إسرائيل مشغولة بـ«الخطر» الإيراني: هجوم عسكري أو قلب النظام

«11 أيلول الدبلوماسية العالمية»، هكذا وصف وزير الخارجية الإيطالي فرنكو فراتيني تسريبات موقع «ويكيليس» لـ250 ألف وثيقة هي عبارة عن مراسلات بين سفارات الولايات المتحدة في العالم ووزارة الخارجية الأميركية. «11 أيلول» هزّ العالم أمس، وهو ما سعت الولايات المتحدة إلى احتوائه، ولا سيما في ما خص إيران وكلام دول الجوار حولها، الذي كان له النصيب الأكبر من الوثائق، رغم أن الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد سعى إلى التقليل من شأنها

مهدي السيّد كشفت البرقيات السرية التي سربها «ويكيليكس»، أول من أمس، محاولة إسرائيل حث واشنطن على اتخاذ إجراءات اكثر صرامة ضد إيران، مثل فرض العقوبات وقلب نظام الحكم وحتى شن هجوم عسكري على طهران بحلول عام 2011. ويمكن القول إن وثائق «ويكيليكس» لم تترك موضوعاً يخص إسرائيل إلا طرقت بابه، بما ذلك الوضع الداخلي، إذ كشفت وثيقة بلورها السفير الأميركي السابق في إسرائيل، ريتشارد جونز، مقدَّمةً إلى وزارة الخارجية الأميركية، في كانون الثاني 2007، تحليلاً عميقاً للسياسة الإسرائيلية على خلفية أزمة القيادة التي أعقبت عدوان تموز 2006 على لبنان، وعشية نشر استنتاجات لجنة فينوغراد، حيث رأت الوثيقة أن «تقرير فينوغراد يحوم فوق رؤوس إيهود أولمرت، عامير بيرتس، ودان حالوتس، مثل سيف دموقلس». وأضاف جونز، في تقريره، أن سنة 2007 بدأت سيئة جداً بالنسبة إلى الإسرائيليين. كما حلل جونز في الوثيقة السلوك السياسي لإسرائيل مقابل اقتراح الرئيس السوري بشار الأسد الشروع في مفاوضات. وقال في الوثيقة «أولمرت وليفني وافقا على أن المفاوضات مع سوريا هي مصيدة نصبتها دمشق، تهدف إلى رفع الضغط الدولي عنها ونيل حرية عمل أكبر في لبنان. وهم يصرّون على أن المفاوضات لن تكون ممكنة ما لم تقلل سوريا من تأييدها للإرهاب أو تتخذ خطوات مباشرة لإطلاق سراح الأسرى المعتقلين لدى حماس وحزب الله». وتضيف الوثيقة أن «أولمرت وليفني حصلا على تأييد رئيس الموساد مئير دغان لموقفهما، وأن قسماً مهمّاً من المؤسسة الأمنية توصل إلى خلاصة تفيد بأن فحص نيات الأسد يمثل مصلحة إسرائيلية، ربما بواسطة قناة بديلة، من أجل محاولة تعويضه عن طهران». كما تتضمن البرقيات تفاصيل عديدة عن تقديرات زعماء إسرائيل وقادة أجهزة الاستخبارات في الموضوع الإيراني وبالنسبة إلى السبل التي سيحاولون فيها إقناع الإدارة الأميركية بالعمل بقوة أكبر ضد إيران.

وقدر الإسرائيليون، على مسمع من الأميركيين، أن 2010 هي «سنة حرجة» للتصدي لإيران. ونقلت الوثائق عن رئيس شعبة الاستخبارات المنصرف، اللواء عاموس يدلين، تحذيره الأميركيين السنة الماضية من أن «إسرائيل ليست في موضع يمكنها فيه أن تستخفّ بإيران أو أن تسمح لنفسها بأن تفاجأ مثل الولايات المتحدة في عمليات 11 أيلول». وتتضمن الوثائق أيضاً تطرقات واسعة لموقف «الموساد» ورئيسها، مئير دغان بالنسبة إلى النووي الإيراني. وتقتبس عن دغان قوله منذ آذار 2005 على مسمع من سياسيين أميركيين إن «إيران قررت التوجه إلى النووي ولا شيء يوقفها». ويشير المسؤولون الأميركيون في إحدى الوثائق الى أن محافل مختلفة في إسرائيل تعرب عن تقديرات مختلفة بالنسبة إلى وتيرة التطوير النووي في إيران. وأشار أحدهم الى أنه منذ 1993 قدرت إسرائيل أنه في 1998 ستكون لإيران قنبلة نووية. وحسب تقدير خبراء وزارة الخارجية الإميركية فإن «الجيش الإسرائيلي يبدو في نظرنا أكثر تصميماً من أي وقت مضى على التفكير في هجوم عسكري، سواء من جانب إسرائيل أم من جانبنا (الولايات المتحدة)». الحماسة العسكرية تعرض بالقياس إلى التصميم الأقل على الهجوم على ايران في أقسام أخرى من المؤسسة الإسرائيلية الرسمية. وبرأي كاتبي إحدى البرقيات، فإن إسرائيل قادرة على الاستعداد لهجوم في إيران من دون أن يكشف حلفاؤها أو أعداؤها هذه الاستعدادات. ومقابل جنرالات الجيش الإسرائيلي، رأى الأميركيون أن رئيس الموساد «متفائل بنحو مفاجئ» بالنسبة إلى نجاعة العقوبات. وفي لقاء مع مسؤول أميركي، وضع دغان خطة من خمسة عناصر لوقف النووي الإيراني تضمنت تشديد العقوبات، «وسائل سرية»، منع المعلومات والتكنولوجيا عن الإيرانيين، الضغط على المصارف التي تتاجر مع ايران، والقيام بنشاطات واسعة لتشجيع المنظمات الطلابية والمجموعات العرقية داخل إيران على تغيير النظام. ومع ذلك، في نهاية 2009 قدّر الأميركيون أن تفاؤل دغان و«الموساد» تبدد في ضوء حقيقة أن النظام في طهران نجح في التغلب على الاضطرابات في الشوارع وواصل الزخم النووي. في تلك المرحلة، وصف موقف الموساد في الموضوع كالتالي: «ليس ما يدعو إلى الاعتقاد بأن ايران ستفعل شيئاً غير استخدام المفاوضات لكسب الوقت، إذ في سنتي 2010 ـــــ 2011 ستكون لديها قدرة تكنولوجية على تركيب سلاح نووي». وحسب هذا التقدير، تعتقد إسرائيل أنه حتى 2012 سيكون بوسع إيران تركيب قنبلة نووية واحدة في غضون أسابيع وعدة قنابل في غضون نصف سنة. وأثناء لقاء في أيار 2009 بين وزير الدفاع الاسرائيلي إيهود باراك ووفد برلمانيين أميركيين، حذّر باراك من أنه لم يبق حسب رأيه سوى 18 شهراً، أي حتى نهاية 2010، لاتخاذ خيار عسكري ضد إيران. وأضافت البرقية الأميركية بتاريخ الثاني من حزيران 2009 «يقول باراك إن الفرصة لا تزال سانحة ما بين ستة الى 18 شهراً ابتداءً من الآن لمنع إيران من امتلاك أسلحة نووية. وحسب رأيي، فإن أي حل عسكري سيؤدي الى انعكاسات جانبية لا تحتمل». ويقول موقع «ويكيليكس» إن وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس سئل في اجتماع مغلق في شباط عن احتمال شن إسرائيل هجوماً، وردّ قائلاً إنه «لا يعلم إن كان سينجح لكن إسرائيل يمكن أن تنفذ عملية». وأشارت إحدى وثائق «ويكيليكس» إلى أن روسيا عرضت على إسرائيل مبلغ مليار دولار مقابل الحصول على تكنولوجيا خاصة بالطائرات من دون طيار المتطورة، كما عرضت على إسرائيل إلغاء صفقة مع إيران تزود بموجبها الأخيرة بمنظومة الصواريخ الدفاعية من طراز «أس ـــــ 300». جاء ذلك في برقية بعثت بها ممثلة نائبة وزيرة الدفاع الأميركية، إيلين تاوتشر، التي اجتمعت في تشرين الثاني من عام 2009 مع رئيس الدائرة الأمنية السياسية في وزارة الأمن الإسرائيلية عاموس جلعاد. كما يتضح من مذكرة نشرتها أيضاً صحيفة «لو موند» الفرنسية أنه «بحسب الإسرائيليين فإن موقف روسيا من الشأن الإيراني لا يزال غامضاً»، وذلك في مذكرة يعود تاريخها إلى تشرين الثاني 2009، أي قبل عام من إعلان الكرملين تراجعه عن صفقة تزويد إيران منظومة صواريخ دفاعية جوية من طراز «أس ـــــ 300». وكتب في إحدى الوثائق المؤرخة في كانون الأول 2009، أن إسرائيل قلقة جداً حيال ضرورة العمل بكل جهد لربط روسيا بالجهود الدبلوماسية الغربية تجاه إيران.

دير الزور

كشفت إحدى الوثائق عن أن دغان أبلغ مستشارة الرئيس الأميركي للأمن القومي فرانسيس برغوس تاونسند في شهر تموز عام 2007 أن إسرائيل لن تقصف موقع دير الزور، لكن إسرائيل قصفت الموقع بعد ذلك بشهرين. وأضاف دغان أن سوريا تتوقع هجوماً إسرائيلياً عليها ورفعت مستوى جهوزيتها. وادعى دغان أنه على الرغم من أنه ليس مخططاً لتنفيذ غارة كهذه، يتوقع أن يؤدي ردّ سوريا على أي حادث صغير إلى تصعيد سريع. وبحث دغان وتاونسند خلال لقائهما في العقوبات التي فُرضت على إيران والتوتر الأمني بين إسرائيل وسوريا، وفي ما وصف بتنامي قوة الإسلامي الراديكالي في تركيا. وأشار دغان في اللقاء نفسه إلى أن الحلف الاستراتيجي بين سوريا وإيران وحزب الله لن يتغير، وأن الرئيس السوري بشار الأسد يعتقد أن هذه السياسة صحيحة وناجحة. وأضاف أن ثمة اعتقاداً أن في الإمكان الفصل بين سوريا وإيران، وأن هذا هو المفتاح لإضعاف حزب الله. وأردف قائلا إنه «فقط من خلال تطبيق قرارات الأمم المتحدة على لبنان وزيادة الجهود لتفكيك حزب الله سيتمكن المجتمع الدولي من إزالة الصمغ الذي يربط بين إيران وسوريا». وتابع دغان أن «تطبيق هذه القرارات سيزيد الضغوط على الأسد الذي يخشى من أن يحاكَم في قضية اغتيال رئيس حكومة لبنان، رفيق الحريري، أكثر من أي شيء آخر، حتى أن هذا التهديد قد يخيف السوريين بما بكفي لدفعهم إلى الابتعاد عن إيران والاتجاه إلى شريكة طبيعية أكثر، مثل جامعة الدول العربية».

عملية التسوية

كما أعرب دغان عن تشاؤم شديد بالنسبة إلى فرص المسيرة السلمية مع السلطة الفلسطينية. وقال إنه «أمر لن يتحقق». وحسب أقواله، وحدها الأعمال العسكرية الإسرائيلية هي التي منعت سقوط حكم «فتح» في الضفة، مثلما حصل في قطاع غزة. وأضاف أنه من دون إسرائيل ستنهار حكومة السلطة في غضون شهر، والرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) سينضمّ الى «ابنه الغني على نحو غريب» في قطر.

العلاقة مع تركيا

وعن الوضع التركي، قال دغان: «أنا متخوف جداً من تفكك الوسط العلماني هناك تدريجاً، وسيغرق الوضع هناك في التطرف شيئاً فشيئاً»، مضيفاً: «لو أن الجيش التركي كان يتلقى مساعدات مباشرة من الولايات المتحدة، لكان من الممكن أن يعمل بجدية أكثر، وبصلابة، لمنع صعود الإسلاميين إلى الحكم».

نتنياهو: لم نتضرّر

قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إن تسريب الوثائق السرية الأميركية عبر موقع «ويكيليكس» الإلكتروني لم يلحق أضراراً بإسرائيل، لكنه رأى أن على الزعماء العرب التحدث بصراحة مع شعوبهم، في إشارة إلى مطالبة الولايات المتحدة بمهاجمة إيران. ونقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن نتنياهو قوله خلال اجتماع مع لجنة المحررين في وسائل الإعلام العبرية في تل أبيب «لا أعتقد أن إسرائيل تضررت من التسريبات»، لكنه وصف التسريبات بأنها «يوم تاريخي في ما يتعلق بالعلاقة بين الصحافة والدبلوماسية». وتطرق نتنياهو إلى الوثائق التي كشفت أن ملك السعودية عبد الله بن عبد العزيز آل سعود وملك البحرين حمد بن خليفة آل ثاني طالبا الولايات المتحدة بمهاجمة إيران، وقال «إذا قال زعماء مثل هذه الأمور علناً، فإن هذا سيكون تغييراً مهماً، وعندما يكون الزعماء مستعدين لقول الحقيقة لشعوبهم فهذا سيدفع السلام إلى الأمام».

عدد الثلاثاء ٣٠ تشرين الثاني ٢٠١٠

الأكثر قراءة