في الثاني من تشرين الثاني عام /1917/، صدر وعد بلفور المشؤوم ،وهو عبارة عن تصريح مُوجه من «اللورد أرثر بلفور» وزير خارجية بريطانيا في حكومة / ديفيد لويد جورج/ مكتوباً في بيان من /67/ كلمة الى /حاييم وايزمان / ممثل الجانب اليهودي في المفاوضات تعلن فيه بريطانيا تأييدها لإقامة وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين.
وهذا الوعد الذي كان على شكل وثيقة هي من الوثائق التي كان لها نتائج وانعكاسات سلبية وخطيرة جداً على المنطقة العربية والشرق الأوسط بشكل عام امتدت زمناً طويلاً أي منذ عام 1917 وحتى الآن.. ومع خطورة هذا الوعد إلا أنه لايمنح «إسرائيل »حقاً في إقامة دولة يهودية الهوية ، كما تطالب الآن حكومة نتنياهو « أي الاعتراف بيهودية إسرائيل» ، بل يتضمن الدعوة الى أن يقيم اليهود وطناً قومياً الى جانب الفلسطينيين وغيرهم من دول مجاورة ،وهذا يعني أن الوعد خلا من أي شيء ينطق بصفة دولة يهودية أو يهودية الدولة، في حين لاتزال إسرائيل تنسب الى هذا الوعد ، والى قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بتقسيم فلسطين عام /1947/ أحكاماً باطلة وظالمة ومختلطة ، أي أنه لم يُبن قرار التقسيم على اعتراف دولي بأي حق تاريخي لليهود في فلسطين ، وبالتالي باءت آنذاك كل محاولات الحركة الصهيونية للحصول على مثل هذا الاعتراف بالفشل.وفي اليوم الذي استقرت الحكومة البريطانية فيه على النص الأخير لوعد بلفور الصادر في 2 تشرين الثاني عام 1917 والذي تعلن فيه « تأييد بريطانيا لإقامة وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين » ، سارع «حاييم وايزمن» المفاوض الصهيوني مع الحكومة البريطانية حول هذا الأمر الى إعلان أسفه لخلو وعد بلفور من أي إشارة للحق اليهودي بفلسطين الذي طالب به ، أو أي إشارة للصلة التاريخية لهم بأرض فلسطين والتي اقترح لها عبارة / إعادة تأسيس الوطن في فلسطين/. إن المفاوضات التي سبقت إعلان وعد بلفور المشؤوم الذي تحل ذكراه في هذه الأيام تحمل الكثير من التفاصيل التي تؤكد هذه النتيجة، فمنذ أن بدأت المفاوضات للحصول على تأييد بريطانيا لإقامة اليهود في فلسطين، كان «وايزمان» يدرك صعوبة موافقة البريطانيين آنذاك على إقامة دولة يهودية، فلجأ الى الاكتفاء بالحصول على وعد بمساعدة الحركة الصهيونية لإنشاء وطن قومي..
وفي بداية عام /1917/ بدأت الجولة الأولى الرسمية التي مثل فيها بريطانيا وزير خارجيتها آنذاك «سايكس » ، بينما مثل الحركة الصهيونية عدد من قادتها وعلى رأسهم /وايزمن / الذي أصبح أول رئيس للكيان الصهيوني عام /1948/، وكان مطلبهم الحصول على اعتراف دولي بما أسموه حق الشعب اليهودي في فلسطين.
وطلب الجانب البريطاني منهم صياغة مسودة الوعد ،فقدموا في 18 تموز عام 1917 اقتراحاً ينص على أن حكومة بريطانيا تقرّ مبدأ الاعتراف بفلسطين على أنها الوطن القومي للشعب اليهودي، وبحق الشعب اليهودي في بناء حياته القومية في فلسطين . وطلب الجانب البريطاني إدخال تعديل على المسودة ،فجاء التعديل في 4 تشرين الاول 1917 يقول : تتعهد بريطانيا بإعلان تأييدها لتأسيس وطن قومي للعنصر اليهودي في فلسطين. وحذفت الإشارة الى فكرة حق اليهود في فلسطين ،وهوما دفع « وايزمن » الى الإعلان بأن هذا التعديل يعد تراجعاً مؤلماً على حد قوله.
وتحت الضغوط الهائلة والمناورات الكبيرة التي مارسها الجانب اليهودي آنذاك وبتواطؤ بريطاني واضح ،صدر الوعد المشؤوم في صيغته النهائية في 2 تشرين الثاني عام 1917، مُعلناً تأييد بريطانيا لتأسيس وطن قومي لليهود في فلسطين.
وحسب تعبير / وايزمان / نفسه فإنه قال : إنه يأسف لخلو وعد بلفور من أي إشارة للحق اليهودي أو للصلة التاريخية والتي عبروا عنها بعبارة « إعادة تأسيس الوطن ».
ومما يجدر ذكره أيضاً أن بريطانيا كانت قد رفضت محاولات قادة الحركة الصهيونية عندما صدرت وثيقة انتداب عصبة الأمم لبريطانيا على فلسطين عقب انتهاء الحرب العالمية الأولى عام 1919 بأن تتضمن الوثيقة اعترافاً بالحق التاريخي لليهود في فلسطين وإعادة قيام الوطن ، واكتفت بعبارة الصلة التاريخية ،وليس الحق التاريخي ، علماً بأن هذه الصلة أيضاً لاأساس لها من الصحة حسب الوثائق التاريخية المتعددة ،بل هي من ابتداع الصهاينة وحلفائهم في الغرب للتخلص من يهود أوروبا.
وهكذا نخلص الى القول: إن الوثائق التاريخية التي أسست إسرائيل عليها ما يُسمى شرعية وجودها ،والتي كانت بداياتها وعد بلفور المشؤوم ثم قرار تقسيم فلسطين الذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1947 وغيرهما من وثائق ، قد خلت من أي إشارة تعطي لإسرائيل حقاً تاريخياً في فلسطين ، وأنكرت عليها أي حق في إضفاء الهوية اليهودية على الكيان الصهيوني.
والآن تأتي حكومة « نتنياهو » من جديد للتلاعب بمضامين الوثائق التاريخية ومحاولات تزويرها ووضع شرط الاعتراف بيهودية إسرائيل كدولة ليهود العالم في المفاوضات الجارية بينها وبين السلطة الفلسطينية ، وذلك تمهيداً لعملية ترحيل فلسطين عام /1948/ وتصفية القضية الفلسطينية تصفية نهائية وفقاً لمخططات الصهاينة وحلفائهم.
د.صياح عزام