فداء عيتاني الصورة اليوم كالتالي، رئيس الجمهورية ميشال سليمان زار سوريا بعد سلسلة من المعلومات التي تتحدث عن الاستياء السوري من الخطوات الأخيرة التي قام بها، وبعد توافر معطيات بأن سوريا تفضّل أن يُستعاد حضورها بطريقة ما على المستويات كلها، بما فيها رئاسة الجمهورية. فقطع رئيس البلاد الطريق على أي محاولة للاصطياد في الماء العكر بينه وبين دمشق، وذهب طاوياً المسافة في زيارة معايدة لأهل دمشق. رئيس الحكومة سعد الحريري قرر من روسيا أن هناك أربعة أشخاص لن يسمحوا للحريق أن يلتهم لبنان، وهم إضافة إليه شخصياً، طبعاً، رئيس الجمهورية، ورئيس مجلس النواب نبيه بري، والأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، مستبعداً أن يؤدي صدور القرار الاتهامي إلى نشوب الحريق في البلاد. والضمانة هي الأشخاص الذين ذكرهم. إضافة إلى إعادة الرئيس الحريري خط الاتصال بدمشق، وبدئه تمهيد السبل للتراجع خطوة إلى الوراء تاركاً مساحة كافية لتسوية مزمعة، بعد كل تعنّته الماضي وصلفه، وتخيله بأنه مجرد أن يقول لا فإن الدنيا ستتوقف والأرض ستكفّ عن الدوران. في المقلب الآخر، فإن المعارضة بعد أن استفاقت على ضرورة الدفاع عن الوزير شربل نحاس بصفته الوحيد ضمن تركيبتها القادر تقنياً وسياسياً على مواجهة شراسة فريق فؤاد السنيورة واستغبائه الدائم للمواطنين والقيادات المعارضة على السواء، بعد ذلك، عادت المعارضة وغابت في خدر السجال حول الجزء الشمالي من قرية الغجر، وبقايا أيام العيد. في هذا الوقت، مع اقتراب استحقاق التسوية بين الأطراف المحلية، فإن بعض من لا عمل لهم في فريق رئيس الحكومة وقوى 14 آذار التفتوا إلى ما بقي في جعبتهم من شعارات لم تكسد ولم يحصل عكسها، فلم يجدوا شيئاً على الإطلاق، فراحوا يتحدثون عن الهموم المعيشية للمواطن اللبناني، وهم أنفسهم الذين كانوا إلى لحظة قريبة يدافعون عن رفع الضريبة على القيمة المضافة، وتمويل الهدر الرسمي من جيوب المواطنين. ولتكتمل الصورة لا بد من الإطلالة على نحو العشرة في المئة من المقيمين على الأراضي اللبنانية بصفة لاجئين، إي الفلسطينيين في المخيمات وفي مناطق الوجود، وهؤلاء لا يزالون إلى اللحظة في حسابات السياسيين المحليين، وخصوصاً تيار المستقبل، يعدّون وقوداً لأي صراع مع حزب الله. لكن المصلحة الفلسطينية اقتضت أن يُحيد الوجود الفلسطيني في لبنان عن هذا الصراع الداخلي، وهو ما دفع قوى، على رأسها حركة حماس في لبنان، إلى وضع تصور مكتوب حول الموقف الفلسطيني الذي يجب اتخاذه للحفاظ على سلامة الشعب الفلسطيني في لبنان من ناحية، وللوقوف على الحياد في الملفات اللبنانية الداخلية، وقد عُمم هذا التصور على القوى والفصائل الفلسطينية، ويفترض أن هناك ما يشبه الإجماع على التصور، وإن كان لا يزال النقاش يجري حوله. طبعاً، فإن حماس، من جهتها، لن تقف مكتوفة الأيدي تتفرج على حزب الله يتعرض للهجوم، لكنها أيضاً لن تسمح بأن يتحول الفلسطينيون في لبنان إلى مجرد مرتزقة في صراعات يقف خلفها الأميركيون وحلفاؤهم المحليون، وبعض الضباط السابقين في القوى العسكرية اللبنانية، الذين تحولوا إلى كوادر عسكرية وأمنية لدى تيار المستقبل، يراهنون على أن الشبان الفلسطينيين هم من سيحمل السلاح في المعركة المقبلة، إلا أن هذا الرهان ليس في مكانه على الإطلاق. لا مصلحة لأحد في استمرار التصعيد السياسي في البلاد، خصوصاً أن لا أحد يملك أي آفاق أو مشاريع جدية محلياً، وإذا كانت المعارضة بقواها مجتمعة تبدأ باتهام الآخرين بالعمالة للغرب وللعدو الإسرائيلي، فهي في النهاية تعود كما جرت عادتها إلى تجرع الكأس المرة والجلوس مع هؤلاء، بينما كل الخطابات التي ألقيت على منابر قوى 14 آذار تقود في النهاية إلى الانصياع لأي تمنٍّ ملكي سعودي، والتراجع أمام العاصمة السورية. يبقى أن ما تحاشاه سعد الحريري طوال الفترة الماضية من تكذيب ما قاله الأمين العام لحزب الله بخصوص القرار الاتهامي، عاد ووقع فيه خلال زيارته (الحريري) إلى روسيا، حيث قال إنه لا يعلم مضمون القرار الاتهامي بجريمة اغتيال رفيق الحريري، علماً أنه ترك خلال المرحلة الماضية أتباعه وجماعته يتولّون الرد على ما قاله الأمين العام لحزب الله، من أن الحريري نفسه أبلغه باتجاه القرار الاتهامي إلى لصق العملية بعناصر من حزب الله. في كل الأحوال، فإن الأمور تستكمل استدارة واسعة لتعود وتحط رحالها في دمشق، حيث يبدو أن المسوؤلين اللبنانين لا يستغنون عن القرار السوري بشأن بلادهم وأحوالهم.
عدد الجمعة ١٩ تشرين الثاني ٢٠١٠