uldy

uldy

رئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية سمير جعجع (مروان طحطح)هناك جوانب تثير القلق والريبة في الثقافة السياسيّة في لبنان. وهذه الجوانب تصعد وتخفت بناءً على المتغيّرات السياسيّة. هناك أطراف في لبنان تبنّت منذ إنشاء الكيان العقيدة الصهيونيّة. لنُدرج ذلك في كتب التاريخ. بعضهم جاهر بذلك (مثل إميل إدّه والمطران مبارك اللذين أدليا بشهادة رسميّة مناصرة للدعوة الصهيونيّة عام 1947)، وبعضهم عمل في الخفاء إلى أن جاهر بذلك عام 1982. وعندما ذهب أرييل شارون إلى منزل آل الجميّل في بكفيّا عام 1982 ليعزّي بوفاة أسوأ لبناني، لم يحتج إلى شرطي سير ليرشده إلى الطريق

أسعد أبو خليل ليس اللوبي الإسرائيلي جديداً في لبنان. وهناك من سيعترض على فكرة اللوبي الإسرائيلي. كان هذا ممكناً قبل الحرب الأهليّة في 1975. قبل تلك الحرب، كان خطاب المنظمات الفلسطينيّة و«الحركة الوطنيّة» يتهم الفريق الكتائبي ومن لفّ لفّه بأنهم ينفّذون مخطّطات إسرائيليّة في لبنان. كما أن «الحركة الوطنيّة» بكّرت (عن حق كما ثبت) في اتهام الفريق اليميني في الحرب بالعلاقة المباشرة ــــ الذيليّة طبعاً ــــ مع إسرائيل. وكان بيار الجميّل وابنه بشير ــــ أسوأ لبناني على الإطلاق ــــ يقسمان ويصرّان على أن لا علاقة لهما بإسرائيل. وكان بيار الجميّل يزيد أن من يتهمه بالعلاقة مع إسرائيل هو نفسه عميل إسرائيلي. وكان أسوأ لبناني يرفض أن يقطع علاقته مع إسرائيل لأنه كان يقول إنه لا علاقة له مع إسرائيل، فيما كانت زوجته تعدّ الأطعمة لأرييل شارون أثناء زياراته السريّة والعلنيّة إلى لبنان. إنّ كذب آل الجميّل لم يكن يختلف عن كذب الملك حسين الأردني الذي كان يصدر بيانات ملكيّة رسميّة منذ الستينات لينفي فيها أخباراً صحافيّة غربيّة عن لقاءاته السريّة مع إسرائيليّين.

نستطيع أن نتحدّث عن نوعين من اللوبي الإسرائيلي في لبنان. هناك اللوبي الإسرائيلي المدفوع والمُرتهن مباشرةً للعدو، والذي يقوم بمهمّة العمالة التي قام بها ما يزيد عن 80 لبنانيّاً قُبض عليهم في السنتيْن الماضيتيْن. اللوبي الإسرائيلي المباشر هو رديف لنشاط الاستخبارات الإسرائيليّة العدوّة في لبنان، وهو ممنوع قانوناً وإن كان هناك تراخ أخلاقي وصحافي في التعامل مع الفعل الشنيع. أخبار القبض على شبكات العملاء الإسرائيليّين في لبنان لقيت اهتماماً في مجلّة «الإيكونوميست» الرصينة أكثر من التغطية شبه الغائبة في «النهار» أو «المستقبل» أو موقع «ناو حريري» (وفارس خشّان يزهو بأنه يرفض تهم العمالة لما ينوف على ثمانين من المتهمين). هذا اللوبي المباشر العميل لا علاقة له بطرفي النزاع في لبنان اليوم، لأن الطرفين يتفقان (لفظاً عند فريق 14 آذار) على العداء لإسرائيل. أي يجب ألا يُفهم تحليلي لمواقف فريق 14 آذار أنه محاولة للتماهي بين اللوبي الإسرائيلي المباشر ومن يمكن أن تندرج مواقفه ــــ بالصدفة وعفواً وبكثير من البراءة ــــ في إطار اللوبي غير المباشر، أو «هيك صاءبت» كما يقول حرّاس «ثورة (حرّاس) الأرز» عندما يُسألون عن التوافق والتطابق بين مواقفهم ومواقف جورج بوش وإسرائيل. أما أن إسرائيل كانت مناصرة لـ14 آذار فإلى درجة أن الإدارة الأميركيّة طلبت رسميّاً في ربيع 2005 من إسرائيل: 1) التوقّف عن الإشادة بفريق فقيد عائلته، رفيق الحريري. و2) التوقّف عن الزهو العلني بدور إسرائيل في تركيب القرار 1559 منعاً لإحراج آل الحريري ومؤيّديهم.  أما حزب الكتائب اللبنانيّة الذي ــــ وفق المراجع العبريّة والإنكليزيّة ــــ كان يتلقّى دفعات نقديّة من إسرائيل منذ الخمسينات، فيمكن أن يندرج تحت باب اللوبي الإسرائيلي المُباشر حتى اتفاق الطائف لأن الحزب ــــ هكذا يُقال لنا على الأقل ــــ قطع علاقاته مع إسرائيل منذ ذلك الحين. أي إننا نفصل هنا بين حزب الكتائب الحالي الذي يعتبر أن إسرائيل عدوّ (مع أن مستشار سامي الجميّل، جان بيار قطريب، هو متخرّّج الذراع «الفكرية» للوبي الصهيوني في واشنطن، أي «مؤسّسة واشنطن لدراسات الشرق الأدنى» التي استضافت وليد جنبلاط في حقبة الغشاوة، أو حقبة ما بعد الغشاوة ــــ لم أعد أقدر أن أحدّد الفرق بدقّة ــــ لكن ذلك محض صدفة. والقطريب يعرّف عن نفسه ويُعرَّف عنه أنه ناشط في مجال «حقوق الإنسان» في منظمة تجمعه مع بيار عطا الله الذي لا صلة له اليوم بتنظيم حرّاس الأرز الإسرائيلي، والذي تحرص جريدة «النهار» على نشر بياناته باستفاضة (من باب العلم والخبر، ليس إلا) وبين حزب الكتائب الذي كان يقوم بأدوار سياسيّة وعسكريّة (غير معلومة بالكامل لليوم) في مقابل الدعم المالي والعسكري من إسرائيل الذي سبق الحرب الأهليّة اللبنانيّة. تقرأ مثلاً في جريدة «العمل» الناطقة باسم حزب الكتائب في 7 كانون الثاني 1967 أن نوّاب حزب الكتائب في مجلس النوّاب اللبناني تقدّموا بسؤال إلى الحكومة عن مبدأ مقاطعة إسرائيل وجدواها. أي إن حزب الكتائب في حقبة قيامه بدور اللوبي الإسرائيلي في لبنان، كان يسدّد دفعات سياسيّة ردّاً على دفعات ماليّة من إسرائيل. طبعاً، بعد اندلاع الحرب الأهليّة اللبنانيّة تضخّم دور اللوبي الإسرائيلي ليشمل القوات اللبنانيّة والجبهة اللبنانيّة (باستثناء فريق سليمان وطوني فرنجيّة آنذاك). 

واللبيب لا بدّ أن يلاحظ أن هناك تطابقاً، لا تشابهاً، بين شعارات 14 آذار في السياسة الخارجيّة وشعارات إسرائيل عن لبنان. وسمير جعجع قال هذا الأسبوع، في زلّة لسان غير مقصودة، إنه وفريقه يعمدان إلى معالجة مسألة سلاح حزب الله منذ 2006، أي منذ فشل إسرائيل في اقتلاع سلاح حزب الله كما كان مأمولاً، وكما تمنّى رضوان السيّد في حديثه مع زميلة أميركيّة (عادت وروته له مُستفظعةً). ورئيس الأركان الأسبق في إسرائيل كتب بعد فشل إسرائيل في حرب تمّوز، وبعد تحقيق معجزة النصر البشري، أن خلفه في رئاسة الأركان تسرّع في الحرب وأن هناك في حوزة إسرائيل خططاً سياسيّة ضد حزب الله تعتمد على السياسية الداخليّة اللبنانيّة. لكن هذا لا يعني أن الفريق اللبناني الذي يردّد شعارات الأهداف الإسرائيليّة في لبنان يفعل ذلك بأمر من إسرائيل. لا أبداً. في الذهاب في هذا المنحى إجحاف وظلم. ولا يجوز إطلاق التهم جزافاً.

حديث فارس سعيد في برنامج «نهاركم سعيد» ــــ كان سعيداً إلى أن أطلّ ــــ قبل أيام لا يمكن أن يندرج في إطار اللوبي الإسرائيلي المباشر، بل في إطار اللوبي الإسرائيلي العفوي. لنقل إنه اللوبي الإسرائيلي البريء، والبريء جدّاً. فقد تحدّث بإسهاب عمّا سماه «معاناة» إسرائيل في المنطقة العربيّة، التي دعاها، من أجل إنهاء معاناتها، إلى «الانسجام» مع «النسيج» العربي. أي إن فارس سعيد، الذي لا يمكن أن يندرج في إطار اللوبي الإسرائيلي لأنه يعتبر، مثله مثل جورج عدوان وسمير جعجع وكل أوثق حلفاء إسرائيل في مرحلة سابقة، أن إسرائيل عدوّ، يتعدّى المطالبة بالتطبيع الكامل الذي وعدت به المبادرة العربيّة للسلام (التي أهداها توماس فريدمان إلى عبد الله بن عبد العزيز من أجل كسب رضى أميركا عن السعوديّة بعد تفجيرات أيلول، أو «حادثة» أيلول كما سمّاها سعود الفيصل في حديث مع جريدة «نيويورك تايمز») ليطالب بما هو أكبر من ذلك: أي إدخال الكيان الغاصب في الداخل العربي الصميم والحميم. ولكن للأمانة، لم يدعُ فارس سعيد الحركة الصهيونيّة إلى التمثيل في الأمانة العامة لـ14 آذار، ولم يطالب بعلاقة بين لبنان وإسرائيل، لكنه من أنصار فريق «لبنان آخر دولة عربيّة توقّع اتفاق سلام مع إسرائيل». ورفع الشعار بصورة يوميّة أو حتى دوريّة ينبئ بتحرّق وشوق لتوقيع اتفاق سلام مع إسرائيل في أي لحظة. (طبعاً، كان لبنان ثاني دولة عربيّة توقّع اتفاق سلام مع إسرائيل، لكن ثورة مسلّحة فرضت على أمين الجميّل طيّ الاتفاق، بعدما كان قد وعد حلفاء بشير الجميّل الإسرائيليّين بأنه سيذهب أبعد من بشير في إرضاء إسرائيل، على ما ذكرت المصادر العبريّة). وسليل العائلة التي امتشقت التحالف مع إسرائيل منذ الخمسينات، سامي الجميّل، كان صريحاً بأن موضوع طاولة الحوار (التي وردت على قريحة ميشال سليمان بعد أيّام فقط من أمر الموسم من بان كي مون، وبلغة مندوب الصهيونيّة في الأمم المتحدة، تيري رود لارسن) يجب ألا يتطرّق إلى استراتيجيّا دفاعيّة للبنان، بل أن ينحصر البحث بـ«سلاح حزب الله».   النائب السابق فارس سعيد (بلال جاويش)يعني سامي الجميّل يريد أن يقول إن السلاح والعنف في لبنان يجب أن يكونا وقفاً على إسرائيل. وهذا هو لب موضوع اللوبي الإسرائيلي في لبنان. وهنا نتحدّث عن اللوبي غير المباشر الذي لا علاقة معروفة أو رسميّة له مع الكيان الغاصب، حتى لا نظلم أحداً أو أن نقع تحت طائلة القانون. لكن مطالبة حزب الكتائب بوقف مقاطعة لبنان لإسرائيل في 1967 عندما كانت إسرائيل تهدّد العرب يمنةً ويسرةً، وعندما كان هناك إجماع عربي رسمي (مُعلن على الأقل) وشعبي بمقاطعة إسرائيل، كانت لخدمة هذا الكيان بناءً على العلاقات السريّة. أما مطالب حزب الكتائب اللبنانيّة اليوم فهي ليست خدمة لإسرائيل، لأن حزب الكتائب لم يعد يتلقّى دفعات نقديّة من إسرائيل كما أنه قطع علاقاته بها واقتنع بـ«العروبة الحضاريّة» التي تشرّبها أنطوان زهرا وفريد حبيب وجورج عدوان أيضاً.  لكن ما أثارني في حمأة تهديدات إسرائيليّة وجوديّة صفيقة للبنان (والتهديدات تجاهر بوعود من جرائم حرب تفوق جرائم حرب سابقة لإسرائيل. والكيان الغاصب لم يحارب مرّة واحدة من دون الاستعانة المقصودة بجرائم الحرب، كما قال مناحيم بيغن في حديث مع جريدة نيويوركيّة ــــ النشرة اليهوديّة النيويوركيّة ــــ عام 1960 النائب سامي الجميل (مروان بو حيدر)عن مجزرة دير ياسين: «لم تكن المجزرة مُسوّغة فقط، ولكن لم يكن انتصار إسرائيل ممكناً من دون نصر دير ياسين»)، هو مشهد تظاهر حفنة من حملة الجنسيّة اللبنانيّة ممن ينتمون لفريق «لبناني» باسم «ملتزمون». ومن الظلم أن نقول إن منظمة «ملتزمون» (بماذا يا ترى؟) تلتزم مصلحة إسرائيل، لأن في ذلك ظلماً وتهوّراً قانونياً. ثم إذا كان جورج عدوان (واحد من الذين نسّقوا للعلاقة مع إسرائيل في السابق) يقول اليوم من باب رفع العتب السياسي والقانوني إن «إسرائيل عدو»، وإذا كان سمير جعجع يستهلّ هجومه لساعة على أعداء إسرائيل ومقاوميها بعبارة «إسرائيل عدو»، فمن المتوقّع أن القائمين والقائمات (ومن الضروري التشديد على القائمات لأن التنظيم يحاول أن يظهر بصورة عفويّة أنه يعبّر عن أمهات لبنان وشبابه)، سيقولون محاكاةً لجعجع إن إسرائيل عدوّ. لقد قام تنظيم «ملتزمون» بتظاهرة قرب جريدة «النهار» لرفع بعض الشعارات المألوفة. ومسؤولة التجمّع، دينا لطيف، دعت الطبقة السياسيّة والرأي العام إلى ضرورة «احترام السيادة»، بالإضافة إلى كلمات أخرى مألوفة في بيانات الأسبوع من جوقة الأمانة العامة لـ14 آذار. أما أن تدعو لطيف الطبقة السياسيّة والرأي العام اللبناني إلى «احترام السيادة»، ففي هذا رسالة واضحة موجهة لحزب الله تدعوه فيها إلى احترام سيادة إسرائيل. لا لبس ولا مواربة في كلامها، وخصوصاً إذا خضع التحليل للوضع في سياق الشعارات الأخرى للتنظيم البريء جدّاً. أي إن احترام سيادة إسرائيل يفوق احترام سيادة لبنان عند هذا التجمّع الذي لا علاقة له بإسرائيل البتة. وتقول رندا قاسم (في قيادة حفنة التنظيم) إن لبنان يرفض «سوقه» رغماً عن إرادته «في مواجهات» مع إسرائيل. أي إن التنظيم، الذي يمثّل في الرأي العام اللبناني أكثر مما يمثّل حزب الله عدديّاً على ما يفترض تنظيم «ملتزمون»، يرى في إسرائيل حملاً وديعاً ولا يرى سبباً في الاعتداء على الحمل الوديع وهو نائم هانئاً. أما نجيب زوين «المنسق العام» في حفنة التنظيم المذكور فهو يرفض سلاح حزب الله من أساسه ويرى في الجيش اللبناني أفضل سد لحماية لبنان لأنه «أثبت عبر التاريخ أنه أقوى». لم تسأل وسائل الإعلام الحريري ــــ السعودي التي أفردت مساحات لتغطية تظاهرة لعشرات، عن نماذج وقرائن لإثبات أن الجيش اللبناني هو «الأقوى». إلا إذا كان نجيب زوين يعزو إخفاق إسرائيل في حرب تموز لتصدّي الجيش اللبناني له (ذكّر ميشال سليمان في كلام له في السعوديّة بأنه سقط للجيش اللبناني 50 قتيلاً على يد إسرائيل، لكنه نسي أن يذكر أن معظمهم سقطوا في أسرّتهم ومقاعدهم من دون أن يطلقوا رصاصة لأن الجيش للأسباب «المعروفة» لم يتصدّ لإسرائيل، أي إنه أخرج نفسه من أي دور في أي استراتيجيا دفاعيّة للبنان). لا أدري إذا كان «ملتزمون» أو القيّمون (أو القيّمات) عليه من أنصار السلام أو الحياد مع إسرائيل. غير أن كلمة الحياد ترد على موقع التنظيم على «الفايسبوك»، لكن بصورة سلبيّة. فهم ضد الحياد بين الدولة و«الميليشيا»، أي حزب الله. ودعت التظاهرة الجمهرة إلى وقف الحروب ورفضها، وأقرنت كلامها بهجاء الرئيسيْن الإيراني والسوري. وورد كلام عن «الجنوبي» وعن ضرورة عدم استعمال العرب له. أي إن لنجيب زوين هذا ودينا لطيف وسائر الرهط قوّة تمثيليّة في جنوب لبنان تفوق قوّة حركة أمل وحزب الله مجتمعيْن، مما أهّل هؤلاء للتحدّث باسم أهل الجنوب. لكن الشعارات والكلام الصحافي خلوَا من أي إشارة إلى إسرائيل. أي إن التجمّع الصغير يستحق أن يُلقّب بفريق اللوبي الإسرائيلي، مع أنه ليس هناك علاقات معلومة بين التنظيم وإسرائيل، وأي كلام عكس ذلك يدخل في باب التجنّي والظلم. لا يدعو التنظيم علانية إلى سلام مع إسرائيل لكنه ــــ وإن كان من معارضي النظام السوري في كل شيء ــــ يبدو معجباً بالمفاوضات بين النظام السوري وإسرائيل. وهو في هذا على منوال فريق 14 آذار الذي لا يرى فضيلة في النظام السوري إلا هدوء جبهة الAffinityCMSن والمفاوضات مع إسرائيل.

شعار رفض الحرب، عندما يكون موجّهاً إلى فريق لبنان، ويتنطّح للدفاع عن لبنان تطوّعاً لأن الجيش اللبناني ممنوع من اقتناء أسلحة تسمح له بالتصدّي لإسرائيل، لو أراد، لا يعني إلا الاستسلام أمام عدوان إسرائيل كما كان يفعل لبنان عبر تاريخه. الجيش اللبناني مسموح له فقط باقتناء أسلحة للانقضاض على المخيّمات الفلسطينيّة وعلى حركات تمرّد شعبيّة في وجه الحكومات الموالية لأميركا. وأقلق زوين هذا مشهد لقاء الرئيسيْن السوري والإيراني مع حسن نصر الله واعتبره بمثابة إعلان حرب على إسرائيل. هنا مرّة أخرى تبرز إسرائيل الحمل الوديع في خطاب هذه المجموعة التي يبدو أنها لا تمانع في وراثة تنظيم حرّاس الأرز، مع أنها ــــ خلافاً لتنظيم حرّاس الأرز الممنوع ــــ لا تقيم علاقة مع إسرائيل. إذاً هي في إطار اللوبي الإسرائيلي العفوي (والبريء جداً) في لبنان. أما التهديدات الإسرائيليّة اليوميّة للبنان وبناه التحتيّة ومدنيّيه، فهي لم تصل إلى أسماع اللوبي الإسرائيلي العفوي وغير العفوي في لبنان. ويرفض زوين، مثلما ترفض إسرائيل، حق حزب الله في امتلاك صواريخ من أي نوع. فالمذكور حضاري ويحرص على الحضاريّة حرص وديع حدّاد على ملاحقة العدو «في كلّ مكان». فيقول صاحبكم زوين «إن البعد الحضاري في هذا البلد ــــ خلافاً للصواريخ ــــ يتمثّل بكونه مركزاً للحضارات والحوار». ومن المعلوم أن معالم حضارات لبنان وحواراته لا تزال ماثلة للأعين في فندق «الهوليدي إن» والكرنتينا وتل الزعتر والدامور وغيرها من الأماكن حيث أمعن اللبنانيّون في احتضان الحضارات والحوار الذي ملأ صدر «المسيو» زوين بالفخر. ومنعاً لأي التباس، وتفويتاً لأي غرض خبيث ممّن سيحاول أن يربط بين الشعارات المذكورة لـ«ملتزمون» وأهداف إسرائيل في لبنان، يؤكّد زوين في حديث مع موقع 14 آذار أن التنظيم «هو تجمّع مدني نشأ عفوياً منذ نحو عام». هذا ينهي قطعاً أي محاولة لربط التنظيم باللوبي الإسرائيلي المباشر في لبنان. العفويّة في الإنشاء لا تحتمل المنشأ الخارجي.

ويمكن تلمّس الموقف الحقيقي للوبي الإسرائيلي غير المقصود في لبنان. فوزير القوات اللبنانيّة السابق، جو سركيس، تحدّث إلى جريدة أولاد الأمير سلمان، «الشرق الأوسط»، التي تغازل إسرائيل أكثر من كل الصحف العربيّة مجتمعة، وطالب بنزع سلاح حزب الله، فيما أبدى استعداد القوات اللبنانيّة لمواجهة إسرائيل لو اعتدت. أي إن اللوبي الإسرائيلي الرسمي السابق في لبنان مستعد لأن يدافع عن لبنان في وجه إسرائيل، شريطة أن يُنزع سلاح مقاومة إسرائيل من الفريق الذي يُقاوم إسرائيل. عندها فقط، يتولّى فريد حبيب وجورج عدوان مهمّة مقاومة إسرائيل. يمكن عدوان أن يستعين بشبكة علاقاته (السابقة طبعاً) في إسرائيل وذلك لـ... مقاومة إسرائيل.

أما حازم صاغيّة (الذي انتقد استغلال الدين لأسباب سياسيّة في إيران، وجاء كلامه هذا في مقالة في جريدة سعوديّة رسميّة، أي إن صاغيّة يدعو إلى تقليد النموذج الوهابي في العلمانيّة) فيكتب على موقع «ناو حريري» أن فرصة لبنان للتخلّص من حزب الله تكمن في التوصّل إلى سلام كامل وشامل مع إسرائيل. أي إن أنصار السلام مع إسرائيل لا يكتفون اليوم بالمطالبة بالسلام والوئام، حتى في الأسبوع الذي تهدّد فيه تل أبيب لبنان بضرب بناه التحتيّة وإعادته إلى الوراء، بل يزيدون أوصافاً على السلام للبلوغ به نحو الكمال والشموليّة. غير أن هؤلاء، ومعهم الدول العربيّة، وقّعوا على مبادرة فريدمان ــــ عبد الله للسلام, وقد رفضتها إسرائيل. لكن من تحت الطاولة، تروّج السعوديّة ومن يناصر أمراءها لسلام من نوع آخر: سلام مع إسرائيل في مقابل لا شيء، باستثناء رضى إسرائيلي عن الأنظمة العربيّة لكسب التأييد والدعم الأميركي لها. اللوبي الإسرائيلي ينتشر في أكثر من دولة عربيّة. وحكومة الاحتلال الطائفيّة في العراق برئاسة نوري المالكي فتحت صناديق اقتراع في الأردن لتسمح لإسرائيليّين «عراقيّين» بالاقتراع لقائد اللوبي الإسرائيلي في العراق، مثال الألوسي. لكن فريق «ملتزمون» لا يطالب بحق إسرائيليّين في الاقتراع في لبنان.

عون حسم موقفه والباقون في انتظار تسوية ما

مساومة بين إقرار مشروع الموازنة بهدوء مقابل عدم توتير المناخ السياسي (مروان طحطح)بات واضحاً أن الكتل النيابية تتعاطى مع مشروع موازنة عام 2010 المرتقبة انطلاقاً من تسويات سياسية، إذ إن غالبيتها لم تعلن مواقف واضحة وصريحة من الزيادات الضريبية التي سيتضمنها المشروع، وخصوصاً زيادة الضريبة على القيمة المضافة من 10% إلى 12% أو 15%، تسهيلاً للتوافق خارج المؤسسات الدستورية، أي مجلسي الوزراء والنواب

محمد وهبة كان لافتاً تحذير رئيس الحكومة سعد الحريري من أن مشروع موازنة عام 2010 سيكون «اختباراً لحكومة الوحدة الوطنية»، ما يوحي بأن مناقشتها في مجلسي الوزراء والنواب ستكون مبنية على حسابات سياسية أكثر منها مالية واقتصادية واجتماعية. فقد باتت مواقف غالبية الكتل السياسية مرهونة بطبيعة تحالفاتها والتسويات المحتملة وتأثيرات هذا الأمر على المناخ العام، إذ تقول مصادر وزارية من قوى المعارضة السابقة، إن هناك محاولة للمساومة على «إقرار مشروع الموازنة بهدوء مقابل عدم توتير المناخ السياسي، بما في ذلك تأجيل الانتخابات البلدية». ربما لهذا السبب تستمهل بعض الكتل في إطلاق مواقف واضحة من طرح رئيس الحكومة سعد الحريري ووزيرة المال ريّا الحسن، لجهة زيادة ضريبة القيمة المضافة من 10% إلى 15% أو 12%. لكن الأكيد حتى الآن أن كتلة التغيير والإصلاح ترفض رفضاً قاطعاً زيادة الـTVA وتقول إن في جعبتها 100 بديل لتغطية الإنفاق الزائد على الموازنة، غير أن باقي الكتل تنتظر التفاصيل المتعلقة بالموازنة التي قد تدفعها إلى الموافقة على الزيادة أو رفضها، أي ليس لديها موقف مبدئي من زيادة الضريبة على الاستهلاك عموماً.

TVA المستقبل: نعم للـ

يرى النائب سمير الجسر أن هناك ضرورة للموازنة بين النفقات والواردات، وبالتالي فإن «أي زيادة أو طلب لزيادة الإنفاق يجب أن يُغطّى بزيادة الإيرادات حتى لا يزيد العجز والمديونية العامة، وإلا ستكون الموازنة وهمية»، ويشير إلى أن الخزينة تحقق فائضاً أوّلياً، لكن خدمة الدين العام تستنزفه، أي إنها تعاني عجزاً قبل زيادة الإنفاق. وفي رأيه، إن «موارد الخزينة مبنية على الضرائب، ولا سيما الضريبة على القيمة المضافة التي يعتمدها العالم كله، فيما هي ضريبة سريعة التحقق وتؤمّن واردات مضمونة، أما باقي أنواع الضرائب فهي مرتبطة بالحركة الاقتصادية والربح والخسارة والأزمات...»، ويلفت إلى أن للـTVA أهمية أساسية، فهي تسمح للدوائر الضريبية بالدخول إلى حسابات التجار ومنعهم من التهرّب الضريبي». لذلك، فإن موقف كتلة المستقبل من مشروع الموازنة لن يكون معلّقاً على زيادة الضريبة بمعزل عن زيادة الإنفاق، إذ يرى الجسر أنها «ضريبة عادلة ولا تطال إنفاق الأسر الفقيرة والأشد فقراً، لأن ضريبة الـTVA تتضمن سلّة إعفاءات مرتبطة بالاستهلاك، وخصوصاً استهلاك الكماليات بنسبة 95%».

التغيير والإصلاح: 100 بديل

في المقابل، درس تكتل التغيير والإصلاح موضوع موازنة عام 2010 في أحد اجتماعاته، وكان رئيسه النائب ميشال عون واضحاً وصريحاً في رفض الزيادات الضريبية، وقال إن لدى التكتل 100 بديل. وفي الواقع، جرى لقاء بين وزراء التيار ووزيرة المال ريّا الحسن، وأُبلغت أن التكتل لا يرى أي مبرر لأي زيادة ضريبية في ضوء وجود فائض في حساب الخزينة، وبالتالي إذا كان لا بد من الدخول في نقاش بشأن هذا الأمر، فالأجدى أن يكون بهدف تصحيح الاختلالات المالية والاقتصادية والاجتماعية، والتوافق على الأهداف النقدية، لا أن يكون نقاشاً في زيادة الإيرادات فقط. وفي هذا الإطار، يقود النائب إبراهيم كنعان، بصفته رئيساً للجنة المال والموازنة، محاولة لإلزام الحكومة بتطبيق أحكام الدستور وقانون المحاسبة العمومية في إعداد الموازنة، ولا سيما لجهة إحالة مشاريع قوانين منفصلة لكل حالة من حالات التعديل الضريبي.

أمل: في انتظار المشروع

يقول عضو كتلة التنمية والتحرير النائب غازي زعيتر إن الموضوع لم يقرّ بعد في مجلس الوزراء، فيما هناك ضرورة للاطلاع على الأسباب الموجبة للزيادات الضريبية قبل تحديد موقف منها، موضحاً أن الكتلة ستجتمع «عندما تقرّ الموازنة في مجلس الوزراء وتُرسل إلى المجلس النيابي، وستأخذ الموقف المناسب في حينه». إلا أن مصادر قريبة من رئيس مجلس النواب نبيه بري لفتت إلى أنه «ضد زيادة حجم الدين العام مبدئياً»، لكنّ الموافقة على أي زيادة ضريبية مرهونة «باستنفاد كل الموارد الأخرى في الدولة اللبنانية، وما يشاع عن زيادة الضريبة على القيمة المضافة غير مرتبط بزيادة الإنفاق، بل هو متصل بالزيادات التدريجية الملحوظة في مؤتمر باريس 3».

حزب الله متريّث

حزب الله يفضّل التريّث في إطلاق موقف نهائي من مشروع الموازنة. وبحسب عضو كتلة الوفاء والمقاومة النائب نوار الساحلي، فإن الحزب ينتظر المشروع بتفاصيله التي سيناقشها في مجلس الوزراء أولاً «وحين تصل إلى مجلس النواب ستحدّد الكتلة موقفاً». ويعلّق على سؤال عن موقف الحزب من الزيادة المطروحة على القيمة المضافة: «منذ أيام قال الرئيس الحريري في قطر إن المشروع لن يتضمن زيادة الـTVA». ومرّد هذا التريّث يعود إلى الطروحات التي قُدّمت للحزب بشأن زيادة الضريبة على القيمة المضافة إلى 15%، ثم جرى التنصّل منها لاحقاً، فيما اتّهم بطرح مقايضة «تأجيل الانتخابات البلدية مقابل الموافقة على زيادة ضريبة القيمة المضافة». ولذلك، فإن موقف حزب الله سيُعلن بعد أن يصبح مشروع الموازنة معلناً.

القوات: مع 12% وتقديمات

ويرى عضو كتلة القوات اللبنانية، النائب أنطوان زهرا، أن هناك «بلبلة بشأن الزيادة الضريبية. فقد أجريت حملة على أساس أن هناك زيادة الـTVA، فيما توجّه الحكومة ليس في هذا الاتجاه». ويرى أن الكتلة «سيكون لها موقف سلبي من زيادة الـTVA إلى 15%، أما ما يتداول عن زيادة إلى 12% فيحتاج إلى تقويم. فإذا كان مترافقاً مع تقديمات على المستوى الاجتماعي مثل الصحة وضمان الشيخوخة... فقد تكون مقبولة»، لكنه يعتقد أن ما يُطرح هو مجرد دعايات «لتقطيع الوقت. وعلى أي حال، يجب أن نرى فذلكة الموازنة أولاً، حتى يتسنى لنا مناقشتها والتعليق عليها كطرف سياسي، ولن نعلن موقفنا النهائي من الموازنة قبل أن نرى العناوين المطروحة وماذا تحتوي».

11.8%

نسبة نموّ إيرادات الضريبة على القيمة المضافة في عام 2009 مقارنة بالعام السابق، حيث بلغت 2888 مليار ليرة (1.92 مليار ليرة). ومثّلت هذه الإيرادات 22.7% من الإيرادات الإجماليّة للحكومة، التي نمت بدورها بنسبة 20.4%

بعزقة أموال الدولة

يؤكد النائب فؤاد السعد (الصورة) أن كتلة اللقاء الديموقراطي لم تتخذ أي قرار بشأن الموازنة والزيادات الضريبية، مؤكداً أن موقفها سيعلن لاحقاً. لكنه يعتقد أنه في إمكان الدولة تحديد مستوى إنفاقها، فإذا كانت هناك حاجة إلى مشاريع يجب تغطيتها، بشرط ألّا تحصل «بعزقة» أملاك الدولة بالخصخصة. ويعلّق على كلام الحريري عن أن الموازنة ستكون اختباراً لحكومة الوحدة: «إذا لم يكن هناك تفاهم فسيتجمد كل شيء بما فيها الموازنة، وإذا كان الجميع يرى أن الحكم لن يسير بهذه الطريقة، يجب البحث عن وسائل أخرى للحكم».

نظّمت القوى اليساريّة اللبنانيّة والفلسطينيّة اعتصاماً قرب المجلس  النيابي بالتزامن مع انعقاد الجلسة العامة أمس (الأخبار)حضر أمس ممثل منظمة التحرير الفلسطينيّة، عبد الله عبد الله، إلى قاعة المجلس النيابي خلال جلسته الاشتراعية. ربما أمل عبد الله، كما كثيرون، أن يسمع كلمة «صُدّق» على المشاريع المقدمة لتحسين حياة الفلسطينيين. لكن يبدو أن الجميع سينتظرون الجلسة المقبلة لبتّ هذه المشاريع

قاسم س. قاسم، ثائر غندور لو لم يطرح نواب اللقاء الديموقراطي الشهر الماضي أربعة اقتراحات مشاريع قوانين تتعلق بالحقوق الإنسانية للاجئين الفلسطينيين في لبنان، لما كان النواب المعنيون بدرس هذه المشاريع ليتعرفوا إلى حقيقة أوضاع اللاجئين الفلسطينيين؛ إذ أدركوا منذ أسبوع فقط أن الأونروا تعاني عجزاً مالياً، وأن ميزانيتها في لبنان لا تتعدى 70 مليون دولار، وأنها ميزانية عجز. لكن ألم تكن تصل إليهم صرخات وتصريحات كل من فيلبو غراندي المفوض العام للأونروا بأن خدمات الأونروا قد تتوقف نهائياً إذا استمر خفض ميزانية الوكالة بهذه الوتيرة. هكذا، يبدو أن حقيقة الأحوال المالية للأونروا وصلت إلى مسامع النواب فقط عندما طرح موضوع حقوق اللاجئين قيد البحث. واكتشف نواب الأمة في الأسبوع الماضي أيضاً أن المجتمع الفلسطيني يتألف من ثلاث فئات: المسجلون في الأونروا ووزارة الداخلية، المسجلون في وزارة الداخلية، والفئة الثالثة غير المسجلة في الأونروا ولا في سجلات وزارة الداخلية. إذاً، تعرف بعض النواب حديثاً إلى فئة فاقدي الأوراق، ففوجئوا بأن أعداد هؤلاء غير معروفة ويجب إحصاؤها، وهويتهم القانونية غير معروفة. لكن من قال إن الرقم غير موجود؟ فهو ببساطة موجود في ممثلية منظمة التحرير في الجناح، إذ وصل عدد هؤلاء إلى 2992 بحسب طلبات إثبات الجنسية المقدمة إلى الممثلية. لم يكن ينقص المجلس النيابي أمس في جلسته الاشراعية إلا أن يكون ممثلو الأونروا حاضرين في جلسة الهيئة العامة ليطمئنوا إلى مصير وكالتهم التي دافع عنها النواب بشدة. والسبب ليس بالطبع «سواد عيون» العاملين في الوكالة، بل لأنها الشاهد الدولي الوحيد على لجوء الفلسطينيين. فكان بعض النواب متخوفين على الأونروا أكثر من تخوف العاملين فيها أنفسهم؛ إذ طالبوا بلفت نظر الحكومة إلى تبليغ «مندوبنا في الأمم المتحدة من أجل الضغط لسد العجز من الدول المانحة، وزيادة ميزانية الأونروا» كما قال النائب روبير غانم. بالإضافة إلى مطالبة الأمم المتحدة بعدم التخلي عن الأونروا ودعمها مالياً، لأن ذلك يوجد «سياسة مبرمجة لإنهاء دور الأونروا وتحويل اللاجئين إلى مقيمين، ولتطبيع الوجود الفلسطيني» كما قال النائب ألان عون في مداخلته. هكذا، كانت الحقوق الإنسانية والاجتماعية التي وضعت على جدول أعمال الهيئة الاشتراعية الحاضر الأكبر أمس في جلسة الهيئة العامة، وبعكس الجلسة السابقة التي انقسم فيها المجلس النيابي عمودياً، كانت جلسة أمس هادئة تماماً. فردت هذه الاقتراحات بسلاسة إلى لجنة الإدارة والعدل، على أن تُطرَح مجدداً في الجلسة المقبلة للمجلس النيابي بتاريخ 17 آب. هكذا، أجمع معظم النواب أمس على تأجيل ملف الحقوق الإنسانية والاجتماعية للفلسطينيين لمدة شهر، لكي يعطي المجلس «مهلة لننجز ما نستطيع إنجازه» كما قال النائب روبير غانم. مهلة باركها النائب أكرم شهيّب، متمنياً أن «يصار إلى تأكيد الموعد المقبل، على ألّا يكون بعد وقت طويل». أما الانقسام البسيط الذي ظهر بين النواب، فهو في عملية تقسيم القوانين إلى قسمين: واحد طويل المدى ويتطلب الكثير من الدرس والأخذ والرد والوفاق، مثل حق التملك. والآخر هو القوانين التي يمكنها إذا أُقرت سريعاً أن تُسهم في تسهيل الحياة اليومية للفلسطينيين، ومنها حق العمل. فقال النائب عماد الحوت إن «لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني تعمل على مدى هادئ لإيجاد حل معقول للاجئين، لكن هناك ما هو طارئ لوضع الفلسطينيين، وهناك اقتراحان: الأول يتناول معالجة وضع الفلسطيني إذا تعرض لحادثة خلال العمل، والثاني إلغاء مراسيم إجازة العمل». واقترح الحوت بتّ «قانونين اليوم (أمس) أو نؤجل لمدة شهر أو شهرين». هنا انتعشت النقاشات قليلاً بين تقسيم الحقوق أو تركها حزمة واحدة، فدعا النائب أحمد فتفت إلى إعطاء لجنة الإدارة والعدل الوقت، متمنياً الفصل بين «حق التملك، وحق الميراث». أما النائب حسن فضل الله، فطالب بتأجيل «الجانب الخلافي بالموضوع» انطلاقاً من اعتباره أن هناك قضايا إنسانية ملحّة لا أعتقد أنها محل خلاف أساسي، نستطيع أن نجزئ القضايا الإنسانية الملحّة، والقضايا الخلافية نناقشها». وردّ النائب محمد قباني عليه: «أنا ضد تقسيم الموضوع، لنمشِ باقتراح النائب غانم، أن نعطي مهلة شهرين ولا نقرر شيئاً اليوم». بين تقسيم المشاريع وإقرارها كلها حزمة واحدة، رأت النائبة بهية الحريري أنه يجب توفير الحد الأدنى من العيش الكريم للفلسطينيين، لأن «نهر البارد وما حصل ليس بعيداً عن تفكيرنا، وهذه النقطة أساسية»، فرد النائب حكمت ديب على الحريري قائلاً: «لماذا كلما درسنا وضعاً معيناً للفلسطينيين نتحدث عن نهر البارد أو الإرهاب، ويعطون صورة كأننا عنصريون تجاه الفلسطينيين؟ هناك 43 في المئة من الفلسطينيين خارج المخيمات، وقد حصلوا على وظائف، والوزير طراد حمادة أعطاهم إذن الممارسة. أوضاع اللبنانيين ليست أفضل». على الخط ذاته رفض النائب آلان عون الاستعجال بإقرار هذه المشاريع: «هذا الموضوع حساس لا يجوز التسرع فيه، والهواجس التي لدينا محقّة، والموضوع يجب أن يُدرس». بدوره، رئيس الوزراء سعد الحريري رأى أن هناك «أموراً حساسة كثيرة في البلد، غير قضية الفلسطينيين، لكن التعامل معها يجب أن يكون بهدوء. وأتمنى أن يرجأ البحث شهراً أو شهرين ونصف شهر، وألا يكون المكسب لفريق سياسي، هذا مكسب لكل اللبنانيين ولكل الفلسطينيين». وبالفعل، طلب رئيس المجلس نبيه بري تأجيل بتّ هذه الاقتراحات إلى الجلسة الاشتراعية المقبلة، مشيراً إلى أنه في «المرة الماضية كنّا أمام أربعة اقتراحات، وعندما صوّتنا على صفة الاستعجال، لو أصر مقدم الاقتراحات على التصويت لمشينا بها. المهم هو التوافق بيننا. وكان هناك اتفاق على عدم سلق الأمور. وبعد التشاور، حوّلنا الاقتراحات إلى الإدارة والعدل، وأعطينا شهراً مهلة، وفي هذا الشهر لم أكن مستعداً للتأجيل، وقد توافقنا على أنه يحق للفلسطينيين مراجعة مجلس العمل التحكيمي. وفي ما يتعلق بالأملاك، ثمة اقتراح يُبحث في لجنة الإدارة عن تملك العرب وغير العرب. أما الاقتراحان الباقيان، فعقدت في شأنهما اجتماعات بين

كان بعض النواب متخوفين على الأونروا أكثر من تخوّف العاملين فيها أنفسهم

استطاع السنيورة أن يسحب المبادرة في الملف الفلسطيني من يد جنبلاط

الكتل كلها، وهناك تقدم في هذا الموضوع ستواكبه لجنة الإدارة والعدل، وسنبقى نواكب الموضوع آملين أن ننتهي، وفي كل الحالات، لن يكون الأمر إن شاء الله إلا بإجماع لبناني وبتوافق اللبنانيين». وأرجأ رئيس المجلس الجلسة إلى 17 آب المقبل. في قراءة سياسيّة لما حصل أمس، يُمكن القول إن الرئيس فؤاد السنيورة استطاع أن يسحب المبادرة في الملف الفلسطيني من يد النائب وليد جنبلاط للمرّة الثانية. الأولى كانت يوم رفض السنيورة مدعوماً من النائبة بهيّة الحريري تعيين الوزير وائل أبو فاعور وزير دولة لشؤون اللاجئين الفلسطينيين، والثانية أمس، عندما استطاع تأجيل البحث مجدداً في الاقتراحات المقدّمة من جنبلاط، إذ يُفترض أن تُقرّ بالإجماع. وهو إجماع يعمل عليه السنيورة وفريقه، وخصوصاً زياد الصايغ (القريب من السنيورة)، الرئيس الفعلي للجنة الحوار اللبناني ـــــ الفلسطيني، بينما الرئيسة النظريّة هي مايا مجذوب التي عيّنها الرئيس سعد الحريري. النقطة الثانية التي كانت لافتة، هي حديث رئيس مجلس النواب نبيه برّي عن التصويت بالإجماع على هذه المشاريع، وهو أمر استغربه العديد من القانونيين. فكلام برّي، من على منصّة رئاسة المجلس، يعني أن إعطاء اللاجئ حقوقه بات أمراً ميثاقياً. إذ إن التصويت في مجلس النواب يجري بطريقتين: بالأكثريّة المطلقة (أي النصف زائداً واحداً) أو الأكثريّة النسبيّة، وهي تتعلّق بالقوانين العاديّة، وأكثريّة الثلثين وهي تتعلّق بتعديل الدستور أو انتخاب رئيس للجمهوريّة وفي أمور أخرى أساسيّة مفصّلة في الدستور اللبناني. ويُشير عدد من النوّاب إلى أن اعتماد الإجماع في التصويت محصور بتعديل الميثاق الوطني، وهو عرف. فيما يُشير آخرون إلى أن كلام برّي لا يتعدّى الموقف السياسي، وبالتالي فهو يُريد إجماع الكتل النيابيّة، لأن هذا الموضوع حسّاس. وهنا، يلفت عدد من النواب في كتل عدّة، إلى أن رئيس المجلس لم يُشاور هذه الكتل بوجهة نظره.

اعتراض على الودّ

مرت معظم القوانين المدرجة على جدول أعمال الجلسة العامة لمجلس النواب أمس بسلاسة، ما عدا القوانين التي أبدى بعض النواب تحفظهم عليها أو على أجزاء منها، مثل قانون يسمح للحكومة بإبرام مذكرة تفاهم مع تركيا في علم الإحراج. إذ اعترض النائب سيرج طورسركيسيان على المشروع في مادته الثانية وعلى ما نصت عليه المادة السابعة من المشروع. وسأل: «ألا يكفينا تعيين منسقين، ولو كان هذا الموضوع يتعلق بأميركا وفرنسا لاهتم النواب به. أما أنه يتعلق بتركيا فلا يعطى الاهتمام». واعترض النائب آغوب بقرادونيان على ما ذُكر في الأسباب الموجبة المتعلقة «بتعزيز العلاقات الودية بين الشعبين اللبناني والتركي». أما القوانين التي أُقرت فهي المتعلقة بإنشاء محميات في الشوف، وادي حجير، شننعير، تسوية أوضاع عرفاء وخفراء الضابطة الجمركية، فتح اعتماد موازنة لمجلس النواب، وتعديل المادة 476 من قانون التنظيم الشرعي السُّني والجعفري، وأُحيل على اللجان القانون المتعلق بأصول التعيين في وظيفة أستاذ ثانوي.

عدد الجمعة ١٦ تموز ٢٠١٠

وزيرة المالية ريّا الحسن (بلال جاويش)توقّعت وزيرة المال ريّا الحسن أن تتقدّم بمشروع الموازنة إلى مجلس الوزراء قبل نهاية هذا الشهر، إلا أنها كانت شديدة الوضوح عندما أشارت، في حديث صحافي، إلى أن ذلك قد لا يحصل إذا تعذّر التوافق «السياسي» على الإجراءات الضريبية المقترحة، ولا سيما زيادة الضريبة على القيمة المضافة. فهذا التوافق، برأيها، بات بمثابة «كلمة السر» المنتظرة، ومن دونه لا موازنة ولا من يحزنون

محمد زبيب ليس هناك خيارات كثيرة! هذا ما يحاول فريق رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري تسويقه في اللقاءات التي يجريها مع ممثلي الكتل النيابية الأساسية منذ فترة. فمشروع الموازنة الذي أعدّته وزيرة المال ريا الحسن يتضمن زيادة في الإنفاق العام تبلغ نحو 2000 مليار ليرة، منها نحو 1000 مليار ليرة زيادة على الإنفاق الجاري، ولا سيما خدمة الدين العام. وبالتالي، فإنّ المحافظة على نسبة العجز المحقّقة في العام الماضي، تستدعي، برأي هذا الفريق، القبول بزيادة الضريبة على القيمة المضافة بنسبة 50%، من 10% حالياً إلى 15%، أو القبول بخفض الإنفاق الاستثماري الإضافي الملحوظ في المشروع (نحو 1000 مليار ليرة)، وبالتالي زيادة الضريبة المذكورة بنسبة 20% في المرحلة الأولى، من 10% إلى 12%، ثم زيادتها إلى 15% في العام المقبل أو العام الذي يليه. لكن، هل الخيارات محدودة فعلاً؟ طبعاً لا، فالخيارات الضريبية متنوّعة أصلاً في ظل تركّز العبء الضريبي على الأسر المتوسطة والفقيرة والقطاعات الإنتاجية، فيما النشاطات الريعية المالية والعقارية معفاة على نحو شبه كلي من أي تكليف ضريبي، رغم أن هذه النشاطات باتت المصدر الرئيسي لتراكم الثروات الشخصية، وتُسهم في زيادة الفروق الاجتماعية... كذلك فإن زيادة الضرائب لا تبدو أولوية الآن في ظل «فضيحة» تراكم الديون الحكومية غير المستخدمة في حساب الخزينة العامّة، التي بلغت نحو 6500 مليار ليرة يُسدَّد نحو 500 مليار ليرة لخدمتها، وهدف تراكمها الوحيد هو امتصاص فائض السيولة لدى المصارف والمحافظة على معدّلات ربحيتها العالية (انظر الإطار).

الإجراءات المقترحة

تتوقّع الوزيرة الحسن أن توفّر زيادة هذه الضريبة بنسبة 50% إيرادات إضافية بقيمة 1200 مليار ليرة، وهي غير كافية لتغطية كل الزيادة الملحوظة على الإنفاق، وبالتالي تقترح إجراءات ضريبية أخرى، منها زيادة الضريبة على ربح الفوائد من 5% إلى 7%. وهذا الإجراء يوفّر زيادة في الإيرادات تقدّر بنحو 200 مليار ليرة، فضلاً عن استيفاء رسوم على إشغالات الأملاك العامّة البحرية (توفّر نحو 30 مليار ليرة)، وفرض رسم بنسبة 3% على الفروقات الإيجابية الناتجة من إعادة التقويم الاستثنائية للأصول الثابتة والعقارات والموجودات لدى الشركات (يوفّر نحو 120 مليار ليرة).

يسدد المقيمون فوائد باهظة على ديون لا حاجة فعلية إليها

ليس هذا كل شيء. فالمشروع يتضمّن إجراءات أخرى كثيرة، بعضها ينطوي على أعباء إضافية، وبعضها الآخر ينطوي على خفوضات أقل أهمية، كالإعفاءات من رسوم التسجيل في المدارس الحكومية وتوسيع الشطور المعفاة من الضرائب المباشرة (تقدّر قيمة هذه الخفوضات بنحو 250 مليار ليرة). كذلك فإن الأفكار المتداولة تتضمن إجراءات من نوع آخر يمكن اعتمادها بدائل لزيادة الضريبة على ربح الفوائد، التي يعارضها حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، منها إصدار سندات خزينة خاصّة بفائدة مخفوضة تكتتب بها المصارف، أو أن تشتري المصارف حصّة الدولة (50%) من مؤسسة ضمان الودائع بقيمة 500 مليون دولار، تُشطَب من خلالها الديون المتراكمة على الدولة لمصلحة هذه المؤسسة، فضلاً عن شطب مصرف لبنان، مرّة جديدة، ديوناً مستحقة على الحكومة يحملها في محفظته تحت عنوان «فروقات إعادة تقويم أسعار القطع والذهب»، وهذا الإجراء سبق أن قام به مصرف لبنان، إذ شطب نحو 1.8 مليار دولار من ديون الحكومة.

خياران لا ثالث لهما

في الحصيلة، فإنّ المطروح من فريق الحريري هو أحد خيارين لا ثالث لهما: 1ـــــ تحقيق زيادة صافية في الإيرادات بقيمة 1500 مليار ليرة، في مقابل زيادة النفقات بقيمة 2000 مليار ليرة، على أن يُموّل الباقي عبر الاستدانة، علماً بأن هذا الخيار يُطرح بطريقة الابتزاز، إذ إن الإنفاق الإضافي يُصوّر كما لو أنه مخصص كلّه للاستثمار، فيما المشروع لا يتضمّن سوى زيادة بقيمة 350 مليار ليرة للكهرباء، ومثلها للمياه، و90 ملياراً ليرة للطرقات والنقل، فضلاً عن زيادات بقيمة 160 مليار ليرة للمشروع الأخضر والجامعة اللبنانية والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، و350 مليار ليرة زيادة على الرواتب والأجور ومعاشات التقاعد، وهي ناجمة عن النمو الطبيعي وعمليات التوظيف والتقاعد التي شهدتها بعض المؤسسات، ولا سيما الأمنية منها... أي إن مجمل الزيادات المذكورة يبلغ 1300 مليار ليرة، فيما الباقي سيذهب كزيادة على خدمة الدين العام التي ستظهر عليها في هذا العام آثار عمليات امتصاص السيولة الجارية بهدف استيعاب الزيادة المحققة في الودائع وضمان معدّل ربحية مرتفع للمصارف لكي تستمر في الاحتفاظ بهذه الودائع وجذب المزيد منها. 2ـــــ تحقيق زيادة صافية في الإيرادات بقيمة 1000 مليار، في مقابل عدم زيادة الإنفاق بأكثر من 1500 مليار ليرة. وهذا الخيار يُطرَح بطريقة الابتزاز أيضاً، إذ إن القبول به يعني القبول بعدم زيادة الاستثمارات والمساهمات بالقيم المذكورة، باعتبار أن أولوية خدمة الدين العام تبقى ثابتة في كل الأحوال، وهذا يعني أن الاستثمار في زيادة الطاقة الإنتاجية الكهربائية والتجهيزات المائية وتعزيز شبكة النقل العام سيكون بواسطة القطاع الخاص، إذ تُطرح أشكال للمشاركة عبر الـIPP و BOT، وهذه الأشكال تخدم أيضاً أولوية الأهداف النقدية ومصالح المصارف، لأنها لا تنطوي فقط على منافع خاصة، بل أيضاً على قنوات لتوظيف جزء من فائض السيولة المتراكم.

زيادة نسبة الفقراء

الضريبة على الربح العقاري قادرة على تحقيق إيرادات بما لا يقل عن 1000 مليار ليرة

إذاً، الخيارات المطروحة من جانب فريق الحريري تنحصر بين زيادة الضريبة على القيمة المضافة إلى 15% وزيادتها إلى 12%، وفي الحالتين ستترتب الكلفة على ميزانيات الأسر. إذ إن دراسة قامت بها الجامعة الأميركية، بالتنسيق مع وزارة الشؤون الاجتماعية، في إطار مشروع بناء القدرات للحد من الفقر، توصّلت إلى نتائج كارثية لا يريد أن يتفحصها أحد. فزيادة هذه الضريبة بنقطتين مئويتين ستؤدي إلى خفض الإنفاق الاستهلاكي لدى الأسر الفقيرة بنسبة 11%، أما زيادتها إلى 15% فستؤدي إلى المزيد من الانخفاض في الإنفاق الاستهلاكي لكل الأسر... كذلك فإن نسبة اللبنانيين الذين يعيشون تحت خط الفقر الأدنى (2.4 دولار في اليوم) سترتفع من 8% حالياً إلى 10% إذا ازدادت الضريبة إلى 12%، وستبلغ نسبة الفقر المدقع 16% إذا ازدادت الضريبة 15%. أما نسبة الذين يعيشون تحت خط الفقر الأعلى (4 دولارات في اليوم)، فمن المتوقع أن ترتفع من 28% حالياً إلى 35% و50% إذا ازدادت الضريبة على القيمة المضافة إلى 12% و15% على التوالي. لقد رفض فريق الحريري مناقشة بعض البدائل التي طرحها ممثلو حزب الله في اللقاءات الجارية بين الفريقين للتوافق على الإجراءات الضريبية. فهؤلاء قدّموا أفكاراً أولية تتعلق بفرض ضريبة على الربح العقاري واعتماد معدّلات متنوّعة للضريبة على القيمة المضافة، إذ يمكن رفعها إلى أكثر من 10% على بعض السلع المصنّفة «كماليات»، أو التي لا تدخل في سلّة استهلاك الأسر الفقيرة والمتوسطة... إلا أن الرئيس الحريري رفض بلورة هذه الأفكار، رغم المرونة التي أبدتها الوزيرة الحسن، بذريعة أن الحكومة بحاجة إلى إيرادات إضافية سريعة ومباشرة، فيما الضريبة على الربح العقاري يحتاج إعدادها وتطبيقها إلى وقت طويل يتجاوز سنة. أمّا اعتماد المعدّلات المختلفة للضريبة على القيمة المضافة، فقد يؤدّي إلى تعقيدها... علماً بأن هذه الذرائع واهية وهدفها المحافظة على النظام الضريبي القائم من دون أي تعديلات جوهرية، وذلك محاباة للأثرياء والنشاطات الريعية واستسهالاً للجباية البسيطة والسريعة، ولو على حساب مستوى معيشة أكثرية الأسر. فالضريبة على الربح العقاري يمكن تطبيقها في غضون 6 أشهر، وهي قادرة على تحقيق إيرادات بما لا يقل عن 1000 مليار ليرة في حال اعتماد معدّلات منخفضة لا تؤثّر على النشاط العقاري الحقيقي، بل على المضاربات الحامية في السوق. كذلك إن لبنان يتبنّى أصلاً معدّلين للضريبة على القيمة المضافة: صفر و10%، و49% من الدول التي تعتمد مثل هذه الضريبة تتبنّى أكثر من معدّلين لها، بحسب وثيقة أعدت لمؤتمر الحوار الدولي عن القضايا الضريبية المعني بضريبة القيمة المضافة المعقود في روما عام 2005.

الفضيحة

 

قلّة من اللبنانيين، وربما السياسيين، تدرك أن الحكومة تحتفظ حالياً بنحو 6500 مليار ليرة كفائض في حساب الخزينة، وبالتالي يسدّد المقيمون فوائد باهظة على هذه الديون من دون أي حاجة فعلية إليها، سوى الإصرار على اعتماد أولويات نقدية مطلقة تفرض مواصلة جذب الودائع المكلفة إلى المصارف المحلية، ثم الاضطرار إلى امتصاصها عبر شهادات الإيداع التي يصدرها مصرف لبنان وسندات الخزينة التي تصدرها وزارة المال. إن هذا الفائض في حساب الخزينة يرتّب زيادة هائلة في خدمة الدين العام في الموازنة، لكنّه يمنح في المقابل أرباحاً عالية للمصارف، إذ بلغت أرباح المصارف الثلاثة الأولى في لبنان في العام الماضي نحو 750 مليون دولار، فيما تقدّر أرباح القطاع برمّته بأكثر من 1300 مليون دولار... وهذا ما يسمّى «خدمة العلم» الجديدة. فقد بات جميع المواطنين مجنّدين في خدمة عدد من المصارف والمنتفعين من الواقع النقدي القائم. هذه الكلفة المترتّبة على عمليات امتصاص السيولة الفائضة هي التي تدفع بفريق سعد الحريري إلى طرح زيادة الضريبة على القيمة المضافة لتوفير إيرادات كافية لخدمة الدين العام من دون الإضرار بالصورة الوهمية المرسومة حول ضبط العجز وتحقيق الفائض الأولي. وهذا الأخير، أي الفائض الأولي، ليس إلا التعبير الحقيقي عن تجنيد اللبنانيين في خدمة القلّة من الأثرياء، فهو ينجم عادة عن جباية إيرادات من المقيمين أكثر من الإنفاق عليهم بعد استثناء كلفة الفوائد من هذا الإنفاق. لقد اجتذب لبنان نحو 20 مليار دولار من الودائع الإضافية في العام الماضي، وبات مجمل الودائع يمثّل أكثر من 350% من مجمل الناتج المحلي، وهذا مؤشّر سلبي بكل المقاييس والمعايير. إلا أن خطورته الأبرز تكمن في الكلفة المترتّبة على امتصاص هذا الكمّ من الودائع في ظل التراجع المقلق في الاقتصاد الحقيقي. فالتقديرات تفيد بأن دين الدولة (الحكومة ومصرف لبنان والمتأخرات المختلفة) بات يبلغ نحو 75 مليار دولار، لا 51 مليار دولار، كما هو معلن رسمياً. وهذا الدين المخيف يكلّف المقيمين أكثر من 4 مليارات دولار سنوياً تذهب زيادةً على ثروات أقل من 0.05% من الأسر. فالدين المعلن لا يحتسب قيمة سندات الخزينة الفائضة في حسابات وزارة المال (4.5 مليارات دولار)، ولا يحتسب أيضاً قيمة شهادات الإيداع لدى مصرف لبنان والديون المستحقّة عليه (لا أحد يعلم بدقّة قيمتها الفعلية). أمام هذا الواقع، أليس من حق كل مواطن أن يرفض زيادة ضرائب الاستهلاك، وأن يرفض بالتالي أن يبقى رهينة جذب الودائع بلا أي طائل؟ أليست هذه جريمة يستحق مرتكبها العقاب.

الكابل البحري مقطوع... ووقف الخط البري يثير الشكوك

عبد المنعم يوسف يشرح لوزير الاتصالات شربل نحاس عن بعض أعمال أوجيرو (مروان بوحيدر)بين سعي وزير الاتصالات شربل نحاس إلى وضع هيئة أوجيرو تحت الرقابة المالية للوزارة، ورفض رئيس مجلس الإدارة المدير العام لأوجيرو عبد المنعم يوسف التجاوب مع نحاس، انقطعت الاتصالات بين صيدا وبيروت، لتكشف سلسلة من الفضائح، ليس أقلّها كشف الاتصالات بين بيروت وصيدا أمام الخروق الأمنية الإسرائيلية

رشا أبو زكيفي 13 تموز الماضي تبلّغ رئيس مجلس إدارة هيئة أوجيرو ومديرها العام بالوكالة والمدير العام للاستثمار والصيانة في وزارة الاتصالات عبد المنعم يوسف، عبر كتاب أُرسل من وزير الاتصالات شربل نحاس، أنه «في 31 تموز ينتهي العمل بعقدي الصيانة والتوصيلات» اللذين كانا يُمدّدان لعشرات السنين بين الوزارة وهيئة أوجيرو... في 20 تموز توقفت الاتصالات توقفاً مطلقاً وبصورة مفاجئة وغامضة بين مناطق الجنوب وبيروت، لتُكشف الفضيحة: الاتصالات بين الجنوب وبيروت كانت تمر عبر الكابل البحري منذ عام 2006، على الرغم من الاحتمالات الواسعة التي تشير إلى إمكان خرق إسرائيل لهذا الكابل، وبسهولة! أما السبب فهو أن الكابل البري الذي انقطع إبان العدوان الإسرائيلي في تموز 2006 لم تشغّله هيئة أوجيرو، على الرغم من إصلاحه، ولأسباب مجهولة أيضاً!الترابط بين كتاب نحاس وانقطاع الكابل البحري، والترابط بين عدم صيانة الكابل البري وإصلاحه منذ عام 2006 واستخدام الكابل البحري طوال 4 سنوات، تخفي حقائق من الصعب وضعها في إطار «حسن النيّة»، لا بل تستدعي تحركاً باتجاه مجلس إدارة هيئة أوجيرو نتيجة هذا التقصير الكبير المقصود أو غير المقصود، الذي لا يمكن أن يُحلّ في الدول المتحضّرة إلا باستقالة أعضاء مجلس إدارة أوجيرو ومحاسبة المسؤولين عن فضيحة كهذه!حاول نحاس أن يضمّن مشروع موازنة عام 2010 مادة تجيز للوزارة إبرام عقود تفصيلية مع هيئة أوجيرو، تتضمن تبيان الكلفة الفعلية لكل عمل أو نشاط تكلّفها به الوزارة. وهذا ما عدّه رئيس الحكومة سعد الحريري محاولة لمنع خصخصة قطاع الاتصالات. وقال الحريري حينها إن «شبكة الاتصالات مهددة بالانهيار التام». إلا أن نحاس كان قد عمل على إيقاف عقدي الصيانة والتوصيلات اللذين كانا يُجدّدان سنوياً بين الوزارة والهيئة، إضافة إلى إيقاف ما يعرف بـ«المساهمة المالية»، وهي عبارة عن التحويلات المالية التي كانت ترسلها الوزارة إلى أوجيرو لتغطية أجور العاملين والمستخدمين والملحقين، من دون أي تدقيق في كيفية إنفاقها، وتتألف من 100 مليار ليرة يضاف إليها 5% سنوياً. ولتنسيق العلاقة بين الوزارة والهيئة، أرسل نحاس إلى يوسف، بصفته «المدير العام للاستثمار والصيانة في الوزراة» (مع ما توحيه هذه الصفة من تبعية المدير العام المباشرة لقرارات الوزير)، كتاباً في 6 أيار الماضي يدعو فيه إلى إقامة صيغة عقد الإطار الجديد للعلاقة بين الوزارة والهيئة، وإرسال الهيئة إلى الوزارة بياناً شهرياً بالنفقات الفعلية موزّعة حسب قطاعات الأعمال وحسب أبواب الكلفة، اعتباراً من 1 حزيران الماضي... فلم يتلقَّ نحاس أي جواب على هذا الموضوع.وفي 13 تموز الماضي، أبلغ نحاس المدير في الوزارة عبد المنعم يوسف انتهاء عمل عقدي الصيانة والتوصيلات اعتباراً من 31 تموز، وطلب من يوسف في الكتاب نفسه، بصفته مديراً للاستثمار والصيانة، أن يوعز إلى الهيئة (التي يرأسها) إبلاغ جميع المستخدمين والعاملين فيها «بوضوح لا لبس فيه» أن مستحقاتهم مقدسة في كل الأحوال، وأن الوزارة لن تتردد في اتخاذ التدابير اللازمة لحصول جميع المستخدمين والعاملين على أجورهم كاملة من دون تأخير. وطلب بأن تعمل الهيئة على أن تحوّل إلى الوزارة جميع العقود الموقعة التي كان من المفترض أن توقّع أصلاً باسم الدولة اللبنانية لكونها المستفيد الفعلي من هذه العقود والمالك الوحيد للحقوق الناجمة عنها...يوسف لم يستجب لطلبات الوزير، فأرسل في 7 تموز كتاباً إلى وزير الاتصالات يبلغه فيه أن الهيئة ستتوقف عن أعمال الصيانة والتصليح وتوصيل الخدمات إلى المستهلكين، بذريعة نفاد مخزون المعدات لديها، فردّ نحاس بأن عقود أوجيرو السابقة كانت لا تزال سارية المفعول حتى بداية شهر تموز 2010، وبالتالي، «من المستغرب نفاد المخزون خلال الأيام السبعة اللاحقة لانتهاء العقود»... وتشير مصادر مقرّبة من يوسف إلى أن الأخير استشار محامين للبحث في قضية بعض بنود إطار العقد الذي يقترحه نحاس، ورأى أنه يحتاج إلى تعديلات في قانون وزارة الاتصالات ونظام المستخدمين في أوجيرو، وقد أبلغ يوسف الوزير نحاس هذه التعديلات بعد 3 أشهر من طلباته المستمرة!وبدلاً من أن يلتزم يوسف بما ورد في كتاب نحاس من حيث إبلاغ الموظفين الاطمئنان إلى صرف رواتبهم، أثار أجواءً في أوجيرو تدّعي أن الإجراءات التي يقترحها نحاس تضع رواتب الموظفين في خطر. وانطلاقاً من تأثيره على نقابة موظفي أوجيرو، حاول يوسف إدخالها في صراع مع الوزير، وخصوصاً أن غالبية أعضاء مجلس النقابة ينتمون إلى 14 آذار... ولإحباط محاولات يوسف، حوّل نحاس 35 ملياراً و145 مليون ليرة إلى الهيئة، مبلّغاً الإدارة أن أولوية صرف هذا المبلغ هي لرواتب الموظفين وشراء المواد والتجهيزات المطلوبة لتأدية المهمات المكلفة بها أوجيرو.

التقصير المقصود او غير المقصود، لا يمكن أن يُحل بمحاسبة كافة المسؤولين عن هكذا فضيحة!

في ظل تمرّد يوسف، توقف فجأة الكابل البحري الذي يصل بيروت بصيدا في 20 أيار الماضي، ولم يبلّغ يوسف الوزير نحاس هذا الانقطاع. وبعد أن اكتشف نحاس المفاجأة صدفة، طلب تحويل الاتصالات إلى الكابل البري. وهناك كانت الفضيحة، فقد تبيّن أنه في حرب تموز تضرّر الكابل البري نتيجة القصف على جسر الدامور قبالة مسبح الجسر، وقد أعيد وصل الكابل في سياق ترميم الجسر واستخدمت بعض شعيراته للإنترنت حصراً. وفي عام 2009 رُفع الكابل على أعمدة بحجة عدم تمكّن المتعهد من القيام بأعمال التزفيت! وتبيّن أن معظم الشعيرات المتوافرة في الكابل البري غير صالحة للاستخدام، ما اضطر فرق التصليح إلى وضع وصلات بين نقاط متعددة لتأمين الحد الأدنى من الاتصالات.وتؤكد مصادر مطّلعة في الوزارة أنه كان من المفترض أن تُحوّل الاتصالات إلى الكابل البري فور انتهاء الحرب مباشرة، لكون الكابل البحري معرّضاً بقوة للخرق الأمني من جانب إسرائيل، ما يستدعي طرح أسئلة جدية عن سبب عدم تحويل الاتصالات إلى الكابل البري، وعدم الكشف عليه طوال هذه السنوات!أما المفاجأة الثانية فهي حين اتُّخذ قرار تحويل الاتصالات إلى الموجات الصغرى (ميكرووايف)، تبيّن أن محطة إرسال عبيه معطّلة كذلك منذ فترة غير معروفة، وأن أجهزة المايكروويف بحاجة إلى التجديد!

80 سنتيمتراً

 

هو العمق الذي يجب أن تحفر فيه مسالك الكابل البري تحت الأرض، فيما الذي حدث هو إبقاء الكابل البري لسنوات طويلة معلّقاً في الهواء، من دون إجراء أي تصليحات على الشعيرات المعطّلة فيه!

إهمال غير معقول!

 

تشير المصادر في وزارة الاتصالات إلى أن النتائج الأولية التي خرجت بها لجنة التحقيق تشير إلى أن الكابل البحري قد تعرّض للتلف في نقطتين، ما أدى إلى انقطاع 5 شعيرات من أصل 6 كانت تشغّل الكابل! وتلفت إلى أنه كان على أوجيرو إجراء كشف دوري على الكابل، لكونها تعلم أنه يُشغّل لتأمين الاتصالات منذ عام 2006، وأن عملية الكشف ليست معقدة أبداً، وتتعلق فقط بطرفي الكابل. وتشير المصادر إلى أنّ الكابل أُصلح عند الساعة الثالثة من صباح أول من أمس، وسيُعاد تشغيله إلى حين إتمام التصليحات الجذرية على الكابل البري.

خالد صاغية السياسة في أزمة لدى جميع الطوائف. لكنّها أزمة وجدت أخيراً تعبيراتها الحادّة لدى المسيحيّين. كأنّ زعماء هذه الطائفة الذين وجدوا في الانسحاب السوري فرصة لاستعادة دورهم، اكتشفوا أنّ ما جرى خلال العقود الماضية لا يسهل محوه بقرار دولي، وهو أعقد من رواية الوصاية السوريّة. البطريرك الذي فقد موقع القيادة السياسيّة مع عودة ميشال عون من المنفى وخروج سمير جعجع من السجن، بدأ يرفع من حدّة مواقفه، لعلّ السقف العالي ينتصر على الصوت الخافت. قائد القوّات اللبنانيّة يجول على عواصم «عرب الاعتدال» وباريس وواشنطن بحثاً عن غطاء يحميه من محاولات العزل المتواصلة التي تشجّعها سوريا ويتحمّس لها لبنانيّون كثيرون لم يتعلّموا من دروس «عزل الكتائب». العماد ميشال عون يكتشف يوماً بعد يوم حدود مشروع إعادة عقارب الساعة إلى الوراء. يتصرّف تارةً كأغلبيّة جرى التآمر عليها، وطوراً كأقليّة تبالغ في أداء دور الضحيّة. وبين الاثنين، يلوح شعار «مسيحيّو الشرق» كتعويذة لا تنقذ أحداً. وما يزيد الأمور تعقيداً، هو أنّ المسيحيّين خسروا أصدقاءهم وأعداءهم على حدّ سواء. فسوريا التي عاداها الجنرال طويلاً، أعلن تصالحه معها بعد الانسحاب من لبنان. وحلفاء جعجع لا يكفّون عن الاعتذار عنه، واعدين بتغيّر سلوكه. وسلوكه تغيّر فعلاً. فبات رفع الصوت ضدّ حزب اللّه تعويضاً عن خفته ضدّ سوريا. أمّا الراعي الغربي، فأعطى أكثر من إشارة على أنّ صداقته للمسيحيّين لا تعني أنّهم لا يزالون أطفاله المدلّلين. إزاء هذه الأبواب المقفلة، بدأت السياسة تخلي مواقعها لما دونها. بدلاً من «الأم الحنون» التي كانت تخترع الأوطان، لم يبقَ إلا الفاتيكان كي تطوّب القدّيسين. وبدلاً من خطاب الحرية والسيادة والاستقلال في وجه سوريا، بدأت كرنفالات الابتذال ضدّ الفلسطينيّين وحقوقهم المدنيّة. وبدلاً من السعي إلى استعادة بعض صلاحيّات رئاسة الجمهوريّة التي صودرت في اتفاق الطائف، ها هي جائزة الترضية تأتي من القضاء هذه المرّة. فرئيس الجمهورية في لبنان لن توسَّع صلاحيّاته، على ما يبدو، لكنّ القضاء سيتحرّك ويعتقل شباباً تجرّأوا على... «الإساءة» إلى رئيس الجمهورية. والزعماء المسيحيّون سيهلّلون لهذه الاعتقالات. اطلبوا النجدة، ولو من الفايسبوك!

عدد الاربعاء ٣٠ حزيران ٢٠١٠ |

الوباء ينتشر في أكثر الأحياء اكتظاظاً بالفقراء في مختلف دول العالم (أرشيف ــ رويترز) كما تنتشر النار في الهشيم، انتشر «أدينو فايرس» أو فيروس التهاب العين. هو وباء ينتقل بسرعة هائلة من مصاب إلى آخر، عن طريق اللمس والاحتكاك المباشر، فكيف الحال في المناطق الشعبية التي تتلاصق فيها الأنفاس، كما حي السلم؟

راجانا حمية كان ذلك منذ بضعة أشهر، حين قررت الفتاة حزم أمتعتها والرحيل بعيداً عن الحي الذي بقيت فيه خمس سنوات بأيامها ولياليها. لم تزره منذ ذلك الحين إلا نادراً، لإحضار ما يلزمها من بيت الحي. في تلك الزيارات، لم يكن الوقت الذي تقضيه هناك يتعدى الساعات الثلاث أو حتى أقل، تغادر بعدها من دون أن تحسب أنها راجعة يوماً إليه. لكنها في كل مرة، كانت تعود.. ولا تبقى. أول من أمس، قررت أن تعود في «بروفة» لعودة قد تكون نهائية. لكن، يا «فرحة ما تمّت». فأول وصولها إلى الحي، فوجئت بالأعداد الهائلة للمصابين بفيروس التهاب العيون. كل الحيّ «مضروب»: سائق سيارة الأجرة التي استقلتها للوصول إلى زاروب منزلها. البقّال. العابرون على الطريق. الجيران. حتى باتت كأنها دخلت لتوّها حي «مصّاصي الدماء». تترصدها العيون التي انقلب لونها دماً. فالداخل إلى الحي هذه الأيام، عقب انتشار فيروس التهاب العين، شبه متأكد من أن «الحالة» سوف «تُضرب» عيناه بمجرد إطالة البقاء فيه. فلا أحد سلم أو قد يسلم من الفيروس في المنطقة الأكثر شعبية، حيث الأنفاس تتلاصق، فكيف الحال بالوقاية التي تفترض الابتعاد قدر الإمكان عن المصاب أو تجنب لمسه أو استعمال أغراضه. وهي وقاية يستحيل تطبيقها أو الحفاظ عليها إن وُجدت في أكثر الأحياء اكتظاظاً بالفقراء، الذين لا طاقة لهم على شراء أدوات الوقاية أو زيارة طبيب لمجرّد الاطمئنان. هنا، في حيّ السلّم كما في غيره من الأحياء الفقيرة التي تزدحم بها الضاحية الجنوبية، لا يكاد بيت يخلو من الإصابة بهذا الفيروس، مع ما يعنيه ذلك من إمكانية انتقال العدوى من المصاب إلى أفراد عائلته، ما لم يتبع بعض إجراءات الوقاية. هكذا، تسلّم وتسليم إلى حين يختبر الكل أوجاع هذا الفيروس. لا بل بات البحث عن متعافٍ لم «تُضرب» عيناه أشبه بضرب من ضروب المستحيل. ندى حيدر، الشابة ابنة الثانية وعشرين لم تتعافَ بعد من إصابة التقطتها من أحد جيرانها. سهرت الشابة مع الجار «من بعيد لبعيد»، وخلدت إلى فراشها لتصحو باكراً.. بعينين متورمتين لدرجة التصاق الجفون بإفرازات الفيروس، وهي أول عوارض الإصابة. تقول الشابة «استيقظت في الصباح، فلم أستطع فتح عيني. أحسست بأنني عمياء في تلك اللحظة وبأن شيئاً غريباً يتحرك داخلهما». بقيت على حالها أياماً عدّة، تستيقظ خلالها بعيون متورمة وجفون مطبقة. تمضي نهارها بالنظارة السوداء التي لم تعد تفارقها حتى داخل المنزل. حيدر، التي «فتحت» بعد حوالى أسبوع من الإصابة نقلت العدوى إلى والدتها. في المنزل العائلي، انحصرت الإصابة بالابنة والوالدة، بفضل اتباعهما إجراءات الوقاية كغسل العيون واستخدام مضادات الحساسية. لكن، ما الذي حلّ في بيت يوسف الزين، الشاب العائد من خدمته العسكرية بعينين يغلب عليهما الدم؟ ببساطة ما إن انتهت العطلة حتى كان قد خلّف وراءه خمس إصابات: الوالد. الوالدة. الأشقاء الثلاثة. يصف الزين الوجع الذي يترافق مع أيام الأولى للإصابة، فيقول وكأنه يحس بذلك الوخز للتو «تشعرين كأنّ عينيك تنطّان من رأسك عندما تنحنين، أما الألم فلا يكاد يوصف». أما فرح سبيتي التي كانت في اليوم السادس للإصابة، فتصف المرحلة المتقدمة منه على الشكل الآتي «تتورّم العينان ويحتقن الدم فيهما ولا يعود النظر قادراً على التقاط التفاصيل إلا بالتبحر»، كما يشح النظر قليلاً، ولا يعود إلى وضوحه إلا «عندما يأخذ الالتهاب وقته». زينب حيدر، العاملة في إحدى الصيدليات، لم تصب بعد بالفيروس، ولكنها معرّضة في أية لحظة لهذا «الاجتياح»، وخصوصاً أنها منذ بداية انتشار الفيروس لم تهدأ، حيث مددت دوام عملها لتلبية طلبات المصابين المتزايدة يوماً بعد آخر، والإجابة عن استفساراتهم. تصف حيدر مشهد الصيدلية التي كانت حتى وقت قريب خالية إلا من بضعة زبائن، فتقول «حتى القيلولة حُرمت منها بسبب الداخلين إلى الصيدلية والخارجين منها». تحصي عدد المصابين، فلا تستطيع حصرهم، وجل ما يمكنها قوله «فوق الثلاثين مصاباً يومياً». الأعداد تزداد يوماً بعد يوم، فيما الأدوية والمعقمات في الصيدليات «تتناقص يوماً بعد آخر وقد تنفد في بعض الأماكن لأيام»، تضيف السيّد. لكن، ماذا لو بقي الفيروس على «طلعته»، في وقت تنفد فيه أدويته بسرعة؟ أو تنقطع لفترات محدودة؟ الجواب الأقرب البقاء في المنزل مع إجراءات النظافة والتعقيم إلى أن تتوافر العلاجات، والحؤول دون نقل العدوى إلى الآخرين. لكن، ماذا لو «ضرب» هذا الفيروس قرنية العين؟ وما مدى الضرر الذي يلحقه بها، وخصوصاً أن بيان وزارة الصحة أكّد عدم تأثر البصر بالفيروس؟ ثمة ما يجب قوله رغم تأكيد الأبحاث العلمية، أن هذا الفيروس المعدي غير خطير، إلا أنه من الممكن أن يُحدث بعض التأثيرات. وفي هذا الإطار، يوضح طبيب العيون كميل المعلوف أنه «من الممكن أن تتأثر القرنية لسببين: أولهما إن أتت الالتهابات في منطقة القرنية، وثانيهما وهو تركيبة الفيروس، فهو يسمى أدينوفايروس ومعناه بكتيريا وفيروس، والأخير قد يترك أثراً على القرنية إن أصابها، فيخف النظر قليلاً». ويقول المعلوف إن النظر «قد يخف من 30 إلى 40%، وقد يبقى هذا الشح حتى ستّة أشهر، يعود بعدها النظر»، محذراً من أن «هذه العودة قد لا تكون كاملة وقد تعود بنسبة 90 إلى 95%». يؤكد الطبيب أن «الآثار تخف كثيراً، ولكن بيضلّ في شي منه»، ضارباً مثالاً عن «الجرح بعد 3 سنين، كيف بضل شكله مبين في الأثر؟ هكذا هي القرنية». ولئن كان الطبيب قد أشار إلى أن «لا إصابات من هذا

الأعداد تزداد يوماً بعد يوم فيما الأدوية والمعقمات في الصيدليات تتناقص

النوع إلى الآن»، ولكن، ماذا لو حدث؟ بادئ الأمر، أكدت الوزارة قبل بضعة أيام ببيان توضيحي، «عدم خطورة هذا المرض، فهو لا يؤثر في أي حال على البصر». وأشارت إلى «أنها أخذت عينات من الإفرازات عند المصابين وأرسلتها للتحليل، وقد أكدت نتائج الزرع عدم وجود بكتيريا مسببة للالتهاب». ولمزيد من التأكيد، أشار المدير العام لوزارة الصحة الدكتور وليد عمار إلى «أن هذا الفيروس يزول وحده من دون الحاجة إلى علاجات، بالوقاية فقط». ولكن، أشار إلى أنه «إذا لم يتعافَ في فترة 10 أيام، وهي المدة المطلوبة لذلك، يجب عليه استشارة الطبيب خوفاً من أن يكون هناك تلييف بالقرنية مثلاً، ولكن في جميع الحالات تعالج ولا تؤثر أبداً على النظر». ويضيف «بعدين، كل مرض حتى لو كان بسيطاً بإمكانه أن يسبّب اشتراكات، ونحن هنا نتكلم عن 1% أو 1 بالألف عن إصابات من هذا النوع». وفي تفصيل لهذا الفيروس، فهو يسمى الفيروس الوبائي «الأدينوفايرس» adenovirus، وهو من أكثر التهابات العين و«الملتحمة» انتشاراً ويطال جميع الأعمار. وتشير الأبحاث العلمية إلى أنه يطال خاصة الفئة العمرية المحصورة بين عشرين وأربعين عاماً.

عوارض «الأدينوفيروس»

هناك نوعان لفيروس التهاب العين: الأول قد يأتي بصورة وبائية ويصيب الملتحمة وقد يمتد إلى قرنية العين. أما الثاني، فيأتي على شكل التهاب في الحلق يتبعه التهاب بملتحمة العين. ويأتي هذا الفيروس عن طريق اللمس أو الاحتكاك أو التقاط إفرازات الجهاز التنفسي العلوي أو من استخدام الأغراض التي استخدمها المصاب أو من السباحة والحمامات. ومن خلال الاطلاع على الحالات المصابة، يشير الأطباء والصيادلة إلى أن عوارض هذا الفيروس تبدأ بـ«حكّة» في العين ومن ثم احمرارها أو التهاب الحلق أو ما يشبه الإنفلونزا. وبعد ذلك، يبدأ الإحساس بوجود جسم غريب في العين وذرف دموع غزيرة، إضافة إلى عدم القدرة على التعرض للنور. أما طرق الوقاية، فتوجب غسل اليدين جيداً والتعقيم الدائم والنظافة الشخصية وتجنب الاحتكاك المباشر مع المصابين، إضافة إلى استخدام العلاجات من كمادات باردة ومرطبات العين وبعض القطرات المضادة للحساسية (هيستامين) والقابضة للأوعية الدموية.

عدد الخميس ٢ أيلول ٢٠١٠
خالد صاغيةفي العقدين الأخيرين من القرن الماضي، كانت الحرب على العمّال وذوي الدخل المحدود قد آتت ثمارها. بات بإمكان الشركات العالميّة دفع رواتب أقلّ، وتحقيق أرباح أعلى. فقد قامت السلطة في الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا، ثمّ في أماكن أخرى من العالم، بضرب النقابات وتقليص فرص العمل لتركيع الطبقة العاملة ودفعها إلى القبول بمعدّلات استغلال مرتفعة، مخافة الالتحاق بجيش العاطلين من العمل الآخذ بالتوسّع.لكنّ هذه الشركات نفسها التي باتت تحتاج إلى ساعات إضافيّة كي تحصي أرباحها، وقعت في فخ النظام الرأسمالي نفسه. فحين تعصر العامل في مرحلة الإنتاج، ستواجه مشكلة في مرحلة الاستهلاك، لأنّ العامل الذي لا يجني ما يكفي من الأموال، لن يتمكّن من شراء السلع المعروضة في السوق. هكذا، قد تتبخّر الأرباح التي حقّقتها الشركات بالاستغلال المفرط للعمّال.كان لا بدّ من مخرج لهذا التناقض، وخصوصاً أنّ رأس المال لن يفوّت تلك الفرصة الثمينة التي جاءته على طبق من فضّة: أجور منخفضة، وأموال تتكدّس في البنوك، ضاعف من حجمها تدفّق عائدات الفورة النفطيّة بعد حرب أكتوبر. طبعاً، ابتُدعت مخارج عديدة. لكنّ أحدهم لمعت في رأسه فكرة جهنّميّة: ما دام عامّة الناس فقدوا القدرة على استهلاك السلع التي تنتجها المراكز الكبرى، فليتّجه رأس المال نحو إنتاج الأساسيات التي لا يمكن المواطن الاستغناء عنها: وسائل النقل، الكهرباء، الماء، الاتصالات... عقبة واحدة واجهت هذا الاقتراح: كلّ هذه القطاعات تقود الدولة عجلة الإنتاج فيها. لذا، كان لا بدّ من اختراع آلهة جديدة: الخصخصة.وبدأت تظهر فجأةً أطنان من الدراسات التي تقبّح وجه الدولة، وتصوّرها منتجاً غير فعّال مقارنة بالقطاع الخاص الحيويّ والعصريّ. ورغم أنّ الفكرة بحدّ ذاتها شديدة السذاجة، لكون العالم عرف عدداً لا يحصى من الشركات العامّة الشديدة الفاعليّة والشركات الخاصة القليلة الفاعلية، والعكس صحيح، فإنّ متطلّبات رأس المال اقتضت الترويج العلميّ لأمر اليوم: خصخصة.بعد ثلاثة عقود، خفت «شعاع» الخصخصة. إنقاذ رأس المال بات هذه المرّة يتطلّب تأميماً، كما جرى غداة الأزمة الماليّة الأخيرة. أمّا في لبنان، فيُشغَل مجلس الوزراء بمناقشة «الخصخصة المقنّعة» تحت ستار «الشراكة مع القطاع الخاص». ثمّ يرجئ المجلس النقاش إلى جلسة أخرى. وينتظر انعقاد اجتماعات بين ما يسمّى «المجلس الأعلى للخصخصة» والوزراء المعنيّين. وما زالت الألسُن تسبّح باسم الخصخصة...ليس هذا من باب التأخّر في ملاقاة العصر، بل نتيجة وضع اقتصادي شبيه بما عرفته دول أخرى بداية الثمانينيات: رواتب منخفضة لدى العامّة، فائض في السيولة لدى المصارف، وشهوة للربح المضمون. الوصفة لتحقيق هذه الشهوة في هذه الظروف باتت معروفة. المؤسف حقاً أنّ نتائجها باتت معروفة سلفاً أيضاً. لكن ثمّة من يصرّ على السير في العتمة بعيون مغمضة، واضعاً على صدره بطاقة: خبير.
تظاهر أمس آلاف من الفلسطينيين والناشطين اللبنانيين في وسط بيروت  للمطالبة بالحقوق المدنية للفلسطينيّين المقيمين في لبنان (هيثم الموسوي)

عندما أعلن اللاجئون مسيرتهم للحقوق المدنية، كانوا يعرفون أن مسيرتهم ليست الأولى. فثمة من سبقهم: مارتن لوثر كينغ، صاحب الخطاب الشهير «عندي حلم»، وقبله المهاتما غاندي، قائد ثورة الملح وبعده «البور» في فرنسا، الاسم الثاني لجيل أبناء مهاجري العرب هناك

راجانا حمية «عندي حلم». عبارة صغيرة بما يكفي. لكن، هل من أحدٍ يعرف أن هذه العبارة كانت مفتاح تحرّر الزنوج من عنصرية «البيض» في أميركا؟ ذلك الحلم الذي أطلقه «قسّ الثورة» مارتن لوثر كينغ قبل 47 عاماً أمام نصب إبراهام لينكولن، صاحب قرار تحرير الزنوج؟ «عندي حلم». هي العبارة نفسها التي يحملها «المنفيون» من فلسطين في لبنان، بلد لجوئهم. لا يتخطى حلمهم عتبة «الممكن». يشبه حلم لوثر كينغ وموهنداس كرمشاند غاندي، بعيش يومهم، دون خوف في البلد المؤقت. مجرد طلب تحصيل الحياة «بكرامة لنعود»، كما يقول شعار مسيرة الحقوق المدنية والاجتماعية والاقتصادية للفلسطينيين. قبل 47 عاماً، سار لوثر كينغ و250 ألفاً من مناصري حقوق الإنسان، زنوجاً وبيضاً، في شوارع واشنطن. حلموا معاً بأبسط هدفٍ إنساني: الحياة ببساطة. لا أكثر ولا أقل. في حينها، كان الطلب ألا يعيش «الزنوج» هاجس اللون، فهم ببساطة «أبناء الله»، كما البيض. قبل الزنوج، سار المهاتما غاندي، وصام حتى الموت احتجاجاً على تكريس التمييز بحق طائفة «المنبوذين» الهنود في الانتخابات، ولاحقاً ضد الاستعمار البريطاني. وبعده سار ما يعرف بـ«البور» أو الجيل الثاني والثالث للمهاجرين العرب في فرنسا. فقد سار هؤلاء بمئات الآلاف نحو العاصمة باريس عام 2003 ليلتقوا يومها فرنسوا ميتران الرئيس الاشتراكي. استغرقت المسيرة أياماً، جال المتظاهرون تحت أعين الإعلام الفرنسي الذي واكبهم مروراً بكل ضواحي المدن الكبرى، أماكن سكن هؤلاء المهمشين والمضطهدين في بلد «المساواة والحرية والأخوة»، كما تقول الثورة الفرنسية. واليوم، يسير الفلسطينيون للغاية نفسها: التحرر من التمييز والعنصرية. هي استكمال لمسيرات الحقوق التي بدأها القسّ والمهاتما قبل عشرات السنين. لكنهم لا يطلبون الكثير. مجرد الحصول على حقوقٍ إنسانية واقتصادية واجتماعية. لا أكثر ولا أقل. منها حق تحصيل لقمة العيش بطريقة شرعية وتملّك غرفة تؤويهم أو الحصول على بطاقة تعريفٍ تثبت وجودهم، دون الحاجة إلى العيش بالتحايل. والأهم من كل ذلك، الاعتراف بـ400 ألف منفي أنهم بشر، لا «غرباء» و«أجانب» و«مش منّا» و«فلستيني»، أو في أحسن الأحوال الحصول على كلمة «لاجئ»، التي من شأنها الاعتراف بهم في بلد لجوئهم على الأقل. لا يطلبون فلسطين ولا الجنسية اللبنانية ولا أية جنسية أخرى. جلّ ما يطلبونه العيش ببساطة، ولو بعد 62 عاماً. العيش خارج الزنزانة الكبيرة التي سمّوها مخيّماً للجوء. في هذه النقطة بالذات، يشبهون حلم لوثر كينغ الذي أطلقه ذات آب من عام 1963. بعد مئة عام على المعاناة. لم يكن عبثياً خروجهم في مسيرة. بلغ الألم الذروة، كما هو حاصل مع فلسطينيي الشتات. مئة عام أو 62 عاماً، لا فرق. العنصرية نفسها، وكذلك الخوف. السود في أميركا هم الفلسطينيون اللاجئون في غير بلادهم. هم ببساطة، كما قال لوثر كينغ في خطابه الشهير: «ليسوا أحراراً». الحال نفسها، وإن اختلف أسلوب التمييز. فإن كان «السود» في أميركا يخافون البيض، فهنا الفلسطينيون أو في أي مكان لجوءٍ آخر يخافون جنسيتهم «المؤجّلة»، لأنها تحرمهم العيش. ففي لبنان، يُحرمون العيش تحت حجة التوطين والحفاظ على حقهم في العودة. فهل كان التمتّع بحقوقهم سيمنعهم من العودة إلى بلدهم الأم؟ وهل العودة مرهونة بالحصول على تلك الحقوق أو عدمها؟ معادلة خاطئة، غير منصفة لأربعمائة ألف يعيشون على هامش الحياة. كأن العودة لا تتحقق إلا بالتقشّف، بالعيش على الفتات 6 عقود وسنتين وربما ثلاثاً وعشراً. لكل هذه الأسباب، يسير الفلسطينيون لأجل حقوقهم من المدينة الرياضية إلى ساحة البرلمان، منطلقين من 12 مخيماً و40 تجمعاً. سيفضحون معاناتهم على العلن، كما فعل القس عندما قال باسم «أبناء الله»، سوداً وبيضاً: «لا يمكن أن نكون راضين أبداً ما دامت أجسامنا متعبة بالسفر.. لا يمكن أن نكون راضين ما دام كلّ ما يستطيعه الزنجي هو الانتقال من حيّ فقير أصغر إلى حي فقير أكبر قليلاً... لا يمكن أن نكون راضين أبداً ما دام الزنجيّ في ميسيسيبي لا يمكن أن يصوّت... والزنجيّ الآخر في نيويورك لا يصوّت لأنه يعتقد أن لا شيء لديه ليصوّت من أجله». لهذا، كان المسير. وكان الحلم بأنه في يومٍ من الأيام «سيعيش أطفالي في دولة لن تعاملهم بلون جلدهم، لكن بمحتويات شخصيتهم». حلم صغير، لا يتعدّى مطلب العيش. والأمل ألّا يُدفن ذلك الحلم، فتكون المسيرة الأولى والأخيرة على نية الحصول على الحقوق، إذا ما استمر خوف المستضيفين المزمن من ضيوفهم. موت، إن حصل، لن تكون وطأته أخف من الرصاصات التي اخترقت صدر غاندي وتلك التي أودت بحياة القس لوثر كينغ.

عدد الاثنين ٢٨ حزيران ٢٠١٠ |
وائل عبد الفتاحلم يحدّد المصدر الصحافي نوع الزواج، لكنه قال بالنص: «… ومثل الأزواج فإنّ مصر والاتحاد الأوروبى عليهما مناقشة بعض الأمور المزعجة من وقت إلى آخر، دون أن يعني ذلك رغبة أيّ طرف في النيل من الشراكة العميقة». المصدر أوروبيّ طبعاً. وتصريحاته تفسير لاهتمام سفراء أوروبا في القاهرة بملف خالد سعيد، الشابّ المقتول بعد التعذيب على أيدي عناصر من الشرطة المصرية.الملف مقلق بالنسبة إلى شركاء نظام مبارك (أو أزواجه) في أوروبا، لأنهم يريدون نظاماً أكثر نصاعةً في مرحلة ما بعد الانتخابات البرلمانية والرئاسية. رغبةً منهم في تقوية النظام لا تغييره.رسالة الاتحاد الأوروبي تبدو في إطار منافسة (ليست متكافئة لكنها مهمّة) مع الشريك أو الحليف الأميركي للنظام، الذي أبدى اهتماماً مكثّفاً بملف خالد سعيد، ولم يكتفِ بإشارة أو إدانة عابرة كما هي العادة.«الزوج الأميركي» أكثر تأثيراً على المستوى السياسي، أو على مستوى التدخّل في أساسيات الحكم، وهنا يتحدث العالمون بما يحدث في الكواليس عن انتقال في الأداء الأميركي من مرحلة إبداء النصيحة إلى مرحلة المساعدة الفاعلة في «تربيط» النظام خلال مرحلته الانتقالية.AffinityCMSت مندوبي الزوج الأميركي استقصت ما يريده المجتمع المدني في ملف خالد سعيد، بماذا ينصحون الأصدقاء في النظام؟ هل يكفي خروج تصريحات من شخصيات كبيرة بإدانة التعذيب؟الإجابات سارت في اتجاه أنّ النظام غير قادر على وقف التعذيب في أقسام الشرطة. وأنه لا بد من تعهد واعتذار على مستوى رئاسي. وهو ما لن يحدث.الهدف لم يكن تغيير السياسات أو تعديلها، بل تحسين الصورة، وتهدئة عصبية النظام في المرحلة الانتقالية، وهذا ما يفعله الأوروبيّون بمناقشة بعض الأمور المزعجة على طريقة المتزوّجين، مع الاختلاف في درجة الزواج ونوعه، لكن يبدو واضحاً أنّ القوى الدولية تدعم نظام مبارك في مرحلة الانتقال من مرحلة الملك القوي إلى الملك الجديد.من هو الملك الجديد؟ المؤشرات تقول إنه جمال مبارك، المحبوب من القوى الدولية، وممثل رجال الأعمال، القوى الساعية إلى شراكة حقيقية في الحكم.المؤشرات تقول أيضاً إنّ جمال عاد للحركة بعد هدوء عاصفة البرادعي، الذي أصبح تهديده للنظام في مستوى آخر غير مستوى المنافسة على الرئاسة.البرادعي يقترب الآن من الإخوان المسلمين، أو العكس، اقتراب يشبه الكهرباء، حيث تلتقي الشحنات الداخلية (ورقة الدعم الشعبي للإخوان) مع الشحنات الخارجية (ورقة الدعم الدولي للبرادعي). وهذه كهرباء خارج السيطرة.النظام لا يقبل إلا سيطرةً كاملة، وهذا سر عصبيّته وانفعاله خلال فترة البرادعي وما بعدها، لكن بعد تخطي الأميركيين والأوروبيين مراحل النصيحة إلى العمل المساعد، بدأت راحة الأعصاب والاطمئنان، وخصوصاً أنّ الطرق القديمة لا تزال فاعلة، فالقدرات المبهرة للنظام على شق صفوف المعارضة، كما فعل حين رسم سيناريو تصعيد حزب الوفد ليكون كبير المعارضة، وتوافد الشخصيات العامة ونجوم المجتمع في كرة القدم والفضائيات، وبرلمانيين على الانضمام إلى الحزب في ثوبه الجديد.أول أدوار «الوفد» كان الانسحاب من تحالف أحزاب المعارضة، وهو ما يمنع قيام أيّ كتلة قوية (ولو كانت أطرافها هشّة) تشاغب الحزب الوطني الحاكم.كذلك فإنّ الشحن الغامض للقضاة في أزمتهم مع المحامين، أظهر طريقتهم المتعجرفة والانفعالية دفاعاً عن الذات، وهو ما يكسر خطوط التحالف بينهم وبين المجتمع المدني، الذي يطالب بعودة الإشراف القضائي على الانتخابات.هكذا يواجه الحزب والنظام، أشلاء مجتمع يحاول الخروج من شرنقة النظام، وبدلاً من الشعور بقوة التحالفات غير المرئية تقطّعت الخيوط واحداً واحداً، بذكاء غريزة القدرة على البقاء، وهي غريزة لا تبدع، لكنها تستفيد من طول الإقامة في السلطة، ومعرفة الخبايا والدهاليز والملفّات والحكايات في السيطرة، ولا شيء غير السيطرة.الزواج إذاً في مرحلة الدفاع عن الاستمرار لا التغيير. الأوروبيون مهتمون بالشراكة الاقتصادية، والأميركيون بالسياسية، وهناك مهمات أخرى صعبة في مناطق تستعيد فيها الذراع المصرية الطولى دائرة حركتها، في السودان ولبنان، وهذه اليد لا بد أن يحرّكها جسد قادر على التجدّد من داخله.وهذا ما يفعله الأزواج الصالحون، ولن يسمعوا فيه صرخات الاعتراض التي تطلقها أصوات في نظام مبارك، ترفض التدخل في الشؤون الداخلية. وقد قالها المصدر الأوروبي بوضوح «إنها تقاليد الزواج… الصعبة، لكن الضرورية».إلّا أنه لم يحدّد نوع الزواج. فعندما قال وزير في حكومة ما قبل الثورة إنّ العلاقة بين مصر وبريطانيا مثل الزواج الكاثوليكي، قُتل، لكن إعلان الزواج لن يثير شهية القتل لدى أحد الآن.

الأكثر قراءة