في الأرياف، تضاف مهمة جديدة إلى مهمات العاملات الأجنبيات. فإذا كانت العائلة التي تسعفها في أعمال المنزل تملك حقلاً زراعياً، فهي معنية به أيضاً حتى القطاف، وربما ما بعد القطاف بصنع المونة. وفي موسم الزيتون الجاري قطافه، لأولئك حصة في العمل، من دون أن تكون لهن حصة من الإنتاج في معظم الأحيان أو أي أجر حقيقيآمال خليلأيادٍ عاملة، وألوان بشرية جديدة دخلت إلى ورش قطاف الزيتون الدائرة على قدم وساق في بلدات الجنوب وقراه. فالموعد السنوي الذي كان يلتقي عليه أفراد العائلة ليقطفوا الموسم المنتظر بشوق، ويتلمسوا الرزق الذي جنوه بعد عناء الرعاية الزراعية التي قدموها لشجر الزيتون على مدار العام، باتت تشاركهم فيه العاملات الأجنبيات اللواتي يستخدمونهن في الأعمال المنزلية. وقد تكون كلمة مشاركة غير مناسبة للاستعمال هنا، وخاصة عندما نعلم أنهن، أي العاملات الأجنبيات، لا يؤخذ رأيهن فعلياً في تلك «المساهمة» الإجبارية في معظم الأحيان. فبعدما تداعى نظام العائلة الزراعية الذي كان يقوم على اشتراك كافة أفرادها، كباراً وصغاراً، في إنجاز الأعمال الزراعية، وخاصة لجهة القطاف، وذلك بعد نزوح الأبناء من الريف إلى المدينة وتوجههم إلى اهتمامات أخرى، بدأ من بقوا في أرضهم، نقصد أرباب العمل الزراعي، في السنوات الأخيرة بالاستعانة بالعمال السوريين خصوصاً نظراً لقربهم الجغرافي ورخص أجرهم، وخاصة أن هؤلاء لم يكونوا يبقون هنا إلا سحابة موسم، يعودون بعده إلى بلادهم، أي كان باستطاعتهم البقاء معاً والقبول بأجر منخفض من شأنه إحداث فرق مع ما يمكن أن يحصّلوه في بلادهم. لكن هؤلاء رفعوا من أجرهم أخيراً بسبب ارتفاع الطلب عليهم، ما اضطر بعض العائلات، التي يكفيها بالكاد موسمها، إلى الاستعانة بمسعفات المنازل، أي العاملات الأجنبيات، في تسيير بعض الأعمال الزراعية على نطاق ضيق، سبيلاً إلى توفير تكلفة العمال الموسميين، وذلك باعتبار أن العاملة البنغالية أو الإثيوبية أو النيبالية أو السريلانكية تقوم بعمل يندرج في صلب واجباتها، كواحدة من أفراد العائلة، لكونها تقيم طوال الوقت بينهم.عشرات المواسم الزراعية، على مختلف أنواعها، شهدتها شكري منلا (25 عاماً) منذ قدومها من بلدتها بودروكندا جنوبي العاصمة داكا في بنغلادش، قبل 12 عاماً للعمل مسعفة منزلية في منطقة الزهراني. وعلى الرغم من أن عقد العمل الموقع بينها وبين رب العائلة عبر مكتب الاستخدام ينص على أن نطاق عملها هو الأعمال المنزلية والتنظيف داخل المنزل، إلا أن أنشطتها توسعت عاماً بعد عام لتصبح بعد سنوات الخبرة مدبرة منزل، طبّاخة، ومزارعة.البنغاليون يسمحون لبناتهم بالعمل في لبنان لأنهن يبقين في البيوتوإذا علم بنغالي بأن مواطنته شكري تعمل خارج المنزل «فسوف يجن جنونه» تقول. فالتقاليد في بنغلادش، وفي الأرياف خصوصاً «تمنع النساء من الخروج للعمل خارج منازلهن، وإن كان في مساعدة الذكور في العائلة على الأعمال الزراعية» تقول. إذ لم يكن مسموحاً لها في موطنها، بأن تساعد والدها في زراعة الأرز والقمح والفستق مثلاً. بل تقتصر تحركاتها على الاهتمام بشؤون المنزل أو الالتحاق بالمدرسة لدراسة المرحلة الأساسية. إلا أن عوز العائلة ومرض أبيها واضطرارها إلى رعاية إخوتها الستة الصغار، لم تجبرها على ترك بنغلادش والرحيل إلى لبنان وحسب، بل على العمل خارج المنزل أيضاً. فالعائلات البنغالية تسمح لبناتها بالعمل في لبنان ودول الخليج وسواها «لأنهن يكن ذاهبات إلى منازل سكنية ويعشن في كنف عائلات أخرى» برأي شكري. لكن لاجتهادات المخدومين اللبنانيين شؤون. إذ إن الكثيرين من أرباب العمل ورباته يأمرن العاملات بأن يذهبن ليساعدن أقاربهم في تنظيف منازلهم من دون أجر إضافي في معظم الأحيان. فيما يبادر البعض إلى نقدهن «إكراميات» رمزية.أما في المناطق الزراعية، فالمخدومون يجدون للعاملات وظائف أخرى تندرج في إطار «واجبهن الطبيعي في مساعدة العائلة على تسيير شؤونها». فقد فوجئت البنغالية ربيزا بلبرعلي بأن العائلة التي وصلت للعمل لديها خادمةً في المنزل، ستشغّلها بعد انتهائها من الأعمال المنزلية إلى مزارعة في الحقل المحيط بالمنزل. لطالما أبدت ربيزا امتعاضها من أنها تزرع مساكب البقدونس والكزبرة والصعتر والجرجير وترويها وتعتني بأشجار الحمضيات والجوز والأفوكا والعنب والزيتون. وباتت شكري وربيزا تبرمجان روزنامة العام على المواسم الزراعية التي تهتم بها العائلتان. فالسيدتان استعدتا لموسم قطاف الزيتون الذي ينهمك به مخدومهما منذ أسابيع، رغم أنهما اكتشفا هذه النبتة هنا في لبنان لعدم زراعتها في موطنهما كما تقولان. مع ذلك، فقد أصبحتا خبيرتين في قطاف الزيتون وانتقاء الحبة الجيدة من الفاسدة ثم رصّها وصولاً إلى كبسها في مرطبانات.أما العاملة الإثيوبية كلام زلاكأ (24 عاماً)، فإنها لا تمانع «في مساعدة العائلة التي تعيش في منزلها على كل ما يقوم أفرادها به من أعمال». وعلى الرغم من أن الأعمال المنزلية تقع على عاتق كلام وحدها، إلا أن عليها المشاركة في قطاف الزيتون الذي قد «يطلع من نصيبها وحدها» أحياناً، إذا أحس الآخرون بالتعب أو الملل. ولا يقتصر الأمر على الزيتون، بل إنها كانت قد أنهت لتوها المساعدة في قطاف موسم السماق في ذروة فصل الصيف ونزع أوراقه عنه وتجفيفه مع الصعتر، تمهيداً لاستخدامه في إعداد المونة.وليس بالضرورة أن يسجل العداد ساعات العمل الزراعية الإضافية لأولئك العاملات. وفي الوقت ذاته، عليهن أن ينظمن أوقاتهن لئلا يؤثر ذلك على الأعمال المنزلية. لكن ليس في كل الأحيان يحصلن على أجر إضافي، بل على «إكراميات» كعربون شكر لهن.تشير شكري إلى أن الكثيرات من مواطناتها يرفضن العمل خارج المنزل ويطلبن التزام شروط عقد العمل ويلجأن أحياناً إلى الشكوى لدى مكتب الاستخدام. لكن الأمر لا يلقى تجاوباً في معظم الأحيان، إذ يجمع كل من رب العمل والمكتب على أن «مساعدة العائلة واجب عليها، أكان في الزراعة أم في أي شيء آخر».عدد الجمعة ٢٢ تشرين الأول ٢٠١٠