ما بعد حادثة عيادة الطبيبة النسائية في الضاحية ليس كما قبلها. أولى خطوات الهجوم «العملي» على المحكمة الدولية بدأت أمس بخطاب الأمين العام لحزب الله، الذي انتقل من وصف المحكمة الدولية بـ«الإسرائيلية» إلى القول إن كل من يتعاون معها يكون داعماً لإسرائيل ضد المقاومة«كل من يتعاون مع المحققين التابعين للمحكمة الدولية يكون متعاوناً مع إسرائيل، ويسهم في الاعتداء على المقاومة». بهذه العبارة، مع كل ما يترتب عليها، يمكن اختصار خطاب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله أمس. فبحسب نصر الله، «كل المعلومات والبيانات التي يحصل عليها المحققون الدوليون تصل إلى الاستخبارات الإسرائيلية». وحتى ما قبل الحادثة التي وقعت بعد دخول المحققين الدوليين إلى عيادة نسائية في الضاحية الجنوبية، أول من أمس، كان الحزب يلتزم الصمت حيال كل الإجراءات التي يتخذها المحققون الدوليون. لكن ما جرى، هو بحسب نصر الله، «مفْصَل يجب التوقف عنده». وهذا المفصل، دفع الأمين العام لحزب الله إلى دعوة المواطنين اللبنانيين والمسؤولين إلى عدم الاستجابة لطلبات المحققين الدوليين، وإلى أن «يتصرفوا بمقتضى شرفهم وكرامتهم ووطنيتهم».الخطاب المتلفز لنصر الله أظهر أن الحزب لم يأخذ في الحسبان ما قيل خلال الأسبوع الماضي عن أن موعد صدور القرار الاتهامي أرجئ إلى آذار 2011، إذ إنه تحدّث عن معلومات وردته عن ضغوط أميركية تمارس على المدعي العام الدولي دانيال بلمار من أجل إصدار قراره قبل موعده المقرر، أي «كانون الأول المقبل»، رابطاً بين هذه المعلومات واتصال وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون برئيس الجمهورية ميشال سليمان، إضافة إلى الزيارة التي قام بها مساعدها لشؤون الشرق الأدنى جيفري فيلتمان إلى بيروت. وكشف نصر الله عن أنه أُبلِغ هذا القرار منذ عام 2008، علماً بأنه «مكتوب منذ عام 2006، وهو يتضمن حرفياً ما ورد في لو فيغارو ودير شبيغل، وسترون ذلك».نصر الله قال إن حزب الله كان يصمت عن «الاستباحة الأمنية التي يمارسها التحقيق الدولي لكل شيء في لبنان، لكي لا يُقال إن هناك عرقلة. نعرف أن هذا كان يثير حساسيات كبيرة في البلد. (كنا نسكت) مراعاة لعائلة الشهيد الرئيس الحريري، ومُراعاة لتياره، ومراعاة للجو العام في البلد، ولاعتبارات متنوعة ومتعددة حصل ما حصل».ومنذ يوم أمس، أعلن نصر الله أن زمن السكوت قد ولّى. «وصلنا إلى مكان لا أعتقد أنه يمكن أن يحتمل أو يمكن أن يطاق أو يسكت عنه أو عليه تحت أي اعتبار سياسي أو داخلي أو خارجي أو كرامةً لأحد، أبداً، لن نسكت عن هذا الموضوع كرامةً لفلان أو فلان. هنا اسمحوا لنا في هذا الموضوع، ما هي حاجة التحقيق الدولي للملفات الطبية لنسائنا؟».عدّد بعض البيانات التي طلبتها لجان التحقيق الدولية وفريق المدعي العام الدولي: بيانات الهويات، بيانات الاتصالات الخلوية والثابتة والرسائل النصية (SMS) منذ عام 2003 لغاية الآن، لوائح مشتركي كهرباء لبنان، قاعدة بيانات الحمض النووي (دي أن آي) المتوافرة لدى الدولة اللبنانية، البيانات المتعلقة بجميع الطلاب الذين كانوا مسجلين في الجامعات الخاصة بين عامي 2003 و2006، بصمات من مديرية دائرة الجوازات في الأمن العام (كل البصمات لجميع جوازات السفر التي عليها بصمات قد طلبت وحصل جدل في الموضوع وحصلت تسوية حصل المحققون الدوليون بموجبها على بصمات وبيانات 893 شخصاً لبنانياً)، قاعدة بيانات نظام المعلومات الجغرافي في لبنان «من الحدود إلى الحدود: جبال، وديان، النقاط الحساسة، النقاط المهمة، هذا الأمر له عالمه ومصطلحاته، أما علاقته باغتيال الرئيس الحريري فهذا بحث آخر». وقال نصر الله إن المحكمة الدولية تتبلغ تباعاً كل ما يطرأ على بعض هذه البيانات من متغيرات. أضاف: «لم نتكلم مع علمنا أن هذه المعطيات هي أوسع وأكبر بكثير من تحقيق في عملية اغتيال، ومع علمنا بأن المحققين عملوا، وخصوصاً في السنوات الأخيرة، على جمع معلومات عن حزب الله أوسع بكثير من موضوع يرتبط باتهام مجموعة أو مجموعات باغتيال الرئيس الحريري، ومع علمنا بأن كل المعطيات والمعلومات تصل إلى أجهزة أمنية غربية وإلى إسرائيل».وتساءل نصر الله عما يحتاج إليه المحققون الدوليون من عيادة «هي التي نتردد إليها نساء وزوجات وبنات قياديين وكوادر ومسؤولين من حزب الله»، وفي هذه العيادة ملفات لسبعة آلاف سيدة. وتوجه نصر الله بالسؤال إلى «مسؤولين لبنانيين، لأني سمعت أمس أشخاصاً صرّحوا عبر الإعلام، أريد أن أسأل الرؤساء والوزراء والنواب والقضاة والمواطنين: من منكم يقبل أن يأتي أي أحد ليطّلع على ملف زوجته أو والدته أو أخته أو ابنته، ملف طب نسائي، لو كان ملف عيون أو مشاكل أذن ماشي الحال، لكن ملف طب نسائي من يقبل بهذا الموضوع؟». وأعرب نصر الله عن «ذهوله» للسرعة التي تحرك بها المدعي العام التمييزي القاضي سعيد ميرزا، وفتحه تحقيقاً في الحادثة التي وقعت في العيادة، «وهو الذي سكت لسنوات طويلة عن شهود الزور. وأنا كنت أظن أنه أسرع لكي يدافع عن أعراضنا وعن كراماتنا».وتساءل نصر الله عن جواز «أن نبقى كلبنانيين، سواء كنا في مواقع الرئاسة أو الحكومة أو المجلس النيابي أو إدارات الدولة أو كشعب لبناني، نرضى بهذه الاستباحة التي تجري باسم التحقيق الدولي»، وخصوصاً أن «التحقيق انتهى، والقرار الظني مكتوب منذ عام 2006، وكل هذه التحقيقات التي تحدث هي للاستفادة من هذا الغطاء لتحصيل أكبر قدر ممكن من المعلومات». وقال نصر الله إن فريق التحقيق الدولي اتصل بأكثر من طبيب وطلب منهم الحضور «أنتم وملفات» عشرات الأشخاص، كاشفاً أن بعض هؤلاء تعرضوا للتهديد إذا لم يستجيبوا لطلبات فريق التحقيق.وكان نقيب الأطباء شرف أبو شرف قد كشف في حديث تلفزيوني أمس عن أن المحققين الدوليين طلبوا من أربعة أطباء الحصول على معلومات عن مرضاهم، مشيراً إلى أنه يحق للأطباء رفض طلب اللجنة. وأكد أبو شرف أنه «لا يحق للطبيب كشف الملف الشخصي للمريض، إذ إن ملفات الطبيب سرية، ويمكن الكشف عنها في إحدى حالتين، إما لسبب كبير أو بناءً على طلب من المريض».بدوره، أكد وزير الصحة محمد جواد خليفة أن محاولة المحققين الدوليين الاطلاع على سجلات المرضى في عيادة الطبيبة إيمان شرارة أمر مخالف لقانون الآداب الطبية ولحقوق المريض في لبنان، لافتاً إلى أنه «لا يمكن الكشف عن المعلومات الطبية للمريض قبل توقيع المريض أو بقرار قضائي»، معلناً أنه سيطرح الحادثة في أول جلسة تعقدها الحكومة.أبرز ردود الفعل على كلام نصر الله أتت من رئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية سمير جعجع الذي رأى أن ما قاله الأمين العام لحزب الله «خطير جداً، وفيه تهديد للدولة اللبنانية»، لأن «أول من يتعاون مع المحكمة الدولية هو الدولة اللبنانية، كما أن الحكومة الحالية تعهدت ببيانها الوزاري أن تكون مع المحكمة الدولية وأن تسهّل عملها». وقال جعجع إن نصر الله «يهدد بذلك المواطنين اللبنانيين»، مطالباً وزراء حزب الله بطرح الموضوع على الحكومة «أو الانسحاب منها». وتمنى جعجع على رئيسي الجمهورية والحكومة أن يعقدا «جلسة للحكومة لتأكيد التعاون مع المحكمة».نحاس: لا صدقية لاتهام يُبنى على الاتصالاتأكد وزير الاتصالات شربل نحاس، أمس، أن على فريق التحقيق التابع للمحكمة الدولية الخاصة بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري أن يأخذ في الحسبان أن «نظام الاتصالات في لبنان تعرض لخروق متمادية، وأن صدقية هذا المستند يجب أن تكون محدودة بحسب التقدير الفعلي لمستوى هذه الخروق» إذا كان القرار الاتهامي سيُبنى على الاتصالات.ولفت نحاس إلى أن مفاعيل القرار الظني «والاستغلال السياسي لتوقيته بدأت أضرارها تظهر بما يكفي»، داعياً القضاء اللبناني إلى إظهار «مدى اختراق قواعد المعلومات والاتصالات بنتيجة التحقيق مع العملاء».وأعرب نحاس عن افتخاره «بالاستحصال على إدانة إسرائيل لخرقها نظام الاتصالات في لبنان، وهذا إسهام وواجب، وإن كان محدوداً، في إطار الجهد الذي تبذله الدولة بمختلف مكوناتها ولا سيما الجيش، وكذلك الشعب اللبناني ومقاومته. وحيال تضحية الشباب بحياتهم، يبقى أضعف الإيمان أن يسهم مَن في مواقع قيادية في تحصين الدولة اللبنانية والشعب». ورأى نحاس أن القرار الصادر عن الاتحاد الدولي للاتصالات «يستدعي متابعةً على الصعد الخارجية، وأيضاً على الصعد الداخلية، لكي نرتقي بنظام الاتصالات إلى مستوى الفاعلية والحصانة، وهما أمران متلازمان، لأن العجز الفني يسهّل الاختراقات، كل ذلك بغرض الارتقاء بهذا القطاع لخدمة السلامة الوطنية، وفي الوقت نفسه الاقتصاد والمستهلكين. ونأمل أن نسير في هذه الخطى بالسرعة التي يحتاج إليها لبنان وطناً وأفراداً ومواطنين ومؤسسات».كلام نحاس أتى عقب استقباله، بحضور رئيس الهيئة المنظمة للاتصالات بالإنابة عماد حب الله، وفداً من كتلة الوفاء للمقاومة النيابية، أمس، ضم النواب علي عمار وحسن فضل الله ونوار الساحلي. وبعد اللقاء، قال فضل الله إن قرار الاتحاد الدولي للاتصالات إدانة إسرائيل بسبب اعتدائها على قطاع الاتصالات اللبناني «هو انتصار دبلوماسي للبنان في مواجهة العدوانية الاسرائيلية، ويمثّل وثيقة دامغة تدل وتؤكد وتثبت أن اسرائيل اعتدت على هذا القطاع وتجسست عليه وتحكّمت فيه وسيطرت عليه فنياً وتقنياً، وتالياً ألحقت أضراراً بالغة بأمن هذا القطاع وسلامته، وبحرية أمن اللبنانيين وسلامتهم جميعاً».فضل الله، الذي شكر نحاس على جهوده بشأن قرار الاتحاد الدولي، طالب الحكومة باتخاذ كل «الإجراءات اللازمة، وخصوصاً لجهة استكمال هذه القضية في الأمم المتحدة»، بعدما تقدم لبنان بشكوى إلى مجلس الأمن الدولي على إسرائيل بسبب زرعها للجواسيس في لبنان ومؤسساته الرسمية وقطاع الاتصالات. كذلك رأى فضل الله أن من واجب الحكومة أن تحصّن «هذا القطاع في وجه الاستباحة الإسرائيلية».عدد الجمعة ٢٩ تشرين الأول ٢٠١٠