»، في استعادة للعبارة الشهيرة للرئيس الأميركي السابق جورج بوش عندما أطلق «الحرب على الإرهاب». (تفاصيل صفحة 16).وبعد أيام على بدء نشر «ويكيليكس» البرقيات السرية للدبلوماسية الأميركية، التي أثارت غضب الولايات المتحدة لما تسببت به الوثائق من إحراج لها، وإثر المحاولات العديدة لتضييق الخناق على هذا الموقع، وتزامناً مع اعتقال أسانج، بدأت «مجموعة مجهولة» من القراصنة المعلوماتيين باستهداف شركات الإنترنت التي رفضت التعاون مع «ويكيليكس»، او ساهمت في التضييق عليه، كما ألقوا اللوم على المؤســسات الأميركية لمحاولتها عرقلة خدمات هذا الموقع.ومن بين الأهداف التي استهدفتها الحملة المضادة تحت عنوان «اوبيريشون بايباك (عملية الرد)»، موقعي شركتي «ماستر كارد» و«فيزا»، اللذين خرجا، أمس الأول، عن نطاق الخدمة لساعات عديدة، جراء هجمات الكترونية شنتها المجموعة الالكترونية المجهولة احتجاجاً على قرار وقف المساعدات التي تمنح لـ«ويكيليكس» عن طريق بطاقات الائتمان. وفي تطور لافت، جرى الاعلان امس عن اعتقال فتى في السادسة عشرة من العمر في مدينة لاهاي الهولندية بتهمة المشاركة في حرب الانتقام الالكترونية هذه.وكانت المجموعة نجحت قبل أيام في شل خدمات موقع «بوست فاينانس»، والموقع التابع لمكتب الادعاء السويدي وموقع الحكومة السويدية، فيما رجح محللون أن يكون هدفها الجديد موقعي «تويتر» و«فايسبوك» للتواصل الاجتماعي، اللذين أعلنا تعليق عضوية من يقف وراء الهجمات الالكترونية الأخيرة، فضلاً عن شركة «باي بال» التي قررت قطع الروابط عن موقع «ويكيليكس» لمنعه من تلقي التبرعات، وذلك بطلب من وزارة الخارجية الأميركية. وبذلك يكون «ويكيليكس» قد فقد كل قنوات التبرّع الالكتروني، باستثناء تلك التي ما زالت توفرها شركة «فلاتر»، وهي شركة سويدية بريطانية تقوم بتشغيل نظام التبرعات عن طريق الانترنت.ونقلت صحيفة «الغارديان» عن متحدث باسم مجموعة القراصنة، أطلق على نفسه اسم «كولد بلود» (22 عاماً)، وهو مهندس برامج معلوماتية، إنّ هذه المجموعة هي عبارة عن عصابة كبيرة يتشارك افرادها الأفكار ذاتها، ويرغبون في أن يصبحوا قوة لـ«الفوضى البناءة». وأوضح «كولد بلود»، الذي يعيش في لندن، أنه لا توجد هيكلية قيادية للمجموعة، مشيراً إلى أنّ غالبية أعضائها هم من المراهقين «الذين يحاولون بمعرفتهم المحدودة أن يؤثروا على ما يحدث».وأشار «كولد بلود» إلى أنّ المجموعة المجهولة «ولدت في العام 2003 تحت تأثير منتدى (فورتشن) الخاص بالقراصنة المعلوماتيين»، لافتاً إلى أنّ المجموعة سميت بـ«المجهولة» إكراماً لمنتدى «فورتشن»، إذ ان بعض المنتسبين الذين كانوا يرفضون التصريح عن أسمائهم يختارون لأنفسهم صفة «مجهول».ويؤكد «كولد بلود» أن دعم «المجموعة السرية» لـ«ويكيليكس»، الذي نفى أي صلة له بها، يعد من بين «أبرز اهتماماتها في الوقت الراهن». ويوضح «نحن ضد تدخل الحكومة والمؤسسات في مسائل الإنترنت، ونعتقد انه «يجب ان تكون (الشبكة الالكترونية) مفتوحة للجميع... وعلى الحكومة ألا تُخضع المواقع للرقابة لأنها لن تتوافق معها».وتشير المجموعة إلى أنها تدعم «ويكيليكس» بغض النظر عن موافقتها او اعتراضها على المحتوى الذي ينشر على الموقع من وثائق، مشددة على أن أعضاءها يرفضون جميع أشكال الرقابة على الانترنت. وتحذر المجموعة من أنه في حال سقط موقع «ويكيليكس» من دون مقاومة، فإن الحكومات «ستعتقد ان باستطاعتها إسقاط ما تريد من المواقع التي لا تتوافق معها».(«السفير»، أف ب،