وسيم ابراهيم - السفير
عيون أوروبا كلها كانت مثبتة على السياسي الشاب أليكسيس تسيبراس، بعدما قاد حزبه «سيريزا» إلى فوز فاق التوقعات في الانتخابات اليونانية أمس الأول. القارة شاهدته وهو يخاطب الشعب اليوناني الذي سلّحه بتفويض واضح، ليعد بإنهاء «خمس سنوات من الإذلال والألم» سببتها سياسات التقشف. بلدان تعاني من تبعات الأزمة عاشت انتخابات اليونان كما لو أنها حدث محلي، على رأسها إسبانيا التي تشهد صعود حزب شقيق لـ «سيريزا» يعد مدريد أيضًا بالتغيير. هناك يرددون أحد شعارات حملته الأساسية: «تغيير اليونان، تغيير أوروبا». لذلك، كان صُنَّاع القرار الأوروبي في بروكسل يراقبون تسيبراس بفضول وقلق، بينما يعبر ردهات القصر الرئاسي ليُعَيَّنَ رئيسًا جديدًا للوزراء. حضر حريصًا على عدم تغيير عاداته: بدلة رسمية من دون ربطة عنق، مع بضعة أعضاء في حزبه يلتزمون بهذا التقليد. أرادوا أن يكرسوا ما قالوه عن أنهم آتون للعمل، وأنهم جاؤوا شكلًا ومضمونًا من خارج الطبقة السياسية التقليدية التي حكمت اليونان لعقود. أظهرت النتائج فوزًا كبيرًا لحزب «سيريزا» (تكتل اليسار الراديكالي)، مع 36.3 في المئة من الأصوات، أعطته 149 مقعدًا في برلمان يضم 300 عضو. الفارق كان معتبرًا مع حزب «الديموقراطية الجديدة»، الذي شكل الحكومة مؤيدًا لشروط الإنقاذ المالي، إذ حصل على 27.8 في المئة من الأصوات أعطته 76 مقعدًا. العار المتمثل بحزب «الفجر الذهبي» (النازيون الجدد) بقي ملتصقًا باليونان، فالغاضبون اليمينيون مَكَّنوه من تحصيل 17 مقعدًا، فاحتفل بذلك زعماؤه من زنزاناتهم وهم ينتظرون محاكمتهم بتهمة تشكيل «عصابة إجرامية». «الحزب الشيوعي» حقق تقدمًا، فدخل البرلمان مع 15 نائبًا. كان «سيريزا» بحاجة إلى مقعدين آخرين فقط، ليحكم اليونان وحده. لذلك كان الخيار السياسي لقيادته الذهاب إلى التحالف مع حزب صغير من اليمين الوسطي، يتفق معه على أولوية رفض التقشف وشروط الإنقاذ ويختلف معه على قضايا أخرى. هكذا تحالف تسيبراس مع يانوس كامينوس، زعيم حزب «اليونانيون المستقلون» الذي فاز بـ13 مقعدًا. هذا التحالف سيمكن «سيريزا» من موقف تفاوضي قوي مع بروكسل وبرلين، من دون أن يعطي للحزب الصغير قدرة تأثير جوهري في السياسات الأخرى. كانت ليلة من الأرق بالنسبة إلى المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل. مهرجانات الاحتفال بالنصر في شوارع أثينا، حملت شعارات العداء لسياسات برلين، فهناك ينظر إليها كمهندسة لـ «كارثة إنسانية» تتجلى في بطالة تفوق 25 في المئة، وتتجاوز 50 في المئة بالنسبة للشباب. الكابوس بات أمرًا واقعًا بالنسبة إلى حكومة ميركل، فالحزب اليوناني فاز واعدًا بتحقيق أمرَين: رفض الالتزامات التي قطعتها الحكومة السابقة كشروط للانقاذ، ما يعني إلغاء التقشف، والدعوة إلى إقامة «مؤتمر أوروبي للدَّيْن» بهدف شطب نصف الدَّيْن الخارجي الهائل لليونان. زعيم «اليسار الراديكالي» كرّس بعد الفوز هذه الأولويات، قائلًا إن «قرار الشعب اليوناني يُنهي، من دون أدنى شك، دائرة التقشف المفرغة في بلدنا». صور تسيبراس رافعًا قبضة النصر تصدرت الصحف الأوروبية. عكست الصحف الألمانية خيبة أمل ساسة برلين، مع عناوين مرتابة. صحيفة «بيلد» الشعبية، عنونت على صفحتها الأولى: «اليونان انتخبت وحش اليورو». لكن حكومة ميركل تجنبت التصريحات الصدامية، مع تأكيد على خط أحمر بأنها لن تقبل شطب ديون اليونان، وهي التي تملك قسمًا معتبرًا منها. هذا النقاش خيم على اجتماع وزراء مالية منطقة اليورو أمس في بروكسل. وزير مالية ألمانيا وولفغانغ شوبل، الذي يُعَدُّ العقل المدبر لخطط الإنقاذ وشروطها، قال بإصرار رافضًا أي تفاوض حول الاتفاقات السابقة: «لا أحد يفرض أي شيء على اليونان، التعهدات تبقى سارية المفعول». لكن الخط الأحمر لبرلين كان بمثابة كلمات سحرية تم تعميمها على صانعي القرار الذين يقعون في دائرة نفوذها المباشر. هكذا أكد رئيس منطقة اليورو يارون دايسلبلوم: «لا أعتقد أن هنالك الكثير من الدعم» لفكرة شطب الديون، مهددًا بأنه «إذا أردت أن تبقى في منطقة اليورو، فعليك احترام الالتزامات التي تم التعهد بها». قضية شطب الدين تمثل مسألة بالغة الحساسية لبرلين، ولمجمل حكومات اليورو التي تملك 60 في المئة من ديون اليونان المقدرة بحوالي 319 مليار يورو. صندوق النقد الدولي والمصرف المركزي الأوروبي يملكان 16 في المئة من هذه الديون، ويؤكدان أنه «من المستحيل، من الناحية القانونية»، أن يشطبا أي جزء من حصتهم. لذلك سربت برلين، للضغط على «سيريزا»، أن احتمال خروج اليونان من اليورو لا يزال واردًا، على اعتبار أن التكتل المالي قام بإصلاحات تمكنه من تحمل ذلك. من جهتهم، يرد الفائزون بأنهم يريدون البقاء في اليورو، وأن إخراج اليونان سيعني انهيارًا لكامل تكتل العملة الموحدة. لكن قيادة «سيريزا» تقول إنه «من المستحيل» تسديد الدين وضخ استثمارات يحتاجها الاقتصاد للتعافي، بعدما بلغت نسبة الديون 175 في المئة من الناتج الإجمالي. هذه الخلاصة يؤكدها كوستاس كرسوغونس، النائب الأوروبي عن «سيريزا»، العائد لتوه من احتفالات النصر في أثينا. يقول كرسوغونس في حديث إلى «السفير» إن «على النخبة الأوروبية احترام الديموقراطية وإرادة الشعب اليوناني، ولا يمكنها مطالبتنا بتسديد هذا الجبل من الديون الذي وضعوه على أكتافنا، فذلك سيجعل نمو الاقتصاد أمرًا مستحيلًا». قضية «الالتزامات» التي يكررها الدائنون لا تعنيهم، كما يردد بلهجة منفعلة أن «الحكومات السابقة تَبَنَّت أشياء من المستحيل إنجازها، لذا، علينا التفاوض من جديد حول كل شيء». المسألة الأكثر ضغطًا على برلين هي سياسية صرفة، تجعلها مع بروكسل بين فكي حسابات انتخابية محلية وأوروبية. الذهاب إلى الصدام مع «سيريزا»، وترك الخلافات تنفجر، سيقوي جبهة معارضي القرار الأوروبي المركزي، من اليسار واليمين، في فرنسا وإيطاليا وإسبانيا وغيرها. وتأكيدًا على ذلك، تصرف زعيم حزب «بوديموس» بابلو إيغليسياس أمس، كما لو أنه صاحب النصر. حزبه لم يَمْضِ عامٌ على تشكيله، وصعد من قلب الاحتجاجات الشعبية ليتصدر الآن استطلاعات الرأي، في بلد يشهد أيضًا مشكلة بطالة قياسية. قال إيغليسياس معلقًا على النتائج بلهجة خصام مستحكمة: «أخيرًا سيكون لدى اليونانيين حكومة يونانية، لا مندوبٌ عن أنجيلا ميركل».
اتّحاد الشباب الديمقراطي اللبناني1. أحزاب السلطة تتآمر علی رابطة التعليم الثانوي وحنا غريب يقود النقابيين ب 43% من الاصوات2. حزب سيريزا اليساري يفوز بانتخابات اليونان3. السعودية مملكة عاجزة تحكمها العائلة الواحدة"هيئة التنسيق النقابيّة" هي باختصار الهيئة النقابيّة التي تمثّل أغلبيّة الطبقة العاملة في لبنان بمختلف تنوّعهم الطائفي والمناطقي، وهي الهيئة التي استطاعت بكلّ مكوّناتها على مدى أكثر من أربع سنوات أن تناضل على شكل وحدة نقابيّة مستقلّة عن القرار السياسي الطائفي في سبيل استعادة حقوق المواطن المسلوبة من قبل الطبقة الحاكمة.استطاعت هذه الهيئة بحراكاتها الجماهيريّة الضخمة التي شارك فيها عشرات الآلاف من المتضرّرين أن تشكّل عبأً كبيراً على الممسكين بالقرار وذوي النفوذ في السلطة السياسيّة (النظام اللبناني الطائفي) والماليّة (جمعيّة التجّار والمصارف وغيرها...)، حيث بيّنت حقيقة الصراع على أنّه معركة مستمرّة بين فاحشي الثراء الذين يمسكون بالسلطة والفقراء الذين لا يحصلون على الحد الأدنى من الحقوق وظهّرت خضوع وخنوع هذه الطبقة الحاكمة للمتنفّذين في السوق الماليّة والحياة المصرفيّة والتجاريّة والخدماتيّة.وهنا في رأينا وقع الحد، حيث قرّر العقل البرجوازي المافيوي أن يمارس الإرهاب السياسي والإجتماعي على "هيئة التنسيق النقابيّة" ، فتدافع ممثّلو الطوائف إلى تخوين خطاب الهيئة وتظهيره على أّنّه يشكّل عبأً على الإقتصاد الوطني وبأنّه سيؤدّي بالفقراء إلى الحضيض، وعمدوا إلى تعبئة الأهالي والطلّاب مطالبين إيّاهم بالوقوف في وجه الهيئة باعتبارها غير آبهة لمستقبل أبنائهم، واصدر وزير التربية قرار غير تربوي يقضي بمنح إفادات نجاح لكلّ الطلّاب، بعدما كانت قد اتّخذت "هيئة التنسيق النقابيّة" قرار الإمتناع عن التصحيح لانتزاع حقّها المسلوب، وكان آخرها ما شهدناه بالأمس، في معركة "رابطة أساتذة التعليم الثانوي" حيث تظافرت جهود الأحزاب الطائفيّة لتشكيل تحالف جديد يتصدّى للمطالبين بالحق، فاجتمعت الذئاب في وجه الرمز النقابي الصادق المناضل حنّا غريب، نظراً للدور الطليعي الذي شكّله وجوده في قيادة "هيئة التنسيق النقابيّة" ومجموع الأساتذة المستقلّين الذين لم يتخلّوا عن قناعاتهم الراسخة التي تعتير أن الحق في العيش الكريم فوق كلّ الإعتبارات الضيّقة. حازت لائحة تحالف كل قوی السلطة بأجنحتها المتنوعة علی 57% من أصوات مندوبي رابطة التعليم الثانوي فيما نالت اللائحة المدعومة من النقابيين المستقلين والحزب الشيوعي اللبناني برئاسة حنا غريب 43% من الأصوات واخترقت لائحة الاحزاب بمقعدين.رغم هزيمة لائحة النقابيين إلا أن حصولها علی هذه الثقة العالية يعري بشكل كبير لائحة (أمل وحزب الله والمستقبل والاشتراكي والتيار الوطني الحر والكتائب والمردة والقومي والقوات) التي لم تستطع رغم كل الدعم والامكانات والتدخلات تسجيل انتصار واضح.ونحن نؤكّد استمرارنا في نضالنا في معركة العيش الكريم، إلى جانب المسحوقين والمقهورين، ونعتبر أنّ العبور إلى الوطن لا يمكن إلّا من بوّابة الحقوق والمطالب المعيشيّة.وفي هذا السياق نحن في مرحلة الإعداد والتحضير لإطلاق حملة وطنيّة للمطالبة بتغيير الظروف المعيشيّة والإقتصاديّة وذفعها نحو الأفضل، وإذ نطلب من جميع رفاقنا في المنظّمة في كافّة القرى والمدن وعلى امتداد هذا الوطن، ومن المناضلين في صفوف الأحزاب الصديقة، بأن لا تمرّ هذه المؤامرة على الحقوق مرور الكرام، وبأن ينخرط الجميع في صفوف العمل النقابي، وأن يساهموا في إنجاح أيّة حملة مطلبيّة حقوقيّة معيشيّة، وأن يطلقوا الصرخات المعبّرة عن آلام شعبنا ومعاناته.وعربيا تنظر العيون الى نتائج اللقاء المعقود في موسكو في بداية هذا الاسبوع ما بين الاطراف السورية معارضة ونظام برعاية روسية وترحيب دولي من اجل دفع عجلة الحل السياسي الى الامام وانهاء معاناة الشعب السوري والحفاظ على المجتمع والدولة، كما يعني انهاء الكارثة الإنسانية ممثلة بملايين المهجرين واللاجئين داخل وخارج سوريا في مختلف الدول العربية ومنها لبنان. والذهاب نحو محاربة الارهاب والتحول الاقتصادي والسياسي الجذري في المجتمع ككل والحد من تدمير المنطقة.أما علی الصعيد الدولي،غير انتصار حزب "سيريزا" في الانتخابات اليونانية المشهد السياسي في اوروبا وافتتح، في دلالته الشعبية، عهدا جديدا من النضال ضد الرأسمالية الاوروبية. وهو حزب نشأ من مجموعات سياسية منشقة عن الحزب الاشتراكي اليوناني وعن الحزب الشيوعي اليوناني وبالتالي يحمل فكرا سياسيا وخطابا سياسيا يقع بين هذين الخطين السياسيين واستطاع حصد الاصوات من جمهور هذين الحزبين، فتراجع الاشتراكي من 21% إلی 5% والشيوعي من 10% إلی 5% فيما تقدم سيريزا من 10 إلی 35%.سوف يشكل رئيس الحزب الحكومة المقبلة وسوف يحاول التحالف مع الاشتراكي والمستقلين لكن التحالف مع الشيوعي غير وارد بالنسبة للحزبين وهو مؤشر إلی خط سيريزا "المعتدل".نحن نری في هذا التحول مسؤولية كبيرة امام اليسار الجذري اليوناني، من اجل استنهاض نفسه، وهو يعبر عن صرخة مدوية عبر فيها الشعب اليوناني عن واقعه الأليم بظل سياسات التقشف التي تفرضها عليه الدول الاوروبية.لكن علينا الانتظار لمعرفة اذا ما كان "سيريزا" سيجنح نحو الوسط والسياسات التجميلية ليصبح حزبا نظاميا مثل الاشتراكي أو يجنح تحت ضغط المهام نحو اليسار الحقيقي وباقي قوى اليسار اليوناني فيضع برنامجا اقتصاديا يحمي الفئات الاضعف من الشعب اليوناني فيأخذ طابعا يساريا حقيقيا. الايام المقبلة هي التي ستحدد ذلك بناء علی سياسات الحزب، الذي يظهر مساره النضالي هفوات سياسية وتقلبات في جدية موقفه من الاتحاد الاوروبي وحلف شمال الاطلسي والولايات المتحدة الاميركية.وفي خضم هذه التطورات أتت وفاة الملك السعودي عبدالله بن عبد العزيز فانتقلت السلطة إلی أخيه الملك سلمان الذي عين مباشرة أخاه الآخر مقرن وليا للعهد وابنه وزيرا للدفاع في مشهد عائلي يكرس وراثة الحكم والسلطة في دولة لا يحكمها دستور ولا قانون إلا إرادة العائلة الحاكمة. ومشهد "مات الملك فعاش الملك" يؤكد لنا حقيقة أن لا ربيع ولا تغيير إن لم يمر بقصور المملكة ليعبر وينتشر إلی كل ملكيات وإمارات ومشيخات وعائلات ورؤساء المنطقة الذين أمعنوا في إذلال الناس وتهميشهم وتفقيرهم، وضربوا مفهوم الكرامة الوطنية كما الكرامة الفردية.اتحاد الشباب الديمقراطي اللبنانيالمكتب التنفيذي27 كانون اول 2015
عماد الزغبي -السفير
يبدي رئيس «رابطة اساتذة التعليم الثانوي» السابق حنا غريب، تخوفه على مستقبل الرابطة، بعدما تجمعت أحزاب السلطة في لائحةٍ واحدة، معتبراً أن ما جرى كان مخططاً ومعداً مسبقاً لإزاحة التيار النقابي المستقل والتنازل عن حقوق الاساتذة، وهو الذي مثل طيلة ثلاث سنوات من النضال خشبة الخلاص لهذه الفئة من الناس. ويرى في حديث لـ «السفير» أن القوى السياسية المختلفة تجمعت ضده لأنه دافع عن ذوي الدخل المحدود. وقال: «من المؤكد أنه تمت إزاحتي لأني لم أكن عضواً عادياً، ومن يدافع عن حقوق الناس لا يهمه أحد إنما يعمل باستقلالية بعيداً عن حيتان المال والطغاة». تابع غريب: «أبعدوني لأني رفضت البصم على سلسلة رتب ورواتب «مسخ» ودفعت الثمن لأني لم أبصم على ما قاموا به في السلسلة من ضرب لحقوق الناس». ويسأل: «ما قيمة المناصب إذا لم نخدم الناس الذين وضعوا ثقتهم بنا؟». ويبدي تخوفه من أن تقدم هذه القوى التي فازت في الانتخابات، على ضرب الحقوق المكتسبة للمعلمين والموظفين خصوصاً بعد الاملاءات الأخيرة لصندوق النقد الدولي وضرورة إقرار مشروع قانون سلسلة الرتب والرواتب المشوهة، وما تضمنته من بنود باريس ثلاثة المفخخة والتي ستشكل مصيبة كبيرة في ما لو أقرت. يعود غريب إلى عشية اليوم الأخير للمفاوضات في مقر «التيار الوطني الحر» مع مسؤولي المكاتب التربوية الحزبية (الجمعة الماضي)، قارئاً في نتائج الانتخابات التي جرت الأحد الماضي، ليقول: «الطرح الذي طرحته في المفاوضات مع المكاتب التربوية، لم يأت من فراغ، وله اساس على الأرض، وعندما كنت أشدد على ضرورة إشراك المستقلين في المفاوضات، كنت أجابه بالرفض، وانه لا يوجد مستقلون، غير أن الانتخابات أكدت وجودهم، بدليل أن لائحة «الحفاظ على الحقوق وموقع الأستاذ الثانوي» مؤلفة من 13 مرشحاً، وضمت أربعة مرشحين للحزب الشيوعي وتسعة مستقلين، استطاعوا أن يحصلوا على معدل أصوات بلغ 44 في المئة من عدد الناخبين في مجلس المندوبين المؤلف من 541 مندوباً، وبحساب صغير، يحق لهذه النسبة نيل ثمانية مقاعد من أصل 18، «هؤلاء كنت أطالب بتمثيلهم، إلا أنهم لم يعترفوا بالواقع، وأصرّوا على حصر المفاوضات في ما بينهم». ولفت إلى أن المشكلة كانت في تسمية المستقلين «عندما يسمى حزبٌ مستقلاً لا يعود مستقلاً، لأنه يصبح محسوباً على من سماه، وكان من الأفضل مفاوضة المستقلين للوقوف على رأيهم، احتراماً لهم، غير أنهم رفضوا». تابع: «أدخلوا صيغة اثنين لكل حزب، وطرحت في المقابل المناصفة بين المستقلين والحزبيين فرفضوا، طرحنا توزيع المسؤوليات، ومن يريد الترشح للرئاسة، لكنهم أصرّوا على التوافق الجزئي.. حاولت تخفيف الخسائر، ليتبين أنهم سبق واتفقوا على موضوع الرئاسة، ما أدى إلى تركيب لائحة». ورداً على القول أن مقعداً شاغراً ترك له في اللائحة، يقول غريب: «نسبة الأصوات التي حصلت عليها لائحتنا (44 في المئة من المقترعين)، تدل على أن نبض أساتذة التعليم الثانوي أظهر وجود وعي نقابي.. وأتوجه بالتحية لهم لأنهم، قد أكدوا صحة طرحي». ولجهة الأسباب التي دفعته لطرح نفسه للرئاسة يجيب: «لم يأت الطرح من فراغ، كون المستقلين القوة الناخبة الأولى، وحتى وهي منفردة، وأثبتت الأرض خلاف ما تكلمت عنه الأحزاب، على الرغم من تجمع قوى الثامن والرابع عشر من آذار ومعهم عدد من الأحزاب في لائحة واحدة». وقال: «ما يشرفنا أننا واجهنا القوى السياسية التي لم تدفع حقوقنا، وهذا شرف لي، لأنني رفضت البصم على ضرب الحقوق». ورأى أن الأحزاب فرضت هيمنتها ونقلت موقع الرابطة، من الموقع النقابي المستقل، إلى المهيمن عليها، وما لم يستطيعوا أخذه بالتحرك النضالي في الشارع، سعوا إليه من خلال الانتخابات. واعتبر أن الرابطة أصبحت ممسوكة من قبل السلطة. مبدياً تخوفه على الرابطة، لانتقال قرارها إلى السلطة السياسية. وقال: «ثلاث سنوات ونحن في الشوارع من اجل المحافظة على الموقع الوظيفي للأستاذ الثانوي في مشروع سلسلة الرتب والرواتب كحق مكتسب مكرس بقوانين منذ نصف قرن. وإلغاء المواد القانونية اللاإصلاحية المطروحة مع السلسلة كوقف التوظيف وتطبيق التعاقد الوظيفي وخفض تقديمات نظام التقاعد وخفض المنح بأنواعها ومساهمات الدولة للطبابة والاستشفاء في الصناديق الضامنة وتهميش دور وصلاحيات أجهزة الرقابة. وتعزيز الوحدة النقابية للرابطة. وحماية استقلالية الرابطة وقرارها النقابي المستقل، ولم نترك أي عمل نقابي إلا وقمنا به، وكان الأعضاء يطرحون على أحزابهم المطالب، من دون نتيجة، أما الآن فقد أصبحت الرؤية أوضح». وأكد غريب أنه على الهيئة الجديدة للرابطة متابعة المسيرة، «لأنني لم اسلم رابطة مستسلمة، ولا متخلية عن الحقوق، بل اسلم رابطة هي رأس حربة في المواجهة، وصلت إلى مكان لم تصل إليه في تاريخها النقابي». وأمل أن تتابع القيادة الجديدة المسيرة، انطلاقاً من الموقف الذي وصلنا إليه، أي لا تفريط بموقع الأستاذ الثانوي ولا بحقوقه، وبردم الهوة مع الأستاذ الجامعي، ومواجهة بنود باريس3، حتى لا تأتي سلسلة مشوهة، كما يسعى إليها «البنك الدولي» من خلال إيهام الناس أنهم يريدون إعطاء سلسلة، بعدما ضربت الحقوق فيها، بل من اجل جمع الضرائب وفرضها على الناس».
محفوض: «التنسيق» مستمرة
أكد نقيب المعلمين في المدارس الخاصة نعمه محفوض أن «العمل النقابي بطبيعته هو عمل معارض وما من عمل نقابي موال، وبمجرد أن تحاول السلطة السياسية وضع يدها على العمل النقابي يسقط هذا العمل، ونصبح كالاتحاد العمالي العام هيكلاً فارغاً لا قيمة له ولا ينطق باسم أحد». وقال: «لا نريد أن يعتقد أحد من السياسيين أن ما حصل من تغيير بالأمس في رابطة التعليم الثانوي سيؤثر على هيئة التنسيق النقابية. أولاً هيئة التنسيق مستمرة في تحركها والسلسلة حق الناس، سلسلة تحفظ حقوق الجميع وسنحصل عليها. والنقطة الثانية أن القرار المستقل لهيئة التنسيق أهم من قرار السلسلة وإذا أعتقد البعض أنه سيسرق قرار الهيئة فهو مخطئ لأنها مستمرة في التحرك وفي قرار مستقل والسلسلة هي العنوان الأساسي الذي سنحصل عليه في الأسابيع المقبلة». وشدد محفوض بعد جمعية عامة للمعلمين في مقر فرع الشمال أن «هيئة التنسيق كسبت ثقة الناس لأنها كانت تنطق بوجعهم، وكانت مستقلة ولم ترضخ لأي ضغط من أي طرف سياسي في البلد». ولفت إلى أن «الجمعيات ستعقد في المحافظات للتشاور في الخطوات المقبلة كي لا تذهب هيئة التنسيق الى خطوات تجهلونها». وأعتبر أنه مع الإيجابية أن يبدأ العام الدراسي بشكل طبيعي و»الإفساح في المجال للسلطة السياسية والتشريعية للتشريع من دون ضغط الشارع، لم نقابل بأي مؤشر إيجابي من السلطة السياسية التي تقول دائماً لا تشريع تحت ضغط الإضرابات، لكن ماذا فعلت هذه السلطة؟ لقد وضعت السلسلة على الرف ومددت لنفسها بخمس دقائق وعالجت موضوع النفايات بخمس جلسات وتركت السلسلة التي تهم مليون لبناني رغم قولهم أنها من حقنا ولم يقرّوها. أمامنا أسبوعان أو ثلاثة أسابيع وسنضع خطة تحرك، ومن هنا نطالب الرئيس نبيه بري بإعادة السلسلة الى اللجان المشتركة لبحثها كي نجنب البلد أي خضة أمنية».
أسئلة
ما إن هدأت «عاصفة» انتخابات «رابطة التعليم الثانوي» حتى بدأت ردود فعل الأساتذة بالظهور، وتحديداً على موقع الرابطة، رداً على تحالف الأحزاب «لإبعاد حنا غريب عن الرابطة». كتبت المعلمة لينا كروم: «وداعاً للعمل النقابي». وسأل مصطفى حمزة: «ماذا يمكن تسمية اللائحة التي قامت على المحاصصة بين الأحزاب، وليس على إرادة المعلمين، لائحة الإرادة الشعبية؟ إنها لا تمثل السلطة بل المغتصبين لها». وسأل عمر ديب: «شو يللي ممكن يوحِّد القومي والكتائب، حزب الله والقوات، الاشتراكي والعوني؟ وأجاب: «أكيد حنا غريب». وعبّر عدد من الأساتذة عن انزعاجهـــــم، وآخـــرين عن استـــيائهم مما وصلت إلــــيه الأمور، وحاول البعض الدفــــــاع غـــير أن الردود عليهم كانت عنيفة.
"الاشتراكي": انتخابات ديموقراطية
حيّت مفوضية التربية والتعليم في "الحزب التقدمي الاشتراكي"، في بيان، الأساتذة الثانويين "لخوضهم معركة انتخابية ديموقراطية أثبتوا من خلالها تحليهم بالمسؤولية الوطنية والمهنية والأخلاقية. وأكدوا أنهم يشكلون مثالاً يحتذى في الممارسة النقابية المسؤولة". ورأت أن "الحفاظ على المكتسبات النقابية التي حصلت في المرحلة السابقة واستكمالها هو مسؤولية تتطلب تضافر الجهود كلها". ودعت إلى "تحقيق التكامل بين المعركة المطلبية المحقة والنضال النقابي من أجل إصلاح حقيقي وشامل في مختلف القطاعات".
هيلدا حبش - السفير
سبع سنوات مضت على رحيلك أيها الحكيم يا رفيق الدرب النضالي الطويل. سبع سنوات عجاف مرت علينا وعلى شعبنا وأنت ما زلت تسكن وتشغل القلوب والعقول. نفتقدك اليوم أكثر من أي وقت مضى في هذا الليل الحالك وهذا الزمن الرديء. زمن يتجمد فيه الدم في عروق أطفالنا الذين يموتون قهراً وبرداً وجوعاً، تعصف الرياح العاتية بخيامهم وتجرف معها ما تبقى من نبض للحياة الحرة الكريمة. زمن تُدمّر فيه الأوطان. كل ذلك يجري أمام مرأى ومسمع العالم المتحضر الهش. عالم تجمدت فيه العواطف الإنسانية ومات الضمير واندثرت القيم والمبادئ التي تربينا عليها. عالم تسوده الصراعات الإقليمية والدولية والمصالح الذاتية الضيقة ويتهافت على نهب ثروات وطننا العربي ويبني أمجاده على حساب تدمير حضارة الشعوب ولو تطلب ذلك إبادة جماعية لشعوب بأكملها بتاريخها وحضارتها ومستقبلها ومستقبل أجيالها. عقود من الزمن عشتها إلى جانبك أيها الحكيم عاصفة بالأحداث التاريخية بكل ما حملته من منعطفات خطرة، وكانت تتطلب منا أعلى درجات التضحية والتفاني وإنكار الذات. منذ أن ارتبطت بالدكتور جورج حبش في 30 تموز 1961 والتحقت في صفوف حركة القوميين العرب، وجدت نفسي وجهاً لوجه أمام أحداث كبيرة كانت تعصف بالوطن العربي والأمة العربية. في هذه الذكرى الأليمة سأتحدث عن الجانب الإنساني في حياة الحكيم وعلاقته الوثيقة بعائلته الصغيرة التي انصهرت في أتون الأحداث والمعارك الملتهبة. ورغم مشاغله وهمومه إلا أنه كان ينتزع الوقت ولو لبضع ساعات للجلوس معنا والتحدث إلينا والاستماع إلى مشاكلنا، وكنا نبادله المشاعر الجياشة والمتأججة نفسها، ونعبّر له عن مدى حبنا واشتياقنا له. كان يمثل لنا حالة من النقاء الإنساني والثوري النادر. في تلك المرحلة من عمرنا كنت أدرك تماماً أني ارتبطت بالطبيب الإنسان الثائر على الظلم. الطبيب الذي ربط مصيره بمصير شعبه وانحاز للفقراء والكادحين والمقهورين الذين ذاقوا مرارة النكبة وعاشوا تداعياتها من تهجير وتشريد وظلم وقهر وحرمان. كان رجلاً استثنائياً عاش ومات من أجل شعبه وقضيته العادلة، ووهب حياته وعصارة فكره وعلمه وتجاربه لمحاربة الظلم والاضطهاد. منذ أن تعرفت على هذا الإنسان الكبير تعرفت على السجون ومخافر الشرطة والمخابئ تحت الأرض وحياة المنافي والتنقل بجوازات سفر متعددة وبجنسيات مختلفة وأسماء مستعارة ومحاولات الاغتيال والاختطاف وأحكام الإعدام، والملاحقات الأمنية من قبل الموساد والاستخبارات الأميركية والعديد من القوى المعادية. منذ تلك اللحظة أعلنت حالة الطوارئ والاستنفار وتسلحت بأقصى حدود اليقظة والحذر وتدربت على السلاح. تلك الظروف القاسية انعكست على حياتنا الخاصة وحياة ابنتينا ميساء ولمى، لقد طالهما قسط وفير من التحمل والصبر والتضحية. كانت معاناتنا كبيرة وكان علينا بعد كل عملية فدائية للجبهة أن ننتقل إلى أماكن أكثر أمناً وننقل طفلتينا ليلاً وهما نائمتان حفاظاً على سلامتهما. كنا نلتقي على وقع الأوضاع الأمنية وعلى دوي الانفجارات والصواريخ، وخاصة أثناء الحرب الأهلية اللبنانية، والاجتياح الإسرائيلي وحصار بيروت. علاقته بالرفاق في الجبهة الشعبية قامت على الاحترام المتبادل والتواضع والتسامح والاهتمام بشؤونهم الحياتية والعائلية الخاصة. كان الأب الروحي لكل منهم، يحترم حرية الرأي والتعبير، يجسد القيادة الجماعية فكراً وممارسة. لم يكن يوماً ديكتاتوراً بل أرسى قواعد الديموقراطية في صفوف الجبهة الشعبية، اعتمد على أسلوب التوعية والتثقيف الحزبي وإعطائهم الفرص للقيام بدورات فكرية تثقيفية مكثفة. حظي باحترام الجميع لما كان يتمتع به من خلق رفيع وقيم سامية لا يحيد عنها حتى أصبح يطلق عليه لقب «ضمير الثورة» عن جدارة وبامتياز. عمل جاهداً على تحقيق الوحدة الوطنية بين كل القوى الفلسطينية، لم يكن يعرف التعصب الديني أو الطائفي أو الحزبي ولا الأحقاد، بل كان متسامحاً حتى مع خصومه السياسيين. لكن الثوابت الوطنية بالنسبة له خط أحمر لا يمكن التفريط بها. بقي قابضاً على جمر مبادئه طيلة حياته النضالية وهذا ما منحه ثقة الشعب الفلسطيني والعربي وثقة جميع القوى الحرة والصديقة المؤيدة للثورة. بقي الحكيم حتى آخر رمق من حياته صادقاً وفياً لشعبه، منسجماً مع نفسه ومبادئه، يجسد كل كلمة كان يقولها وسيبقى الضمير الحي في تاريخ الثورة الفلسطينية، وستبقى ذكراه حية متوهجة في قلوب جميع محبيه وفي وجدان شعبه وأمته العربية. زوجة المناضل الراحل جورج حبش
إسكندر حبش - السفير
يبدو أنها واحدة من تلك القصص التي لن تنتهي، إذ نجدها تُستعاد كلّ فترة لتصبح من جديد «الحدث» الذي يفرض نفسه علينا: هل مات بابلو نيرودا مقتولا بحقنة سامة، لا من جراء «سرطان البروستات» مثلما أُعلن رسميا يومها؟ ما زال التشيليون إذًا، وبعد أكثر من أربعين سنة، يبحثون عن حقيقة «موت» شاعرهم الأكبر، الذي رحل بعد أيام من الانقلاب الذي قام به الجنرال بينوشيه (مدعوما من الولايات المتحدة الأميركية) ضد الرئيس التشيلي السابق سلفادور ألليندي (في 11 أيلول عام 1973). إذ أُعلن في العاصمة سانتياغو، قبل يومين، (وفقا لبيان من وزارة الداخلية التشيلية)، أنه ستُجرى تحاليل جديدة «تبدأ في الأسبوعَين الأولَين من شهر نيسان المقبل» على رُفات الشاعر لمعرفة «ما إذا كان قد تمّ حقنه فعلا بالسمّ»، وفق أقوال القاضي ماريو كاروزا. تحقيق جديد يضاف إلى التحقيقات والتحاليل السابقة التي اتسعت بشكل كبير بطلب من القضاء منذ العام 2011، لإزالة الغموض والالتباس اللذين لا يزالان يحيطان بموت الشاعر والدبلوماسي (كان سفيرا لبلاده، وحائزا جائزة نوبل للآداب)، على الرغم من أن الرواية الرسمية التي صدرت يومها تؤكد أن السبب الرئيس للوفاة (23 أيلول من العام 1973) هو مرض سرطان البروستات الذي كان يعاني منه. إلا أن بعض الفرضيات المخالفة تؤكد أن السبب هو حقنة سامة. ما هي هذه الفرضيات المخالفة وكيف بدأت؟ البداية كانت بعد وفاة نيرودا، حيث أعلن مانويل أرايا (سائق نيرودا ومساعده الخاص) ذلك الأمر، (ولم يتوقف عن ترداده قبل أن يصمت ويتوارى). لكن نظرا لما كانت تعرفه تشيلي يومها، لم يتحدث أحد بالقضية مجددا، لدرجة أن الجميع «تناسوها»، وإن بقيت حاضرة في أذهان كثيرين، لتعود وتحضر بخفر مع بداية العام 2000. في العام 2011 خرج السائق عن صمته، ليتحدث في مقابلة صحافية عن الساعات الأخيرة من حياة نيرودا، ليتطرق في كلامه إلى هذه المسألة. ربما ما ساعده على الكلام، ما جرى في تلك السنة، من إجراء تحاليل على رفات سلفادور ألليندي، لتبيان ما إذا كان انتحر (كما قالت الرواية الرسمية) أم أنه قُتل بعد أن اقتحمت قوات بينوشيه القصر. وقد أكدّ خبراء طبيون دوليون في نهاية الأمر ما كانت أعلنته الطغمة التي حكمت، بأنه انتحر فعلا. إذًا، أتى كلام مانويل أرايا في تلك السنة، ليعيد إلى الأضواء هذه الفرضية. إذ قال في حديثه الصحافي، إن بابلو نيرودا، لم يمت من جراء مرضه، «بل قُتل بأمر من بينوشيه نفسه، حين كان لا يزال في المستشفى، إذ أعطي حقنة ضد الألم، بيد أني أظن أنها كانت حقنة سامة أودت بحياته». وأضاف أرايا أنه قبل رحيل نيرودا عن عمر 69 سنة، بأيام قليلة، طلب منه (الشاعر) المجيء إلى مستشفى سانتا ماريا في سانتياغو، ليخبره بأنه يشعر بالآم كبيرة في المعدة وحريقا مضرما، بعد أن حقنه أحد الأطباء ببطنه، وإن كان السائق يعترف بأن نيرودا أصيب بالسرطان قبل دخوله المستشفى. لكن على قول أرايا أيضا: «إن دخوله إلى المستشفى لم يكن من جراء المرض، إذ لم يكن يبدو عليه أي آثار للتعب، بل لأنه كان ينتظر وصول الطائرة لتقله إلى مكسيكو»، لأن الرئيس المكسيكي يومها سمح لنيرودا باختيار المنفى، وقد أرسل له طائرة خاصة لتنقله إلى المكسيك، لكن بينوشيه لم يستسغ الفكرة، «كان نيرودا يتمتع بتأثير كبير في العالم. كان يريد أن يطلب من مثقفي العالم وحكامه أن يساعدوا تشيلي في إعادة الديموقراطية، وبما أن الشاعر كان شيوعيا وهو من أخلص محازبي الرئيس، كان يملك كلّ المقومات لكي يصبح زعيم المعارضة في وجه السلطة الجديدة». من هنا، ووفق أرايا، كان (بينوشيه) يخشى في ما لو غادر نيرودا تشيلي أن يقوم بتأليب الرأي العام، عبر مناداته بالديموقراطية». إعادة التحاليل سرعان ما اتسع الخبر يومها وتفاعل، ليصيب «دخان هذه القنبلة» عددا كبيرا من المهتمين وبخاصة أنه يتعلق بواحد من كبار شعراء القرن العشرين، على الرغم ممّا أثار الكثير من الحيرة والتساؤل، وليعيد فتح صفحة جديدة من صفحات الديكتاتورية في تشيلي... وعلى الرغم من نفي مؤسسة بابلو نيرودا لهذا الخبر، وتأكيدها أن الشاعر توفي من جراء مرضه، كما أن ليس هناك أيّ دليل على صحة هذه الإشاعات، إلا أن كلام أرايا أثار الكثير من الالتباسات حول التاريخ وحول الشاعر. ونظرا لتفاعل القضية قررت السلطات التشيلية في بداية العام 2013 إخراج رفات نيرودا من مدفنه في «إيسلا نيغرا» (الجزيرة السوداء) لاجراء فحوص وتحاليل تثبت أن هناك سمّا في جسده. بيد أن الجهاز الطبي الشرعي، الذي تألف من خبراء دوليين، لم يجد أي أثر لسمّ في جسد نيرودا. بعد هذه النتيجة، احتجّ قسم من عائلة نيرودا عليها مطالبا بإعادة إجراء التحقيق. من هنا تأتي هذه التحاليل الجديدة، بعد سنتين تقريبا، لكن هذه المرة تأتي للبحث «عن آثار غير عضوية أو عن بعض المعادن الثقيلة في بقايا رفات الشاعر وعظامه». فوفق ما قاله المحامي رودريغو لييدو (من وزارة الخارجية) إن التحاليل الأولى لم تنجح في تحديد «إن كان هناك سمّ في رفات نيرودا، بسبب الزمن الذي مرّ منذ رحيله. لذلك ستبحث هذه التحاليل الثانية عن إمكانية تحديد عمّا إذا كانت هناك خلايا أو بعض البروتينات التي دمرتها بعض المواد الكيميائية، التي لم نعثر عليها في السابق لأن التحاليل الأولى كانت تتركز على البحث عن آثار لسموم ما»... «هناك حالات سابقة يمكن لها أن تؤكد أن بابلو نيرودا مات مسموما. وإن تبيّن ذلك، فسيكون الأمر بمثابة جريمة ضد الإنسانية»، كما قال فرانشيسكو أوغاس أمين عام برنامج حقوق الإنسان في تشيلي. ثمة كلمة لافتة في كلام أوغاس. «حالات سابقة». ما هي؟ كلّنا يذكر أنه في العام 2009، كشفت تحاليل وتحقيقات بأن سلف الليندي، الرئيس إدواردو فراي مونتالفا، تمّ تسميمه فعلا من قبل «الدينا» (شرطة بينوشيه السريّة) العام 1982، بعد أن كانت الرواية الرسمية تؤكد انه مات من جراء «تسمم بالدم» بعد شهرَين من إجرائه لعملية «فتق بعضلة البطن» في أحد المستشفيات. واللافت إنه المستشفى عينه الذي توفي فيه نيرودا. أضف إلى ذلك أنه في شهادة وفاة الشاعر كتب يومها أنه يعاني، بالاضافة إلى مرضه، من «سوء تغذية». سوء تغذية! مع العلم أن نيرودا كان يزن مئة كلغ حين وفاته. «إنها المرة الأولى التي تشترك فيها إحدى مؤسسات الدولة في عملية البحث عن حقيقة موت بابلو نيرودا، كما قال إبن اخت الشاعر المحامي رودولفو رييس الذي أضاف أن معرفة الحقيقة أمر ضروري، لا لعائلتنا فقط، بل أيضا من أجل تشيلي ومن أجل العالم بأسره.» هو البحث عن الحقيقة إذًا. لكن من منّا يذكر البيت الشعري الذي كتبه نيرودا مرة: «الحقيقة، هي أن لا تكون هناك حقيقة»؟ لننتظر.
رضوان آدم - الاخبار
يخاف الطغاة من الورود والأغنيات. رائحة الوردة تحرّض الشعب ضد رائحة الاستبداد النتنة. الأغنية ترطب الروح، وتفتح فضاءً جديداً أوسع من سجن الواقع ـ السائد. الطغاة في مصر، عواجيز (روح وبدن)، يكرهون زهرة يناير، وأغنية يناير التي أقلقتهم، لمدة، قبل أن يقصفوها، بالرصاص والخرطوش والقنابل المسيلة للدموع. الشابة اليسارية، شيماء الصبَّاغ، التي سافرت من الإسكندرية إلى القاهرة، لتشارك في تظاهرة تذكارية بالورود، إحياءً لذكرى ثورة يناير المغدورة... قُتلت في عز النهار. سقطت الورود من يديها، رصاصة السلطة دقيقة، عندما تصوّب إلى رؤوس الضحايا «أعداء الوطن الذين يثيرون القلاقل، ويكرهون الاستقرار، ويريدون قلب نظام الحكم». غردت شيماء قبل اغتيالها بأيام، على «تويتر»: «البلد دي بقت بتوجع، ومافيهاش دفا... يا رب يكون ترابها براح... وحضن أرضها أوسع من سماها».
الداخلية برأت نفسها، ككل مرة، وقالت إن عناصر محترفة، اخترقت المسيرة وقتلت شيماء. تقرير الطب الشرعي أثبت أن الخرطوش، خرطوش شرطة، ومن كانوا إلى جوار شيماء قالوا إن جندياً أطلق عليها وابلاً من الخرطوش على بعد 8 أمتار. تكره السلطة صوت شباب يناير، الذي يقول إن «الداخلية بلطجية». سقطت الصباغ في ميدان طلعت حرب. كانت مع رفاقها اليساريين، من حزب التحالف الاشتراكي، ماضين إلى ميدان التحرير، يتمشّون بسلمية، ويغنون، ويهتفون: «عيش ـ حرية ـ عدالة اجتماعية». لا شيء تحقق من أهداف ثورة يناير، بلعها العواجيز، وهضموها. حتى إلقاء الزهور على ذكرى من مروا من ميدان التحرير (المُبهر في 2011) ممنوع على شيماء ورفاقها المتضايقين من تعليقات المارة المُغيّبين، الذين يتفرجون وينتقدون: (كفاية بقى ثورة، وخراب حرام عليكم). هجمت الشرطة، الملثمة، والعساكر الغفيرة، على الشباب العزّل. هجمت الدولة العميقة على ثورة يناير، وطرحتها أرضاً. شيماء، سقطت شهيدة، في منتصف الطريق، بين ميدان طلعت حرب وميدان التحرير (أربع دقائق على الأقدام). شأن زهرتها الأم التي سقطت في منتصف الطريق، بين حُلم التغيير، وكابوس الواقع. سقط كثيرون، قبل شيماء، لكن أنصار يناير الغاضبين ـ المُحبطين، وجدوا في الخبر الذي تناقلته كل مصر المحروسة حائط مبكى على ثورتهم، فالثورة لم تصل مثل الصبَّاغ، إلى ميدانها الممنوع. ميدانها المخطوف، والمُغلق بدبابات وأسلاك شائكة. هنا ممنوع الاحتفال بذكرى ثورة يناير الرابعة. وممنوع التظاهر. يخاف الطغاة من تسلل الورود والأغنيات الخطيرة.
الاخبار
لمرة قد تكون الأولى، يعيش الاتحاد الأوروبي على وقع ما يشبه «ثورة انتخابية» تحققت في اليونان، بفوز حزب «سيريزا» ذي التوجهات اليسارية في الانتخابات التشريعية التي جرت يوم أمس. الحدث اقتصادي بدرجة أولى، ويندرج في سياق رفض اليونانيين ما أنتجته سياسات «ترويكا» الدائنين (الاتحاد الأوروبي، البنك المركزي الأوروبي، وصندوق النقد الدولي) تجاه بلادهم، وتداعياتها على اقتصادهم. وهو حدث سياسي بدرجة ثانية، وذلك لسبيين رئيسيين، الأول، لأن النتيجة تكشف عن إخفاق مؤسسات الاتحاد الأوروبي المالية في التعامل مع بلد عضو كان يواجه خطر الإفلاس، والثاني، لأن ما يمكن وصفها بـ«الثورة الانتخابية» تتضمن رسالة مباشرة إلى ألمانيا ودورها المركزي أوروبياً. هي رسالة لم تفلح سابقاً مثيلاتها في الانتخابات الإيطالية، والفرنسية، خاصة، في تحقيق ما كانتا تطمحان إليه، لناحية التأثير على دور برلين ضمن مؤسسات الاتحاد. وبعد يوم انتخابي طويل، أشار استطلاع أجري عند خروج الناخبين اليونانيين من مراكز الاقتراع إلى أن حزب «سيريزا» اليساري، المناهض لسياسة التقشف التي فرضها الاتحاد الأوروبي، يتقدم بأكثر من ثماني نقاط على حزب «الديموقراطية الجديدة» بزعامة رئيس الوزراء، أنطونيس ساماراس، الذي اتصل بمنافسه ألكسيس تسيبراس (الصورة) مهنئاً مساء.
وأشارت التقديرات إلى أن الفارق يتراوح بين 8.5 إلى 16.5 نقطة. وكان من المتوقع أن يحصل حزب «سيريزا» على ما بين 146 و158 مقعداً في البرلمان الذي تبلغ الأغلبية المطلقة فيه 151 مقعداً. وللإشارة، فقد كانت هذه الأغلبية سهلة المنال قبل سنوات في عهد التداول على الحكم بين أكبر حزبين خصمين، «الديموقراطية الجديدة» اليميني و«باسوك» الاشتراكي، مع نتائج تدور عموماً حول الأربعين في المئة لهذا الحزب أو ذاك، إضافة إلى المقاعد التي يحصلان عليها بالامتياز. وفي تعليق أول، قال المتحدث باسم «سيريزا»، بانوس سكورليتيس، إنه «يبدو أننا أحرزنا نصراً تاريخياً»، وهي «رسالة لا تؤثر في اليونانيين فحسب، بل يتردد صداها في أوروبا بأسرها». وكان رد فعل أحد أبرز الخبراء الاقتصاديين في «سيريزا»، يانيس ميليوس، واضحاً، إذ قال إن «البرنامج (الذي عرضه وزير المال) مات». ومع انتهاء الانتخابات اليونانية التشريعية، وانطلاق الطرح الجدي لمعرفة هل ستعمل الحكومة اليونانية المقبلة برئاسة «سيريزا» للخروج من منطقة اليورو، حثّ رئيس المصرف المركزي الألماني، ينس وايدمن، في حديث متلفز مساء أمس، الحزب الفائز على عدم «إعطاء وعود وهمية» لمواطنيه. ويأتي حديث المسؤول الألماني، بعدما نقلت مجلة «در شبيغل» في بداية الشهر الجاري، عن مصادر قريبة من الحكومة الألمانية، تأكيد المستشارة، أنجيلا ميركل، عدم ممانعتها خروج أثينا من منطقة العملة الموحدة في حال فوز «سيريزا» وتنفيذ سياساته الاقتصادية. وإذا جرى التوصل إلى تشكيل حكومة، فإن من الجيد تذكر أن زعيم «سيريزا» أعلن أنه سيتخذ إجراءات فورية، مثل زيادة الحد الأدنى للأجور من 580 إلى 751 يورو، كما حذّر من أنه لن يكتفي بالتصدي للدين الذي تجاوز 300 مليار يورو (يمثل 175% من إجمالي الناتج الداخلي، فيما لا يجب أن يتعدى 60% وفق المعايير الأوروبية)، وذلك بخفض نسبة الفائدة، أو تمديد مدة السداد. لكن تسيبراس يريد خفضاً كبيراً وفعلياً لمجمل هذا الدين، مشيراً، كمثال، إلى التنازلات التي قدمت بعد الحرب لألمانيا، التي تدعو اليوم إلى انتهاج سياسة مالية متشددة في القارة. وبرغم أن قراراً بشطب قسم من الديون غير وارد في الوقت الراهن، فإن كثيرين من الخبراء الاقتصاديين يدعون إلى ترتيبٍ ما على الأقل، لأن «الديون مرتفعة إلى حد أنه لن يكون في وسع الحكومة المقبلة مواصلة التسديد»، كما قال بول دو غروي، وهو أستاذ في «لندن سكول أوف إيكونوميكس». ورأى أن رفض تخفيف حجم الديون سيكون خطأ، لأن ذلك «سيحكم على اليونان بسنوات عديدة من الصعوبات، وسيشجع الحركات السياسية المتطرفة»، الأمر الذي «سيربك بقوة منطقة اليورو بأسرها». ومع أن مسألة خفض الديون ليست مستجدة، فإنه «لا يوجد هامش كبير آخر من المناورة» لإعادة التفاوض حول الديون، كما قال مصدر دبلوماسي أوروبي. وكان صندوق النقد الدولي، من جهته، قد رفض على الدوام القيام بالمزيد، فيما يدعي البنك المركزي الأوروبي، الذي اشترى الديون اليونانية في السوق، أنه لا يمكنه التدخل لأسباب قانونية. عموماً، وفي الخلاصة، فقد عاقب الناخبون حكومة المحافظ، أنطونيس ساماراس، لمحاولتها تلبية مطالب «ترويكا» الدائنين لأثينا إلى الحد الأقصى مقابل حصول اليونان على قرض بقيمة 240 مليار يورو منذ 2010. وبالفعل، فإن الفاتورة عبء ثقيل للغاية على السكان الذين وقعوا ضحية معدل بطالة من 25 في المئة، أو تخفيضات كبيرة على الرواتب. الواضح أنّ تسيبراس ماضٍ في تنفيذ وعوده، فهو قال في كلمته، بعد انتصار حزبه، إن «الشعب اليوناني كتب التاريخ»، وهو «يترك التقشف وراءه»، مضيفاً أمام الآلاف من أنصاره: «إنها إشارة مهمة لأوروبا التي تتغير... حكم الشعب اليوناني يعني نهاية الترويكا». أوروبياً، نجاح «سيريزا» قد يعطي أملاً كبيراً لأحزاب ما يوصف باليسار الراديكالي، مثل «حزب اليسار» بزعامة جان لوك ميلينشون في فرنسا، الذي تحدث مساء عن «صفحة جديدة لأوروبا». وفي إسبانيا، أعلن زعيم حزب «بوديموس»، بابلو إيغليزياس، أن «الأمل يصل، والخوف يتلاشى. سيريزا. بوديموس: سننتصر». (الأخبار، وكالات)
نجحت لائحة «ائتلاف أحزاب السلطة» في القبض على قرار رابطة أساتذة التعليم الثانوي الرسمي. لم يخرقها من اللائحة المنافسة سوى رئيس الرابطة الحالي حنا غريب والنقابي المستقل فيصل زيود. الانتخابات، التي جرت أمس في أجواء كئيبة طاغية، برهنت عن وجود قاعدة واسعة من الأساتذة الثانويين تحاول الدفاع عن استقلالية الرابطة النقابية، إلا أنها أفضت في الواقع إلى السيطرة على هيئة التنسيق النقابية، التي تلعب فيها هذه الرابطة دور القائد والمحرّك.
فاتن الحاج - الاخبار
ائتلاف من أحزاب 8 آذار و14 آذار والتيار الوطني الحر والحزب التقدمي الاشتراكي، أطبق أمس على رابطة أساتذة التعليم الثانوي الرسمي. فازت لائحته المسماة «التوافق النقابي» بـ16 مقعداً من أصل 18 في الهيئة الإدارية للرابطة، وبات قرار هذه الرابطة ممسوكاً بالكامل. في المقابل، خرقت «لائحة الحفاظ على الحقوق والموقع الوظيفي لأستاذ التعليم الثانوي»، التي قادها رئيس الرابطة الحالي حنا غريب بمقعدين اثنين فقط، ذهب الأول إلى غريب نفسه وحظي بالثاني رئيس لجنة الحفاظ على موقع أستاذ التعليم الثانوي الرسمي فيصل زيود.
أجواء المندوبين الذين يشكلون «الهيئة الناخبة» كانت شديدة الكآبة، حضر 487 مندوباً ومندوبة من أصل 541 (90%)، إلا أن معظمهم اقترع وغادر فوراً خلافاً لأي انتخابات حماسية تشهد منافسة حامية. البعض عبّر عن استيائه مما آالت إليه الرابطة في ظل المحاصصة الحزبية الحاصلة، إلا أن الكثير من المقترعين، بمن فيهم حزبيون التزموا بقرارات أحزابهم العليا، عبّروا عن اقتناعهم بأن الأمر أبعد من ذلك بكثير، فالمحاصصة كانت تحصل دائماً، والمفاوضات التي كانت جارية عشية الانتخابات لم تكن خارج هذا السياق. ما حصل، برأيهم، هو قرار متخذ، عن سابق تصور وتصميم، لإنهاء هذه الرابطة تحديداً، وإلغاء موقعها كعمود فقري في تشكيل هيئة التنسيق النقابية ودورها في رفع سقف الخطاب في مواجهة تكتلات المصالح المالية والعقارية والتجارية المسيطرة على الدولة. والأهم، وأد احتمالات تحوّل هذه الهيئة الى اتحاد عمالي مستقل يقود الصراع الاجتماعي، بحسب ما كان يتوعد غريب. الخوف على هيئة التنسيق النقابية مبرر، فالأساتذة كانوا يتداولون أمس معلومات، مستقاة من أحزابهم، عن نوايا لتمرير سلسلة الرتب والرواتب يرفضها الأساتذة الثانويون، كونها تنال من موقعهم الوظيفي ومكتسباتهم التاريخية، وتفتح الباب واسعاً أمام فرض إجراءات ضريبية غير عادلة لتمويل العجز المتنامي في الموازنة، وفرض إجراءات إدارية تهدد ما تبقى من وظيفة الإدارة العامّة. ولكن الأمل لم ينقطع كلياً مع فوز النقابيين الحزببين الكاسح على النقابيين المستقلين، إذ أظهرت النتائج جملة من المعطيات تسمح بإطلاق تيار في الرابطة يمنع انزلاق قيادتها نحو خدمة مصالح لا تمتّ بصلة لمصالح الأساتذة الثانويين.
أولى النتائج، التي أفرزتها صناديق الاقتراع، أن «الائتلاف» لم يخض، أمس، انتخابات سهلة، كما كان يتوقع، ضد اللائحة التي ضمت نقابيين مستقلين وحزبيين يساريين، بدليل حصول هذه اللائحة على أكثر من 40% من أصوات المندوبين المقترعين. هذه النتيجة أسقطت مقولة «عدم وجود أساتذة ثانويين مستقلين عن الأحزاب»، التي رددها المفاوضون طوال الأيام الماضية، كحجة لرفض أي مرشح من خارج المحاصصة الحزبية، وكذلك لإطاحة حنا غريب من رئاسة الرابطة. النتيجة الثانية اللافتة في معركة أمس تمثلت بحصول غريب نفسه على ثالث أعلى عدد من الأصوات (299 صوتاً) بفارق 3 أصوات فقط عن أول الفائزين من اللائحة الأخرى، عبدو خاطر (302)، وهذا عبّر عن ثقة القاعدة به، وبرهنت أنه لا يزال يشكل رقماً صعباً على الرغم من الحملة المركزة عليه التي حاولت تحميله مسؤولية الفشل في الوصول الى تفاهم مع السلطة لتمرير السلسلة. هذا العدد الكبير من الأصوات الذي حصل عليه غريب برره ائتلاف الأحزاب بأنه شكل لائحته من 17 عضواً، وأبقى المقعد 18 لغريب، «كونه حاجة نقابية لا يمكن التنكر لها». إلاّ أن صناديق الاقتراع كانت مليئة بأوراق تتضمن المرشحين الـ17 من دون اسم حنا غريب أو أي من أعضاء لائحته، ما يعني أن بعض الأحزاب عمّم على مندوبيه عدم الاقتراع لحنا غريب والالتزام باللائحة كما هي منعاً لأي اختراق واسع، علماً بأن بعض مسؤولي الأحزاب زعموا أنهم تركوا الخيار مفتوحاً للمندوبين لاختيار من يناسبهم للمقعد الـ18. لم يجاهر أي من أحزاب «الائتلاف» بأن اللقاء الأخير الذي عقد في مقر التيار الوطني الحر سمّى الرئيس المقبل للرابطة قبل انتخاب أعضاء الهيئة الإدارية، إلا أن «الأخبار» علمت أن الائتلاف عقد اتفاقاً ضمنياً على ترشيح عبدو خاطر (التيار الوطني الحر) رئيساً للرابطة. فوز فيصل زيود بـ277 صوتاً، وبفارق بسيط عن أصوات باقي أعضاء اللائحة الفائزة، يمثل نتيجة لافتة أيضاً، وهو عكس ميلاً لدى المندوبين نحو انتخاب من يرون فيهم ضمانة للعمل النقابي المستقل في الرابطة، علماً بأن عرّابي اللائحة الأخرى لم يترددوا في القول إنّ زيود نجح بأصوات بعض الأحزاب وأن فوزه لم يكن خرقاً، بل كان مدبراً، وذلك للإيحاء بأنهم ممسكون بالقاعدة كلياً. النسبة الملحوظة من الأصوات التي نالتها لائحة غريب في مواجهة لائحة كل الأحزاب، بيّنت أنّ الإصرار على البقاء في مفاوضات المحاصصة الحزبية حتى اللحظة الأخيرة لم يكن صائباً، وكان بإمكان هذه المجموعة التي خاضت الانتخابات دفاعاً عن استقلالية الرابطة أن تستعد للمعركة جيدّاً، بدءاً من انتخابات المندوبين أنفسهم، وبالتالي كانت هناك فرصة لقلب الطاولة بدلاً من السعي الى التوافق سلفاً على طبخ «لائحة توافقية» في المكاتب التربوية للأحزاب، بعيداً عن مقر الرابطة. «ما حصل يفرض على الأساتذة الثانويين أن يقرأوا النتائج جيداً وأن يعوا أن وجودهم على الساحة النقابية ليس عابراً، وبإمكانهم التغيير وإبقاء رابطتهم حصناً للعمل النقابي المستقل». هذا ما دعاهم إليه غريب حين قال: «تبرر هذه النسبة من الأصوات أن ما طالبت به كان له أساس ولم يأت من فراغ، إذ إنّ الأساتذة الثانويين عبروا بحرية وديموقراطية عن آرائهم وخياراتهم»، مشيراً إلى أننا «لا يمكن أن نستمر في الحراك النقابي المستقل إذا لم تفهم الرسالة وإذا لم تعط هذه الأصوات مفعولها». ضحية اليوم الانتخابي الطويل الذي بدأ عند التاسعة صباحاً في ثانوية عمر فروخ الرسمية، كان المرشح القواتي قزحيا سكر (271 صوتاً) الذي نال 14 صوتاً أقل من آخر الفائزين في اللائحة جعفر عساف (285 صوتاً). وقد جاءت النتائج كالآتي: عبدو خاطر (التيار الوطني الحر، 302 صوت)، يوسف زلغوط (حزب الله، 301 صوت)، حنا غريب (الحزب الشيوعي، 299 صوتاً)، نزيه جباوي ( حركة أمل 298 صوتاً)، مرتا دحدح (تيار المردة، 298 صوتاً)، أحمد الخير (تيار المستقبل،297 صوتاً)، ماهر مرعي (الحزب التقدمي الاشتراكي297 صوتاً)، غادة الزعتري (تيار المستقبل، 295 صوتاً)، هيام أبي عبد الله (التيار الوطني الحر، 295 صوتاً)، علي حيدر (حزب الله، 290 صوتاً)، عصمت ضو (الحزب التقدمي الاشتراكي، 290 صوتاً)، بركات طالب (تيار المستقبل، 289 صوتاً)، جرجي نصر (الحزب السوري القومي الاجتماعي 289 صوتاً)، عبد الله نجم (المؤتمر الشعبي اللبناني، 289 صوتاً)، جعفر عساف (حركة أمل، 285 صوتاً) وعبد الرؤوف إيعالي (جبهة العمل الإسلامي، 285 صوتاً).
شهد يوم أمس حدثاً تاريخياً في نضال العمال والعاملات في لبنان. التأم المؤتمر التأسيسي لإنشاء نقابة من نوع «جديد»، هي نقابة العاملات والعمال في الخدمة المنزلية. وزارة العمل حاولت في الأيام القليلة الماضية منع انعقاد المؤتمر. هدّدت باستخدام قوى الامن الداخلي لفرطه، وطالبت الداعمين بالتراجع وإلا فالاقتصاص منهم، وأعلنت أنها لن تعطي الترخيص لمثل هذه النقابة، بحجّة أنها تخالف القوانين اللبنانية التي تحرم العاملات والعمال الأجانب من حق تأسيس نقاباتهم وتترك العاملات والعمال في الخدمة المنزلية من دون حماية قانون العمل
إيفا الشوفي - الاخبار
هو مشهد مؤثر فعلاً. اللون الاحمر سيطر على القاعة، بدءاً بالشعارات واليافطات التي طالبت بإلغاء نظام الكفالة كهدف رئيس، وصولاً الى اللباس الموحّد الذي عبّر عن انتظام هذا الحراك والتزام المنتسبات والمنتسبين بقضيتهم الواحدة: مقاومة أبشع أشكال الاستغلال في سوق العمل.
مضطهدات ومضطهدون من مختلف الجنسيات تدفقوا أمس الى قاعة مخصصة للأفراح مقابل مقرّ الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين في وطى المصيبة. كانوا كثراً بما يفوق التوقّعات، وبما يناقض مشهد العمل النقابي في لبنان الخاضع والمستسلم. رفعوا القبضات عالياً تعبيراً عن قوّة كامنة تحثّهم على تحدّي المخاطر والتهديدات. أعلنوا تأسيس أول نقابة للعاملات والعمال في الخدمة المنزلية، ولو باسم مستعار هو «النقابة العامة لعمال التنظيفات والرعاية الاجتماعية»، وهيئة تأسيسية مستعارة تضم لبنانيات ولبنانيين يعملون في هذا المجال أو في مجالات مشابهة أو ذات صلة، وذلك التزاماً بقوانين محلية جائرة تنتهك حقوق وحريات فئة واسعة تمثل اليوم جزءاً مهماً من القوى العاملة بأجر. عشية التئام المؤتمر، استنفرت أجهزة السلطة لمنع مثل هذا الخرق غير المحسوب. وصل الامر بوزير العمل سجعان القزي الى توجيه تهديدات مباشرة الى المنظمين. اتصل بهم (أول من أمس) مهدداً باستخدام القوى الامنية لوقف أعمال المؤتمر بالقوة، ووجه تحذيرات غير مبطّنة الى الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين في لبنان، الذي أخذ على عاتقه تأسيس هذه النقابة واحتضانها في صفوفه (بدعم من منظمة العمل الدولية واتحاد النقابات الدولي). رفض المنظمون هذه التهديدات والتحذيرات، واعتبروها «وقحة»، تتوسل أساليب قمعية ضد الحريات النقابية، غير مبنية على أي قانون، «إذ ليس هناك أي جرم جزائي مرتكب، وأي مخالفة لقانون العقوبات، في تجمّع عمال وعاملات للقيام بعمل شرعي، هو المطالبة بحقوقهم»، وفق ما قاله الناشط الحقوقي المحامي نزار صاغية.
مشروع إنشاء هذه النقابة ليس وليد اللحظة. منذ سنوات تخوض العاملات في الخدمة المنزلية نضالاً قاسياً من أجل الحصول على أبسط حقوقهنّ. هنّ مستثنيات من حماية قانون العمل. تمّ تأويل القانون لحرمانهن من حق التنظيم النقابي، على الرغم من عدم وجود أي نص صريح يمنعهن من تأسيس نقابة. رأت العاملات أنه لم يعد كافياً اقتصار المواجهة على عدد من التظاهرات التي ينظمها «المجتمع المدني» في المناسبات. قررن الانتقال إلى خطوة تقدمية أكثر. قمن بالتعاون مع زميلات وزملاء لبنانيين بتقديم طلب رسمي إلى وزارة العمل لتأسيس نقابة تحت اسم «النقابة العامة لعمال التنظيفات والرعاية الاجتماعية»، ونص النظام الداخلي على أن مهماتها تتضمن تنظيم العاملات والعاملين في المهن المتشابهة والمترابطة التي تدخل في نطاق تسميتها، بما في ذلك العمل في الخدمة المنزلية، وقد جاءت هذه الصيغة نتيجة عمل محامين يجزمون بأن ليس في ذلك أي مخالفة للقانون، ويجزمون بالتالي بأن تصرّف وزير العمل هو الذي يناقض القانون. ليس خافياً أن هدف هذه النقابة هو تنظيم العاملات والعمال في الخدمة المنزلية نقابياً، وتشكيل قوّة منظمة تتيح الدفاع عن مصالح هذه الفئة العمالية. هذا ما تم إعلانه بوضوح في المؤتمر التأسيسي أمس، إذ انتهى الى تشكيل أول لجنة (نقابة) لهذه الفئة، سيليها تأسيس لجنة ثانية لعاملات وعمال الرعاية في دور الحضانة والمدارس. لم تكن كل المقهورات والمقهورين مشاركين في هذا المؤتمر. المئات من العاملات بقين حبيسات منازل أصحاب عملهن، والمئات أيضاً كنّ يتعرّضن للضرب والاغتصاب. البعض منهن لم يأخذ أجره منذ سنين، وهناك عاملة ستُقتل خلال أيام، وسنُسمّي هذا «انتحاراً». من أجل هؤلاء، حضرت الى المؤتمر أمس عشرات الإثيوبيات، الفيليبينيات، السريلنكيات، الصوماليات، الكاميرونيات، البنغلادشيات والكثير غيرهنّ، مع مشاركة ضئيلة للذكور. نبض المواجهة مع السلطة سيطر على العاملات والعمال الأجانب، فيما غاب هذا النبض عن بعض المؤسسين اللبنانيين، إذ أعلن رئيس الاتحاد الوطني كاسترو عبدالله، في كلمته في حفل الافتتاح، أن وزير العمل سجعان قزي «غاب اليوم لكنّ قلبه معنا». لكن قزّي الذي رفض التحدث باسمه صراحة عبر «الأخبار» أعلن أن قلبه في مكان آخر. تحدّث «مسؤول رفيع» في وزارة العمل، معتبراً أن «هؤلاء ليس لديهم أي صفة تمثيلية، وما جرى أمس هو عمل غير قانوني سيُحاسب المسؤول عنه». يُكرر «المسؤول الرفيع» حرفياً تهديداته لمنظمي المؤتمر: «كنا على وشك إرسال قوى الأمن لمنع انعقاد هذا التجمّع غير القانوني، إلا أننا لم نرغب في أن يأخذ الموضوع أبعاداً سلبية». ما قصده «المسؤول الرفيع» أن إرسال القوى الامنية قد يثير «جلبة» في ضوء مشاركة وفود من منظمات دولية وبعثات دبلوماسية في أعمال المؤتمر. ستصدر وزارة العمل اليوم بياناً ترد فيه على حدث أمس. يؤكد «المسؤول الرفيع في وزارة العمل» أنه «ليس لأي أحد حق في تأسيس نقابة ما لم يكن لبنانياً، كما أن عمال المنازل مستثنون من أحكام قانون العمل، وبالتالي لا يمكنهم تأسيس نقابة». يعلّق وزير عمل سابق بأن حجج وزارة العمل ساقطة أخلاقياً وقانونياً، فالنقابة ليست مخصصة للأجانب، بل تستهدف أشخاصاً يمارسون نشاطاً اقتصادياً معيناً (عمال وعاملات المنازل) بمعزل عن جنسياتهم، وهي تضم لبنانيين يزاولون هذا النشاط، فيما يؤكّد المحامي نزار صاغية أن مؤسسي هذه النقابة عمال لبنانيون وفق الطلب الذي قُدّم إلى الوزارة. كذلك فإن استثناء قانون العمل عمال الخدمة المنزلية من نطاق تطبيقه يعني أنهم غير معنيين بنصوص هذا القانون، بما في ذلك تشكيل نقابة، لكن هل يعني أنهم ممنوعون من تشكيل نقابة؟ على العكس، فاستثناؤهم من القانون يشير الى أنهم لا يخضعون لشروط تأسيس النقابات التي ينص عليها قانون العمل، ولا يعني إطلاقاً منعهم من تأسيس نقابة وتجمّع للدفاع عن حقوقهم، فهناك معاهدات ومواثيق دولية تعطيهم هذا الحق. ردّ الفعل العنيف من قبل وزير العمل يعبّر عن موقف حازم متّخذ بمنع نشوء نقابة من هذا النوع، إذ كان بإمكانه أن يتصرّف كأي وزير عمل في لبنان، أي أن يرفض «منح» الترخيص لأي نقابة لا يريدها، بدلاً من فتح مواجهة معلنة. هذا التصرّف له أسبابه العديدة، أوّلها أن النظام لا يسمح بأي تساهل عند الحديث عن قيام نقابات خارجة عن السيطرة. وثانيها أن وظيفة «استقدام» العاملات والعمال الاجانب واستغلالهم أبشع استغلال هي لتأمين «فائض عمالة» قابل للاستخدام في ترويض الفئات العمالية المهمشة وتخفيض أجورها، فكيف سيقبل النظام السماح بتنظيم هذا الفائض نقابياً بعدما نجح في تحويل أكثر من ثلث القوى العاملة اللبنانية الى عمالة غير نظامية. معادلة الإخضاع واضحة: استقدام عدد هائل من العمالة الأجنبية غير الماهرة التي يمكن التحكم فيها بسهولة، ووضعها مقابل العمالة اللبنانية المشابهة، ما يدفع العمال والعاملات الى القبول بشروط قاسية في سوق العمل. يقرّ «المسؤول الرفيع» بأن «تحسين ظروف هؤلاء العمال واجب، نظراً إلى ما يتعرضون له من معاملة غير إنسانية واستغلال واتجار، لكننا نريد معالجة الأمر بالقانون وليس بمخالفة القانون عبر تأسيس نقابة غير قانونية، فالنقابات تخلق صراعاً». هذه هي المسالة إذاً: «وأد الصراع»، مسألة ترد عليها «النقابيات الجديدات» في تقريرهن بأنه «ليس بالقانون وحده يؤسّس لتنظيم نقابي، بل بفرضه واقعاً ملموساً على الأرض، والسعي الى انتزاعه اعترافاً قانونياً».