ستوكهولم ــ قاسم حمادي مثلما كان متوقَّعاً، استجابت الشرطة البريطانية لطلب السويد، وأوقفت، أول من أمس، مؤسس موقع «ويكيليكس» الأوسترالي جوليان أسانج (٣٩ سنة) بتهمتي الاغتصاب والتحرش الجنسي. خطوة تندرج في سياق إسكات أسانج وموقعه الذي بات الأشهر في العالم، لكنها لم تجدِ في مسعاها، بما أنّ وثائق جديدة وحساسة ظهرت في اليومين الماضيين، وبات هناك أكثر من 800 موقع على الإنترنت قررت فتح فضائها لـ«ويكيليكس» لحمايته من القمع. وسلّم أسانج نفسه طواعية إلى أحد مراكز الشرطة البريطانية في لندن، بعدما أعلنت «اسكوتلاند يارد» أنها ستعتقله بمجرد معرفة مكان إقامته للتحقيق معه بالتهم السويدية، وللنظر في طلب ستوكهولم بتسليمه إليها للمثول أمام المدعي العام للدولة. وقرر قاضي التحقيق البريطاني إبقاء أسانج قيد الحجز، وعدم إخلاء سبيله لأسبوع في مقابل كفالة مالية، حتى اتخاذ قرار جديد بخصوص تسليمه إلى السويد. وأول المرحبين بقرار الاعتقال كان وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس، الذي عبّر عن سعادته بالقول «إنه خبر مفرح». هل وقع فاضح أسرار الدبلوماسية الأميركية، أسانج، في فخ نصبته أجهزة الاستخبارات البريطانية، أم أنه بالفعل تحرش جنسياً بسيدتين سويديتين؟ لائحة الاتهام: أين الواقي؟ حصلت «الأخبار» على محضر تحقيق الشرطة السويدية السري، الذي سيُستخدم ضد أسانج في التحقيق والمحاكمة، مع كل من السويدية آنا أردين (٣١ سنة)، التي تتهم أسانج بالتحرش الجنسي، وصوفيا فيلين (٢٢ سنة) التي تتهمه بالاغتصاب. في مطلع شهر آب الماضي، وجّهت «حركة الأخوة المسيحية»، التابعة للحزب الاشتراكي الديموقراطي السويدي، دعوة لأسانج ليحاضر عن موقع «ويكيليكس» والوثائق السرية التي حصل عليها. وافق الرجل، ووصل يوم الجمعة 13 آب إلى ستوكهولم ليحل ضيفاً على الندوة. ولتوفير المصاريف، طلب الأمين العام للحركة المسيحية من أي عضو عنده شقة لا يستخدمها، أن يضعها في خدمة الضيف الأوسترالي ليقضي فيها وقته أثناء زيارة السويد. أوّل من لبى الطلب الشابة آنا أردين، المتحدثة الإعلامية باسم الحركة، وقالت إنها ستتوجه إلى مدينة غوتنبرغ في جنوب السويد ولن تعود إلى العاصمة إلا في مساء يوم الأحد، وأعطت مفتاح شقتها لأحد أعضاء الحركة. وصل أسانج وتوجه إلى شقة أردين ليقيم فيها. ومن دون سابق إنذار، عادت صاحبة الشقة من غوتنبرغ في اليوم نفسه الذي وصل فيه أسانج إلى ستوكهولم، وفتحت باب شقتها ودخلت. اعتذرت عن عدم إبلاغه بأنها ستعود بهذه السرعة، وقضت ليلتها معه. خلدا معاً إلى الفراش ذاته ومارسا الجنس حتى صباح السبت. وبحسب ما تقول أردين في تحقيق الشرطة، فقد طلبت من ضيفها أن يستخدم الواقي الذكري، إلا أنها استيقظت واكتشفت أنه لم يفعل ذلك. لكن أسانج ينفي ما تدعيه أردين، ويؤكد أنه استخدم الواقي بالفعل، لكن أردين لم تنتبه للأمر. ورغم ذلك، لم تتقدم أردين بشكوى بحق أسانج، ولم تطلب منه أن يوضح موضوع الواقي. توجه أسانج برفقة أردين إلى قاعة المحاضرات في العاصمة ستوكهولم، واهتمت به كما كان مطلوباً منها. وأثناء المحاضرة، ظهرت صوفيا فيلين (٢٢ سنة) في الصف الأول بين الجمهور، بعدما حضرت باكراً من مدينة أنشوبينغ في وسط السويد للاستماع إلى أسانج. لفتت سوفيا أنظار العديد من الحاضرين، وخصوصاً أنها كانت ترتدي ملابس تظهر مفاتنها الجسدية بوضوح، كذلك فإنها وقفت مرات عدة أثناء المحاضرة أمام أسانج وأخذت صوراً له. وتقول صوفيا في روايتها للشرطة: «شاهدتُ أسانج على شاشات التلفزيون قبل أسابيع من قدومه إلى السويد، وأُعجبت به وبشجاعته. وفي أحد الأيام أجريتُ بحثاً عن اسمه على موقع غوغل، وعلمتُ أنه سيلقي محاضرة في ستوكهولم. اتصلتُ بالقيّمين على المحاضرة، وعرضتُ عليهم خدماتي، من دون أن أحصل على جواب. اتصلتُ بهم في ما بعد، واستفسرتُ عما إذا كان ممكناً أن أحضر المحاضرة، فأجابوني بأنّ اسمي موجود في أول لائحة الضيوف». وبعدما انتهى أسانج من إلقاء محاضرته، تقدمت صوفيا صوبه، وتلاطفت معه، ثم خرجا معاً وتوجها إلى قاعة كوسمونوفا للأفلام الوثائقية. وبحسب محضر الشرطة، فإن أسانج وصوفيا مارسا الجنس في قاعة العرض على نحو غير كامل. ويذكر تقرير الشرطة كيف تصرفت صوفيا في قاعة العرض بالتفصيل، لكن لم تحصل عملية مجامعة كاملة. وإثر انتهاء العرض، افترقا وذهب أسانج إلى العشاء مع أصدقائه في ستوكهولم. تقول صوفيا إن أسانج لم يتصل بها خلال يومين، ما دفعها إلى الاتصال به صباح الاثنين، وعرضت عليه أن يلتقيا مجدداً. عادت إلى ستوكهولم واصطحبته إلى مدينة أنشوبينغ حيث تسكن. وكشف، في محضر الشرطة، أنها استيقظت صباح نهار الثلاثاء «واكتشفتُ أن أسانج يمارس الجنس معي وأنا نائمة». عاد أسانج أدراجه إلى ستوكهولم على نفقة صوفيا فيلين التي اشترت بطاقة القطار له وودّعته وطلبت منه أن يبقى على اتصال بها. بعد فترة، عاد أسانج إلى ستوكهولم ليحل مجدداً ضيفاً على المتحدثة باسم «حركة الأخوة المسيحية»، آنا أردين، وأقام عندها يوماً أو يومين قبل أن يغادر منزلها لينتقل إلى منزل صديق سويدي يساعده في موقع «ويكيليكس». وتدعي صوفيا أنها، بعدما اكتشفت أن أسانج مارس الجنس معها أثناء إخلادها للنوم، بدأت تجري اتصالاتها لتعرف مَن من النساء قابل أسانج في السويد، لتروي ما حصل معها. وهكذا توصّلت إلى آنا أردين. وتقول أردين، في محضر الشرطة، إنها هي مَن شجعت صوفيا على أن ترافقها إلى مركز شرطة ستوكهولم لتقديم شكوى بحق أسانج بتهمة الاغتصاب. آنا المطرودة من كوبا الشابة صوفيا فيرين وجه غير معروف كلياً في الوسط السويدي. أما آنا أردين، فهي ناشطة نسوية متطرّفة، وعضو في الحزب الاشتراكي الديموقراطي، ومعروف عنها أنها ناشطة بين المنظمات الفلسطينية في السويد، إذ تدّعي أنها مدافعة قوية عن القضية الفلسطينية، وعن الهجمة على الإسلام والمسلمين في أوروبا. وتثير الكثير من المواضيع السياسية والقضايا النسوية على مدوّنتها على الإنترنت. لكنها، بعدما تقدمت بالدعوى على أسانج، أقفلت مدونتها لفترة طويلة، وانتقلت قبل أسبوعين إلى فلسطين لتتعلم اللغة العربية، على أن تبقى هناك لمدة ثلاثة أشهر. والجدير ذكره أن أردين قامت برحلات مشابهة سابقاً، إذ إنها سافرت سنة ٢٠٠٧ إلى كوبا حيث أقامت لفترة، قبل أن تعتقلها السلطات وتطردها بعدما اكتشفت أنها تقوم بحملة دعائية ضد النظام الكوبي، واتهمتها بالعمل لحساب جهاز الاستخبارات الأميركية المركزية «سي آي إيه». من هنا التساؤل: هل زُرعت أردين من الاستخبارات الأميركية، لتشويه سمعة أسانج؟ قبل حادثة السويد بفترة قصيرة، قال أسانج إنه وصلت إليه معلومات تفيد بأن الإدارة الأميركية تعمل جاهدة للنيل من سمعته بطرق مختلفة. إلا أن أردين نفت بعد يومين من تقديم الدعوى بحقه، ما تردد على بعض المدونات السويدية عن أنها عميلة أميركية. ومن المتوقَّع أن تأخذ المحكمة البريطانية قرارها بشأن تسليم أسانج إلى السويد من عدمه في ١٤ من الشهر الجاري. وسارع فريق المحامين البريطانيين عن مؤسس «ويكيليكس» إلى اعتبار أن «قوى الظلامية» هندست اعتقاله، بينما اتهم النائب البريطاني عن حزب العمال المعارض، رئيس اللجنة البرلمانية لحقوق الإنسان، كيث فاز، السلطات الأميركية بالاتكال على بريطانيا لمعاقبة أسانج. دعم سياسي آخر ناله أسانج من الرئاسة الروسية، التي دعا مصدر رفيع المستوى فيها إلى منح مؤسس «ويكيليكس» جائزة نوبل للسلام. أما دولة أسانج، أوستراليا، فقد حمّلت الولايات المتحدة مسؤولية تسريب الوثائق، لأنّ مَن سربها هم أشخاص أميركيون. إلكترونياً، باشر المتعاطفون مع أسانج و«ويكيليكس» حربهم الخاصة على جميع أعداء أسانج، بدءاً بمكاتب محامي آنا وصوفيا، من خلال مهاجمة مواقعهم الإلكترونية عبر الفيروسات، أو عبر مهاجمة موقع شركة «بوستفايننس» للخدمات المالية للبريد السويسري منذ أن أغلقت حساب أسانج. حتى الموقع الإلكتروني لشركة بطاقات الدفع «ماستركارد»، التي جمدت تعاملاتها مع أسانج، قد ضُرب، وتعذر الدخول إليه أمس. وفي السياق، ظهرت مئات المواقع الإلكترونية «المتطوعة» لتنشر وثائق «ويكيليكس» رداً على اعتقال أسانج، وأُعلنَ كذلك أن الوثائق ستُحفَط على ذاكرة أكثر من 20 موقعاً إلكترونياً رديفاً لحمايتها من قرصنة المتضرّرين منها. عدد الخميس ٩ كانون الأول ٢٠١٠