مع الانهيار المحتّم للّيرة اللبنانيّة أمام الدولارإلى حد 3000 مقابل الواحد منه وتوقعات أكبر في السنين القادمة، تهوي الطبقة الوسطى بسقوط حرّ إلى الفقر ويهوي معها ما تبقى من خدماتٍ وحقوق إنسانيّة في ظل تقهقر الدولة وانداثرها جرّاء الأوليغارشيا الحاكمة والنظام الاقتصادي الرأسمالي الرّيعي.
في حسابٍ بسيط نرى أنّ الودائع خسرت نصف قدرتها الشرائية في ظل دولرة صريحة للمواد الاساسيّة والخدمات، ومنها التعليم! إنّ التعليم الخاص يواجه اليوم امتحان البقاء الأصعب فرسومه المدولرة تعني أنّ خدمة التعليم ستكلّف الضعف ناهيك عن الخدمات الثانويّة كالمسكن والغذاء والنقل... بظلّ ركودٍ طويل الأمد وظروف معيشة بائسة سيشهد النظام التعليمي نزوحاً بالآلاف من القطاع التربوي الخاص إلى العام ولكن!
لا يمكن للنظام التعليميّ أن يزدهر في ظلّ نظامٍ اقتصاديّ ريعيّ يقيّد أيّ قطاعٍ منتج لا بل يقصيه إلى حدّ الزوال ، فما بالكم إذا أضفنا على ذلك كله بطش الأوليغارشيا الحاكمة وتغلغل أدواتها في صلب النظام التعليميّ عبر تكريس العلاقة الزبائنيّة، تدجين وإخماد أي فكر يخرج عن قيودهم التي صبغت مراراً بدماء التقدميين أمثال الشهيد المفكّر مهدي عامل والشهيد فرج الله حنين الذي كان على رأس الحركات الطلابيّة المطالبة بقيام الجامعة الوطنية.. وها هم اليوم طلابها يكملون المسيرة النضالية الرافعة لشأن التعليم والثقافة باسم "تكتّل طلاب الجامعة اللبنانيّة"، رافعين شعار" علم، حريّة، عدالة اجتماعيّة". كون الجامعة اللبنانيّة هي الصرح الجامعي الرسمي الوحيد يقع عليها إذاً عبء هذا النزوح الكبير وتهيئة الأرضية المناسبة لاستقباله و خدمته. تلك الجامعة عينها التي أرادت الدولة الانتقاص من موازنتها الهزيلة أصلاً وتمعن سنةً تلو الأخرى بحرمانها من الصيانة اللائقة، التجهيز التقني، المختبرات البحثيّة المتطورة وتمويلها، والأهم المشاريع الإنمائية كإنشاء المجمّعات في مختلف المحافظات والأقضية وتوسيع المنشأ كحرم السكن في مجمّع الحدث... كما التضييق على كادرها التعليميّ ناهيك عن التجاوزات الحزبيّة والصفقات.
إذًا لا قدرة لها أن تتحمّل عبء هذا النزوح و تبعاته! نضيف أنّ مع احتجاز المصارف للودائع ومنع التحويلات إلى الخارج يشطب خيار التعلّم في الخارج أمام أغلبية الجيل الصاعد بل اضطرار عودة من في الخارج إلى متابعة تعليمهم في لبنان.
بعد عرضٍ شامل لواقع هذه الأزمة نرى أنّ سبل الخلاص قليلة تماشياً مع رؤية الحكومة والدولة المزعومة باسترداد الاموال المنهوبة والانقضاض على الأرباح المتراكمة مع تأكيدنا أنّ لا ثقة لنا بهذا النظام وطبيعته وبتلك السلطة الثلاثنيّة بإصلاح ما فسد وهي الفساد بعينه، بتأمين الحقوق والعدالة الاجتماعية للشعب وهي الغاصب بعينه! ولكن هناك سبيل لإدارة هذه الازمة وتداركها، انّ الجامعات الخاصة المملوكة أصلاً من قبل نافذين في السلطة أو مقرّبين منها قد راكمت بظلّ غياب أيّ رقابةٍ أو توجيه من قبل الدولة لملاقاة مشروعٍ وطنيّ إنمائيٍّ شامل، أرباحاً طائلة لم توظّفها في أي قطاعات منتجة أو حتّى لملاقاة تطلعات المجتمع العلمي البحثي، بل كسائر المؤسسات أودعتها ريوعاً وثرواتٍ في حسابات المسؤولين.
من هنا على هذا القطاع الخاص أن يتشارك اليوم مرغماً وزر أزمة الدولار فيخفّض رسومه لتناسب الطلاب من الشرائح الاجتماعيّة كافة وإلّا ستخلو القاعات من الطلاب أي من مصدر الدخل. وفي المقابل على الدولة أن تحوّل ما المفترض أن تستردّه إلى القطاعات المنتجة وعلى رأسها الجامعة الوطنيّة. كما ونشير إلى أهمية القطاع التعليمي المهني المهمّش في ظل الريعيّة وعلى أساسيّة تطويره تكنولوجيّاً ليلاقي متطلبات الإنتاج في المرحلة المقبلة.