ايها اللبنانيون...إهلعوا!
لا داعي للهلع ، هكذا استقبل لبنان فايروس كورونا في مراحله الأولى ، شعار بني على باطل ساهم نسبيا بتراخي الناس و استهوانهم بقدرة الوباء المدمرة، فمنهم من وصفه بزكام عادي يزول مع الوقت ، و منهم من كشف "المؤامرة" و أفتى أن كورونا لعبة من ألعاب الأمم ، و المبدع فيهم وصف له علاج عجز الطب عن تفسيره "ثوم و حامض و زيت زيتون " ، لكن قلة قليلة أخذت الإحتياطات اللازمة و أيقنت أن القضية فيها حياة و موت.
يمر لبنان اليوم بأسوأ مرحلة منذ اجتياح كورونا للعالم بعد أن كان قد قطع شوطا كبيرا في احتواء الوباء و الحد من تفشيه ، و ذلك يعود إلى عدة أسباب أبرزها غياب الدولة بمفهومها الفعلي و تهاون الناس مع المرض.
عمدت الحكومة في الأشهر الأولى إلى إعلان حالة طوارئ صحية في البلاد كما فعلت أغلب حكومات الأرض مما ساهم في السيطرة و لو جزئيا على الوباء و تحديد بؤر إنتشاره و محاولة حصره قدر المستطاع ، كان الأمر جيدا نسبيا إلى حد إعلان اعادة فتح المطار و استقبال المغتربين الذين ينبغي عليهم الخضوع للفحص و الحجر الإلزامي للتأكد من سلامتهم ، فعمد جزء منهم إلى مخالفة التعليمات و نشروا الوباء بجهلهم و إهمالهم مما أعادنا إلى نقطة البداية، لكنهم و إن كانو المسؤولين بشكل مباشر عن ذلك ، يبقى لغياب الدولة و المؤسسات المعنية بمتابعة أوضاعهم نسبة كبيرة من هذا الإهمال الفوضوي ، و يسجل لوزير الصحة شخصيا حصة لا بأس منها في تفلت الأمور .
غلطة الوزير و تبعاتها على أذهان الناس
لعل المشهد الأبرز الذي رسخ في أذهان اللبنانيين هو مشهد وزير الصحة حمد حسن مرفوعا على الأكتاف شاهرا سيفه و محاطا بمئات الأشخاص المتلاصقين دون أدنى نسبة من الوقاية ، فمشاهدة الوزير يحتفل و يعلن النصر على كورونا عزز مفهوما خاطئا عند الكثير من الناس بأن الوباء قد زال و عادت الحياة إلى ما كانت عليه ، و كيف لا و الوزير المعني بالوباء بشكل مباشر لم يتقيد بأدنى الإرشادات التي وضعها؟
فتح البلد على مصرعيه كأن شيئا لم يكن و غياب وزارة العمل
إن قرار فتح البلد و العودة تدريجيا إلى الحياة الطبيعية كان يجب أن يرافقه مراقبة شاملة و دورية للتأكد من التدابير المتخذة و تنفيذ الإرشادات و القرارات ، لكن الإهمال بدء يظهر شيئا فشيئا ، نواد ليلة مكتظة ، مطاعم و مقاهي بقدرة إستيعابية تامة ، لا تدابير احترازية و لا فحص حرارة عند المداخل و كأن الشعب قد لقح و لن يؤثر فيه مرض ، ناهيك عن الشواطئ و المسابح الشعبية التي تخلو من أي حسيب او رقيب .
اليوم دخلنا مرحلة الخطر ، الفايروس تحول من وباء معدي الى وباء حاد و قاتل و بدء الوضع يأخذ منحى شبيه للتجربة الإيطالية و الفرنسية ، و قد نصل قريبا إلى التجربة الصينية و الأميركية اذا استمر الوضع هكذا .
الواجب اليوم يقع على الدولة أولا و من ثم على الناس ، فينبغي اعادة اعلان حالة الطوارئ و تفعيل كل المؤسسات و الوسائل و الإمكانات في مكافحة هذا الإنتشار المخيف و إدراجه على لائحة الأولويات الملحة و فرض اجرائات صارمة بحق كل من يخالف او يتهاون ، فالقضية هنا حياة الناس و صحتهم و لا تراخي في هكذا قضايا.
أما الشعب اللبناني ، يتوجب عليه التعامل بوعي أكثر و حذر و التقيد بالإجرائات التي أوصت بها منظمة الصحة العالمية من تباعد اجتماعي و وقاية شخصية ، عدم الخروج دون كمامة و التعقيم الدائم و غسل اليدين باستمرار.
إن الوباء قد أعلن الحرب ، و إن نحن التزمنا انتصرنا و إلا فمصيرنا الموت و الهلاك و فقدان الأحبة .