حالة الطوارئ...التأميم هو الحل أو الموت الجماعي
بشار علي
حالة الطوارئ، هي نظام قانوني تضعه السلطات العامة موضع التنفيذ من أجل مواجهة ظروف استثنائية، والسماح لها باتخاذ تدابير لا يمكن تطبيقها عادة من ضمن الإطار القانوني العادي. وبالتالي، لا بدّ من التأكيد أنّ حالة الطوارئ لا تؤدّي إلى تعليق النظام القانوني، لكن إلى توسيعه، كون التدابير التي يتمّ اتخاذها تظلّ خاضعة للرقابة القضائية، ولا سيما رقابة مجلس شورى الدولة الذي يعود له تقدير في كل حالة مدى توافق تلك الإجراءات مع القوانين النافذة والضرورة الناجمة عن الظرف الاستثنائي. وهذا ما ذهب إليه مجلس شورى الدولة، إذ اعتبر التالي: «وحيث أنه لكي تتوفر الظروف الاستثنائية، يجب أولاً أن تكون هذه الظروف استثنائية حقاً، وللقاضي في هذا الصدد حق التقدير الواسع، وقد اعتبر الاجتهاد الفرنسي ظروفاً استثنائية التعبئة العامة، الحرب، التهديد بإضراب عام في المرافق العامة، الثورة الداخلية، وثانياً أن تكون المصلحة العامة أملت اتخاذ التدبير المشكوّ منه، ويتوفر هذا العنصر متى كانت الغاية من التدبير صيانة الأمن العام، وأخيراً أن تكون الإدارة مضطرّة لاتخاذ هذا التدبير توصلاً إلى الهدف المقصود» (قرار رقم 1227 تاريخ 1/8/1963).
تؤدّي حالة الطوارئ إلى توسيع صلاحيات السلطات العسكرية، بشكل كبير، ليحق لها اتخاذ جملة من التدابير من بينها: تحرّي المنازل ليلاً أو نهاراً، فرض الإقامة الجبرية، منع الاجتماعات المخلّة بالأمن، إعطاء الأوامر في إقفال قاعات السينما والمسارح والملاهي ومختلف أماكن التجمّع بصورة موقّتة، منع تجوّل الأشخاص والسيارات في الأماكن وفي الأوقات التي تُحدد بموجب قرار، منع النشرات المخلّة بالأمن واتخاذ التدابير اللازمة لفرض الرقابة على مختلف وسائل الإعلام.
لا بل إنّ المرسوم الاشتراعي رقم 52 يطلق تسمية «حالة الطوارئ» بينما النظام القانوني الذي ينتج عنه هو بالحقيقة شبيه بحالة الحصار أكثر من حالة الطوارئ. إن الإمتناع عن الاعلان عن حالة الطوارئ يعود الى الضعف في امكانات الدولة ومحاولة تخفيف بعض الاعباء عن الجيش والقوى الامنية، اذ أن الاعلان عن حالة الطوارئ يعني أن السلطة الميدانية ستكون بيد القوى الامنية، وأن المنع من التجول سيكون بالقوة، وليس بالتمني أو حتى بالقانون، وتالياً فإنه على الدولة تأمين ايصال المواد الغذائية والدواء الى منازل المواطنين.
تفرض حال الطوارئ ايضا على الدولة تأميم،ولو بشكل مرحلي، المستشفيات الخاصة، ومصادرة اموال تحتاجها الدولة من المصارف. يحق للدولة مصادرة المواد الغذائية الموجودة في المستودعات. من واجب الدولة أيضا إستعمال المصانع الموجودة لتصنيع الأدوية، المواد الطبيّة والغذائية. لا تملك الدولة اللبنانية إمكانية تأمين حاجات المواطنين يومياً، وبالتالي سيكون البحث بشكل رئيسي عن بدائل مثل اعطاء تراخيص لبعض مقدّمي خدمات التوصيل المنزلي(أي المزيد من المحاصصة التي تستغلها الأحزاب لِشراء زمم الفقراء).
المساعدات الإجتماعية علّمني الصيد:
من واجب دولة الرعاية الإجتماعية ان تقوم بمساندة مواطنيها(دافعي الضرائب ليقبض المسؤولين رواتبهم)، أقرت الحكومة مساعدات للناس بقيمة 180 الف ليرة ولا يمكن أن تصبح سارية المفعول الا بعد اسبوعين في أفضل الأحوال. السؤال اليوم هل نعطي سمكة للمحتاجين أو نعلمهم صيد السمك؟ تبدأ المشكلة في اساس الواقع الإجتماعي إذ أنّ الناس اساساً لا تملك مدخول او ضمانات صحية(الضمان الإجتماعي مُفلس ووزارة الصحة تغطي بشكل إنتقائي). في هذا السياق كانت كلفة فحص الكورونا في بداية الأزمة ٣٦٠ الف ليرة ثم أصبحت ١٥٠ الف ليرة، من هذا المجنون الذي يسأل الناس أن تدفع ثمن فحص الكورونا؟ هل يدرك هذا المجنون أنّ ١٥٠ الف ليرة في المستشفيات الخاصة هي إجار منزل في ضواحي بيروت او في قرى شمالية،جنوبية او بقاعية؟ ...هل يدرك ان ١٥٠الف ليرة توازي غذاء لأسبوعين لعائلات تعيش في احزمة البؤس في الاوزاعي او حارة الناعمة؟ ...يا له من مجنون!
انعكاس سياسة السلطة على الصناعة:
في دولة الريع، الصناعة هي رفاهية الأغنياء، نملك مصنع، ننتج، نصدّر..إنّها للرفاهية. لا يفقهون معنى الدولة المستقلة بإنتاجها، يعتاد هؤلاء على أن سلطاتهم تستمد شرعيتها من الخارج، من تبعيّة لدولة هنا او مشروع هناك. اذاً الصناعة التي تواجه بما تبقى لها من امكانات، تُضرَب يِحظر التجول المسائي(اللاداعي له) فتحد من قدرة المصانع التي تعمل ليلاً في نقل كل من المواد الأولية والبضائع.
في دولة الريع القائمة، ستُمنع السلطة السياسية من إعلان حال الطوارئ، إذ أنّ المصارف التي رفضت أي تغيير في المنظومة الإقتصادية الفاشلة، لن تمرر عبر الوزراء المحسوبين عليها اي طرح قد يصيبها بما رفضته طوال انتفاضة 17 تشرين، ستُمنع السلطة من محاولة كسر الريع وعودة الدولة بمؤسساتها هي اللاعب الأساسي وربما الوحيد.
ليبقى المجتمع، علينا الإنتقال من نموذج السلطة الريعية نحو الدولة المنتجة القادرة على ادارة المجتمع وحماية مواطنيه، إنّ لبنان اليوم معرّض ليكون مثيل بإيطاليا او اسبانيا نتيجة سياسة القطيع التي تعتمدها الدول الرأسمالية (ينجو من يملك المناعة الأقوى).
المصادر
جريدة الأخبار-الدستور اللبناني(مادة حال الطوارئ)