ريّا الحسن: ما بلاش نتكلم بالماضي!

«هل وزارة المال دكانة؟»، يسأل أحد الصحافيين وزيرة المال ريا الحسن، مستفهماً عن «الجدول الصغير الذي أعدته الوزارة عن قطع حسابات عام 2006/ 2009». انتفضت الحسن: «الوزارة ليست دكانة». لكن الجدول يظهرها كدكانة، يقول الصحافي، بل إن مدير الدكانة يخطئ في جمع رقمين

رشا أبو زكييوم أمس، ظهرت ريا الحسن كما هي. ألقت عن وجهها قناع وزيرة المال العام، فتركت الدستور والقوانين والأنظمة والحقائق والأرقام جانباً، لتعلن أنها «مسنودة»، وأن خلفها قبيلة سياسية، فدعت إلى نسيان الماضي، «فالماضي كلو جراح»، وحاولت تدوير زوايا الرواية، رواية رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة، ولكن بيدين ترتجفان عصبية، ووجه يحاول افتعال ابتسامة لامبالية، من دون جدوى، قررت أن تحوّل استجواباً يدور في لجنة المال والموازنة إلى صراع سياسي بحت، إلا أن محاولاتها سقطت أمام الصحافيين الحاضرين في المؤتمر الصحافي، الذين وضعوا الحسن أمام استجواب السلطة الرابعة... سألت الحسن ومستشارتها عن جريدة «الأخبار» قبل أن يبدأ مؤتمرها، فإذا بها تكتشف أن «الأخبار» صارت أخف مشكلة تواجهها بعدما أصبح الجميع يعلم بخفايا الأمور الحاصلة في وزارة «علي بابا والأربعين حرامي»، حتى مندوبة إحدى وسائل إعلام تيار المستقبل، التي بادرت الحسن بالقول إن الأخيرة تتعرض لهجوم سياسي، وصلت إلى أن تفرد يديها استهجاناً على مقارنة أعلنتها الحسن في مؤتمرها: «تذكروا كيف كان وضع الدولار والحد الأدنى للأجور والمياه والكهرباء والطرقات والبنى التحتية قبل عام 1993، وكيف أصبحت اليوم لتعرفوا إنجازات رفيق الحريري»، الابتسامة التي ارتسمت على وجه الصحافية وعبارة: «بس وين الكهربا والمي؟» تختصر الجو العام... ففي غرفة مغلقة في وزارة المال، كانت وزيرة المال تحاول فرض حالة عاطفية غير موفقة على صحافيين لا يريدون سوى أن يعلموا أين تذهب أموالهم وأموال المواطنين، وكيف تصرف؟ ووفق أية آلية؟ وبناءً على أي سند قانوني؟ وبرقابة أي جهاز رقابي!فقد قررت الحسن «وضع الصورة في نصابها وتصحيح الصورة المغلوطة»، والرد على حملة التشهير في مجلس نوّاب الأمة، وهو سلطة الرقابة على أعمالها، وفي الصحف، وعلى التلفاز... والتي تطلقها بعض القوى السياسية»، هكذا بدأ حديثها، وبابتسامة مفتعلة بوضوح، تلتفت إلى الصحافيين لتقول: «وزارة المال تتعرض لهجوم متماد ومحاولة لتشويه حقبة الرئيس الشهيد رفيق الحريري». كيف؟* التشويه الأول: ذكّرت الحسن بأن وزارة المال تعاقب عليها سبعة وزراء منذ عام 1993، أربعة منهم كانوا مقرّبين من الرئيس رفيق الحريري والثلاثة الباقون من فريق سياسي آخر، «يعني أقل شوي من النص»... واستنتجت الحسن أن «هذه الحملة سياسية للتشهير بحقبة معينة من تاريخ الدولة اللبنانية بهدف وضع علامة استفهام على الحقبة الإيجابية من الإنجازات الإعمارية والمالية والاقتصادية والتنموية التي بدأت منذ عام 1993 حتى الآن، والتي نقطف ثمارها اليوم، بحيث إن الجهات الدولية التي نجري معها محادثات تشيد بهذه الإنجازات بالنسبة إلى الوضع الاقتصادي».إلا أنها فوجئت بردّ فعل الصحافيين الذين أصرّوا على لفت نظرها إلى أن الوزراء الثلاثة، جورج قرم، دميانوس قطار والياس سابا، تسلّموا الوزارة سنتين ونصف سنة فقط من أصل 17 عاماً، أمضى منها السنيورة 12 عاماً على رأس الوزارة، وقد طلب كل من الوزراء السابقين، ما عدا السنيورة والحسن، استجوابهم في لجنة المال والموازنة... سقطت الحجّة وخرج الصحافيون بانطباع أن الحسن تحوّل الملف إلى السياسة لا العكس.

التشويه الثاني: رأت الحسن أن «موضوع قطع الحسابات وحسابات المهمة تقني بحت يستعمل في السياسة». وذكّرت بأن الوزارة قدمت كل قطوعات الحسابات من 1993 إلى 2003، وعلى أساسها أقرّ مجلس النواب الموازنات كلها». ودعت إلى «فصل مساري» تقديم قطوعات الحسابات وتقديم حسابات المهمة، لأن مسألة حسابات المهمة تستلزم وقتاً، فيما «الناس يريدون أن تطبّق موازنة 2010 ويريدون الإصلاحات والبدء بتطبيق الأولويات». إلا أن الحسن أغفلت أن قانون المحاسبة العمومية في المادة 194 (مهمات مصلحة المحاسبة العامة) يشير إلى أنه «تدقق مصلحة المحاسبة العامة عمليات المحتسبين والمحاسبين الإداريين وتقوم بتوحيدها»، فيما تشير المادة 195 (قطع حساب الموازنة وحساب المهمة العام) إلى أنه «تضع مصلحة المحاسبة العامة كل سنة قطع حساب الموازنة الذي يجب تقديمه إلى ديوان المحاسبة قبل 15 آب من السنة التي تلي سنة الموازنة، وحساب المهمة العام الذي يجب تقديمه إلى ديوان المحاسبة قبل أول أيلول من السنة التي تلي سنة الحساب». وبالتالي، لا يمكن قانوناً فصل «مساري» قطوع الحسابات عن حسابات المهمة، وفق ما قالت الحسن، حتى إن محضر جلسة الهيئة العامة لمجلس النواب في عام 1995، التي عقدت لمناقشة قطع حساب وحساب المهمة لعام 1993، يظهر فؤاد السنيورة نفسه حين كان وزيراً للشؤون المالية، يقول: «أصبح من الممكن إنجاز قطع حساب الموازنة وحساب المهمة لعام 1994 ضمن المهلة القانونية بعدما جرى قطع الحساب وإعداد حساب المهمة لعام 1993»، مشيراً إلى «أهمية إنجاز هذين المستندين، أي قطع الحساب وحساب المهمة، لإقرار الموازنة». فهل تدرك الحسن ماذا تقول؟* التشوية الثالث: لفتت الحسن إلى أن وزارة المال كانت دوماً سباقة إلى نشر المعلومات والإحصاءات وتوزيعها في جميع عمليات الدفع والجباية والتحصيل. وذكّرت بأن «الهجوم بدأ عندما أثير موضوع الـ11 مليار دولار الذي يمثّل الإنفاق الإضافي فوق سقف اعتمادات 2005، وقلنا وقتها إن هذا الرقم أتى من الموقع الإلكتروني لوزارة المال، «فإذا كان في نيتنا إخفاء الأرقام، فهل كنا وضعنا هذا الرقم على موقعنا الإلكتروني ليُستعمل كأدلة ضدنا؟». ورأت الحسن أن المشكلة القائمة «تقنية»، وأنها قدمت حلولاً إلى اللجنة الوزارية المكلفة بدراسة موضوع قطع الحسابات للأعوام 2006ـــــ2009، وأصدرت جدولاً «إلا أنهم رفضوه، والآن على الحكومة البدء من الصفر في المناقشة»! وقالت إن وزارة المال لا تصرف «أي ليرة من دون سند قانوني يجيز لها صرف النفقة»!إلا أن الحسن أغفلت هنا أيضاً الأرقام التي تنشرها وزارة المال خارج أي محاسبة أو مراقبة، لكون ديوان المحاسبة أبدى تحفظه على كل حسابات المهمة منذ عام 1993 حتى عام 2001، فيما لم يتلق أي حساب مهمة منذ عام 2001 حتى اليوم، وبالتالي لم يستطع إجراء أي رقابة فعلية على حسابات الدولة منذ ذلك الحين. أما قول الحسن إن «ديوان المحاسبة قام بقطوعات حسابات من دون حسابات المهمة منذ عام 2003 وما قبل»، فإن ذلك غير صحيح إطلاقاً، إذ إن الديوان لم يصدّق على أي حساب منذ عام 1993 بسبب الإشكالية القائمة مع السنيورة حين كان وزيراً للشؤون المالية في عام 1993، الذي اتخذ قراراً إدارياً مخالفاً للقانون، يدعو إلى تصفير حسابات الدولة في الفترة ما قبل عام 1993، ما رفضه ديوان المحاسبة لكونه يمثّل مخالفة فاضحة للقوانين، وهذا ما بُني عليه لزيادة المخالفات وتعقيدها، وصولاً إلى تصعيب إيجاد حلول لها.وترى الحسن أن «إرسال نسختين عن قطع حسابات الأعوام 2005 و2006 و2007 إلى ديوان المحاسبة ليس أمراً مهماً»! داعية إلى «عدم تضييع الوقت في الحديث عن الماضي، ولنرَ الآن كيفية إيجاد حل لمشكلة ميزان الدخول». هنا، تتخلى الحسن عن مسؤولياتها، فالدولة تعيش منذ 17 عاماً بلا حسابات مالية مضبوطة، ولا يعرف المواطنون ما الذي يُصرف ويُنفق، وخصوصاً أن الحسابات النهائية تعدّ أهم من الموازنة، فهي التي تحدد كم أنفقت الحكومة لا الموازنة، فلم تجب الحسن عن أسئلة تتعلق بعدم تسجيل هبات وعدم مسك حسابات سلفات الخزينة، وأحد الأمثلة مذكور في محضر الجلسة العامة لمجلس النواب في عام 1995، إذ هناك سلفة خزينة لوزارة المواصلات غير معروف أين أنفقت، وقد كُلّف التفتيش المركزي بالبحث عنها، واكتشفت وزارة الاتصالات في عام 2008 أنها مختفية في وزارة المال، وتدخل سلفات الهيئة العليا للإغاثة ضمن هذا التصنيف.

آخر تعديل على Friday, 29 October 2010 06:44

الأكثر قراءة