حسن وهبي "مسير الربيع السنوي" من عدلون إلى بستان القناطر/ القاسميّة. تجمع هذا الأحد مئة وخمسون من صديقات وأصدقاء، في التاسعة والنصف صباحاً في بلدة عدلون، بدعوة من الحزب الشيوعي اللبناني وإتحاد الشباب الديمقراطي اللبناني فرع عدلون، بهدف "مسير الربيع السّنوي" وتحت شعار: "رفضاً لكلّ أنواع الفتنة والتقاتل الدّاخلي".. تستريح عدلون على تلال بارتفاع 100م، ويغسل البحر الأبيض المتوسط قدميها، في منتصف الطريق السّاحلي بين مدينتي صيدا وصور التاريخيّتين.. يحدُّها من الشمال مطاعم خيزران في منطقتي السكسكيّة والصرفند ومن جنوبها مدينة صور ومقام النبي ساري، المزخرف بالقناطر المتعدّدة ذات العقود الحجرية، والجنائن المشجرة بالصنوبر والنخيل، والمأذنة التي ترتفع في الفضاء لتحاكي صيدا وصور وجبل الشيخ، ساري الشامخ مثل جنرال، يحرسُ بلدة عدلون ويستضيفُ في مقامه المؤمنين على مدار الساعة. ويحدّ عدلون من الشرق شموخ جبل الشيخ، أما من الغرب فسهل عدلون الأوسع على الساحل اللبناني، مثل سجّادة مزركشة بثمار البرتقال والحمضيات والموز ومواسم البطيخ؛ يعبر وسطه مشروعُ جرِّ مياه الليطاني. وإلى غربها بحرٌ أبيض أبيض.. أزرق أزرق.. شفاف شفاف.. يمتدّ ويمتدّ إلى الأفق البعيد البعيد.. آه عدلون، آه بلدتي عدلون.. حبيبتي عدلون.. عمري، ذكرياتي، صباحي ومسائي.. والله صعبٌ عليّ فراقك عدلون.. والله صعبٌ وصعبٌ.. وصعب.. كنتُ أسمعُ من شرفة منزلي في صيدا آذان الفجر من مأذنتك، من تلّة مقامك.. الصوت يرندح : " ألله أكبر.. ألله أكبر.." الصوت ناعم ، كصوت البواخر المُبحرة عند الفجر.. عدلون تمتاز بآثارها ومعالمها، فتكثر فيها النواويس المحفورة بالصخور، ومغارة "العليليّة" المؤلفة من طابقين، ومغارة "الصيادين"، بشكل يصعب الدخول إليها ولكنّها واسعة من الداخل، باستثناء مغارة "أمّ البزاز" التي تنفرد بنتوءات تتدلّى من سقفها مُنتفخة مثل ثدي بلّوريّ أملس ناعم، يقطر ماءً صافياً بارداً، طالما شربنا منه بلذّة وشغف قي مرحلة المراهقة، ولا أبالغُ إنْ قلتُ أنّ "أمَّ البزاز" صورة مُصغّرة عن مغارة جعيتا، وهي اليوم مُقفلة أمام الزائرين بسبب الإعتداءات التي عبثت بمكوّناتها ومحتوياتها.. من عدلون توجهنا نحو "نهر أبو الأَسْود" عن شمالنا مقام ساري، وعن يميننا ثانويّة عدلون الرسميّة، التي فيها أمضيتُ زهرة شبابي، وفيها فقدتُ لون شعري مُربياً، ومنذ خمس سنوات وبسبب تقاعدي الوظيفي، قد غادرتها بباقة ورد ودمعة.. ثمّ مشينا وسط سهل عدلون، وصار عطرالبرتقال رفيق المشي حتى عبرنا نهر "أبو الأَسْود"، باتجاه بستان القناطر، على ضفاف نهر القاسميّة، وقد إستقبلتنا صفوفٌ من أشجار النخيل السامقة.. وصوت الريح فوق أشجار نخيل البساتين غير صوت الريح فوق برتقال السهل.. ومنطقة القناطر أخذتْ اسمها من سلسلة طويلة من القناطر الحجريّة المرتفعة السقف، المزينة بالعقود المترابطة بذوق وأناقة رائعين، ومزودة بمسابح بعضها للكبار والبعض الآخر للصغار.. قناطرٌ هادئةٌ، وأشجارٌ تترنحُ حولها لتعانق السماء، تحت سقفها كانت لنا استراحة مميّزة، تناولنا خلالها الغداء القرويّ السنويّ المُعدّ بأيدٍ ناعمة كريمة من صديقات الحزب الشّيوعي، واتحاد الشباب الديمقراطي فرع عدلون، وبعد الغداء الغنيّ بكل ما يخطر على البال من أطعمة قرويّة معروفة أو منسيّة كانت حاضرة بامتياز على مائدتهم العامرة.. وقد وجب شكرنا لكلِّ من نظّمَ وأسهم بنجاح هذا المسير الرائع، وكان ختامه مسكاً وعنبراً، إذْ صدحت موسيقى ال Dj وتمايلتْ خصور الصبايا والشباب فرحاً وعشقاً وورداً وأملاً بمسيرِ ربيعٍ سنويٍّ في العام القادم، يحمل لنا ولكلِّ اللبنانيين الأمنَ والأمان، والعيشَ الرغيد والسلام.. صيدا في 20- 4- 2014 حسن وهبي