كلما اقترب موعد إصدار المدعي العام دانيال بلمار قراره الاتهامي في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، انهمك الإعلام العالمي بروايات عن الجريمة وظروفها. في ما يأتي نص تقرير أعدّته مجلة «أودناكو» الروسية، يقول كاتبه تييري مايسان إنّ السلاح الذي استخدم في اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري دبّرته ألمانيا
تتبلور كلّ الصراعات التي تدور في الشرق الأوسط اليوم حول المحكمة الخاصة بلبنان. يتوقف عليها السلام، وكذلك الحرب. بالنسبة إلى البعض، يجب أن تؤدي المحكمة إلى حلّ حزب الله، وأن تقمع المقاومة وتؤسس لسلام أميركي. يرى البعض الآخر أنّ المحكمة تهزأ بالقانون للتوصل إلى حلول نظام كولونيالي جديد في المنطقة. أنشئت المحكمة في 30 أيار 2007، عملاً بقرار مجلس الأمن 1757، لمحاكمة الراعين المزعومين لعملية اغتيال الحريري. وقتها، لم يعنِ ذلك سياسياً، أكثر أو أقل من جلب الرئيسين السوري بشار الأسد واللبناني إميل لحود إلى المحكمة، وهما ليسا من المفضّلين لدى المحافظين الجدد. لكنّ التهم لم تُتابَع، لأنّها كانت مبنية على أدلة واهية زرعها شهود زور. مع عدم وجود أي متهم آخر، كان يمكن المحكمة أن تختفي بكل بساطة في دهاليز البيروقراطية لولا تحوّل في الأحداث. تحوّل قذفها مجدداً إلى وسط الساحة السياسية المضطربة في الشرق الأوسط. في 29 أيار 2009، كشف الصحافي إيريك فولاث في «دير شبيغل» أنّ المدعي العام سيتهم بعض قادة حزب الله. في الأشهر الثمانية عشر الأخيرة، كان حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله، يعلن براءة حزبه، ويصرّ على أنّ الهدف الحقيقي لهذه الإجراءات هو قطع رأس المقاومة وتطهير المنطقة أمام الجيش الإسرائيلي. من جهتها، في موجة استقامة مفاجئة، تعهّدت الإدارة الأميركية بعدم السماح لأحد بتجنّب العدالة الدولية. وفي أي مناسبة، فإنّ القرار الاتهامي، الذي يظنّه البعض قريباً، سيوجه الاتهام إلى قادة شيعة باغتيال قائد سُنّي. سيؤدي القرار إلى فتنة، أي إلى حرب أهلية إسلامية، تجرّ المنطقة إلى مزيد من سفك الدماء والعنف.
طريق جديد للتحقيق
فتحت المعلومات التي اكتشفناها مجالاً أمام طريق جديد، وجعلت المرء يسأل لماذا لم يُخَض فيه من قبل. خلال تحقيقنا الطويل، واجهنا عدداً كبيراً من الفاعلين، ما سرّب بسرعة الخبر عمّا نعمل عليه، وأثار حذر من يرون أنّ الأدلة التي تورّط المقاومة اللبنانية تفيدهم. وسعياً وراء ترهيبنا، أطلقت «جيروزاليم بوست»، في 18 تشرين الثاني الماضي، هجوماً استباقياً عبر مقالة أشارت إلى عملنا. بطريقة تشهيرية بحتة، تتّهم كاتب هذه السطور (تييري مايسان) بأنّه تلقى مليون دولار من إيران لتبرئة حزب الله. نصل إلى الحقائق. طلب مجلس الأمن النظر في التصرفات غير المهنية للقضاة والشرطة في لبنان، وعيّن المجلس محقّقين منحهم موارد لم يكن باستطاعة لبنان منحهم إياها. منذ بداية التحقيق، كان متفقاً على أنّ الهجوم حصل عبر انتحاري كان يقود سيارة فان معبّأة بالمتفجرات. أنشئت لجنة الأمم المتحدة للتعويض عن نقص المهنية لدى اللبنانيين. بذلك، يتوقع المرء أن تتبع بدقة الإجراءات الجنائية الكلاسيكية. لكن لم يحصل ذلك. لم يُفحَص مسرح الجريمة فحصاً مفصّلاً، وذلك وفقاً لرسوم السطح التي لم تُمسّ وللصور والأشرطة التي صوّرت ذلك اليوم. لم تُستخرَج الجثث ولم تُشَرَّح. ولفترة طويلة، لم يكن هناك أي محاولة للتأكد من أسلوب العمل. بعد نبذ فرضية القنبلة المزروعة تحت الأرض، قَبِل المحققون بفرضية الفان من دون التحقق منها. لكن هذه النسخة غير قابلة للتصديق، فيمكن أياً كان، عبر النظر إلى مسرح الجريمة، أن يلاحظ الحفرة الكبيرة والعميقة التي لا يمكن أن يسببها تفجير حصل على سطح الأرض. أعادت المحكمة الخاصة بلبنان خلق مسرح الجريمة في 19 تشرين الثاني وراء أبواب مغلقة، بعد إصرار الخبراء السويسريين الذين رفضوا التصديق على النسخة الرسمية. لم يحصل ذلك في لبنان أو في هولندا، حيث المحكمة، بل في فرنسا، إحدى الدول التي تموّل المحكمة. بُنيَت الأبنية التي تحيط بمسرح الجريمة وجُلب تراب من بيروت. أُعيد بناء الموكب، ومن ضمنه السيارة المصفحة. كان الهدف البرهنة على أنّ ارتفاع المباني الباطونية حصر الانفجار، ما جعل من الممكن الحصول على الحفرة. لم يُفصَح عن كلفة هذا الاختبار المكلف. حين ننظر إلى الصور والأشرطة التي صوّرت مباشرة بعد التفجير، أول وأكثر ما يلفتنا هو اللهب. كانت قطع السيارات وأشياء عديدة تحترق. ثم كانت هناك جثث الضحايا: تفحّمت كلّها من جهة، فيما بقيت الجهة الأخرى سليمة. هذه ظاهرة غريبة لا تحمل أي شبه لما يحصل عادة في تفجيرات تقليدية. لا تقدم نظرية أنّ الفان كان يحمل مزيجاً من متفجرات «آر دي إكس»، و«بي إي تي إن» و«تي إن تي»، أيّ تفسير للأضرار التي حصلت. أكثر من ذلك، نستطيع الملاحظة، من الصورة التي تظهر جثة رفيق الحريري، أنّ ساعته الذهبية الخالصة قد ذابت، فيما بقيت ياقة قميصه الفاخر في مكانها سالمة.
ماذا حصل فعلاً؟
ولّد الانفجار تياراً ذا حرارة قوية جداً لفترة قصيرة. وبالتالي، فإنّ الجلد الذي تعرض له تفحّم مباشرة، فيما لم يحترق الجسد تحته. امتصت الأشياء ذات الكثافة العالية (كالساعة الذهبية) الحرارة ودمرت. على العكس، فإنّ الأشياء ذات الكثافة المنخفضة (مثل القماش الرقيق في ياقة قميص الحريري) لم يكن لديها الوقت لامتصاص الحرارة ولم تتأثر. إلى ذلك، تظهر الأشرطة عدداً من الأشلاء التي قطّعت بفعل الانفجار. بشكل غريب، فإنّ مكان القطع خال كلياً من الشوائب، كأنّه حصل على تماثيل طينية. لا أثر لعظام محطمة أو بارزة، أو جلد ممزق. يعود السبب إلى أنّ التفجير امتصّ كلّ الأوكسيجين وجفف الأجساد، ما جعلها هشّة. في الساعات التي تلت، اشتكى بعض الشهود في المكان من رائحة الأمراض المنتشرة. وعلى نحو مغلوط، فسّرت السلطات ذلك بأنّه ردّ فعل نفسي على الصدمة التي عانوا منها. تمثّل هذه الملاحظات أساس عمل أي تحقيق جنائي. كان يجب أن تكون نقطة البداية، لكنّها لم تظهر في أيّ من التقارير التي سلّمها «الخبراء المهنيّون» إلى مجلس الأمن. تحدث الخبراء العسكريون عن نوع المتفجرات التي يمكن أن تحدث هذا الضرر. تحدثوا عن سلاح من نوع جديد. سلاح طُوِّر لعدة عقود ونشرت عنه تقارير في مجلات علمية. إنّ دمج العلوم النووية وتكنولوجيا الصغائر (nanotechnology) يؤدي إلى انفجار يمكن السيطرة على قوته. هذا السلاح مبرمج لتدمير كلّ شيء في محيط معيّن، بدرجة عالية جداً من الدقة. بالاستناد دائماً إلى الخبراء العسكريين أنفسهم، عرفنا أنّه يمكن أن ينتج هذا السلاح أنواعاًَ أخرى من التأثيرات: يحدث ضغطاً قوياً جداً على منطقة الانفجار. ففي الدقيقة التي يتوقف فيها الانفجار، تُدفع الأشياء الثقيلة بعيداً عن الأرض، وبالتالي تطير السيارات في الهواء. هناك حقيقة واحدة، لا لبس فيها: هذا السلاح جُهِّز بكمية قليلة من اليورانيوم المُخصّب، وهو يصدر بالتالي إشعاعات يمكن قياس حجمها. لقد نجا أحد ركاب سيارة رفيق الحريري المصفحة من الانفجار. نُقل الوزير باسل فليحان إلى مستشفى عسكري فرنسي ممتاز للعلاج. ذُهل الأطباء حين اكتشفوا تعرّضه ليورانيوم مخصب. لكن لم يربط أحد ذلك بالهجوم. تقنياً، صُمِّم السلاح على شكل صاروخ صغير، بطول عشرات السنتيمترات. من المؤكد أنّه أُطلق من طائرة بدون طيار. في الواقع، أكد العديد من الشهود أنّهم سمعوا صوت طائرة تحلّق فوق مسرح الجريمة. طلب المحقّقون من الولايات المتحدة وإسرائيل اللتين لديهما أقمار اصطناعية للمراقبة، تزويدهم بصور وثيقة الصلة بالموضوع. في يوم الهجوم، أرسلت الولايات المتحدة طائرة «أواكس» فوق لبنان. المعطيات التي تسجلها هذه الطائرة قد تساعد في تأكيد وجود طائرات تجسس وأيضاً تحديد مسارها. لكنّ واشنطن وتل أبيب اللتين حثّتا بلا كلل كلّ الأطراف على التعاون مع المحكمة الدولية رفضتا الطلب.
قرائن نصر الله
في مؤتمر صحافي عُقد في 10 آب 2010، أظهر نصر الله شريطاً مصوّراً، قال إنّه يعود لطائرات تجسس تابعة للجيش الإسرائيلي، واعترضها حزبه. سُجّلت كلّ تحركات رفيق الحريري على مدى أشهر، حتى آخر يوم، حيث تركزت على المنعطف في الطريق، وحيث كان مسرح الهجوم. لهذا، راقبت إسرائيل المنطقة قبل الاغتيال. ولا يعني هذا، كما أشار السيد نصر الله، أنّهم كانوا وراء الجريمة.
إذاً، مَن أطلق الصاروخ؟
هنا، أصبحت الأمور معقّدة. استناداً إلى خبراء عسكريين، كانت ألمانيا في 2005 البلد الوحيد الذي يمتلك هذا النوع من التكنولوجيا. وبالتالي، فإنّ برلين هي من دبّرت سلاح الجريمة. من هنا، من السهل فهم سبب كون المدعي العام السابق لبرلين، ديتليف ميليس، العضو الأكثر إثارة للجدل في مهنته، حريصاً على ترؤس لجنة التحقيق الدولية. في الواقع، هو معروف بصلته بعملاء استخبارات ألمان ووكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه). عُيِّن عام 1986 لتسليط الضوء على هجوم ملهى (لابيل ديسكو) في برلين. عمل بجدّ على تغطية كلّ البصمات الأميركية والإسرائيلية لاتهام ليبيا وتسويغ قصف قصر معمر القذافي بواسطة سلاح الجو الأميركي. في بداية عام 2000، دُفع للسيد ميليس بسخاء لمهمته كباحث في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى (معهد فكري على صلة بمنظمة آيباك، اللوبي الموالي لإسرائيل)، وفي مؤسسة «راند» (مركز أبحاث مرتبط بالصناعات العسكرية). كل العناصر التي تلقي بظلالها على نزاهته في قضية رفيق الحريري ينبغي أن تكون كافية لإزاحته عن القضية. عمل مع ميليس المفتش غيرهارد ليمان، وهو عميل سري ألماني. لقد أشار شهود، رسمياً، إلى مشاركته في برنامج تديره إدارة جورج بوش في أوروبا. تورّط هذا البرنامج في اختطاف سجناء واعتقالهم وتعذيبهم في «الثقوب السوداء» (مراكز الاعتقال غير الرسمية). ذُكر اسمه في تقرير مجلس أوروبا عن الموضوع. على الرغم من ذلك، تمكن من مراوغة كلّ الإجراءات القضائية المتعلقة بمبرر غياب قدّمه زملاؤه في الشرطة الألمانية. نشر ميليس وليمان فرضية وجود الفان الذي يحتوي على المتفجرات لتشتيت انتباه التحقيق عن السلاح الألماني المستخدم في الجريمة. أخذت عيّنات تراب مختلفة من مسرح الجريمة. في البداية خُلطت، ووُزعت على ثلاثة أوانٍ أُرسلت إلى ثلاثة مختبرات مختلفة. في الإناءين الأوّلين، لم تظهر آثار انفجار. الإناء الثالث احتفظ به ميليس وليمان، وأرسلاه شخصياً إلى مختبر ثالث. هنا، وجدت بقايا متفجرات. في المبدأ، إذا اتخذ قرار اللجوء إلى ثلاثة خبراء قانونيين، يُعتمَد الرأي الغالب في حال عدم الإجماع. لم يحصل ذلك. خرق ميليس وليمان البروتوكولات. اعتقدا أنّ نموذجهما هو وحده الجدير بالثقة، وسحبا مجلس الأمن وراءهما في مسار خاطئ. لقد بُرهن على ميزة تحقيقات ميليس ـــــ ليمان المعيبة إلى حدّ كبير. اعترف خلفاؤهما بصوت مبحوح، وأعلنوا أنّ أجزاءً كاملة من الإجراءات باطلة. بين هذه التلاعبات، ارتبطت الأكثر شهرة فيها بشهود الزور. زُعم أنّ هناك خمسة أشخاص شاهدوا الإعداد للهجوم، وجرّموا الرئيسين بشار الأسد وإميل لحود. وفي الوقت الذي قرعت فيه هذه الادّعاءات طبول الحرب، تراجع محاموهم عن الأكاذيب. بناءً على هذه الشهادات الكاذبة، اعتقل ديتليف ميليس، باسم المجتمع الدولي، أربعة من كبار الضباط اللبنانيين، وسُجنوا لمدة أربع سنوات. في طريقه مع رعاة بقره إلى البيوت، من دون إذن السلطات اللبنانية، احتجز هو أيضاً أعضاءً من محيطهم للاستجواب.
مع مساعديه الذين تحدث بالعبرية بعضهم مع بعض، تلاعب بعائلات الضباط. هكذا، نيابة عن المجتمع الدولي، أظهر لزوجة أحد الجنرالات صورة مفبركة توحي أنّ زوجها لم يخف فقط تورّطه في جريمة قتل، لكنه كان يخونها أيضاً. وفي الوقت نفسه، حاول مناورة ابن «المشتبه فيه»، لكن في هذه الحالة، لإقناعه بأنّ والدته كانت امرأة ذات أخلاق غير حميدة. وحاول إقناعه بأنّ هذا الوضع أدى بوالده اليائس إلى حماقة القتل. وكان هدفه الحث على جريمة شرف في العائلة، وبالتالي تشويه صورة أناس محترمين. الأمر غير القابل للتصديق يتمثّل في اقتراح ليمان الإفراج عن أحد الجنرالات الأربعة في مقابل شهادة زور يدلي بها ضد الرئيس السوري. الآن، يتبين أنّ رفض المحكمة محاكمة شهود الزور، كأنّها تعطي انطباع التستّر على التلاعب، هو في الواقع سعي إلى هدف سياسي مماثل (هذه المرة ضد حزب الله، وربما في المستقبل ضد آخرين). والأسوأ من ذلك أنّ المحكمة لن تسلم جميل السيّد (أحد الضباط الأربعة المحتجزين بصورة غير قانونية) محاضر الجلسات الاتهامية، كأنّها تمنعه من طلب التعويض، ما يجعلها تبدو كأنّها تتغاضى عن أربع سنوات من الاعتقال التعسّفي. من ناحية أكثر إحراجاً، تتهرّب المحكمة من مسؤولياتها. من ناحية، يجب أن تحاكم شهود الزور لإحباط مزيد من التلاعب، ومن ناحية أخرى ترفض إجراء عملية «تنظيف» قد تجبرها على اعتقال المدعي العام ميليس. مع ذلك، فإن ما كشفته «أودناكو» في ما يتعلق بالسلاح الألماني يجعل من الصعب الدفاع عن هذا الموقف. كذلك فإنّ الأوان قد فات: فاللواء جميل السيّد قدم شكوى في سوريا، وقاضي التحقيق اتهم ديتليف ميليس وغيرهارد ليمان، إضافة إلى خمسة شهود زور. يمكن المرء أن يتصور الضجة داخل المحكمة الخاصة بلبنان إذا قررت سوريا مطالبة الإنتربول بالقبض عليهم. ومثلما كان يجب على لجنة ميليس التعويض عن عدم وجود الاحتراف اللازم لدى قوات حفظ النظام والأمن، يجب على المحكمة الخاصة بلبنان أن تتأكد من نزاهة المحاكم اللبنانية المفقودة. لكن هذه الأمور ليست ضمن الأهداف، الأمر الذي يطرح مسألة شرعية المحكمة. ومن الواضح أنّه لا صلة، بأي شكل من الأشكال، للتحقيقات الأخيرة باغتيال الحريري. كل شيء يقود اللبنانيين إلى الاعتقاد بأنّ المعلومات مخصصة لإسرائيل، وفي نظرهم، لا تمثّل المحكمة الخاصة سوى أحد فروعها. في نهاية المطاف، تتسرّب الحقيقة في كل مكان. تكشف أشرطة الفيديو الإسرائيلية للطائرات من دون طيار الصادرة عن حزب الله تورّط إسرائيل في الإعداد للجريمة. تشير الحقائق المكشوفة من «أودناكو» إلى استخدام أسلحة ألمانيّة متطورة. اللغز قد اكتمل تقريباً.
الدور الألماني الملتبس وكاسيزي المؤيّد لإسرائيليتحدث التقرير الروسي عن جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، في مجلة «أودناكو»، الذي أعدّه تييري مايسان، عن دور ألمانيا، ويكتب: «يُتغاضى دائماً عن دور ألمانيا في الشرق الأوسط، لكن من المهم مراقبته قليلاً. بعد حرب إسرائيل العدوانية على لبنان في صيف عام 2006، أعدّت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل قوة كبيرة جداً للانضمام إلى قوات الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل). سيطر هؤلاء الجنود الـ2400 على البنية التحتية لمنع وصول الأسلحة المهربة إلى المقاومة عبر البحر الأبيض المتوسط. وفي هذه المناسبة، أعلنت ميركل أنّ مهمة الجيش الألماني هي حماية إسرائيل، الأمر الذي أدى إلى موجة تمرّد بين الضباط. أرسل المئات منهم رسائل لتذكيرها بأنّهم جنود للدفاع عن وطنهم لا عن بلد أجنبي، حتى لو كان حليفاً. حدث تطوّر غير مسبوق في 17 آذار عام 2008، و18 كانون الأول عام 2010، عندما عقدت الحكومتان الألمانية والإسرائيلية اجتماعاً مشتركاً للوزراء، جرى خلاله تبنّي برامج مختلفة، وخصوصاً في قطاع الدفاع. في هذه المرحلة، يجب ألا يكون هناك أسرار كثيرة جداً بين الجيش الألماني وجيش الدفاع الإسرائيلي. التحقيق الذي أجراه ديتليف ميليس سخيف، نظراً إلى استناده إلى شهود الزور، وتلطّخ سمعته بعد الاحتجاز غير القانوني للجنرالات الأربعة، إلى درجة أنّ مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان المعني بالاعتقال التعسفي، أدان الاستخدام المفرط للقوة». ويشير التقرير مع علامات استفهام إلى رئيس المحكمة القاضي أنطونيو كاسيزي: «الأنباء السيّئة تأتي بالجملة، وامتدت الشكوك الآن إلى رئيس المحكمة أنطونيو كاسيزي. كان هذا القاضي ذو السمعة الحسنة رئيساً للمحكمة الجنائية ليوغوسلافيا السابقة. ويصادف أنّه كان مؤيّداً متحمّساً للاستعمار اليهودي لفلسطين. وبوصفه صديقاً شخصياً لإيلي فيزل، تلقّى كاسيزي ووافق على جائزة شرف قدمها له فيزل نفسه. لو كان الوضع طبيعياً، لوجب عليه أن ينسحب ويستقيل عندما كشف نصر الله عن أنّ طائرات إسرائيلية بلا طيار كانت تستطلع مسرح الجريمة، فضلاً عن تحركات الضحية لأشهر عدة. الأسوأ من ذلك كله، أنّ القاضي كاسيزي يجسّد تفسيراً للقانون الدولي يسبّب الانقسام في الشرق الأوسط. على الرغم من حجب ذلك في سيرته الذاتية الرسمية، شارك كاسيزي في المفاوضات التي جرت في عام 2005 بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي وتلك المطلة على البحر الأبيض المتوسط. أدى تعريفه للإرهاب إلى وصول المناقشات إلى حائط مسدود. وفقاً له، الإرهاب هو حصراً عمل الأفراد أو الجماعات لا الدول. ويترتّب على ذلك أنّ النضال ضد جيش محتل لا يمكن اعتباره «مقاومة» بل «إرهاب». في السياق المحلي، هذا الرأي القانوني يتّسق مع إطار استعماري ويجرّد المحكمة من الأهلية. لا تختلف أساليب المحكمة الخاصة عن تلك التي طبّقتها لجنة ميليس. جمع محقّقو المحكمة الخاصة ملفات ضخمة عن الطلاب اللبنانيين، مستفيدي الضمان الاجتماعي، والمشتركين في خدمات المرافق العامة».
عدد الاربعاء ١ كانون الأول ٢٠١٠