الخبز لم يغتل أحداً والتلاميذ ليسوا من شهود الزوريستمر مسلسل اغتيال المواطنين بلقمة عيشهم، وحلقة تلو حلقة ترتفع نسب الفقر والبطالة، وأبطال المسلسل أصبحوا معروفين: الفقراء وذوو الدخل المحدود... حاول الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين أمس أن يرفع الصوت ضد من يُخرج ويعدّ هذا المسلسل ـــــ المجزرة، إلا أن الجمهور، خلال عملية الاعتراض... كان أخرسرشا أبو زكي«بعدو رغيف الخبز رغيف؟ أو زم وصار ضعيف، سعرو طازة بسعر البايت؟» تصدح أغنية مارسيل خليفة في شوارع بيروت، ومن وطى المصيطبة مروراً بكورنيش المزرعة فمار الياس وصولاً إلى القصر الحكومي، متظاهرون يرفعون شعاراتهم المطلبية التي تطال متطلبات الحياة، فلا يجيبهم سوى الصدى... فيوم أمس، انطلقت تظاهرة دعا إليها الاتحاد الوطني للنقابات والمستخدمين للمطالبة بإعادة الحقوق المعيشية المسلوبة إلى المواطنين. وعلى الرغم من أن الدعوة كانت نقابية، وباستثناء الخط الأمامي للتظاهرة الذي ضمّ عدداً من رؤساء النقابات والاتحادات النقابية، إلا أن غالبية المشاركين كانوا من مناصري الحزب الشيوعي اللبناني... مشهد لفت رنا التي لم تتجاوز بعد الثامنة عشرة من عمرها، لتهمس لصديقتها «نحنا بس المعتّرين بهالبلد؟ إذا نحنا بس، خلّينا نكتب أسماءنا على ورقة صغيرة ونرفعها للحكومة تتأمن لنا وظايف، وهيك بتنحل الأزمة المعيشية والاجتماعية بلبنان»، تضحك صديقتها وتصوّب نظراتها نحو الناس الذين تناثروا على شرفات منازلهم لرؤية التظاهرة، وتصرخ مع رفاقها «انزل عالشارع يا شعبي، عن حقك دافع يا شعبي»، وبالطبع، كما توقعت الفتاة أصلاً، لم يحرّك أحد ساكناً!وفي التظاهرة التي لم يشارك فيها أكثر من 500 شخص، متضررون من السياسات الاقتصادية والاجتماعية للحكومة، جاؤوا من مناطق مختلفة حاملين همومهم على لافتات من «الكرتون»، كُتب على بعضها: «مطلبنا وقف سرقة الرغيف»، و«لحماية الضمان الوطني»، «نريد سلّماً متحركاً للأجور» و«أين تثبيت السلم الأهلي؟»، «لبنان لا يصدّر سوى شبابه»، «الله ينجينا من الـ @ (الآت)»... وبين المتظاهرين يسير عدنان، هو الذي لا طائفة تحميه، ولا حزب مذهبياً يفرضه على مدارسه ليكون فيها معلماً. فعدنان هذا العام «أستاذ مع وقف التنفيذ» كما يقول، لأن إدارة المدرسة التي كان يعلّم تلاميذها منذ أكثر من 15 عاماً لم تعطه حصصاً تعليمية... «قصة كبيرة» يقول عدنان، ويمضي في ترداد الشعارات التي لا تشبه سوى الفقراء. في نهاية التظاهرة حشد شبابي كبير، شباب لا يزالون متحمسين لإمكان التغيير، لفظهم بلدهم إلى الهامش، فلا شهاداتهم الجامعية أدخلتهم سوق العمل، ولا وظائف بعضهم وأجورها المنخفضة انتشلتهم من بؤرة الفقر. «بطالة» يجيب أيمن كل من يسأله عن ماهية عمله، فهي الوظيفة الأكثر انتشاراً بين الشباب المنتفض على واقعه في التظاهرة، وهي الأكثر انتشاراً أيضاً بين الشباب الذي قرر عدم المشاركة في التحرك كذلك.وبين المتعطلين عن العمل قسراً، ومن يطالبون بإعادة الرغيف المسلوب إلى ربطة الخبز، ومن يرفعون الصوت في وجه الغلاء ومسبّبي معاناتهم، غاب الاتحاد العمالي العام عن المشاركة الرسمية، وهكذا أكملت التظاهرة وجهتها إلى أن وصلت إلى ساحة رياض الصلح، حيث ألقى رئيس الاتحاد الوطني للنقابات والمستخدمين كاسترو عبد الله كلمة جاء فيها «يا أركان السلطة البواسل، أيها المتربعون على عرش السلطة جميعاً. هل رغيف الخبز ارتكب الجريمة النكراء؟ هل الأطفال وكتب المدرسة في عداد شهود الزور؟ هل من يهدد السلم الأهلي هم المرضى المتألمون على أبواب المستشفيات أم الشباب على أبواب السفارات المنتظرون تأشيرات سفر؟ أم أنتم وأزلامكم والفاسدون المحميّون منكم من ارتكب الجريمة وشهد زوراً بحق الشعب والوطن؟وشدد عبد الله على أن تأمين الواردات عن طريق الضرائب والخصخصة لا يوقف المديونية، بل الذي يوقفها هو تعزيز الاقتصاد الوطني ووقف الهدر والفساد الموزع بين أطياف السلطة، فلا يجوز الاستمرار بالاتكال على المساعدات والقروض الخارجية ورهن البلد مقابل هذه القروض، ولا يجوز الاستمرار بتحميل الطبقة العاملة فاتورة الفساد السياسي والمالي، وآخرها سرقة رغيف الخبز للفقراء ورفع الأقساط المدرسية وزيادة أسعار المحروقات وأسعار المواد الغذائية والكهرباء والهاتف والمياه، وهجوم بعض الفاسدين من أصحاب المستشفيات على المضمونين والضمان الاجتماعي بتغطية من السلطة.4 دولاراتهو المبلغ الذي يعيش به ما يفوق ربع عدد سكان لبنان يومياً، فيما 300 ألف لبناني يصنّفون تحت خط الفقر المدقع بمدخول لا يتجاوز دولارين وأربعين سنتاً في اليوم. وفضلاً عن ارتفاع نسبة الفقر في لبنان، هناك فروق كبيرة على مستوى المناطق، ولا سيما في منطقة الشمال التي تضم نصف عدد الفقراء.الاستعداد للتحرك المقبلليس هذا التحرك هو نهاية المطاف، إذ أعلن رئيس الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين كاسترو عبد الله أنه أمام هذه الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية المتصاعدة وتلكّؤ الحكومة عن معالجتها، وأمام تخلف الاتحاد العمالي العام عن القيام بدوره بالتحرك دفاعاً عن لقمة العيش لمن يمثّل، يعمل الاتحاد الوطني للإعداد للتحرك المقبل، مطالباً بحماية الضمان الاجتماعي الذي يعدّ من أهم المنجزات والمكاسب التي حققتها الطبقة العاملة اللبنانية، وبإعادة النظر في مبدأ الحد الأدنى للأجور، على أن يتناسب مع متطلبات العيش الكريم.عدد الاثنين ١٨ تشرين الأول ٢٠١٠