ماذا تريد لجنة التحقيق الدولية من عيادة للأمراض النسائية؟ سؤال فرضته المواجهة النسائية التي قابلت وصول فريق من محققي اللجنة الى عيادة الطبيبة النسائية إيمان شرارة على طريق المطار قبالة «الفانتازي وورد». «حزب الله» ابتعد عن الصورة أمس، ولم يدخل في تفاصيل ما جرى، تاركا المهمة لأمينه العام السيد حسن نصر الله الذي سيطل عند الثامنة والنصف مساء اليوم عبر قناة «المنار» مقدما ما يشبه «مضبطة اتهامية» حول أداء وسلوك لجنة التحقيق الدولية، وما قام به فريق المحققين الذي وضعه إعلام الحزب في خانة «فضيحة أخلاقية» ترتكبها اللجنة الدولية باستباحتها الخصوصيات. الحادثة انتهت على زغل، ولعل عنصر الريبة منها، تجلى من جهة في وصول فريق المحققين إلى هذه الرقعة الجغرافية بالذات على طرف الضاحية الجنوبية، والاقتراب من بيئة «حزب الله» الذي سبق وقرر وقف التعاون مع ما يعتبره «تحقيقا دوليا فاقدا للثقة والمصداقية»، وفي توقيت بالغ الالتباس تثار فيه الكثير من علامات الاستفهام والمعاني السلبية حول قرار اتهامي مسيّس ضد «حزب الله». وتجلت من جهة ثانية في هدف المحققين الحصول على الارشيف الطبي العائد لبعض النسوة اللواتي تعاينَّ في تلك العيادة النسائية مع أرقام هواتفهن، وبعض الملفات تعود الى العام 2003، ومن الواضح هنا ان لجنة التحقيق الدولية دخلت الى المساحات المحظورة في مجتمع معروف بخصوصيته وحساسيته في هذا الموضوع. هذا بالبعد الطبي والأخلاقي. وأما بالبعد السياسي فإن طلب «الداتا النسائية» ليس له ما يبرره، وقد أثار تساؤلات حول الخدمة التي يوفرها للتحقيق في اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، على أن الأهم في هذا الطلب أنه يبرز إلى الواجهة مجددا حال الانكشاف الكامل للبلد امام اللجنة، التي سبق ووضعت يدها على «داتا» الاتصالات، و«داتا» الطلاب و«داتا» البصمات و«داتا» الضمان وكل ما يتصل بالخصوصيات، باعتراف الأجهزة اللبنانية المختصة، وأما كيف يخدم ذلك التحقيق فليس من مجيب. وإذا كان المشهد محصورا في عيادة نسائية صغيرة، إلا أنه يشي بالكثير، فمن الواضح ان الزيارة غير المرغوب فيها أصلا من «حزب الله»، انطوت على محاولة من قبل التحقيق الدولي للعب في ملعب «حزب الله» واختباره في عرينه وقياس مدى رد فعله تمهيدا لما هو آت. كما ان المواجهة النسائية للمحققين الدوليين، بصرف النظر عما اذا كانت قد اتخذت شكل كمين أم لا، هدفت الى توجيه رسالة الى الداخل والخارج، لها دلالتها بالنسبة الى التحقيق الدولي، مفادها «ان بيئة الضاحية الجنوبية بما تمثل في السياسة والقيم الاخلاقية لن تسمح بما يمس محرمات وقوانين عيش هذه البيئة كائنا من كان الذي يحاول المس بها، ولن تسمح ايضا بما يمس اصل وجودها بفبركات وقرارات إسرائيلية المنشأ والهدف». وفي المقابل، كان لافتا دخول فريق «14 آذار» عبر أمانته العامة على خط إدانة ما وصفته «اعتداء فرقة من الاهالي تابعة لـ«حزب الله» على المحققين»، بالتزامن مع حملة مماثلة لنواب من «تيار المستقبل». وعلى الخط الموازي سارع مدعي عام التمييز القاضي سعيد ميرزا الى فتح تحقيق وإحالة القضية الى مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي صقر صقر. وأما مدعي عام المحكمة الدولية القاضي دانيال بيلمار فأدان «اللجوء إلى كلّ أشكال العنف»، وأكد أن التحقيق في اغتيال الحريري مستمر وأن هذه الحادثة لن تردع المدّعي العام عن إنجاز مهمّته». فيما رأى رئيس المحكمة القاضي أنطونيو كاسيزي ان ما حصل «يشكّل محاولة مدانة لإعاقة العدالة». مؤكدا» أنّ العنف لن يردع المحكمة الخاصة بلبنان، وهي محكمة قضائية، عن إنجاز مهمّتها». وأنه سيرفع تقريرًا «بهذه الحادثة المؤسفة إلى الحكومة اللبنانية والأمين العام للأمم المتحدة». الى ذلك، أفاد مراسل «السفير» في نيويورك أن بيلمار سيصل إلى المدينة الأسبوع المقبل لتقديم تقرير إلى أعضاء مجلس الأمن حول التقدم الذي تحقق في عمل المحكمة الدولية. وقال المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة مارتين نيزيركي، إن مدعي عام المحكمة الدولية يقوم بزيارات دورية الى مقر الأمم المتحدة لعقد مناقشات حول «إدارة المحكمة» مع التشديد على أنه لا يقوم بتقديم أية تفاصيل بشأن القرار الاتهامي. وقال مصدر مطلع في الأمم المتحدة لـ«السفير» إن بيلمار سيقدم تقريرا إلى أعضاء مجلس الأمن في وقت مبكر من شهر تشرين الثاني المقبل وذلك بعد الاتفاق على جدول الشهر المقبل، حيث ترأس بريطانيا مجلس الأمن خلاله. ونفى مصدر مطلع في مكتب الامين العام للامم المتحدة بان كي مون بشكل قاطع أن يكون الأمين العام على دراية بتفاصيل القرار الاتهامي المتوقع صدوره خلال شهور، وقال إن «المناقشات التي تدور بين الأمين العام وبين بيلمار تتمحور حول الجوانب الإدارية الخـاصة بعمل المحكمة فقط».