ألغى الرئيس سعد الحريري أمس الجلسة الحكومية المقررة اليوم لانشغاله في بريطانيا، ما سبّب أزمة قد تهدّد الوضع الحكومي، علماً بأن أول الأضرار أصاب جلسة هيئة الحوار غداً، التي لم يعلن بعد قصر بعبدا تأجيلها، برغم أن الغائبين عنها باتوا كثراً
تعديل طرأ على جدول زيارة الرئيس سعد الحريري لبريطانيا كان الحجة لإلغاء جلسة الحكومة المقرر عقدها اليوم. لكن من اطّلع على جدول الأعمال هذا، يدرك أن ليس هناك من تعديل ولا من طارئ. يوافق عدد من الأكثريين على هذا الأمر، مؤكدين أنّ الحريري «تهرّب من جلسة اليوم منعاً لوقوع انفجار سياسي كبير قد يؤدي إلى نسف الصيغة الحكومية»، في وقت يقول فيه العالمون بهذا «الهرب» وتفاصيله إنّ رئيس الحكومة «يمنع انفجار القنبلة اليوم بانتظار تسوية لن تركب». الأجواء المستقبلية غير مطمئنة لما يجري، وخصوصاً أنّ الفريق المحيط بالحريري يكرّر أمام الجميع: «لا استقالة، لا تراجع عن المحكمة، لا تعديل بشأن شهود الزور». والأهم في حديث المستقبليين اعترافهم بأن رئيسهم «يشتري الوقت»، وأنّ معادلة الوقت هذه مبنية على تأكيدات أميركية بأنّ واشنطن «ستستعيد المنطق البوشي في سياستها الخارجية». ويتناقل المستقبليون تبلّغ قيادتهم بأن عودة هذا الأداء الأميركي الخارجي «بحاجة فقط إلى الوقت، ولإمرار مرحلة ما قبل الانتخابات النصفية». ووفق هذه المعلومات التي تتوارد إلى مراكز القرار المستقبلي، يستعد المستقبليون لموجة تصعيد مقبل على لبنان والمنطقة، مشيرين إلى أنّ «الانفجار قادم إلى العراق، ومن بعده إلى لبنان». وفي السياق، لفت زوار قصر بعبدا أمس إلى أنه لم يطرأ بعد أيّ تعديل على موعد انعقاد جلسة الحوار الوطني برغم بعض حالات الغياب المنتظرة. ولفت أحد الزوار إلى أنّ الرئيس ميشال سليمان سيتابع اتصالاته في الأيام المقبلة «مع الكل وباتجاه الكل»، مشيرين إلى أنّ «الرئيس يرى في التأجيل، أكان لأسباب موضعية أم متعمدة، فسحة جديدة لتكثيف الاتصالات». ويضيف زائر بعبدا أنّ كل ما يشاع عن مبادرة رئاسية جاهزة لحل الأزمة الداخلية «غير دقيق، فالرئيس لا يزال يبحث حتى الساعة في تفاصيل الأزمة، والأهم هو انتظار ما سيحصل بين العواصم». على صعيد آخر، اجتمع أمس وزراء المعارضة في منزل الوزير محمد جواد خليفة، وأكد الحاضرون وجوب حسم ملف شهود الزور. وأشارت مصادر المجتمعين إلى أنّ الفكرة التي غلبت على اللقاء هي أنّ «تأجيل جلسة الحكومة كان بغية تأجيل المناقشة في ملف الشهود»، الأمر الذي دفع المعارضين إلى التأكيد أنه لا جلسة حكومية لا تحمل على جدول أعمالها هذا الملف. وتابعت المصادر أنّ العماد ميشال عون طالب بموقف معارض موحّد بشأن تأجيل جلسة الحكومة. وبرزت مجموعة مواقف، بينها الدعوة إلى اتخاذ موقف سلبي حاسم رداً على خطوة الحريري. لكن تبيّن أن رئيس الجمهورية أشار إلى أن الحريري يريد عقد الجلسة الجمعة في السرايا الكبيرة، وهو ما فسّر بأنه رغبة من رئيس الجمهورية لكي لا يكون حاضراً في جلسة قد تشهد مواجهة على خلفية ملف شهود الزور. وبعد مداولات، تقرر إعطاء الفريق الآخر فرصة أخيرة مع توقعات بأن يصار إلى فتح مواجهة شاملة في أول جلسة للحكومة.
عون: لا أجلس مع حامي شهود الزور
وفي أجواء الرابية، أكد العماد ميشال عون أمس بعد الاجتماع الأسبوعي لكتلة التغيير والإصلاح أن إلغاء جلسة الحكومة اليوم وعدم بتّ ملف شهود الزور سيدفعانه إلى عدم المشاركة في جلسة الحوار يوم غد. وتساءل: «هل مسموح لمن يعطي حماية لشهود الزور أن يحكم البلد؟ أنا لا أجلس مع حامي شاهد زور، وأنا أتحمّل مسؤولية هذا الموقف»، مشدداً على وجوب إنهاء هذا الملف، ولافتاً إلى أنّ «الحصانة النيابية ستُرفَع عمّن يحمل مستندات مزيفة». وبخصوص هيئة الحوار، قال عون: «منذ عام 2006 الحوار يدور حول الموضوع نفسه، وحتى اليوم يتكرّر كل الكلام. وبعد كل جلسة، يُستعمل منبر للتصريح، ونحن نلتزم الصمت». وأشار عون إلى أنه سبق أن قدّم رؤيته الدفاعية «وعند مناقشتها أنا مستعد للذهاب»، لافتاً إلى أن «وضعه الأمني بات صعباً ولا يتجول كثيراً». وتابع: «نمط العمل عندي ليس نمط سفر رئيس الحكومة الذي يظل يتنقل بالطائرات، نريد أن يثبت على يوم ما لعقد جلسة الحكومة».
كاميرون: ندعم المحكمة
أما الرئيس سعد الحريري فاستكمل أمس زيارته الرسمية لبريطانيا، حيث أجرى محادثات مع رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون الذي رحب برئيس الحكومة قائلاً: «إني أقدّر كثيراً قيادتك، وأريد تعزيز العلاقة بين بريطانيا ولبنان. نحن لدينا علاقة قوية جداً، لكن أعتقد أن باستطاعتنا جعلها أقوى، ونريد أن نفعل كل ما في وسعنا لدعم الاستقرار والأمن في لبنان». وأكد كاميرون دعم بلاده الكامل لمسار المحكمة الدولية «ونريد أن نراه ينجز بنحو صحيح، كذلك نريد القيام بكل ما في وسعنا لمساعدتكم في عملكم في بلدكم». وبعد انتهاء اللقاء، أشار الرئيس الحريري، في مؤتمر صحافي، إلى أنه جرى التطرق إلى كل «التحديات التي يواجهها لبنان، وخاصة ما يتعلق منها بالتهديدات والمشاكل التي بيننا وبين الإسرائيليين». ولفت الحريري إلى أنه طلب «مساعدات عسكرية للجيش والقوى الأمنية اللبنانية، ووجدنا لدى بريطانيا تجاوباً كبيراً بالنسبة إلى هذا الموضوع».
«المستقبل»: لننتظر القرارات الاتهامية
أما في بيروت، فعقدت كتلة المستقبل أمس اجتماعها الدوري الأسبوعي برئاسة النائب فؤاد السنيورة، وعرضت الأوضاع في لبنان والمنطقة. وأصدرت بياناً جرى فيه «التذكير بأن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان هي الجهة المكلفة حصراً بالتحقيق وإصدار القرارات الاتهامية، ومن ثم الأحكام بعد أن يصار إلى كشف حقيقة جريمة اغتيال الرئيس الشهيد ورفاقه». ورأت الكتلة أن «هذه المحكمة التي حاز قيامها وانطلاق عملها إجماع اللبنانيين، هي الجهة الصالحة التي تستطيع تحديد ما يسمّى شهود الزور، وهي التي تطلق بعد صدور القرارات الاتهامية آلية توصل إلى إنزال العقوبات بمن ضلل التحقيق أو حاول التأثير عليه وحرفه عن اتجاهاته».
قاسم: لا تغيير حكومياً
على صعيد آخر، أكد نائب الأمين العام لحزب الله، الشيخ نعيم قاسم، أن الحزب غير معنيّ بما يريده فريق التحقيق الدولي وبما تقوم به المحكمة الدولية الخاصة بلبنان. وكشف قاسم عن أن الحزب «رفض منذ شهر رمضان لائحة من أفراد ترغب المحكمة في التحقيق معهم»، مكرراً ما قاله الأمين العام السيد حسن نصر الله عن أن الرئيس الحريري أبلغه أن الاتجاه الاتهامي هو لأفراد من الحزب. وأشار قاسم إلى أنه ليس لديه ما يقوله عمّا يمكن فعله في اتّهام قرار المحكمة الدولية أفراداً من حزب الله؛ «لأن الاحتمالات كثيرة»، لافتاً إلى أن «قراراً كهذا هو فتيل إنذار وتفجير وخطر على لبنان يؤدي إلى نتائج سلبية». ونفى قاسم أن يكون هناك لقاء قريب بين الحريري والسيد نصر الله، قائلاً: «الآن، لا شيء يستدعي عقد لقاء كهذا، لكن لا ممانعة إذا طلب الفريق الآخر وكان هناك تقدير لفائدة مثل هذا اللقاء»، مؤكداً أن حزبه لن يطرح أي تعديل أو تغيير حكومي في هذه الفترة.
سلفيون يواجهون المستقبل
أشار مراسل «الأخبار» في الشمال، عبد الكافي الصمد، إلى أنّ الشيخ عمر بكري، فجّر «مفاجأة» من العيار الثقيل ينتظر أن تكون لها ارتدادات واسعة في أوساط السلفيين والإسلاميين، عندما أيّد موقف حزب الله الرافض للمحكمة الدولية. وأعلن بكري رفضه «للمحاكم الوضعية، دولية كانت أو محلية»، مطالباً «بإنشاء محكمة شرعية خاصة من خيرة العلماء في المنطقة، للنظر في كل مسائل الخلاف بين العباد، وخاصة المصيرية منها». وقال بكري، في بيان، إن الإسلام «حرّم علينا من الناحية الشرعية التحاكم إلى المحاكم الوضعية، دولية كانت أو محلية»، معرباً عن اعتقاده أن رفض السيد حسن نصر الله للمحكمة الدولية «منسجم مع المطلب الشرعي من الناحية الدينية، لأن الله قد أمرنا بالتحاكم إلى شرعه ودينه، كذلك إن مطلبه برفض المحكمة وعدم التعاون مع المحققين فيها، مطلب منطقي وعقلي؛ لأن المقاومة الفلسطينية واللبنانية في حالة صراع مع كيان العدو الإسرائيلي المغتصب الذي يتربّص بالأمة».
المحيطون بالحريري يكررون: لا استقالة ولا تعديل بشأن شهود الزوروقال بكري لـ«الأخبار» إنه «خلال المرحلة السابقة مورس عليّ كثير من التهويل والتخويف من جهات أمنية، أو من مقربين منهم، قبل أن يتبيّن لي أخيراً أن كل ما كان يحصل إنما يهدف إلى مصادرة رأيي، فقررت بعدها كسر حاجز الصمت». وفي ما يتعلق بتناغم موقفه مع مواقف حزب الله من المحكمة الدولية، يؤكد بكري أن خطابات نصر الله «لا تتناقض مع ثوابتي ومبادئي، لذا أجد نفسي متفقاً ومنسجماً مع مواقف الحزب من المحكمة». لكنه انتقد في المقابل «ما يقوله بعض خطباء المساجد في بيروت وطرابلس الذي يتناقض كلياً مع أحكام العقيدة الإسلامية، ومع الكتاب والسنّة»، متسائلاً: «أين الفهم الشرعي لهؤلاء في ما يقولونه بتناولهم مثل قضايا كهذه؟». وفي السياق، يقول بكري: «انتظرت نحو سنة ونصف كي أقابل مفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني، وكان ذلك من طريق آخرين مقرّبين من المستقبل، ما أكد لي أن المفتي يهمّش أي طرف سني لا يدور في فلك تيار الحريري»، مشيراً إلى أن المستقبل «يمارس سياسة غير مقبولة باختصاره السنّة، وبتهميش الآخرين الذين يخالفونه الرأي، وخصوصاً الإسلاميين الذين يستخدمهم مكسر عصا لأهدافه ثم يهملهم، من غير أن يحسب لهم أي حساب». ولا يتوقف بكري عند هذا الحد، فهو الذي لطالما انتقد النظام السوري كما بقية الأنظمة العربية، لأنها برأيه «أنظمة وضعية»، أعرب أمس عن تبنّيه خطاب الرئيس السوري بشار الأسد «كخطاب ممانع لإسرائيل ومؤيّد للمقاومة، وهو بنظري خطاب شرعي، وعلى السنّة تبنّيه حتى لا نتهم أننا ضد المقاومة».
عدد الاربعاء ٣ تشرين الثاني ٢٠١٠