جان عزيز أوّل من أمس، كانت وفود عدّة من جهة معينة فاعلة تجول على لائحة اسمية ومؤسساتية كاملة موجودة في بيروت. المواعيد كانت متخذة مسبقاً بناءً على اتصالات هاتفية. أما المضمون فكان واضحاً صريحاً ومقتضباً: بدءاً من هذه اللحظة، نبلغكم أننا نعدّ أي تعاون مع أي شخص أو جهة مرتبطة بالمحققين التابعين للمحكمة الدولية نوعاً من أنواع العمالة. شكراً لتفهّمكم. انتهت الزيارة... بعيد الظهر كان المبلَّغون قد أبلغوا الرسالة نفسها إلى رؤسائهم التسلسليين في السلطة اللبنانية، وصولاً حتى أعلى المراجع، وكان الأخذ بمضمونها قد أنجز، بعد أخذ العلم. لماذا أبلغت هذه الرسالة الآن بالذات؟ أوساط مواكبة للتطورات مع بيروت ومع لاهاي وملحقاتها تشير إلى أن المسألة جزء من تداعيات حادثة العيادة النسائية، حيث إن ذيول القضية لم تنته، لا بل إن أسرارها الخطيرة تتكشّف يوماً بعد يوم. ذلك أن معلومات متداولة عن إشكال الأوزاعي، في 27 الشهر الماضي، تقول إن النساء المعنيّات بعملية الاستقصاء الدولي لم يكُنَّ مجرّد مريضات عاديات. والأهم أن عددهن كان كبيراً جداً، بنسبة لافتة، قد يفوق أي حاجة عملية أو تقنية للتحقيق الدولي، وخصوصاً أن المواعيد من قبل مساعدي بلمار كانت قد حُددت بالتتالي مع أطباء أربعة، هم كلّ من: طبيب الأمراض الجلدية والحساسية فارس زيتون، طبيب الحنجرة والأنف والأذن محمد شومان، الطبيبة النسائية تغريد سمارو، إضافة إلى الطبيبة إيمان شرارة، التي حصلت الحادثة في عيادتها. وإذا كان العدد الكبير لأسماء المريضات المطلوب الاطلاع على ملفاتهن من باب «التمويه» الذي يستعمله التحقيق الدولي دوماً، فإن جانباً آخر ظهر على هذا الصعيد، وهو المعلومات عن أن بين الأسماء الواردة على لائحة المحقّقين ما هو عائد إلى زوجات مسؤولين كبار في حزب الله، وتحديداً في جناح عمله السرّي المقاوم، إذ ذكر أن من ضمن «المستهدفات» قريبات لمسؤولين عن مكافحة التجسس، وجبهات عدة في الجنوب والبقاع، ومسؤولي التنسيق مع «حماس» ودمشق وطهران، وسواهم من قياديين في حزب الله، لا يعرف الإعلام لهم صورة، فضلاً عن كونهم ممَّن استُهدفوا خلال حرب تموز 2006، أكان بهواتفهم الخلوية، أم بالغارات الجوية الإسرائيلية. المعلومات نفسها تشير إلى أن تحديد هوية زوجة المسؤول كان سيؤدي إلى تحديد عنوانه. كذلك فإن تحديد رقم الهاتف الخلوي لزوجته يسمح فعلياً بتحديد مكان وجوده في أحيان كثيرة، أو معيّنة، فضلاً عن القدرة على التنصّت، إضافة إلى التعقُّب. وعلى قاعدة الشك المشروع في نيّات إسرائيل وأغراضها، عُدّ أيّ حصول على معلومات كهذه خرقاً استخبارياً خطيراً وكبيراً، قد يؤدي إلى استهدافات قاتلة في الجسم العسكري لحزب الله... هذا فيما لا تتردد اجتهادات المعلومات المتداولة نفسها في الإشارة إلى أن بين الأهداف المرصودة، عبر ملف إحدى السيدات، قيادياً كبيراً في «الحزب». إلّا أن الهمس الدائر بشأن قضية العيادة لا ينتهي عند هذا الحد، بل يتعداه إلى كواليس مكتب المدعي العام في بيروت. ذلك أن المحققين الاثنين اللذين ذهبا إلى الطبيبة شرارة، كانا على الأرجح من الجنسيّتين الفرنسية والأوسترالية، غير أن شبهات كثيرة تحوم في بيروت حول هوية المحقق الثالث الذي أرسلهما، والذي تولّى تحديد المواعيد لهما. وهو كما يدور الهمس البيروتي، من جنسية دولة عربية يُحكى الكثير عن تعاونها الأمني والاستخباري مع إسرائيل، وقد أدّت دوراً شبه مكشوف على هذا الصعيد، عقب انتهاء حرب تموز، على صعيد حركة الطيران الدولي من مطار بيروت وإليه. حتى إن أكثر من جهة معنيّة ومستهدفة في العاصمة اللبنانية من عمل التحقيق الدولي، كانت قد فتحت تحقيقاً خاصاً بها في الانتماء العملاني الفعلي للمحقق المقصود. وكانت مجموعة طويلة من الأسئلة مطروحة بشأنه، منها: أين عمل قبل التحاقه بالتحقيق الدولي؟ هل عمل فعلاً مرافقاً أمنياً لسفير دولة كبرى في بلاده؟ وهل تلقّى تدريباً استخبارياً لدى تلك الدولة؟ واستناداً إلى ماضيه هذا، هل زار إسرائيل أو يزورها تكراراً؟ وما هي طبيعة علاقاته بعدد من الدبلوماسيين العرب والغربيين في لبنان، فضلاً عن بعض قياديي الأكثرية السابقة؟ وسط هذه الشكوك والثغر الخطيرة، صدر القرار أول من أمس، وأُبلغ إلى جميع المعنيين من رسميين وغير رسميين. إلى أين من هنا؟ قد يكون الحل بزيارات للبعض إلى عيادات نفسيّة...
عدد الخميس ٤ تشرين الثاني ٢٠١٠ |