يصرّ اتحاد نقابات الأفران والمخابز على إيجاد منفذ ما إلى «لقمة الفقير»، فيتحيّنون كل فرصة لرفع سعر ربطة الخبز تحت طائلة التهديد. هذه المرة، بدّل «الكارتيل» استراتيجيته. فبدل قطع الخبز من السوق بشكل عام، قرر حصر بيعه بصالات الأفران، أي «البزنس» الخاص به، متذرعاً بكلفة النقل
لا يتوقّف عمل المافيا خلال الأزمات، بل تستغل انهيار الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لفرض شروطها عبر استغلال أوجاع الناس. هكذا، قرر اتحاد نقابات المخابز والأفران في لبنان، عقب عدم تلبية وزير الاقتصاد راوول نعمة مطلبه زيادة سعر ربطة الخبر، التوقف عن توزيع الخبز الى المناطق اللبنانية كافة والإبقاء على بيعه في صالات الأفران دون سواها، اعتباراً من صباح الاثنين المقبل. ما يعني أن الخبز لن يكون متوفراً في الدكاكين والسوبرماركت، بل في الفرن حصراً. فيما المناطق النائية والبعيدة، سيضطر سكانها الى تكبّد عناء مسافة طويلة لبلوغ فرن ما، بغية تأمين خبزهم. بالطبع، لا يتعلق الأمر هنا بخسارة يتكبدها أصحاب الأفران، ولا حتى هم مضطرون إلى بيع ربطة الخبز «الأبيض» حصراً بسعر التكلفة. فهم يملكون هامشاً من الربح يصل الى حدود 22%. وهي ليست المرة الأولى التي يتشاطر فيها الاتحاد لرفع سعر ربطة الخبز الى أكثر من 1500 ليرة لبنانية لوزن 1000 غرام عبر ابتداع مصاريف إضافية أو الغشّ في تقديم سعر التكلفة الحقيقي، حتى يتسنى لأصحاب الأفران مضاعفة الأرباح. ويتركز جشع هذه المافيا على لقمة الفقير الذي لا يملك ترف شراء إلا «الخبز الأبيض»، فيكون هذا الرغيف في بعض الأوقات بمثابة وجبة كاملة. أما باقي أصناف الخبز المتنوعة من «أسمر» وشوفان وغيره، فلا سعر رسمياً لها ويجني الفرن منها أرباحاً كبيرة، علماً بأن الأسعار لا تتأثر بارتفاع سعر صرف الدولار إلا بنسبة ضئيلة وذلك لأن استيراد الطحين يسدده مصرف لبنان بنسبة 85% وفق سعر الصرف الرسمي، فيما يتكفل التجار بتسديد المبلغ المتبقي بالدولار أي الـ 15%. فيما تراجع أسعار المحروقات بنسبة كبيرة واستقرار فاتورة الكهرباء، كان من المفترض أن يسدّا ارتفاع سعر الدولار وأن يؤمنا ربحاً إضافياً فوق الربح الأساسي. إذ ثبت لوزارة الاقتصاد، بعد تفنيد تكلفة الإنتاج واحتسابها الـ 15% التي يدفعها المستوردون بحسب سعر صرف يوازي 3100 ليرة لبنانية للدولار الواحد، أن مجموع كلفة ربطة الخبز الواحدة هو 1093.53 ليرة لبنانية. يضاف إليها كلفة صالة العرض أي الأفران (بنسبة 12%) فتصبح 1224.75 ليرة لبنانية. ما يعني أن ربح صاحب الفرن يبلغ 275 ليرة لبنانية على الربطة الواحدة، أي ما يعادل نسبة 22%. أما إذا تم توزيعها إلى الخارج، فتبلغ كلفة النقل والتوزيع 125 ليرة، ويبقى هامش ربح السوبرماركت أو الدكان 150 ليرة، أي ما يفوق نسبة الـ 10%. فيما ربح الفرن في هذه الحالة 131 ليرة. وقد تبين وفق الجدول الذي أعدّته الوزارة أن هامش الربح في بيع الجملة والتوزيع 12% وهامش الربح في البيع داخل الفرن 22%. وتجدر الإشارة الى أن هامش الربح يتغاضى عن أساليب «الاحتيال» التي تلعبها الأفران، فتعمد الى عدم الالتزام بوزن 1000 غرام بشكل دقيق. رغم ذلك، يريد الاتحاد تكديس الأرباح الإضافية على حساب الفقراء، وفي الظرف الاستثنائي الذي يلزم فيه معظم المياومين والعمال منازلهم، ومنهم من لم يتقاض راتبه منذ شهر ونصف شهر ،أو فقد عمله بشكل كامل.
يقول وزير الاقتصاد راوول نعمة في حديثه الى «الأخبار» إنه «فور انتهائنا من الدراسة الكاملة، تمكّنا من مناقضة كلام اتحاد نقابة الأفران والمخابز عبر الإثبات لهم أن سعر 1500 ليرة لبنانية لربطة الخبز الأبيض وبوزن 1000 غرام تربحهم ولا تخسرهم كما يقولون. عندها طلبوا منا تحديد سعر الجملة لبيع ربطة الخبز بألا يقل عن 1200 ليرة، فاعتذرت منهم من منطلق السماح للمنافسة من خفض السعر». ولأن الاتحاد غير حريص سوى على مصلحته، طلب من نعمة أن يسمح له ببيع ربطة الخبز داخل الأفران بالسعر الرسمي أي 1500 وخارجها بسعر 1750 ليرة! وخيّر الوزير بين القبول بهذا العرض أو الامتناع عن بيع الخبز لمحال المواد الغذائية. قبيل ذلك، «قدم الاتحاد أرقاماً للوزارة غير دقيقة، سواء بالنسبة إلى سعر كيلو النايلون أو كمية الطحين، لكن تمكّنّا من اكتشاف هذا التلاعب بالأرقام»%
من جانبه، يؤكد نائب رئيس اتحاد نقابة الأفران والمخابز علي ابراهيم عدم الاتفاق مع الوزير على سعر الكلفة: «في شي اسمه نقل، والدولار ما عارفين لوين واصل. ليس الأمر جشعاً ولا طمعاً، لكن نحن أيضاً لدينا مؤسسات نريد تأمين استمراريتها والمحافظة في الوقت نفسه على جودة الخبز». ويشير ابراهيم الى أن البعض يريد أن «ينصّب نفسه بطلاً على ظهر ربطة الخبز. لقد أنجزنا دراستنا التي كشفت خسارتنا عند التوزيع. يريدون منا أن ندفع من جيبنا لنوزع؟ ما عاد بدنا نوزع». ثمة من يؤكد هنا أن الربح مضمون لأصحاب الأفران حتى لو باعوا ربطة الخبز الأبيض بسعر الكلفة وتكفلوا بالنقل من مبدأ التكافل الاجتماعي اليوم، ومن منطلق أنهم كدسوا الثروات من وراء «بزنس» الخبز. على أن الربح الطائل الذي يحققه هؤلاء هو في السلع الأخرى التي يبيعونها على شكل أنواع مختلفة من الخبز وهي في الغالب غير مطابقة لاسمها. لا همّ، يتمسك نائب رئيس الاتحاد بموقفه: «طلبنا من الوزير وضع كلفة مختلفة للربطة التي نوصلها للمحال، فرفض أن يضع سعرين مختلفين للربطة». وهنا ينفعل ابراهيم لرفض مطلبه زيادة 200 ليرة على سعر الربطة: «بدكن تخربوا بيوت العالم! البلد منهار والدولار فلتان... 200 ليرة بدا تخرب البلد يعني!». طبعاً في عالم الملايين الذي ينتمي اليه أصحاب الأفران الكبرى، لن يشعروا بغلاء الربطة اذا ما أصبح سعرها 1750 ليرة، علماً بأن هذه الـ 200 التي ستضاف فوق الربح الأصلي ستضاعف ملايينهم نظراً إلى الكمية الكبيرة التي تبيعها الأفران يومياً. لكن في ميزان المستهلك الفقير الذي يقبض أجرة ساعة عمله بالليرة، رفع سعر ربطة الخبز هو عبء إضافي فوق الأعباء والأزمات الاقتصادية والاجتماعية والمالية التي يعيشها. لكن مهلاً، نائب رئيس الاتحاد يطمئنكم إلى أنه لن يقطع الخبز عنكم: «الخبز مؤمن ولن ينقطع، إلا أننا لن نعمد الى توزيعه وسيكون متوفراً في صالات الأفران حصراً».