الفاتيكان يطلب استقالة صفير

الاجتماع السياسي في بكركي واحد من ثلاثة ردود أفعال قام بها البطريرك  (أرشيف ــ هيثم الموسوي)

سيكون للبطريرك الماروني نصر الله صفير مواقف تصعيدية جديدة في القريب العاجل، الأمر لا يتعلق بجدول أعمال سمير جعجع وسامي الجميل وغيرهما، ولا بالحرية والسيادة والاستقلال والشرق الأوسط الجديد. البطريرك يخوض آخر معاركه دفاعاً عن... كرسيّه

غسان سعود علمت «الأخبار» من مصدر كنسي مطّلع جداً في بيروت والفاتيكان، يقيم على بعد عشرات الأمتار فقط من مسكن البطريرك نصر الله صفير في بكركي، أن اجتماعاً عقد ظهر الأربعاء 20 تشرين الأول، على هامش سينودس أساقفة الشرق في مقر إقامة البطريرك صفير في روما (تحديداً في المدرسة المارونيّة) يعدّ أهم ما حصل على هامش السينودس الحاشد. فقد زار البطريرك أمين سر دولة الفاتيكان الكاردينال برتوني ورئيس مجمع الكنائس الشرقية الكاردينال ساندري. وفي الاجتماع الذي استمر لأكثر من ساعة، طلب الكاردينالان من البطريرك، «بطريقة واضحة وناعمة وصريحة»، الاستقالة. معتبرين أن «الخطوة الكبيرة» ضرورية من أجل تأمين استمرارية البطريركية المارونية. وبحسب المعلومات التي توافرت، حاول الكاردينالان وضع دبلوماسيتهما بتصرف المهمة التي أوكلهما البابا بتنفيذها، وهي إقناع البطريرك بأن مصلحة الكنيسة المارونية تقتضي تقديم صفير استقالته ومواكبته بإيجابية انتخاب بطريرك جديد يناسب الخطة التي ينوي الفاتيكان تنفيذها من أجل تثبيت مسيحيي الشرق في أرضهم وتحسين إدارة شؤون الكنيسة المارونية. وتحدث الكاردينالان، وفق المصدر المطّلع، طويلاً عن تردّي الإدارة البطريركية وعجز البطريرك عن تقديم أي مبادرة للحدّ من الهجرة، ناهيك عن تقوقع البطريركية المارونية على نفسها في لبنان، في وقت تشهد فيه أوضاع المسيحيين في الشرق تردياً يتطلب دوراً أكبر من البطريركية الأكثر فعالية في الشرق. وقد حرص الكاردينالان على تجنب التطرق إلى المآخذ السياسية أو المآخذ الشخصية، مركزين حديثهم على المصلحة البطريركية التي تحظى عند الفاتيكان بالأولوية. مع تأكيد المصدر الكنسي الكبير أن المطلب الفاتيكاني لا علاقة له أبداً بالحسابات السياسية في لبنان، فالفاتيكان لا يراعي في قراراته المصيرية مصلحة هذا الزعيم أو ذاك. وإن كان للتطرف السياسي لصفير وانحيازه لفريق مسيحي ـــــ لبناني ضد آخر أثر على صنّاع القرار الفاتيكاني، مع تشديد المصدر على أن بديل صفير لن يكون أبداً و«لا في الأحلام حتى» قريباً من 8 آذار. في المقابل، يتابع المصدر، كان رد فعل البطريرك حاداً جداً سواء في رفضه الاقتراح الأساسي أو رفض التشكيك بقدرته على اتخاذ القرار المناسب في المكان المناسب. وخلال الغداء الذي أقامه البطريرك لاحقاً على شرف ضيفيه، ودعا إليه جميع المطارنة الموارنة المشاركين في السينودس، كان سيّد بكركي متوجّماً ولم يخصّ ضيفيه بأيّ التفاتة أو ابتسامة، ما أكد للمطارنة العارفين بالخفايا الفاتيكانية أن الاجتماع كان سلبياً جداً، مع العلم بأن بعض المطارنة كانوا في أجواء مضمون الاجتماع، وأحدهم أبلغ المقربين منه أن أهل الكنيسة المارونية المجتمعين في روما سيعودون إلى لبنان مع بطريرك جديد، نتيجة توقع بعض المطارنة (الذين لا يعرفون صفير جيداً، كما يبدو) عدم رد صفير الطلب البابوي.

رد فعل صفير

لاحقاً، في رد فعل على المفاتحة الفاتيكانيّة في الموضوع الذي يهمس به في الفاتيكان منذ أكثر من سنتين وازداد تيقّن البطريرك من جديّته منذ وصول السفير الفاتيكاني الجديد المونسنيور غابريال كاتشيا إلى لبنان، اتخذ صفير ثلاث خطوات، تصنّف فاتيكانياً في خانة الاستفزازية:

أولاها، تعيين المونسنيور طوني جبران رئيساً للمعهد الماروني (أنشئ في روما عام 1584 وقد خرّج الإكليريكيين والمطارنة والبطاركة على مدى قرنين من الزمن)، رغم تحفظ الفاتيكان عليه. يذكر هنا، أن صفير أقدم على تعيين جبران دون أن يقبل استقالة سلفه المونسنيور حنا علوان ودون استشارة مجلس المطارنة كما تقتضي الأصول. ثانيتها، حديثه مع قناة الجزيرة الذي بدأه صفير مراعياً عنوان السينودس الذي يشارك فيه، «الكنيسة الكاثوليكيّة في الشرق الأوسط: شركة وشهادة» وختمه موجهاً الرسائل باتجاه واحد (صوب حزب الله) رغم اعتباره أن هجرة المسيحيين من البلاد العربية سببها تنامي الأصولية (دون تحديد أصل هذه الأصولية واسمها المعلن، مقابل حديث صريح عن هاجس حزب الله لديه)، في ظل استغراب بعض المتابعين في الفاتيكان تفضيل صفير عدم تقديم أي مداخلة خلال اجتماعات السينودس التي شهدت نقاشات، فيها الكثير من المواقف المتناقضة، وانشغاله بمخاطبة الإعلام حيث لا ترجمة عملية لمواقفه. ثالثتها، رعايته الاجتماع السياسي لفريق من المسيحيين ضد فريق آخر، ضارباً عرض الحائط بكل توصيات الفاتيكان لبكركي وكل تعهداته للفاتيكان بأن يكون سياسياً لجميع المسيحيين، بل وجميع اللبنانيين، لا لمجموعة مسيحية معظم أعضائها يعجزون عن كسب تأييد غالبية الناخبين في أقضيتهم بل وفي قراهم.

الفاتيكان مستمر

المعلومات التي يتناقلها بعض المطارنة العائدين من الفاتيكان تؤكد أن الكرسي الرسولي لا يقدم على خطوة كالتي ترجمها برتوني وساندري دون احتساب مفاعيلها والاحتمالات على صعيد ردود فعل البطريرك الماروني عليها. ويرى أحد المطارنة أن الملف اليوم عند قداسة البابا الذي سيقدم في وقت قريب على إجراء عملية قيصرية يفترض أن تشبه العملية التي سبق للبابا يوحنا بولس الثاني أن أجراها عام 1985 مع البطريرك أنطونيوس خريس والتي انتهت بانتخاب المطران نصر الله صفير بطريركاً. وسط تأكيدات أن البابا يثق جداً بالسفير البابوي في لبنان وبات لديه في مكتبه تقارير عن الأداء البطريركي وقّعها مطارنة لم يستقيلوا بعد وما زالوا يقومون بمهماتهم. وبحسب المعلومات الواردة من الفاتيكان، فإن تعامل الكرسي الرسولي مع انتخابات الرهبانية المارونية اللبنانية (الكسليك) ومتابعته أدقّ التفاصيل، وصولاً إلى حد نقل صناديق الاقتراع إلى الفاتيكان لكي تُفرز الأصوات بمعيّته، أظهر الجدية الفاتيكانية في التعامل مع هذا الموضوع. وكل المؤشرات تفيد بأن الدور الذي قام به السفير البابوي في لبنان قبل انتخابات الرهبانية اللبنانية وخلالها وبعدها سيكون هو نفسه وأكثر في انتخابات الرهبانية الأنطونية والرهبانية المريمية، فضلاً عن أن الإصرار الفاتيكاني على إجراء انتخابات لاختيار أساقفة جدد في الأبرشيات يثبت أن الضغط سيزداد على صفير، وخصوصاً أن الفاتيكان يشكّ بقدرة البطريرك على إجراء انتخابات نزيهة في ظل تأثير بعض الأساقفة النافذين عليه مثل المطارنة: رولان أبو جودة، يوسف بشارة وبولس مطر.

صقور الفاتيكان

كان الأساقفة الشرقيّون المقرّبون من الفاتيكان أشبه بالصقور خلال مداخلاتهم في السينودس الأخير على صعيد المطالبة بإعادة النظر في هيكلية البطريركيات التنظيمية وتحويل الإدارة إلى خلايا عمل تتقن التطور التقني والإداري وتتناغم معه. وانتقد هؤلاء استمرار الفراغ حتى في المواقع الإدارية الشكلية، شاكين من التفريط الحاصل في العمليات العقارية والمتمثل بتأجير وبيع المحاسيب الأرزاق البطريركية دون الخضوع للإجراءات الإدارية المعتمدة في حالات كهذه. ويشير أحد المشاركين بفعالية في السينودس الأخير إلى أن آباء مقربين جداً من الفاتيكان كان لهم الدور الأكبر في صوغ التوصية السابعة (من ضمن 44 توصية قدمها السينودس الأخير) التي تقول: «حتّى تتأمّن الشفافيّة، يجب اعتماد نظام مراقبة وتدقيق في شؤون الكنيسة الماليّة، والتمييز بوضوح بين ما هو ملك لها وما يعود للأشخاص العاملين فيها. كذلك يجب المحافظة على أملاك الكنيسة وخيراتها ومؤسّساتها».

عدد الخميس ١١ تشرين الثاني ٢٠١٠

آخر تعديل على Sunday, 16 January 2011 21:29

الأكثر قراءة