كانوا في الاجتياح الإسرائيلي عام 1982، مثلما كانوا في اعتداءات عناقيد الغضب عام 1996. وكانوا في عدوان تموز 2006، مثلما كانوا في الحرائق قبل يومين من ثورة 17 تشرين. أمّا اليوم، فإنّهم خلية فعّالة في مواجهة وباء "كورونا".
كانوا وما زالوا. يتغيّر الشباب، ويبقى قسم "الصمود الشعبي" في "اتحاد الشباب الديمقراطيّ اللبناني". تغيب المقارنة في الإمكانيات المادية وتكثر في المقوّمات الإنسانية.
عندما بدأت أزمة "كورونا"، بدأنا في قسم الصمود الشعبي في الاتحاد بتجهيز أنفسنا. نحن أبناء الساحات ندرك جيداً من موقعنا ومعرفتنا بالسلطة، أنّ الثقل في مواجهة هذه الأزمة يقع على الناس. اليوم، نرى المتطوّعين والمتطوّعات على جاهزية للمبادرة والتعاون مع لجان شعبية وبلديات..في الإقليم، كما في الجنوب (البازورية، عين بعال، عدلون، الأنصارية، معركة وطيردبا)، وفي البقاع (الجمالية، اللبوة، عرسال والهرمل)، كما في بيروت والشمال، في هذه المناطق وأكثر، لم يأخذ شباب الاتحاد وقتهم في دراسة كيفية البدء بالعمل الميداني. فهم منذ أن دخلوا معترك الشأن العام، لا تبخل السلطة عليهم بالتجارب كما كان الحال في حرائق الإقليم.
الحجر ومتطلّباته
بدأ الشباب بالتركيز على فكرة الحجر، وما قد تكون تحدّياته في قرى يكثر فيها كبار العمر، وتقلّ فيها سبل تأمين الحاجيات الأساسية كالغذائية والوقائية من "ديليفري" وغيره.
إنقسم المتطوّعون إلى مجموعات مختلفة حسب المهام. توزعت المهام في المناطق. جزء يهتم بالتعقيم ونشر التوعية في سبل الوقاية، وجزء آخر لتلبية حاجيات المواطنين.
في الفترة الأولى، يقول بشار، من الرميلة، إنّ الناس لم يأخذوا موضوع الحجر على محمل الجدّ، لكنهم ما لبثوا أن عدّوه أولوية. خطر الوباء آتٍ لا محالة. ولأنّ الوقاية أفضل من أسرّة قد لا تجدها في المستشفيات، بدأ الناس بالالتزام، وبدأ الاتحاديون بالعمل.
بداية النهار تكون بتعقيم المنزل الذي اتخذه المتطوّعون مركزاً لهم بعيداً من عائلاتهم. هذه المراكز حيث يحجر الشباب أنفسهم هي عبارة عن منازل أو شقق خالية من قاطنيها تبرّع بها أولئك الذين لا تذكرهم شاشات التلفزيون ولا مواقع التواصل، هم أنفسهم من فتحوا منازلهم للمتضرّرين والمنكوبين في الاعتداءات المختلفة التي أصابت لبنان.
بعدها، يأتي دور تأمين الاحتياجات الرئيسية للمنازل من خلال خدمة الـ"ديليفري"، وتأخذ هذه العملية، على الرغم من بساطتها، بكثير من الجهد، ولاسيما في القرى. هناك لا تقدّم محالّ كبيرة هذه الخدمة. يتلقّى مركز الاتصالات طلبات السكان، ويحرص الشباب على أن تكون مؤونتهم كافية لأكثر من يوم بهدف تقليل نسبة الاحتكاك مع الناس عموماً.
ثم تُجلب الأغراض إلى المركز حيث يتمّ تعقيمها وتعليبها، وتُنقل الحاجيات إلى العناوين المحدّدة، بعد أن يكون المبلغ المراد دفعه أو ردّه موضوعاً في مغلّف لضرورات وقائية، فيتم تسليمها.
بعد ذلك، يُطلب من الناس إجراء عملية إعادة التعقيم. يراقب المتطوّعون مؤشراتهم الحيوية مراراً. وفي نهاية يوم الحجر العاديّ، تُسجّل كلّ اللقاءات وفق بيان إلكتروني. يقوم الشباب بهذه الخطوة حتى إذا سجّلت حالة إصابة تكون مرجعاً.
عمد الاتحاد إلى نشر التوعية حول مختلف جوانب فيروس كورونا المستجد (covid19)، من خلال "بروشورات" إلكترونية وُزّعت على مختلف وسائل التواصل الاجتماعي وعبر بعض صفحات البلديات المتعاونة (لتفادي انتشارالفيروس عبر الورق).
بالإضافة إلى العمل التطوّعي الذي يقوم به الشباب، يعمل بعضهم على تأمين بعض الحصص الغذائية
إتّخذت مجموعة أخرى من التعقيم مهاماً لها، بالتعاون مع البلديات، من خلال تقسيم أوقات وأماكن الرش بالمعقمات للمنازل، والدكاكين والأماكن العامة. وقد تكون الجمّالية هي القرية البقاعية، التي تفتقد وجود بلدية، من أولى القرى التي بدأت برشّ المعقمات باستخدام ما تيسر من معدات للرش، تُستعمل في الزراعة، كما يقول محمد جمال الدين.
يعتبرالشباب أنّ الناس مرتاحون للعمل معهم من خلال رؤيتهم سبل الوقائية المتبعة. كذلك، لا تغيب عن بال هؤلاء الكارثة الاجتماعية. يحذّر رئيس "اتحاد الشباب الديمقراطي اللبناني" عدنان المقداد، من "اقتراب الكارثة الحقيقية، ونحن بإمكانياتنا وعلاقاتنا المتواضعة نحاول على قدر استطاعتنا، وننجح بالصمود في وجه التقصير، كجزء لا يتجزأ من ثورتنا التي بدأت قبل 17 تشرين وتستمرّ مع الناس في كلّ محطاتهم".
بالإضافة إلى العمل التطوّعي الذي يقوم به الشباب، يعمل بعضهم على تأمين بعض الحصص الغذائية، التي "نعرف جيداً أنها لن تكون الحل، لكنها تسدّ رمق المياومين، والذين لم ترحمهم وظائفهم"، كما يقول أيمن دياب من البازورية.
تمويل ذاتي
لا يملك "الاتحاد" حسابات ضخمة في المصارف، لكنّه يملك من شبابه وأصدقائه من يعطي من دون أن يسأل. ومن هنا، يموّل قسم الصمود نفسه. في بادىء الأمر، يعترف بشار: "كنا نخجل أن نجمع تبرّعات من المواطنين، لأننا على يقين بالظروف الصعبة. لكن مع تطوّر الأزمة، أصبحنا مجبرين أمام هذا الخيار. ومن التبرّعات المقبولة علبة أكفّ، وقنينة سبيرتو".
يبقى الشباب على اتصال مباشر بأطباء من "النجدة الشعبية" ليكون عملهم على مستوى حجم الكارثة. هم يدركون أنّ تطوّعهم ليس الحلّ، لكن في غيابٍ شبه كلّي لسياسةِ إدارةِ الأزماتِ، يقف المرء أمام خيارٍ لا ثاني له، وهو النضال في سبيل الإنسان.
في مواجهة عدو يفتك بالمجموعات الواسعة، يخوض "الاتحاديون" المواجهة على امتداد الوطن بمجموعات صغيرة وفعّالة. وعندما يتساءل متحاذقون: "أين الثوار من كل ما يحدث؟"، فأنت على يقين أنّ الثوّار يغيبون عن الشاشات، ويخوضون باللحم الحيّ معاركهم التي بدأت، ولن تنتهِ قبل حين.