غسان ديبة - الاخبار
«إن أي شكل جديد من الصراع يطرح أخطاراً أو تضحيات جديدة سيؤدي حتماً إلى تفكيك أي تنظيم غير حاضر لخوض هذا الشكل الجديد من الصراع»لينين
كان الحزب الشيوعي اللبناني يستعد لعقد مؤتمره الحادي عشر في 23 من اكتوبر، ولكن بقرار مفاجئ للجنة المركزية للحزب تم «تجميد أعمال المؤتمر». من المؤسف أن الحزب الذي ينخرط بقوة في الحراك الشعبي يتخلى عن فرصة إمكانية استنهاض قواعده الحزبية واجتذاب الذين نزلوا الى الساحات ليقولوا لا للنظام الطائفي، وذلك عبر طرح نفسه كحزب متجدد فاعل يطرح برنامجاً للتغيير وهيكلية لانخراط الطبقات والمجموعات المتقدمة في المجتمع في عملية التغيير هذه.
وكان من المهم أن يفعل ذلك في خضم الحراك ليكون المؤتمر فعلاً سياسياً وليس تقليداً يؤجل انعقاده ربطاً بانتهاء الحراك إن إيجاباً أو سلباً.والمفارقة أن الحراك الواسع يتجه بعد قرار التجميد الى احتمالات الانحلال بسبب إصابته برهاب التسييس ولتركيزه أكثر فأكثر على مسألة النفايات وحلولها التقنية والبيئية وتقديس البلديات (التي هي في الكثير من الاحيان أسوأ من الدولة المركزية ومكان لتجذر العصبيات والمصالح العائلية والمذهبية والمناطقية وعبادة الشخص، ومثال على ذلك تفريخ «القصور» البلدية) والارتباك الحاصل بعد خطة شهيب الاخيرة وبعد البيان والمؤتمر الصحافي الفاشل للجنة متابعة حراك 29 آب الاسبوع الماضي، والذي أتمنى ألا يكون الكثير من اللبنانيين قد حضروه. والمفارقة أيضاً أن قرار التجميد يترافق مع إخفاء دور الشيوعيين القيادي في هذ الحراك وقبولهم في العلن أن يكونوا جنوداً فقط. بغض النظر عن هذا القرار الخاطئ ومآل الحراك ومتى سيعقد المؤتمر، سأحاول في هذه المقالة وضعه في السياق الذي نعيش فيه اليوم، أي محاولة الاجابة عن سؤال أساسي: هل الظرف والسياق الحالي وروح العصر تعطي الشيوعيين أسباباً للتفاؤل بأن يكون لديهم إمكانية التحول الى حزب سياسي فاعل؟
الحراك الشعبي في لبنان فتح كوة في جدار النظام الطائفي المغلقيعيش الشيوعيون اللبنانيون اليوم أفضل الاوقات منذ سقوط جدار برلين واتفاقية الطائف وانهيار الاتحاد السوفياتي. فبعد تلك الاحداث بزغ نجم الحريرية وآمال الرأسمالية اللبنانية الجديدة بحيث اعتقد كل لبناني أنه يستطيع أن يغتني من ماكينة الاقتصاد الجديد، وأتت أيام التعاون بين الطوائف، يغذيها الدين العام وآلية التوزيع للدولة على الطوائف والبورجوازية الريعية. على المستوى العالمي كان لنموّ الولايات المتحدة في التسعينيات والاعتقاد السائد بنهاية الدورات الاقتصادية الأثر البالغ في إقناع الكثيرين بأنه تم اكتشاف الكأس المقدسة للرأسمالية، أي انتهاء عصر الازمات، وبالتالي أصبح للرأسمالية مقدرة على النمو اللامتناهي. في الوقت نفسه نمت الاسواق المالية ومعها الاعتقاد بالمقدرة على الاغتناء بسرعة، أي التحول الى الرأسمالية الشعبية التي تحل معضلة الملكية واللامساواة التي تشكل إحدى أضعف حلقات الراسمالية. على المستويات الفكرية كانت تلك الفترة عند اليسار الاوروبي عصر الطريق الثالث بين الاشتراكية التقليدية والنيوليبرالية، وفي العموم التهكم بفكر ماركس والماركسية. وكما يذكر الجميع، عمّت فكرة انتهاء التاريخ بالدولة الليبرالية الرأسمالية مع فوكوياما.إن الاحزاب السياسية وبعض الدول التي لا تزال تتبع الفكر الماركسي استطاعت الاستمرار في تلك الفترة. للدول طبعاً مصالح، وللأحزاب في بعض الاوقات القدرة على الاستمرار. ولكن أصعب تأثيرات تلك الفترة كان على الافراد. لقد كان أصعب ما واجهه الافراد الماركسيون في تلك الحقبة هو إحساسهم بفراغ فكرهم. فالنقد الثوري للواقع في تلك الفترة بدا من غير معنى، وبدا للماركسيين أن هذا الفراغ قد يستمر لمدة زمنية طويلة.الآن يحس الشيوعيون بأن نقدهم لم يعد فارغاً. فكما قال الفيلسوف ريموند جيس، في معرض نقده للفكر العدمي والنسبي، «ليس هناك ما يوجب الاعتقاد بأن الفكر النقدي يصبح دائماً فارغاً عندما يتحول الى الراديكالية. لو كان هذا صحيحاً، لكانت الاقلية التي تمتلك الثروة والدخل وتستفيد من الاوضاع القائمة مرتاحة جداً لهذا. لكن النقد يكون فارغاً أو لا حسب السياق الذي يأتي به». النظام اللبناني الذي أرسي في تسعينيات القرن الماضي هو في أزمة كبرى بوجهيه الطائفي والرأسمالي. وشكلت أزمة الرأسمالية في 2008 عاملاً مهماً في انتهاء سيطرة الفكر النيوليبرالي والرمي في سلة المهملات بالكأس المقدسة المزعومة للرأسمالية وبفكرة نهاية التاريخ. كذلك فإن صعود اليسار في اميركا اللاتينية واوروبا وصعود الصين كمركز جذب ايديولوجي، وإن بأشكال جديدة، شكلا الوجه السياسي لأزمة الرأسمالية. أما في العالم العربي، فالربيع العربي أتاح الفضاءات لانتعاش اليسار في تونس ومصر، والآن في العراق، وتحطم الفكر الاسلامي السياسي في صراعات مذهبية في ما بين أجنحته وفي فشله في القيادة عند الوصول الى السلطة وتحوله الى الارهاب أو إقامة سلطات عدمية.اليوم، الحراك الشعبي في لبنان فتح كوة في جدار النظام الطائفي المغلق. لم يعد هناك وقت للبكاء على الاطلال ولا للدفاع عن فكرة الحزب ــ القلعة. الشيوعيون كأفراد لم يعد لديهم شيء يشدهم الى الوراء، وبقي على الحزب أن يعلن أن لا عودة الى الوراء، وأنه جدير بأن يكون حزب التقدم والاشتراكية الذي على عاتقه تغيير البنى السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية الظالمة، ليس فقط من أجل أن تنتصر الطبقة العاملة، بل من أجل أن ينتصر المجتمع ككل على الرأسمال والطائفية، ومن أجل أن تنتصر الطبيعة أيضاً، لأن الطائفية والرأسمالية اللبنانية انتقلتا الى مرحلة التوحش، ليس فقط ضد أعدائهما الطبقيين والسياسيين، بل ضد المجتمع والطبيعة نفسيهما.
أكثر من 40 معتقلة ومعتقلاً، بحسب لجان المحامين، وأكثر من 21 جريحة وجريحاً نُقلوا إلى المستشفيات غير الذين رفضوا ترك الساحة، بحسب إعلان الصليب الأحمر اللبناني. هذه هي حصيلة يوم القمع الوحشي أمس لحركة الاحتجاجات السلمية، التي رافقت انعقاد جولة الحوار الثانية بين الزعماء. إلا أن هذه الحصيلة ليست نهائية، فالذين أخذوا قرار القمع ووفّروا الغطاء له ومهّدوا لتنفيذه بجملة واسعة من المواقف والشائعات والتقارير الأمنية المثيرة للغثيان قبل المخاوف، لمّحوا أيضاً إلى أن في جعبتهم تجربة «البلطجية»، وأجروا تمريناً عليها أمس
حسين مهدي - الاخبار
ليست فرق مكافحة الشغب وحدها استحوذت أمس على مشهد القمع الوحشي لمتظاهرين ومتظاهرات ينادون بالسلمية، بل قوى الأمن الداخلي كلّها بذكورها وإناثها، وبعناصرها في لباسهم الرسمي أو في لباسهم المدني، وكذلك «البلطجية» الذين استُقدموا تحت نظر القوى الأمنية الرسمية كتمرين لما ردده بعض الزعماء عن «الدمار الشامل» الذي ستحدثه «الحركة المدنية». لم يقتصر المشهد على عنف الدولة، بل تخطاه إلى عنف من نوع: «يلي بجيب سيرة الرئيس نبيه بري بدنا ندعسوا».
يبدو أن المتحاورين داخل المجلس النيابي اتخذوا قرار قمع الاحتجاجات بالإجماع، لم يخرج أي منهم ليستنكر ما جرى، بل إن بعضهم زعم أنه لم يعلم بما يجري. إلا أنه في المقلب الآخر، أي لدى المحتجين والمحتجات، كانت القناعة تامة: «قرروا ضرب الحراك الشعبي بأي شكل».ما جرى أمس كان مقصوداً. لم يكن هناك أي مبرر لدى القوى الأمنية لاستخدام العنف المفرط. لم تحدث مناوشات كما في السابق، بدأ الضرب بالهراوات والركل والسحل والاعتداء على الصحافيين وتنفيذ حملة اعتقالات ممنهجة ومنظمة بحق ناشطين في الحراك... هكذا من دون أي مقدمات.يشير بعض المنظمين إلى واقعتين حصلتا أمس كانتا الأبلغ تعبيراً عن نية السلطة المسبقة بضرب الحراك بأسرع ما يمكن وبأي طريقة ممكنة. الواقعة الأولى عندما مُنع المتظاهرون بالقوة من قطع الطريق العام بالقرب من خيم المضربين عن الطعام أمام مقر وزارة البيئة في مبنى العازارية. ضُربوا بقسوة ووحشية حتى أُبعدوا إلى تحت جسر فؤاد شهاب، ومن جلس منهم أرضاً دُعس ولُبط. أما الواقعة الثانية، فحصلت في المكان نفسه، مع فارق زمني بين الواقعتين، إذ قاد الملازم الأول في قوى الأمن الداخلي يُدعى ح. د. مجموعة من الشبان المحسوبين على حركة أمل، وعمد إلى تكسير خيم المضربين عن الطعام وضربهم مع جميع الموجودين في المكان، ونُقل أحد المضربين إلى المستشفى للمعالجة من رضوض جسيمة. وحصل كل ذلك في وقت تراجع فيه عدد كبير من عناصر مكافحة الشغب إلى داخل مبنى العازارية، ومن بقي منهم اكتفى بمشاهدة ما يحصل، علماً أن أحد الضباط الموجودين في المكان أمرهم بالتدخل لحماية المتظاهرين والصحافيين، إلا أنهم ترددوا خوفاً من المهاجمين وقائدهم.
نفت حركة أمل في بيان أي علاقة لها بما حصل، إلا أن هجوماً ثانياً حصل بعد صدور هذا البيان، رشقوا المعتصمين في الساحة بالحجارة والكراسي، وأصرّ المهاجمون على الظهور أمام كاميرات التلفزيون وإعلان هوياتهم بصفتهم من «أمل» يريدون الذود عن شرف الرئيس بري.منذ التاسعة من قبل ظهر أمس، بدأت مجموعات صغيرة من الشابات والشباب بالتوافد إلى نقطة التجمّع المحددة تحت مبنى النهار بالقرب من ساحة الشهداء. توقع الواصلون باكراً أن تكون التعزيزات الأمنية مشددة على المداخل المؤدية إلى ساحة النجمة، وتحديداً المدخل المحاذي لمبنى النهار، على غرار ما كان عليه الوضع الأسبوع الفائت. إلا أنهم فوجئوا بغياب أي عنصر من مكافحة الشغب، ووجود عوائق حديدية مربوط بعضها ببعض بطريقة بدائية جداً تسدّ الطريق. ظنّوا أن وجود قلة من عناصر الدرك في المكان (لا يتخطى عددهم عشرين عنصراً)، هو فرصة ذهبية لتخطي العوائق الحديدية والوصول إلى مكان قريب من ساحة النجمة من طريق المدخل المواجه لمبنى بلدية بيروت.ما جرى بعد قليل، بيّن أن الأمر لم يكن إلا فخاً، إذ استُدرج المتظاهرون للتجمّع عند مدخل واحد، وهو ما جنّب المتحاورين الرشق بالبيض والنفايات عند دخولهم إلى ساحة النجمة من مداخل أخرى مختلفة. سحب المتظاهرون هذه العوائق. أبعدهم عناصر الدرك من دون استخدام العنف وحصروهم في مساحة ضيقة. ما هي إلاّ دقائق قليلة حتى ظهر أكثر من 100 عنصر من عناصر مكافحة الشعب، يرافقهم قائد شرطة بيروت العميد محمد الأيوبي. وفي لحظة وصولهم انهالوا بالضرب على المتظاهرين. الحصيلة الأولى كانت اعتقال 3 متظاهرين وسقوط عدد منهم جرحى. بعد ذلك حوصر المتظاهرون، وقف عناصر مكافحة الشغب بشكل دائري حولهم، مع ترك ثغرة صغيرة جداً لخروج من يريد من المتظاهرين بعيداً عن مكان الاعتصام. في هذا الوقت، كان الأيوبي يعطي أوامر واضحة لأحد الضباط: «خليكن مطوقينن، حتى تفرفطوهن وتعتقلوهن». توارى الأيوبي عن المكان، تاركاً عناصر مكافحة الشغب على احتكاك مباشر بين الطرفين، من دون أي ضابط. تصاعد التوتر بعدما بدا تضييق دائرة الحصار أكثر، لتبدأ بعدها الهجمة الأخيرة على المتظاهرين، هراوات هؤلاء العناصر لم تكن تميّز أحداً، حتى الصحافيين والمصورين. لحقوا بالمتظاهرين في الشوارع، ضربوهم وسحلوا بعضهم، أحدهم تلقّى ضربة مباشرة على رأسه، فوقع أرضاً وبدأت القوى الأمنية بركله.في ظل هذا المشهد الأسود، كان عناصر بلباس مدني ينتقون متظاهرين محددين ويعتقلونهم بما يشبه عمليات الخطف الميليشياوية. حتى إنهم سحبوا أحد المتظاهرين من داخل سيارة الإسعاف. لاحقاً، تبين أن الذين اعتُقلوا بهذه الطريقة هم من الناشطين والناشطات في مجال تنظيم الاحتجاجات والتعبئة، ما دفع إلى الاعتقاد أن الهدف هو القضاء على قدرة هؤلاء على إدارة الساحة والحشد فيها. وصل الأمر إلى المضربين عن الطعام، إذ اعتُقل اثنان منهم هما وارف سليمان ويوسف الجردي.لوحظ انتشار لعناصر فرع المعلومات واستقصاء بيروت ومخابرات الجيش والمخبرين الأمنيين بين المتظاهرين، وكان هؤلاء العناصر يشاركون في ممارسة العنف. المسؤولية الأمنية ضاعت في الساحة، ففيما كان أحد الضباط يُعطي أوامر بملاحقة المتظاهرين في الشوارع وضربهم، طلب ضابط آخر منهم التراجع، وضابط ثالث نادى عبر جهازه اللاسلكي طالباً حضور عدد إضافي من الضباط لأن «ما في عدد كافي بالساحة».شبّه أحد المتظاهرين ما قامت به القوى الأمنية بما يقوم به جيش الاحتلال الإسرائيلي، عندما يريد قمع تظاهرة سلمية يقوم بها الفلسطينيون، قال: «هذا الحقد غير مفهوم تجاه متظاهرين يطالبون بمطالب بديهية لجميع اللبنانيين: لا تطمرونا بالنفايات. هذا كل ما نطالب، هل هذا كثير؟».
لم يسلم الصحافيون من استهداف عناصر الأمن لهم، مصور وكالة (أ ف ب) أنور عمرو، ضُرب بهراوات مكافحة الشغب على كتفه ورأسه، وكُسرت نظارته الطبية. ولحق أحد عناصر فرع المعلومات بمصور «دايلي ستار» حسن شعبان، محاولاً سرقة كاميرته منه. كذلك كسر عناصر مكافحة الشغب إحدى كاميرات النقل المباشر التابعة لإحدى المحطات العربية. أثناء تخريب مناصري حركة أمل خيم المضربين عن الطعام، تعرض مصور «العربي الجديد» حسين بيضون لرشق حجر أصاب رأسه، فنقل إثر ذلك إلى المستشفى للمعالجة.أثناء حملة الاعتقالات، اعتُقل عدد من الصحافيين، من بينهم نضال أيوب ويارا الحركة وخلدون جابر.
ساندي الحايك - السفير
الخائن بيضل عند الخونة" عبارة كررها عدد كبير من الشبان خلال اعتصامهم على طريق المطار اليوم الاثنين. "الخائن" هو من تعامل مع العدو الإسرائيلي ضد أهل بلده، من قصف ودمر وسرق آلاف العائلات الجنوبية. لا أحد بنظرهم يختصر تلك الصفات مثل قائد "جيش لبنان الجنوبي" أو ما كان يعرف بـ"جيش لحد" العميل الإسرائيلي أنطوان لحد. اعتصم هؤلاء رفضا لاستقبال جثته ودفنها في مسقط رأسه بلدة كفرقطرة في الشوف. حملوا شعارات المقاومة، وصور الشهداء المقاومين، بالإضافة إلى أعلام "الحزب الشيوعي" والحزب "القومي السوري" وحركة "جمول" (جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية) التي خاض مقاوموها حربا ضروسا ضد العدو الإسرائيلي في العام 82.في الاعتصام استعاد المحتجون ذكر حبيب الشرتوني والمقاومة سهى بشارة وبطولاتهما. غنوا لهما وهتفوا باسمهما مرارا، كما كتب أحدهم على لافتة رفعها "لكل بشير حبيب ولكل لحد سهى". ورفع المعتصمون صورا لشهداءٍ كثرٍ سقطوا في معارك خيضت ولا تزال، بهدف تحرير الجنوب. بعضهم لا تزال جثثهم مصادرة من سلطات الاحتلال. أردفت إحدى السيدات بغضب "كيف يحق لعميل أن يدفن في أرض تخلى عنها بإرادته، في حين أن أجساد الشهداء الطاهرة لم ترقد في التراب الذي ارتوى من دمها بعد".تحمل وسام فوعاني صورة لأخيها الشهيد فرجالله فوعاني. تسير بين الحشود هاتفة "حتى لو قام لحد وأخبرني أين هي جثة أخي، في أي منطقة من فلسطين المحتلة، لن أسمح بأن يدفن هنا". إلى جانبها أختها، لا تزال ندوب القصف الإسرائيلي ظاهرة على وجهها. تقول: "نحن هنا لأن قضيتنا فرضت علينا المجيء. لأننا لا نستطيع أن نخذل الشهداء. كما أوجع لحد آلاف الأمهات وأبكاهن على شبابهن، سيحرم من أن يرقد في أرضنا". على مقربة منها يصرخ أحد الشبان "الزبالة لي عنا بتكفينا خليه محل ما هو"، فيما يضيف آخر "بدنا فرنسا تردلنا جورج عبدالله ". وخلال الاعتصام، وزع بعض الشبان من حملة "دليل المقاطعة" كتيبات على الحاضرين هي عبارة عن دليل بأسماء ابرز الشركات الداعمة لإسرائيل، بغية التعرف إليها ومقاطعتها، "لتشكيل ضغط اقتصادي على الكيان الصهيوني".وكأي قضية، لم تكن آراء اللبنانيين موحدة. فمن بينهم من لم يعارض فكرة دفن لحد في لبنان. في أيار العام الماضي مثلا، زار البطريرك الماروني بشارة الراعي القدس المحتلة، والتقى عددا من "اللحديين" وعائلات لبنانية اختارت مغادرة لبنان والعيش تحت سلطة الاحتلال الإسرائيلي. إذ اعتبر أنه من الخطأ "وصفهم بالعملاء أو التعاطي معهم على أنهم مجرمون. يومها أفرز كلام الراعي انقساما حادا في صفوف اللبنانيين، واختلافا حول تعريف العمالة وكيفية التعاطي مع العملاء.اليوم يبرز الضياع نفسه، فعلى الرغم من استحضار أهالي الجنوب للكثير من المحطات التي ذاقوا خلالها عذابات وإهانات من قبل "جيش لحد"، إلا أنهم لم يلقوا التضامن المطلوب. كذلك إن الموقف الرسمي من المسألة لا يزال مبهما حتى الآن.
وسف كريم النور - الاخبار
لندن | كان لخبر فوز جيريمي برنارد كوربن رئيساً لحزب العمال البريطاني وقع الصاعقة في أوساط أنصار إسرائيل وأعداء اليسار داخل بريطانيا وخارجها. فهذا الرجل البالغ من العمر 66 عاماً، الذي أمضى نصف حياته نائباً في البرلمان البريطاني عن حزب العمال (32 سنة ونيف)، لم يكن أبداً خافت الصوت حيال القضايا العربية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية. كذلك فإنه كان نبراساً لليسار البريطاني الذي تعرض لضربة قاسية مع انتخاب رئيس الوزراء العمالي السابق توني بلير، مهندس ما سُمّي آنذاك «حزب العمال الجديد» الذي ابتعد عن جذوره وصار أقرب إلى الليبرالية الوسطية منه إلى اليسار الاشتراكي.
كوربن، ابن المهندس الكهربائي ديفيد ومعلمة الرياضيات نيومي، الذي أمضى شبابه في «الحملة من أجل إزالة السلاح النووي» البريطانية (سي أن دي) وصار لاحقاً عضواً في «منظمة العفو الدولية» و»حملة التضامن مع فلسطين» ورئيساً لحركة «التحالف لوقف الحرب»، هو أقرب إلى الناشط السياسي والاجتماعي منه إلى نائب في البرلمان البريطاني، أحد أعرق المؤسسات البرلمانية في التاريخ. تراه متنقلاً على دراجته الهوائية تطبيقاً لإيمانه بحماية البيئة. ولديه فسحة صغيرة من الارض يستأجرها سنوياً من مجلس بلدية إزلنغتون في شمال لندن حيث يسكن، ويقوم بزرعها وحصد منتجاتها من الخضر والفاكهة العضوية. ويتميز بلحيته الخفيفة وملبسه المتواضع، ما يضفي عليه مظهر «المثقف الثوري».
وتفوّق كوربن بفارق 40% عن أقرب منافسيه الأربعة، ما أثار صدمة سياسية داخل حزبه أدت إلى استقالة بعض أعضاء حكومة الظل العمالية بسبب اختلافهم الجذري معه. ورغم حصوله على تأييد النقابات العمالية والقاعدة الشعبية والسياسية للحزب، يواجه تحديات كبيرة لجهة التعامل مع الكتلة العمالية البرلمانية غير الموحدة، والتي لا تزال تحمل الإرث السياسي الذي رسّخه توني بلير الذي قاد الحزب لفترة 14 سنة، بينها 10 سنوات رئيساً للحكومة. وإضافة إلى هذه التحديات السياسية، فهو يتعرض منذ إعلان انتخابه السبت الماضي رئيساً لحزب العمال البريطاني المعارض لحملة إعلامية شرسة داخل بريطانيا وخارجها، بسبب مواقفه المعروفة من قضايا داخلية وخارجية عدة.
مواقفه إزاء العرب
استُقبل فوز كوربن بشكل عدائي في بعض الأوساط الإعلامية، خصوصاً المناصرة لإسرائيل، إذ ذكرت صحيفة «ذي تايمز أوف إسرائيل» الإلكترونية (مقرّها القدس المحتلة) خبر فوزه تحت عنوان «جيريمي كوربن المعادي لإسرائيل صار زعيماً لحزب العمال البريطاني». وأضافت أن «هذا النائب اليساري المتطرف يتعاطف مع حزب الله وحماس». وقالت إن اليهود البريطانيين «قلقون بسبب علاقاته بالإرهابيين ومعادي السامية، والذين ينفون حصول الهولوكوست (المجازر بحق اليهود في ألمانيا النازية)». أما صحيفة «دي فيلت» الألمانية، فقد وصفته بأنه «مثالي يساري لا يصلح للعالم الواقعي». ورأت أن انتخابه يثبت أن حزب العمال البريطاني فقد صلاته بالواقع. أما صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية فوصفته بـ»النباتي ذي اللحية البيضاء»، في حين أشارت صحيفة «ذي واشنطن إكزمينر» الأميركية إلى أن كوربن كان يكتب عموداً في صحيفة «ذي مورنينغ ستار» البريطانية، «وهي الناطقة باسم الحزب الشيوعي في بريطانيا العظمى». وهذه الحملة الإعلامية ضد كوربن، التي ما زالت في بدايتها، ليست مستغربة إذا ما نظرنا في مواقف الرجل المؤيدة لقضايا العالم العربي، خصوصاً القضية الفلسطينية، إذ دعا إلى فتح حوار مع «المنظمات المسلحة» في المنطقة لإحلال السلام في الشرق الأوسط، ووجهت إليه انتقادات لاذعة لاستخدامه كلمة «أصدقاء» لوصف حركة حماس وحزب الله. وكان ردّه أنه لا يتفق مع أيّ من هاتين المنظمتين، لكن «أيّ عملية سلام تعني التحدث مع أناس تختلف معهم بشكل جذري». ومعروف عنه دعوته إلى فرض حظر على تصدير السلاح إلى إسرائيل، وقال خلال الشهر الماضي إن اللاجئين الفلسطينيين يجب أن يعطوا حق العودة. وهو يدعم حركة مقاطعة البضائع المنتجة في المستوطنات الاسرائيلية وحركة مقاطعة الجامعات الاسرائيلية التي تقوم بأبحاث التسلح. أما عن مواقفه من الأزمة في سوريا، فهو يرى أن على حزب العمال ألا يدعم الضربات الجوية ضد «داعش» في سوريا، لأن ذلك يؤدي إلى إيذاء المدنيين الابرياء، بينما يجب التركيز على وقف إمدادات الاسلحة والأموال إلى «داعش» من مصدرها. وعارض في البرلمان البريطاني أيّ تورط عسكري ضد النظام السوري ورئيسه بشار الأسد عام 2013 ، وكان ناقداً بارزاً لاجتياح العراق عام 2003. ويذكر موقعه الإلكتروني أنه يريد استبدال «الحروب اللاشرعية» بـ»سياسة خارجية تعطي الأولوية للعدالة والمساعدات».
سقط سياج الدالية، ذات سبت، وسقطت معه أقنعة كثيرة، إذ سارع البعض الى انتقاد هذه الخطوة بوصفها تشتت الاحتجاجات وتعبّئ بعض الناس ضد الحراك. الحجّة التي رفعها هؤلاء أن تحرير الاملاك العامة البحرية ليس مطلباً ملحّاً اليوم، وأن الدالية كان قد استحوذ عليها رفيق الحريري وورثته من بعده، وبالتالي لا يجوز زجّ الحراك ضد طرف من أطراف الانقسام السياسي. ولكنّ هناك شباناً وشابات لا تهمهم هذه الحجج، قرروا ونفّذوا نيابة عن جميع اللبنانيين الذين يتشاركون ملكية الدالية وكل الشاطئ والبحر. خطوة رمزية تهدف الى تسليط الضوء على واحدة من أكبر عمليات السطو في لبنان
إيفا الشوفي - الاخبار
دعت مجموعة «جايي التغيير» ــ المؤلفة من اتحاد الشباب الديمقراطي ومجموعات طلابية ــ الناس الى إحضار أكلهم لافتراش خليج «السان جورج» يوم السبت عند الساعة الثالثة. إلا أن أعضاء المجموعة كانوا منهمكين منذ ليل الخميس في التخطيط لعملية أخرى: إزالة سياج الدالية. بقي المخطط محصوراً بحلقة ضيقة، خوفاً من التسريبات وتصدّي القوى الأمنية للأمر.
اقتضت الخطة أن تحشد المجوعة الناس في «الزيتونة باي» لتدعوهم من هناك الى المساهمة في هدم السياج، خصوصاً أنّ نقاشات كثيرة جرت خلال الأيام الماضية، بعد إقرار استهداف «الزيتونة باي»، عن عدم جدوى هذا النوع من التحركات «السلمية» وعن ضرورة التركيز على رمزية الدالية وما يجري عليها. لم يكن النقاش بين المجموعات قبل يوم السبت يحمل أي اعتراض معلن على خطوة «الدالية»، لكن «الزيتونة باي» استدعت استنفاراً لدى بعض أفراد المجموعات الاخرى خوفاً من أن يكون التحرّك يستهدف طرفاً معيناً، ما فتح نقاشاً جدياً داخل الحراك أعاد الى الواجهة رغبة البعض في حصر الحراك بمسألة النفايات فقط من دون التوسّع بالمطالب.
في «الزيتونة باي»
عند الساعة الثالثة بعد الظهر بدأ الناس يتوافدون الى خليج «السان جورج» تلبيةً لدعوة «الغداء». حملوا أكلهم في أكياس وافترشوا الأرض الخشبية لـ»المارينا». لائحة الطعام نهار السبت في «الزيتونة باي» تضمنت فلافل، جبنة، لوبية بزيت، مجدرة، فتة بلبن وعصير وراس نيفا. تفاخر الناس بطعامهم مفترضين أنّ هذه «الأكلات ليست موجودة في المطاعم الفاخرة المرصوفة وراءهم». حملت إحدى المشاركات فنجان القهوة فرحةً بأنها تشرب «القهوة في الزيتونة باي بألف ليرة فقط». تحوّل الممر الخشبي للحظات إلى «مناقصة» علنية، يقول أحدهم ضاحكاً «قنينة مياه عندن (مشيراً الى أحد المطاعم) بـ6000 ليرة، هذه القنينة التي أحملها بـ1000 ليرة». مجمل الحديث بين المجموعات التي افترشت الأرض تركّز على الفارق بين الأسعار في هذه المنطقة ومناطقهم: «كباية العصير هون سعرها 20 دولار»، «إذا بدك تاكل سندويش ما بتطلع بأقل من 100 دولار». الأرقام التي «رُميت»، وهي طبعاً مبالغ بها، تكشف مدى نجاح السلطة، عبر القواعد التي فرضتها على هذا المكان، في خلق انطباع لدى الناس أنهم من غير المرغوب فيهم هنا. بين الناس، كان هناك من يتجوّل معلناً أن «الزيتونة باي» تختصر كل ما تجب مقاومته، فهي قامت على سلب الذاكرة الجماعية بتغيير اسم خليج «السان جورج»، وكذلك الاستيلاء على أملاك عامّة نتجت من ردم البحر، وصرف النفوذ لإصدار مراسيم استثنائية لإقامة منشآت تخالف التنظيم المدني وقوانين البناء. يكفي المحتجون لإعلان غضبهم أن «الزيتونة باي» يملكها مناصفة شركة «سوليدير» وشركة أخرى صاحبها الوزير محمد الصفدي، الذي كان يشغل منصب وزير الاشغال العامة والنقل، أي وزير الوصاية على الاملاك العامة البحرية، عندما جرى الترخيص لهذا المشروع. آخر يشير الى مرفأ اليخوت: «هذا جزء من الأملاك العامة المنهوبة، التي لزّمتها الدولة اللبنانية لشركة سوليدير بالتراضي ومنحتها استثمار المارينا لمدّة 50 عاماً بـ2500 ليرة في السنة فقط عن كل متر مربع».
يشرح ثالث أن «هذا واحد من أكثر من 1141 تعدياً على الاملاك العامة البحرية، والتي تقدر قيمتها بمليارات الدولارات، بينما لا يتجاوز متوسط الدخل الشهري لنحو عشرة آلاف صياد في لبنان 200 دولار». تستدرج هذه المعلومات ردّ فعل واحداً لدى جميع الموجودين على الأرض بالهتاف: «هذا الملك العام لنا». وبما أنّ «اليافطة» الموضوعة على مدخل المارينا من قبل «سوليدير» تمنع على «المارين» في ملكهم العام الأكل، السباحة، الموسيقى، الغناء واللعب، قرر المشاركون كسر جميع هذه القواعد، فارتفعت الموسيقى وبدأت حلقة الدبكة، فيما قرر آخرون أنه لا بد من السباحة بين يخوت الأغنياء حتى ولو كانت المياه ملوّثة. قوى الأمن كانت تقف على الرصيف المرتفع تراقب الناس من دون أن تتدخل، وإلى جانبها رجال أمن «سوليدير» عاجزين هذه المرّة عن منع الناس من الفرح. كان هؤلاء ينتظرون بترقّب أي محاولة شغب لقمعها، لكنّ أملهم خاب؛ فبعد أقل من ساعتين، حمل الناس أكياس الأكل ونظّفوا مكانهم وغادروا فجأة وبسرعة. كانت المعلومة تنتشر وسط الجموع: «الى الدالية». لم يعلم المشاركون ماذا سيحصل في الدالية، لم يكن لديهم أدنى فكرة أنّ هناك نيّة لإزالة السياج الحديدي. عبارة «الى الدالية» كانت كفيلة وحدها بجذب الناس، فلبّوا الدعوة من دون تردّد.
الى الدالية
عندما وصلت المعلومة الى الناس بمغادرة «الزيتونة باي» كان قد وصل الى سياج الدالية نحو 40 شخصاً من مجموعة «جايي التغيير» مجهزين بالمعدات اللازمة من كفوف وقطّاعات لتنفيذ مخطط إزالة السياج. من أمام نقطة شرطة بلدية بيروت التي وُضعت لحماية «الملكية الخاصة»، قطع الناشطون أوّل شريط في السياج. في هذا الوقت كان المزيد من الناس قد وصلوا الى الدالية، ووصلت معهم القوى الأمنية التي انتشرت بكثافة على طول الشارع البحري. بقي عناصر شرطة بلدية بيروت، كما رجال أمن «سوليدير»، عاجزين عن فعل أي شيء، فالسياج ينهار أمام أعين القوى الأمنية. أحدهم همس الى أحد الناشطين قائلاً «برافو عليكن، شيلوه»، وابتعد. استغرق الأمر نصف ساعة فقط حتّى داس الناشطون بغضب السياج من نقطة الموفنبيك وصولاً إلى النقطة المواجهة لصخرة الروشة. لم يكتف البعض بإزالة السياج فقط، فسارع الى اقتلاع عدد من العواميد الحديدية المغروزة في الأرض لإعاقة البلدية عن إعادة تركيب السياج مرة أخرى على حساب دافعي الضرائب كما كانت قد فعلت سابقاً عندما عمدت مجموعة الى إحداث تخريب في السياج ليلاً فانكبّ عناصر شرطة البلدية على ترميمه، علماً بأن شركة خاصة وضعته. عزّز هذا الإنجاز أهدافاً أكبر، يقول سليمان فقيه، أحد المشاركين، «في المشوار الثاني سنزيل العواميد وفي المشوار الثالث سنوقف المشروع نهائياً». تعتبر الدالية حيّزاً عامّاً استولت عليه شركات عقارية، تملّكها في التسعينيات الرئيس الراحل رفيق الحريري، وقرر ورثته إقامة مشروع سياحي ــ تجاري هناك على حساب حقوق اللبنانيين وأملاكهم العامة وذاكرتهم ومساحاتهم المشتركة. يتضمن المشروع الضخم مركزاً تجارياً وفندقاً ومطاعم ومقاهي ومسابح وملاعب مقفلة. وهو سيستحوذ على موقع طبيعي نادر، يشمل صخرة الروشة الشهيرة، ومغاور المنطقة المعروفة. وقد نجحت هذه الشركات العقارية في إيقاف مشروع للدولة على أملاكها العامّة لتأهيل ميناء الصيادين، كذلك نجحت في طرد الصيادين وعدد من الاسر المقيمة هناك، وأقامت سياجاً وأسلاكاً شائكة على الكورنيش البحري لمنع الناس من الوصول الى البحر. حصل ذلك بموافقة بلدية بيروت التي تذرعت بمبدأ قدسية الملكية الخاصة على ما عداها، علماً بأن القانون يمنع التعدي على الملك العام ويمنع إقامة أيّ عوائق أمام البحر وعلى الكورنيش. «فكّوا الشريط الحدودي» صرخ رجل خمسيني، ومجدداً من أمام نقطة شرطة بلدية بيروت، بدأ الناس يدخلون الى ملكهم العام. ساروا بصف طويل بين الأعشاب المرتفعة التي نبتت على مرّ السنوات، الجميع متحمّس للوصول الى البحر. ما إن تجاوزوا الأعشاب حتى بانت صخور الدالية بين «بلوكات» الباطون العملاقة. يشير أحدهم الى البلوكات «هون بدن يعمروا». بعض المشاركين في تحطيم السياج نزلوا للمرة الأولى الى الدالية. لم يزوروها من قبل، لكنّ حماستهم انطلقت من أمر واحد: «هذا البحر لي. هذا حقي في التمتّع بالبحر». الفرح الذي سيطر على الناس عندما وصلوا الى مياه الدالية كان غريباً. أشخاص تعنيهم الدالية وأمضوا فيها طفولتهم وآخرون لم يزوروها من قبل، جميعهم شعروا بأنهم حققوا إنجازاً باسترداد مكان يخصّهم بشكل أو بآخر. «هذا البحر لي»، قالها أحد الشباب وقفز في الماء، ولحقه عدد كبير من الناس الذين نزلوا بثيابهم الى بحرهم.
تنويع الساحات… خدمة للحراك
في خضمّ هذه الأحداث، كانت سجالات معارضة للخطوة تُخاض بين أفراد المجموعات: لماذا «تشتّتون» الأهداف؟ فلنركّز على أزمة النفايات! يقول منظّمو الهجوم على سياج الدالية إن أياً من المجموعات لا تنكر أنّ تراكم النفايات في الشوارع شكّل المحفّز الأساسي للاحتجاجات الجارية، وبالتالي من الطبيعي أن يكون مطلب النفايات هو المطلب الأول، فالنفايات موجودة في الشارع ولا بد من رفعها. لكن من العبث اعتبار أن الاحتجاجات التي تحصل اليوم لم يسبقها شيء، إذ هناك تراكم للاحتجاجات حصل في السنوات الأخيرة من إسقاط النظام الطائفي الى هيئة التنسيق النقابية ومطلبها في سلسلة الرتب والرواتب وتعديل النظام الضريبي، مروراً باحتجاجات جامعة شهدنا بوادرها سابقاً في مجال الكهرباء والمياه والعنف الأسري والزواج المدني وأيضاً ضد السطو على الأملاك العامة البحرية. لذلك عندما نزل الناس الى الشارع نزلوا كي يستكملوا معاركهم التي فتحوها في مراحل مختلفة، وهي مطالب متّفق عليها من قبل الجميع. فالسطو على الأملاك البحرية، مثلاً، هو أمر لا يجاهر أيّ من المجموعات بتأييده. هذا يعني أن هذا الحراك يمكنه حمل هذه المطالب، لأن هناك توافقاً عليها، وبالتالي ما حدث نهار السبت وما سبقه من تحطيم لـ»الباركميتر» هو فتح معركة كانت موجودة أصلاً، وليست معركة جديدة. وعليه، يرى المنظمون أن معركة استرداد الدالية تقارب في حيثياتها أزمة النفايات، ولا يمكن اعتبارها غير آنية. فالسياج وُضع منذ أكثر من عام، وتم تهجير الصيادين وهناك مشروع يُعدّ، أي إنّ الأزمة تحصل الآن، تماماً مثل أزمة النفايات. من هنا، يُطرح سؤال مشروع: لماذا سيكون هناك مانع اليوم من أن تشمل الاحتجاجات ساحات مختلفة؟ فمسألة الدالية لا علاقة لها بالانقسام السياسي الحاصل. هي سطو على الأملاك العامة بإجماع الكل، كذلك لا علاقة لها بتوسيع بوصلة الحراك الى حدّ «إسقاط النظام» و»الفوضى». فالمجموعات التي تطرح فتح ملفات أخرى مثل الكهرباء والأملاك العامة، هي نفسها تشارك بزخم في جميع التحركات المتعلقة بالنفايات، وبالتالي هي تعلن بوضوح أنّ مطلبها الأول هو النفايات لكنه ليس المطلب الوحيد، ما يعني أنّ تعدد الساحات المطلبية لا يؤثر سلباً في المطلب الأول، بل على العكس، يحشد هذا الأمر المزيد من الناس. فكيف إذا كانت قرارات مجلس الوزراء الاخيرة لمعالجة أزمة النفايات تتضمن ردم البحر في برج حمود واستحداث عقارات إضافية للسطو عليها؟ إذا هي ساحة مترابطة.
استبقت السلطة الاحتجاجات المقررة اليوم، واتخذت سلسلة إجراءات أمنية لإغلاق وسط بيروت ومنع الدخول اليه. تهدف هذه الاجراءات الى منع أي تماس بين المحتجين والمشاركين في الحوار الذي ينعقد قبل الظهر في مبنى مجلس النواب بدعوة من الرئيس نبيه بري. وكان الداعون الى الاحتجاجات اليوم قد وضعوا عنواناً لهم، وهو الاعتراض على انعقاد الحوار، بوصفه جواباً خطيراً على مطالبهم، يمعن في ضرب الدولة ومؤسساتها الدستورية
منذ تظاهرة 22 آب الماضي، رفعت المجموعات المشاركة في الاحتجاجات الجارية 4 مطالب رئيسة لها، تمثّل الحد الادنى، وهي: استعادة صلاحيات البلديات في إدارة قطاع النفايات وتحرير أموال البلديات من الصندوق البلدي المستقل، استقالة وزير البيئة محمد المشنوق بسبب فشله في معالجة أزمة النفايات، محاسبة وزير الداخلية نهاد المشنوق وكل من تورط في استخدام العنف ضد المتظاهرين، إجراء الانتخابات النيابية.
وعلى الرغم من المشاركة اللافتة في تظاهرة 29 آب، وتحديد مهلة 72 ساعة لتحقيق المطالب المرفوعة، بقيت أطراف السلطة غير آبهة. لم تُعالج أزمة النفايات بأي شكل، وهي مهددة بالتفاقم أكثر في ظل نفاد القدرة الاستيعابية للاماكن المستخدمة لإيداع هذه النفايات وانتشار المكبات العشوائية، فضلاً عن ظروف الطقس الطارئة التي تزيد الطين بلّة. ولم يستقل وزير البيئة على الرغم من اقتحام الوزارة والاعتصام فيها من قبل «طلعت ريحتكم» وبدء 10 شبان إضراباً عن الطعام أمام الوزارة للضغط على الوزير المشنوق للاستقالة، إلا أن المشنوق لا يزال يرفض ذلك بذريعة عدم الاخلال بتوازنات مجلس الوزراء، وكل ما فعله أنه استقال من اللجنة الوزارية المكلفة بملف النفايات، بمعنى أن الوزير المشنوق اختار عدم الاستقالة ولكنه تخلى عن أهم ملف يندرج ضمن صلاحياته. وكذلك، لا يزال وزير الداخلية خارج أي محاسبة أو مساءلة، واقتصر التحقيق في أعمال العنف والتعذيب والاعتقال التعسفي على إجراءات داخلية في قوى الامن الداخلي ولم يبلغ عتبة القضاء، واقتصرت العقوبات المسلكية الطفيفة على عدد قليل جداً من الضباط والعناصر وبتهم لا تمت بصلة الى التهمة الاساسية، وهي «الافراط في استخدام العنف ضد متظاهرين مدنيين عزل». امّا المطلب الرابع المتعلق بالانتخابات فهو سيكون على طاولة البحث في جلسة الحوار بين رؤساء الكتل النيابية، الذي دعا اليه رئيس مجلس النواب نبيه بري، وهو حوار من خارج مؤسسات الدولة الدستورية ويرفضه المحتجون رفضاً تاماً، باعتباره جواباً خطيراً على مطالبهم يمعن في الاستهتار بهم ولا يخرج عن الممارسات السابقة.
أمام هذه الاجوبة المخيبة، يعود المحتجون الى الشارع اليوم، وبعضهم لم يغادره أصلاً كحملة «بدنا نحاسب» والمجموعات اليسارية، التي نفّذت سلسلة من التحركات في بيروت والمناطق طيلة الايام الماضية. ومن المقرر أن تجري احتجاجات اليوم على مرحلتين، الاولى تبدأ من الساعة العاشرة قبل الظهر بالقرب من ساحة النجمة، حيث سيجري قرع الطناجر والطبول بالتزامن مع عقد الحوار في مبنى مجلس النواب، والمرحلة الثانية تبدأ عند السادسة مساءً تحت مبنى النهار حيث سيحتشد المشاركون للتعبير عن إصرارهم على مواصلة الاحتجاجات في الشارع حتى تنفيذ مطالبهم. هذه الخطّة للاحتجاجات استدعت استنفاراً أمنياً استثنائياً، إذ بدأ نشر عناصر قوى الامن بمؤازرة الجيش اعتباراً من مساء أمس، وتقرر إشقفال وسط بيروت كلياً اعتباراً من السادسة قبل ظهر اليوم، وسيمنع الدخول بصورة تامة عبر المداخل التي تؤدي الى ساحة النجمة ومقر مجلس النواب. هذه الاجراءات ستمتد حتى انتهاء جلسة الحوار، في إيحاء بأنها لا تتعلق بالمرحلة الثانية من الاحتجاجات المقررة عند السادسة مساءً، إلا أن المنظمين يعبّرون عن خشيتهم من أن يكون الهدف هو مضايقة المحتجين واستفزازهم، ولا سيما أن هذه الاجراءات تشمل إقفال طريق تقاطع النهار، LE Grey، وصولاً الى مسجد الامين، شارع ويغان، شارعي الامير بشير والام جيلاس، شارع المصارف، شارعي فوش واللنبي حتى تقاطع اللواء فرنسوا الحاج، تقاطعي باب ادريس وبنك عودة وشارعي عمر الداعوق. أي إنها تشمل جميع الساحات والطرقات والشوارع التي شكلت في الايام الماضية أمكنة التجمّع للمحتجين. منع الدخول الى وسط بيروت سيطال موظفي الادارات العامة والمؤسسات العامة والخاصة، وكذلك وسائل الاعلام التي يمكنها إجراء التغطية المباشرة من خارج البقعة، على أن يستثنى من المنع الشخصيات السياسية والمدعوون الذين بحوزتهم تصاريح خاصة، ووسائل الاعلام المعتمدة داخل مجلس النواب، على أن يتم التنسيق مع الامانة العامة لمجلس النواب. اجتمعت أمس لجنة متابعة الحراك للاتفاق على البيان المفترض تلاوته اليوم، وبتّ عدد من الأمور اللوجيستية والتنظيمية، وتم الاتفاق بشكل مبدئي على أن يتم توجيه «تحيات» للمناطق التي نُفّذت فيها اعتصامات في الأسبوع الفائت، إما من خلال السماح لممثلي هذه المناطق بإلقاء كلمات مقتضبة على المنبر، أو من خلال توجيه المنظمين التحية لكل منطقة من المناطق، على أن تلقى كلمة باسم كافة الحملات عند الساعة السابعة والنصف مساءً. يتخلل هذه الكلمة التأكيد على المطالب الأربعة. وبعد ذلك ستتم دعوة المشاركين الى السير نحو وزارة البيئة في مبنى العازارية لتحية الشبان المضربين عن الطعام. تم الاتفاق على أن يلقي كلمة الحراك ممثل عن حملة إقفال مطمر الناعمة، خاصة بعدما حكي عن محاولات لإعادة فتحه، على أن تتضمن هذه الكلمة، إضافة إلى المطالب الأربعة، اشارة الى أن هذا الحراك هو للبنانيين جميعاً، وسيحمل قضاياهم من سلسلة الرتب والرواتب، الكهرباء والمياه، والتغطية الصحية الشاملة، وغيرها من القضايا المطلبية. إلا أنه سيتم الاتفاق على التفاصيل النهائية خلال هذا النهار. في هذا الوقت، أصدرت لجنة المحامين للدفاع عن المتظاهرين بياناً أشارت فيه الى أنه منذ 3 أيلول 2015، باشر قاضي التحقيق العسكري استجواب الموقوفين خلال المظاهرات السابقة، بعد أن قام مفوض الحكومة لدى القضاء العسكري بالادعاء على أكثر من 25 شخصاً، بينهم 7 قاصرين، بعدة جرائم وأهمها بحسب ما ورد حرفياً: «الاندساس في مظاهرات سلمية وتشكيل مجموعات شغب رشقت القوى الأمنية بالمولوتوف والأدوات الحادة ومعاملتهم بشدة وشتم الإدارات العامة والمس بسمعة المؤسسة العسكرية وتخريب المنشآت العامة والخاصة، وذلك سنداً للمواد 381 و386 و733 من قانون العقوبات والمادة 157 من قانون القضاء العسكري. أدانت اللجنة محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري، ما ينتهك مبدأ التقاضي الطبيعي، وهو القضاء العدلي للمدنيين. فالمحاكمات أمام القضاء العسكري لا تؤمن شروط المحاكمة العادلة، لا سيما لجهة استقلالية القضاة وضمان حق الادعاء الشخصي ومبدأ الوجاهية وتأمين حقوق الدفاع، والحد من التقاضي على درجتين وفقدان التعليل في الأحكام الصادرة عنه. كذلك أدانت اللجنة أيضاً استخدام مفهوم «الاندساس في مظاهرات سلمية» في الادعاء على المتظاهرين، لعدم وروده في أي من القوانين اللبنانية. وتعتبر الادّعاء بحقهم بجرائم شتم الإدارات العامة يمس بحرية بالتعبير. (الاخبار)
أدهم السيد - الاخبار
«..هل نسي البعض أن الفكر ليس في ذاته قوة مادية، بل في صيرورته وعي الجماهير؟ أما الشيوعيون فهم الذين يعلمون أن للنظرية العلمية جسداً هو جسدهم، وأعصاباً هي أعصابهم، وعاطفة هي عاطفتهم، وأنّ لها حياة هي حياة نضالهم، وحباً في عيونهم حتى الشهادة. فليبحث (المتفكرون) عنها في هذه العيون التي ترى، وفي الأيدي التي تحاول التاريخ يومياً، تدكه وتحاوله، تشق فيه درب التحرر...» النظرية في الممارسة السياسية – مهدي عامل.
شهد لبنان مند عام 2010 مجموعة من التحركات الشعبية، كادت أن تتحوّل إلى انتفاضات تهزّ أركان النظام القائم، من حملة «إسقاط النظام الطائفي»، إلى نضالات «هيئة التنسيق النقابية»، وصولاً إلى «الحراك» الشعبي الجاري اليوم. على امتداد هذه الاحتجاجات، وخاصّة خلال عملية تطوّرها الداخلي، دائماً ما كان يبرز سؤال عن دور الحامل الطبيعي لحراكات كهذه، وما تحمله موضوعياً من شعارات؟ ونقصد اليسار عامّة، والحزب «الشيوعي اللبناني» خاصّة. إنّ دور الحزب في هذه الحراكات يمكن فصله (للضرورة) إلى قسمين. فمن جهة هناك دور الشيوعيين كأفراد، ومن جهة ثانية دور الحزب كأداة ثورية. وهنا لا بد من الإشارة إلى الانتقادات استباقاً. إنّ حركة الحزب هي، بالدرجة الأولى، حركة أعضائه عندما يتملكون برنامجه السياسي، وينخرطون في المجتمع من أجل تحقيق أهدافه.
عندما نلقي نظرة سريعة على الحلقات الصغيرة (مركزياً)، والحلقات الواسعة (المناطق) التي تعمل على حشد، وتجييش الناس، حول شعارات الحراك، نجد أن الشيوعيين يوجدون في هذه الحلقات بشكل أساسيّ مؤثّر ومحرّك، وخاصة في الحلقات الواسعة. فهم «الماكينة» الميدانية المحرّكة، والمنظمة التي تملك صلات مع معظم المناطق، وبالتالي فهم صلة الوصل الميدانية، الوحيدة تقريباً، بين المركز والأطراف، والتي عليها يكون معظم العمل اللوجستي اليومي، تحضيراً للتحرّكات. إلا أنهم، بالرغم من الكفاحية العالية التي يتمتعون بها، لا يقدّمون أنفسهم على أنهم حزبيون، وذلك حرصاً منهم على الحراك، خاصّة في ظلّ وجود بعض أصحاب الرؤوس الحامية، ممّن يعانون «فوبيا الأحزاب»، وخاصّة اليسارية منها (وهذا الأمر ليس بجديد). وبالرغم من الاتهامات التي تكال ضدّهم، ومحاولات تشويه دورهم، إلا أنهم يزدادون يوماً بعد يوم اندفاعاً وانخراطاً وتنظيماً. وهنا لا بدّ من التفرقة بين من هم حرصاء فعلاً على الحراك، من غير الحزبيين، والذين يطالبون بعدم فرض أجندة أيّ حزب في الحراك (يتلاقى الشيوعيون مع هؤلاء لأنهم يحرصون مثلهم على إنجاح الحراك والوصول إلى أهدافه المعلنة)، وبين قلّة تستخدم نفس الشعار، وبالمقابل هي تعمل في الخفاء على فرض أجندة مموّلة من جهات مشبوهة، تعود بالنفع الشخصي المباشر على أصحابها، وبالضرر الكبير على الحراك. ومثل هؤلاء (ولضرورات الحصول على التمويل) يتحوّلون إلى نجوم الشاشات، أو «ثوّار التلفار» بسرعة فائقة (طبعاً لا نعني جميع الناطقين الإعلاميين)، وهؤلاء بالذات هم من يصطدم بهم الشيوعيون. هذا الانخراط المؤثر للشيوعيين في الحراك يدفع الحزب إلى التحرّك، والانخراط من خلال برنامجه. هذا الانخراط يجب أن يوفر للشيوعيين أداة تحركهم السياسية، والتنظيمية، أي أن يُسهم، من خلال برنامج حزبهم، في تطوير برنامج الحراك، وتحميله شعارات يمكن من خلالها دفعه نحو تحقيق هدفه النهائي، وهو تغيير النظام. بمعنى آخر، الإضافة التي يمكن أن يوفرها دخول الحزب هي رفع الحراك من مستوى العفوية، إلى مستوى الفعل المنظّم، الذي يؤدي إلى التغيير. هذا الأمر لا يمكن إحداثه إلا إذا كان الحزب نفسه يملك برنامجاً، ورؤيةً توصل إلى هذا الهدف. إنّ برنامج الحزب «الشيوعي اللبناني» هو برنامج لا يصلح لطبيعة المرحلة التي نحن فيها اليوم، فالحزب لا يزال يرفع برنامج ما قبل الحرب اللبنانية، الذي تبنّته «الحركة الوطنية» في ما عرف لاحقاً بالبرنامج المرحلي. إنّ هذا البرنامج، الذي كانت تواكبه ظروف دولية وإقليمية وداخلية مغايرة إلى أبعد الحدود، والذي كان ثمرة نضالات شعبية قادها الشيوعيون وحلفاؤهم، منذ الخمسينيات وحتّى أوائل السبعينيات، وثمرة نقاشات داخلية في الحزب استمرت لسنوات. إنّ هذا البرنامج الذي طرح الثورة الوطنية الديموقراطية، والحكم الوطني الديموقراطي، لا يصلح لظرفنا هذا. وهنا لا ضرورة للكلام عن تغير الظروف، وتراجع اليسار نتيجة أنه الخاسر الأوّل، والوحيد، في الحرب اللبنانية. فإنّ إصرار الحزب على رفع شعار قانون انتخاب يعتمد النسبية، ولبنان دائرة واحدة، وخارج القيد الطائفي مثلاً، كمدخل للتغيير يعني أن التغيير مستحيل اليوم. كان من الممكن تحقيق هذا الشعار عشية الحرب، لأنه كان يجمع حوله تأييداً شعبياً ضخماً، يمكّن الحزب وحلفاءه من فرض هذا المطلب. وبهذا المعنى فقد كان هذا الشعار ثورياً، أي ضرورياً. اليوم لا يمكن تحقيق هذا الشعار، كخطوة مرحلية على غرار السابق، وذلك لأنّه في ظلّ غياب الحاضن الشعبي تصبح إمكانية تحقيق الشعار تمرّ عبر طريق وحيدة، وهي أن يقرّه المجلس النيابي القائم، وبتعبير آخر، أن يأخذ النظام القائم قراراً بتغيير نفسه، فهل هذا ممكن؟ الجواب قطعاً لا. فهذا النظام أنتج من الحروب ما لم ينتجه أيّ نظام آخر من أجل البقاء. إنّ المطلوب اليوم، على مستوى برنامج الحزب، وبالتالي على مستوى أي حراك، هو العودة خطوة إلى الوراء (مع الاحتفاظ بالشعارات الحالية كأهداف استراتيجية... كقانون الانتخاب، وغيره)، أي العمل على بناء الحاضنة الشعبية التي خسرناها، ومن ثمّ الانطلاق بها نحو التغيير الجذري. وهنا لا نتكلم عن عملية قد تحتاج عشرات السنوات، بل على العكس، فالاستمرار بنفس النمط السائد لن يجلب التغيير أبداً. إنّ توجّه الحراك الشعبي مباشرة نحو العاصمة هو مقتل للحراك، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الحزب. فالاستمرار في إقامة النشاطات المركزية (على أهميتها) لن يوسّع قواعد الحزب، ولا حضوره الشعبي («فليس بالطليعة وحدها تحقق الثورة»). إنّ التجربة الأخيرة التي قادتها المناطق اللبنانية، وبشكل رئيسي تجربة بلدة برجا، تدلّ على أنّ العمل في المناطق يهزّ أركان النظام أكثر من العمل المركزي، الذي يتحوّل سريعاً إلى مركز لإحصاء عدد المشاركين. إنّ تجربة برجا، مثلاً، كانت رائدة في مجال حشد كلّ أبناء البلدة (عددهم كبير نسبياً) من كلّ التوجّهات السياسية، في وجه النظام بكل أطرافه، وكانت هموم الناس، وغضبها على النظام، هي الموجّه، وهي سبب صلابة الموقف، والصمود في وجه السلطة، ومن ثمّ تحقيق النصر عليها، من خلال تراجعها عن قرارها. إنّ العودة إلى الناس لن تبدأ إلا من الأطراف، حيث تسهل ترجمة هموم الناس، ويكسر أقوى سلاح يحمله النظام، وهو التحريض الطائفي (في القرى عادة لا مجال لهذا التحريض) ويسهل بالتالي تعبئتهم، وقيادتهم نحو تحريرهم من هذا النظام، كما حصل عندما أسهم الحزب في تحريرهم من الاحتلال الصهيوني. إن من أولى مهمات الحزب اليوم، هي تحديث برنامجه، وكسر التناقض الذي يكبّل الشيوعيين، بين اندفاعهم الثوري من جهة، وعدم تملّكهم لبرنامج ثوري من جهة ثانية. عدم القيام بهذه المهمة يعني تخلّي الحزب عن ضرورة وجوده، إلا أننا على ثقة تامّة بأنّ هذا الحزب يضمّ في صفوفه ثوريين حقيقيين، يتمتعون «بقلب حامٍ، ورأسٍ بارد» يمكّنهم من التغيير في برنامجهم، وبلدهم. * باحث عربي
تنكبّ المجموعات المختلفة على التحضير للتحرك المركزي مساء الأربعاء في وسط بيروت. عشية هذه المحطة، المتزامنة مع عودة طاولة الحوار، بدا واضحاً أن الداعين الى التحرّك يحاولون حشد أكبر عدد ممكن من المشاركين عبر توسيع رقعة التحرّكات اليومية واستهداف المناطق بعيداً عن بيروت. اليوم وغداً، ستُستكمل التحركات الميدانية اليومية، إذ ستُننفّذ اعتصامات أمام مؤسسة الكهرباء وفي ساحة رياض الصلح، وهناك تحضيرات جارية على قدم وساق لتوسيع رقعة استهداف الأملاك العامة المحتلة باعتبارها النموذج الأكثر وقاحة للسطو على حقوق اللبنانيين
إيفا الشوفي - الاخبار
ماذا سيحصل في 9 أيلول؟ ما هو شكل التحرّك؟ وما هي شعاراته ومطالبه؟ وكيف يجري التحضير له؟ بحسب الناشطين في المجموعات المختلفة، الذين اتصلت بهم «الأخبار»، تسير التحضيرات على خطوط ثلاثة. الأول: تكثيف التحركات الميدانية في بيروت والمناطق، والتي بدأت منذ أيام وتُستكمل اليوم وغداً، ولا سيما بدعوة من مجموعة «بدنا نحاسب» للاعتصام مساء الثلاثاء في مؤسسة كهرباء لبنان، وبدعوة من مجموعة «الشعب يريد» لبدء اعتصام مفتوح في ساحة رياض الصلح اعتباراً من مساء الثلاثاء أيضاً، فيما لمّح اتحاد الشباب الديموقراطي الى أنه يحضّر لتحرّك نوعي يستهدف قضية الأملاك العامّة المسلوبة.
أمّا الخطّ الثاني للتحضيرات، فيكمن في زيادة مشاركة أبناء المناطق خارج بيروت لزيادة الحشد في تحرّك 9 أيلول المركزي، وكان عدد التحرّكات المناطقية يوم السبت الماضي لافتاً، إذ نظّمت مجموعات الحراك، ولا سيما مجموعة «بدنا نحاسب» و»اتحاد الشباب الديموقراطي» وقفات احتجاجية في النبطية وصور ومرجعيون وشتورا وبعقلين. وبحسب المعلومات، يجري التحضير لوقفات مشابهة في طرابلس وبعلبك والهرمل وجبيل. الخط الثالث للتحضيرات يتمثل بما سيجري يوم الأربعاء، بالتزامن مع انعقاد طاولة الحوار، إذ يرصد المنظمون المعلومات عن ساعة ومكان الحوار الذي دعا اليه الرئيس نبيه بري، من أجل الدعوة الى تجمّعات في المكان والزمان نفسيهما، لقرع الطبول والطناجر وتحمية الشارع من أجل استقطاب أوسع مشاركة في الاعتصام المقرر عند السادسة مساءً بالقرب من ساحة النجمة «تحت مبنى جريدة النهار»، والذي سيختتم بمسيرة الى وزارة البيئة في مبنى العازارية لتحية المضربين عن الطعام حتى استقالة الوزير محمد المشنوق. هذا من ناحية التحضيرات، أما من ناحية المطالب، فقد بدت جميع المجموعات متفقة على إبقاء خلافاتها جانباً والتوحّد مرحلياً تحت برنامج المطالب الأربعة المرفوعة، إلا أن صيغة التنسيق، التي اتفقت عليها هذه المجموعات في الأسبوع الماضي، واستبعدت حالياً تشكيل إطار تنظيمي موحّد للتنسيق وأقرّت باستقلالية كل مجموعة، ستسمح لكل مجموعة برفع سقف المطالب وفق ما تراه مناسباً، وهذا ما عكسته تصريحات الناشطين في هذه المجموعات. يوضح الأمين العام لاتحاد الشباب الديموقراطي عمر ديب أن التحرّك يوم الأربعاء ليس مقتصراً على الاعتصام مساءً، ويدعو الى المشاركة الكثيفة في التجمعات التي ستحصل نهاراً بالتزامن مع انعقاد الحوار أينما كان مكان الاجتماع. لماذا تم التراجع عن فكرة تنظيم تظاهرة من حرج بيروت الى وسط بيروت؟ يجيب ديب: «لوجستياً، فضّلنا أن نجتمع في مكان واحد، لأن المسيرة تحتاج الى تحضيرات قوية، والموعد المطروح هو منتصف الأسبوع». أول من أمس، أُطلقت الدعوة الرسمية للتحرّك المقرر يوم الأربعاء المقبل. جاءت الدعوة للناس بالنزول الى الشارع عبر ما سمّي «لجنة تنسيق الحراك» وعبر دعوات وجّهتها كل مجموعة من مجموعات الحراك على حدة. اللجنة المذكورة ليست إطاراً تنظيمياً بقدر ما هي إطار رمزي للدلالة على التزام جميع المجموعات بصيغة التنسيق المتفق عليها. بيان اللجنة، الذي تلاه الناشط في مجموعة «طلعت ريحتكم» لوسيان أبو رجيلي، أعاد التأكيد على المطالب الأربعة للحراك وهي «إعادة صلاحية البلديات في معالجة النفايات وفق خطط متوافقة مع المعايير البيئية، تحرير موارد البلديات في الصندوق البلدي المستقل ووزارة الاتصالات، ومنع تحويل أي منطقة الى مزبلة أو مكب للمناطق الأخرى. استقالة وزير البيئة ومحاسبة وزير الداخلية وإطلاق جميع المعتقلين، وإجراء انتخابات نيابية عاجلة». أعاد البيان طرح المبادئ العامة للحراك، والمتمثلة بـ»بناء دولة مدنية ديموقراطية عادلة على ركام نظام المحاصصة والفساد، دولة يكون قضاؤها مستقلاً وتضمن للمواطنين حقوقهم المدنية والاقتصادية والاجتماعية، من أجور وسلسلة رتب ورواتب عادلة وخدمات من كهرباء وماء وصحة وتعليم، دولة تستعيد أملاكها العامة وتعنى بالخير العام».
تلعب حملة «طلعت ريحتكم» دوراً رئيسياً في التحضير لتحرك الأربعاء، يقول الناشط أسعد ذبيان إن الحملة تعمل «عبر الحشد على جبهة الإعلام من خلال المقابلات على وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي». ويضيف إنه «يتم توزيع منشورات ووضع ملصقات في المناطق. الاعتماد الأساسي هذه المرة على الناشطين الذين بادروا الى تنظيم التحركات في المناطق من أجل الحشد. كما ستعقد اجتماعات تنسيقية بين مجموعات عدة خلال هذين اليومين لتوضيح شكل التحرك في 9 أيلول». من جهتها، تتخذ حملة «بدنا نحاسب» من تحرّكاتها الميدانية وسقف مطالبها الأعلى من «طلعت ريحتكم» وسائل أساسية للتحضير لتحرّك الأربعاء، وقد دعت الحملة الى اعتصام عند السادسة من مساء غد الثلاثاء أمام مؤسسة كهرباء لبنان في مار مخايل. وكانت هذه الحملة قد نجحت، الأسبوع الماضي، في الضغط على محافظ بيروت لاتخاذ قرار بتعليق تركيب «البارك ميتر» على الكورنيش البحري، كذلك نجحت في فرض إطلاق سراح ناشطيها المعتقلين بعدما تم توقيفهم من قبل عناصر أمنيين بلباس مدني عندما كانوا يحتجون على تركيب «البارك ميتر» في عين المريسة. يقول الناشط أحمد ضاهر إنّ التركيز ينصب على الحشد من المناطق، حيث كان للحملة أكثر من اعتصام، إضافة الى وسائل التواصل الاجتماعي. ويوضح ضاهر أنّ المطلب المباشر للحملة هو أزمة النفايات وتحرير أموال البلديات، إلا أن هناك هدفاً واضحاً للحملة هو تفكيك بنية النظام وذلك عبر إجراء انتخابات وفق قانون نسبي خارج القيد الطائفي والدائرة الواحدة، فتح ملفات الفساد منذ عام 1992 ومحاسبة المسؤولين عن القمع في جميع التحركات. ويركّز اتحاد الشباب الديموقراطي على الحشد الجماهيري من المناطق أيضاً، ويستعد لرفع شعارات «تناسبنا وتنسجم في الوقت نفسه مع الحملة»، كما عبّر عمر ديب، الذي أوضح أنّ «الاتحاد ملتزم بالسقف العام للحراك الذي يشمل أربعة مطالب، لكن ستتم الإضاءة أيضاً على مشاكل الكهرباء، التغطية الصحية الشاملة، الأملاك العامة… نعمل على تعبئة الناس على عناوين أوسع وليس فقط النفايات، إذ إنّ المناطق فعلياً لا تعاني من أزمة نفايات بقدر بيروت، وبالتالي يجب استقطاب الناس في المناطق عبر لمس مشاكلها وهذا ما نقوم به». يلمّح ديب الى تحرّك قد يحصل اليوم أو غداً يتعلق بالأملاك العامة. مجموعة «الشعب يريد» لن يقتصر حراكها على تظاهرة الأربعاء، بل هي بصدد إعادة تفعيل مشاركة الناس يومياً في ساحة رياض الصلح وفتح حوارات معهم، ودعت المجموعة الى بدء اعتصام مفتوح اعتباراً من يوم الثلاثاء في 8 أيلول، بدءاً من الساعة 6 مساء، في ساحة رياض الصلح، «التي استعدناها على الرغم من القمع الوحشي فصارت ساحة الشعب». وتوضح الناشطة فرح قبيسي أنّ الاعتصام سيستمر حتى اليوم التالي بهدف الحشد لتظاهرة الأربعاء. وقالت قبيسي إن المجموعة «لا تريد أن تترك الساحة خالية من الناس. وسيتخلل اعتصام الثلاثاء نقاشات عامة مع الناس يوضحون فيها لماذا ينزلون الى الشارع، إضافة الى نقاشات عن: السياسة الضريبية، أزمة السكن، الضمان الصحي والحركة النقابية… كذلك سيكون هناك موسيقى وأغانٍ». تؤكد قبيسي أنّ «المجموعة ملتزمة بالمطالب الأربعة للحراك كحد أدنى، لكننا نضيف عليها في الوقت الحالي استقالة وزير الداخلية وتحديد القانون الانتخابي الذي نريده والذي يتمثل بالنسبية، خارج القيد الطائفي والدائرة الواحدة، وستترجم هذه الأمور في الشعارات التي سنرفعها». من جهته، يعلن الناشط في مجموعة «حلّوا عنا» إبراهيم دسوقي أنّ «عمل المجموعة حالياً يتركّز على كيفية إنجاح تظاهرة الأربعاء، وذلك عبر تأمين أكبر حشد، وهو ما نقوم به عبر دعوة الناس الى أن يكونوا في الشارع منذ ساعات الصباح وعدم الانتظار حتى الساعة السادسة». يقول دسوقي «نحن جزء من هذا الحراك وملتزمون بسقف المطالب الأربعة التي حدّدت. شهدنا سابقاً على نتائج طاولة الحوار التي تعتبر تعدّياً على مؤسسات الدولة، إذ يجتمع أرباب السلطة ليقرروا مصير البلد خارج أي إطار مؤسساتي دستوري». أمّا مجموعة «شباب ضد النظام»، التي تعتبر جزءاً من حملة «بدنا نحاسب»، فتعمل حالياً على تفعيل «ماكينتها الإعلامية» وفق الناشط علي دغمان. يقول دغمان إنّ «ناشطي الحملة في المناطق مثل صور ومرجعيون والهرمل يقومون بتوزيع مناشير للدعوة الى تظاهرة الأربعاء، ويحاولون أيضاً في هذه المناطق والقرى المحيطة بها أن يدعوا في الأحياء والشوارع عبر مكبرات الصوت. كذلك تستعد المجموعة للصق بوسترات غداً في منطقة الضاحية الجنوبية لبيروت، وخاصة أن ثقل هذه المجموعة هو في بيروت الكبرى». يوضح دغمان أنّ مجموعة «شباب ضد النظام ستحمل عدداً من المطالب في تظاهرة 9 أيلول، وهي مطالب أساسية تتعلق بالكهرباء والمياه والتغطية الصحية الشاملة ودعم الجامعة اللبنانية، وصولاً الى إجراء انتخابات نيابية مبكرة وفق قانون نسبي (لبنان دائرة واحدة) خارج القيد الطائفي. من جهته، يسعى «النادي العلماني في الجامعة الأميركية في بيروت» الى التواصل مع الطلاب، وخصوصاً الذين لبّوا الدعوة وشاركوا في تحرك 29 آب. لكنّ هناك عائقاً يواجه النادي، إذ يعلن رئيس النادي عباس سعد أنّ «النوادي الطلابية تجد صعوبة في التواصل مع الطلاب داخل الجامعات، وخاصة أن العام الدراسي لم يبدأ في العديد منها». لا يعطي سعد أجوبة حاسمة حول الطريقة التي سيتم بها التحضير لتحرك 9 أيلول. أمّا عن المطالب التي سيحملونها كنادٍ، فيقول إنهم حالياً يطالبون باستقالة المشنوقين، وإجراء انتخابات نيابية مبكرة، واسترداد أموال البلديات وإعطاؤها كامل الصلاحيات لتدير هي ملف النفايات. أمّا على الصعيد المناطقي، فقد تكثّفت خلال اليومين الماضيين التحركات من قبل مختلف المجموعات وتعدّت المطالب ما كرّرته المجموعات في بيروت، إذ أتت المطالب محدّدة أكثر وتعكس واقع البلدات البعيدة عن «المركز». للمرة الأولى، شاركت مرجعيون ميدانياً بالتحركات الشعبية. في ساحة جديدة مرجعيون، تجمع العشرات من أبناء قرى مرجعيون وحاصبيا بدعوة من مجموعات عدّة في «تحرك 29 آب» وساروا من الساحة باتجاه مبنى السرايا. حدّد الناس في مرجعيون مطالبهم بـ»إقرار ضمان الشيخوخة وإنشاء جامعة وتعزيز المستشفيات الحكومية وفتح مستشفى شبعا وتوفير المياه والكهرباء ودعم المدرسة الرسمية والإفراج عن أموال البلديات واعتماد قانون انتخابي نسبي والقضاء على تلوث نهري الحاصباني والليطاني، وتأمين فرص عمل للمقيمين للحد من الهجرة والنزوح». كما دعا المعتصمون الأهالي الى «ضرورة المشاركة في الاعتصامات المركزية ضد الفساد، والعمل على دعم هذه النشاطات وتنظيمها بشكل مسبق». أمّا في صور، فقد نُفذت تحرّكات عدّة، أبرزها أمس بدعوة من مجموعة «بدنا نحاسب»، وقد رُفعت في الاعتصام مطالب اجتماعية وخدمية عدّة، وتخلله صرخات ضد انقطاع المياه والكهرباء. كذلك أقيم تجمّع عند دوار أبو ديب بدعوة من حملة «لهون وبس»، رافعين شعار «خبز، علم، حرية وعدالة اجتماعية». وفي النبطية، كانت باحة سرايا المدينة في الشارع الرئيسي محطة للتحرّك ضد الفساد، هذه الباحة ألفت وجوه المعتصمين الذين ازداد عددهم في اعتصام السبت الفائت، بمشاركة العديد من الأندية والجمعيات في المنطقة. العشرات تجمعوا بدعوة من لجنة المتابعة، مرددين: «ثورة ثورة». ورفعوا لافتات كتبوا عليها: «مدينة فتى الكهرباء بلا كهرباء»، «أهكذا يكافاً مجتمع المقاومة؟» و»الآبار عندنا، والنبطية عطشى». كذلك، كان للاعتصام في شتورا وقع مميز. ولبى عدد من الشباب دعوة مجموعات تحرك « 29 آب» إلى اعتصام عند دوار بعقلين ــ بيت الدين، حيث طالبوا بدولة مدنية ديموقراطية، وبقانون انتخاب نسبي ولبنان دائرة واحدة. بالإضافة إلى التطرق إلى موضوع: الكهرباء، المياه، ضمان الشيخوخة، التغطية الصحية الشاملة، استقلال القضاء، دعم التعليم الرسمي وبتّ ملف الرواتب والأجور بطريقة تضمن حياة كريمة للمواطنين. بمشاركة: آمال خليل، داني الأمين وأسامة القادري
هديل فرفور - الاخبار
"نمهل السلطة اللبنانية 72 ساعة لتحقيق المطالب التالية قبل إعلان خياراتنا التصعيدية: استقالة وزير البيئة محمد المشنوق، محاسبة وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق وكل من اصدر الاوامر باطلاق النار، حل بيئي مستدام لملف النفايات يتضمن تحرير أموال بلديات من الصندوق البلدي المستقل وإجراء انتخابات نيابية جديدة". هذا ما ورد في الخطاب المشترك الذي أعدته مكونات حراك 22 آب، والذي أُعلن خلال تظاهرة أول من أمس.
غدا، تنتهي المهلة المحددة لتنفيذ المطالب، فيما تفيد المعطيات ان السلطة السياسية ليست بوارد تنفيذ أيّ منها بسرعة. في الواقع، ان القيمين على الحراك لا يعوّلون، ضمنيا، على تجاوب السلطة حاليا. "هو بمثابة امتحان للطبقة الحاكمة"، يقول المدير التنفيذي لـ "المفكرة القانونية" المحامي نزار صاغية، لافتا الى الكثير من "الوسائل المشروعة والمتاحة امامنا لمتابعة خطوات التحرّك". ينطلق صاغية من مبدأ تحديد هذه المطالب ليرسي فكرة ان الحراك يتجه ليكون ذا عمق وبعد واضحين، "فالحراك الذي استطاع ان يستقطب بشكله الاولي هذا العدد، عليه ان يستفيد من الغضب الشعبي الحاصل، ليستمر ويحقق الاهداف المرجوة"، فيما يقول الأمين العام لـ "اتحاد الشباب الديموقراطي" عمر ديب ان تحديد المطالب يعني "إعطاء فرصة للدولة لتتجاوب معنا، كما يعني اننا نعتمد استراتيجية للتصعيد تدريجيا". ثمة توجّس سائد من تحديد اهداف الحراك واختصارها بمطالب محددة، كحصرها بازمة النفايات وتورط القوى الامنية بقمع المتظاهرين فقط، وهو ما قد يكون محبطا لدى الكثير ممن طالبوا بتوسيع اهداف الحراك نحو ثورة على النظام بأكمله. يدحض ديب هذه الهواجس ويقول "ان السقف السياسي لن يتوقف عند ازمة النفايات، الكثير من الملفات الحياتية مطروحة في نقاشات اللجنة المشتركة: ازمة الكهرباء، سلسلة الرتب والرواتب، التغطية الصحية الشاملة"، لافتا الى "تطور الحراك شكلا ومضمونا"، ومشيرا الى "البحث في اشكال مختلفة للخطوات التصعيدية". ترفض مكونات الحراك إعلان طبيعة التصعيد الذي سيترجم عند انتهاء المهلة، وسبق للوزير الأسبق شربل نحاس أن أصرّ على أنه "لن يُعلن شكل التصعيد قبل انتهاء مدة الـ 72 ساعة". تقول بعض مكونات الحراك ان "التظاهر ليس الشكل الاوحد للاحتجاج"، دون ان تستبعد امكانية انتشار هذه التظاهرات ونقلها الى مختلف المناطق، سعيا الى "الضغط على القواعد الشعبية التي يعول عليها زعماء الاحزاب الطائفية". منذ يومين، أعلن وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق ان نتائج التحقيق القضائي في قضية استخدام القوة المفرطة لقمع المتظاهرين ستكون جاهزة الاربعاء، وأنه "سوف تُعلن نتائجه، وستجري محاسبة كل مسؤول ايا كان عن الاستخدام المفرط للقوة الذي حصل ليلة السبت الماضي". هل يمثّل هذا الامر تحقيقا لمطلب "محاسبة من اطلق النار على المتظاهرين"؟ يقول صاغية "فلننتظر نتائج هذا التحقيق "وعلى ضوئه سنعلن الموقف المناسب"، لافتا الى "أن الروايات الرسمية والتلاعب بالتحقيقات لن تقنع هذه التحرّكات".
فاتن الحاج - الاخبار
«التحرك الشعبي وجد هويته بعد أسبوع من الجهد المشترك لقيادته المكونة من شخصيات تمتلك خبرات في أكثر من اتجاه»، هذا ما يراه رئيس التيار النقابي المستقل النقابي حنا غريب. يقول إنّ الشباب الذين يمثلون الجسم الأساسي في التحرك استطاعوا أن يحققوا قفزة إيجابية، إذ استوعبوا أولاً هجوم السلطة السياسية ونظموا صفوفهم، ليدحضوا كل الكلام المتعلق بتبعيتهم للسفارات أو الأحزاب السياسية حين أعلنوا المبادئ، وفي طليعتها بناء دولة مدنية ديموقراطية تؤمن الحقوق الاجتماعية للناس ولا سيما الكهرباء والمياه وتحسين الرواتب والأجور وتأمين التغطية الصحية الشاملة وغيرها، «فكان ذلك بمثابة رد سياسي على كل القوى التي تهجمت على التحرك».
إلى ذلك، فإن نقل مكان التظاهرة إلى ساحة الشهداء نجح، بحسب غريب، في رفع الغطاء والمسؤولية عن مشاركين سمّوا «مندسّين» وتم تفادي تشويه صورة التحرك. الجانب الثالث الذي يعوّل عليه غريب هو أن العدد الذي جمعته التظاهرة لم يحضر بناءً على دعوة حزبية أو بعصب طائفي أو مذهبي. ويؤكد أن المشاركة الكثيفة للشباب تشكل المناعة للتحرك وتؤسس لحالة نوعية جديدة، وهمومهم يجب أن تندرج في عناوين التحرك، ولا سيما في ما يخص فرص التعليم والعمل.
غريب يستبعد أن تحمل الساعات الـ 72 المقبلة خطوات جدية، بدليل «الثرثرة» والتصريحات التي تميّع المطالب، كأن تضغط قوى السلطة باتجاه الابتعاد عن التعميم وتسمية الفاسدين، في وقت يشارك فيه الجميع في نظام المحاصصة. «السلطة مجتمعة مسؤولة»، يقول، وإلا كيف نفسّر الكلام عن الشراكة؟ «هناك رؤوس وهناك شركاء في الفساد»، يجيب. لا طائل من «التقنيص» على التحرك يؤكد غريب، داعياً المسؤولين إلى «تحويل أموال الصندوق البلدي المستقل فوراً، فهذا لا يحتاج إلى وقت ولا إلى آلية، فكما أعطوا الإفادات في 24 ساعة يستطيعون أن يفعلوا ذلك خلال هذا الوقت، كذلك ليس من الصعوبة بمكان محاسبة كل من أمر بإطلاق الرصاص على المتظاهرين السلميين ومن نفذه». بعد انتهاء المهلة، سيبدأ، بحسب غريب، نقاش آخر يتعلق بتوسيع قواعد المشاركة بشكل أفقي، «وهذا يتطلب أن تنخرط كل جهة أو هيئة في التحرك من موقعها كأن يسلم ملف البلديات لأهالي القرى، ومن كانوا في المعارضة البلدية أن يتحركوا لتأسيس «تيار بلدي مستقل» يفتح معركة دور رئيس البلدية وصلاحياته ومحاصرة رؤساء البلديات في كل قرية وتحميلهم مسؤولياتهم في ما يخص الملفات الحياتية المطروحة، ولا سيما النفايات». وفي باب آخر، يُنتظر من التحرك، كما يقول، أن يسلّم ملف الرواتب والأجور للنقابات العمالية والروابط التعليمية. ويتوقع غريب أن يقود التحرك إلى مؤتمر نقابي أهلي مدني من القوى التي انخرطت فيه يراكم لإعادة إنتاج السلطة.