تنفست تل أبيب الصعداء أمس، وبدت كمن اجتاز قطوعاً خطيراً في ضوء إحجام الرئيس الإيراني، محمود أحمدي نجاد، عن رمي الحجارة باتجاهها خلال زيارته الجنوبية، التي واكبها تأهب عسكري اسرائيلي غير معلن، وخشية لدى المستوطنين دفعتهم للبقاء في منازلهم، فيما ردّ رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو على كلام نجاد، مؤكداً أن اسرائيل تعرف كيف تدافع عن نفسها. في تعليق مقتضب على خطاب الرئيس الايراني في بنت جبيل امس، قال نتنياهو، إن «تأسيس دولة اسرائيل وجميع ما حققناه طوال السنين، هو أفضل رد على الشتائم التي سمعناها اليوم، من جهة الحدود اللبنانية»، مشيراً إلى أن «إسرائيل تعرف جيداً كيف تدافع عن نفسها، وهي ستواصل تحقيق النمو في مختلف المجالات». وأكّدت مصادر في مكتب نتنياهو، أن زيارة نجاد إلى لبنان، «تعدّ تجسيداً لاكتمال عملية تحوُّل هذا البلد إلى دولة تدور في فلك إيران، وانضمامه إلى محور الدول المتطرفة، التي تعارض مسيرة السلام وتساند الإرهاب». وأشارت المصادر نفسها إلى أن الرئيس الإيراني وصل إلى لبنان بصفته «قائداً يأتي لتفقد جنوده، وهم مخربو حزب الله، الذين يعدّون الذراع العسكرية لإيران في المنطقة». وقالت المصادر إن كل محبي السلام والحرية ينظرون بقلق إلى «الاستفزاز الإيراني». ورأت أن «لبنان الذي كان من حقه أن ينعم بالهدوء والازدهار تحوَّل إلى خادم للعدوان الإيراني بقيادة حزب الله». وأعرب رئيس القسم السياسي – الأمني في وزارة الدفاع الإسرائيلية، اللواء عاموس غلعاد، عن حزنه وامتعاضه من «مخالفة» الرئيس اللبناني ميشال سليمان الدستور اللبناني، وشدد خلال مقابلة أجرتها معه الإذاعة الاسرائيلية أمس، على أن «المأساة هي في أن الرئيس اللبناني، المسيحي والماروني، والمطلوب منه بحسب الدستور أن يحافظ على لبنان دولة سلام، يهيئ الساحة لشخص غير عربي ومتشدد، يريد القضاء على لبنان»، وأشار بنبرة حادة للإذاعة الإسرائيلية إلى أنه «من دون الرئيس سليمان، ما كان باستطاعة نجاد المجيء إلى لبنان». أضاف أن «الولايات المتحدة التي ترى ضرورة دعم لبنان، عليها أن تتيقظ إلى أنّ الجيش اللبناني والرئيس سليمان يتعاونان مع حزب الله ويساعدانه نحو مسار التأثير الايراني». وتعليقاً على الزيارة، قال رئيس مركز موشيه دايان للدراسات، أيال زيسر، إن «الهدف الرئيسي من زيارة الرئيس الايراني هو التحدي، إذ إن ما فعله في الأشهر والسنوات الماضية، هو تحدي العالم واسرائيل، ويهدف من ذلك الى زيادة شعبيته في العالم العربي وفي ايران». ورأى أن «الزيارة تأتي في إطار التذكير بأن لبنان يقع ضمن سيطرة ايران وتأثيرها»، وبحسب زيسر فإن «حزب الله يمر بمرحلة صعبة، وتهديد المحكمة الدولية يقلقه، وتأتي الزيارة كي تؤكد للجميع أن إيران موجودة». وفي السياق، ربط الرئيس السابق لقسم الأبحاث في الاستخبارات الإسرائيلية، العميد يعقوب عميدرور، بين زيارة نجاد والمحكمة الدولية، مشيراً إلى أن «عرض زيارة نجاد غير مرتبط بإيران، بل بالتقرير المزمع على صدوره عن المحكمة الدولية نهاية العام الجاري، لذا فإن الخشية لدى ايران وحزب الله هي من ردود الفعل جرّاء صدور التقرير الدولي، وبالتالي يريدون القول من خلال الزيارة، إننا هنا ونقترح عليكم ألّا تواجهونا، أي أنّ المسألة مرتبطة بعرض قوة باتجاه الداخل اللبناني». أما اللواء ايال بن رؤفين، الذي شغل خلال عدوان 2006 منصب نائب قائد المنطقة الشمالية في الجيش الاسرائيلي، فأضاف أن «تحليل زيارة نجاد على المستوى الاستراتيجي، يشير الى أن الرئيس الايراني يريد إنتاج صورة والتأكيد على انه في بيته»، مشيراً إلى أن «اسرائيل قلقة، وهناك دول اضافية تشاركها هذا القلق، وبالتالي على الدولة العبرية أن تعمل من الناحية السياسية على إظهار صورة الخطر الايراني وسعي طهران إلى السيطرة على منطقة الشرق الأوسط». وأثيرت أمس، كما في الايام القليلة الماضية، الخيارات الاسرائيلية حيال إمكان رمي الرئيس الايراني للحجارة باتجاه الاراضي الاسرائيلية، وشهدت هذه الفرضية، رغم تأكيد أجهزة استخبارات الدولة العبرية أنها لن تحصل، إثارة وتحريضاً خاصين من جانب وسائل الإعلام العبرية، التي وجدت تعبيراتها في استطلاع للرأي أجرته القناة الثانية الاسرائيلية امس، إذ أيّد 92 في المئة من
الإسرائيليين اغتيال تل أبيب نجاد، إذا اقترب من الشريط الشائك على الحدود مع لبنان، لكن من «حسن حظ نجاد» أن الاتجاه العام لدى المسؤولين الإسرائيليين لا «يحبذ» اغتياله أو اعتقاله، ربطاً «بأخلاقيات الدولة العبرية» على حد تعبير أحد المعلّقين. وعلى نقيض من عضو الكنيست من حزب الاتحاد القومي المتطرف، اريه الداد، الذي طالب باغتيال نجاد، رأت مصادر امنية إسرائيلية أن «التقديرات في إسرائيل تشدد على أن المسّ بنجاد سيكون خطأ كبيراً جدّاً». وطالب رئيس الاستخبارات العسكرية السابق، أهارون زئيفي فركش، بوجوب «عدم تعظيم الزيارة والمبالغة بما يجري»، وقال «أعتقد أنه بالاضافة الى بعض الإنجازات التي يسعى اليها نجاد جرّاء زيارته للحدود الشمالية لإسرائيل، يريد القول لتركيا، على سبيل المثال، احذروا فهذا القسم من لبنان أنا المسؤول عنه، وبالتالي فإن الزيارة ليست موجهة ضد إسرائيل، وعلينا ألّا نرى الأمور على أنها كذلك، إنها رسالة ايرانية قوية جداً باتجاه السعودية أيضاً، التي تدعم الاتراك بالكثير من المال». وكان المراسل العسكري للقناة العاشرة في التلفزيون الاسرائيلي، اور هيلر، قد أشار أمس الى أن مروحيات الجيش الاسرائيلي من نوع كوبرا، كانت تحلق على الحدود مع لبنان في الوقت الذي كان يتحدث فيه نجاد في مدينة بنت جبيل، مشدداً على أن تحليق المروحيات يأتي في اطار استعداد اسرائيل لمواجهة اي تطور سلبي قد يقع على الحدود مع لبنان. أضاف المراسل أن أجهزة الاستخبارات الاسرائيلية، واكبت زيارة نجاد بواسطة صور بثتها طائرات بلا طيار تابعة لسلاح الجو الاسرائيلي، كانت تحلق بكثافة في سماء لبنان وتتابع حركة الرئيس الايراني. أما مراسل القناة الثانية الاسرائيلية، فأشار الى أنّ سكان المستوطنات القريبة من الحدود، «فضّلوا» البقاء في منازلهم تحسباً لتطورات غير محسوبة، خلال زيارة الرئيس الايراني لمناطق قريبة من مستوطناتهم.
يحيى دبوقعدد الجمعة ١٥ تشرين الأول ٢٠١٠ |