الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله يفند بالادلة الموثقة والمصورة المسار والاهداف السياسية للجنة التحقيق والمحكمة الدولية منذ نشأتها
كشف الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله أن " طبيعة الحدث كان تفترض مؤتمراً صحفياً، ولكن ضيق الوقت والحاجة لبعض الإجراءات والجوانب الفنية حالت دون ذلك"، وأضاف السيد حسن نصر الله أن "حديثي إليكم بديل عن المؤتمر الصحافي، وسيعرض بعض مقاطع الفيديو كشواهد، كما جرى في المؤتمر الصحفي السابق، وكما اعتبرنا أن ذلك هو الجزء الأول، نعتبر هذا هو الجزء الثاني المتمم لذلك المؤتمر الصحفي"، وأشار الأمين العام لحزب الله أن ما دعا لهذا الخطاب هو "مناسبة ما يقال عن صدور قرار اتهامي بحق أخوة مقاومين لهم تاريخ مشرف في مقاومة الإحتلال الإسرائيلي للبنان، وهذا القرار هو خطوة في مسار طويل بدأت تظهر معالمه في ما يتعلق بحزب الله بعد هزيمة "إسرائيل" في حرب تموز، حيث خرجت "لو فيغارو"، بعد أيام قليلة من انتصار المقاومة، بمقال تتحدث فيه أن التحقيق يسير باتجاه اتهام حزب الله بجريمة اغتيال الحريري"، وأضاف أن "هذا الموضوع علقنا عليه سابقا وقلنا أن هذه المادة كانت جاهزة بانتظار نتيجة الحرب، وشرحنا أيضاً في أوقات سابقة أن هذا المسار له مجموعة من الأهداف يريدون تحقيقها بعد بدء الإنتهاء من اتهام سوريا والإنتهاء من اتهام الضباط، ذكرنا مجموعة أهداف وقلنا في ما تعاونا عليه نحن وقوى سياسية أن نتعاون، لأن المحكمة لها أهداف تريد أن تحققها مهما حصل، لذلك ذهبنا لمرحلة قلنا فيها أنه يجب تعطيل هذه الأهداف، وأخطر هدف للمحكمة هو هدف إحداث فتنة أو حرب أهلية أو فتنة سنية ـ شيعية في لبنان، فلتوقيت القرار الإتهامي هدف خاص سنعرضه لاحقاً"، وقسم الأمين العام لحزب الله الحديث عن التحقيق والمحققين ولجنة التحقيق إلى مرحلتين، وأوضح أن "المرحلة الأولى: لجنة التحقيق، والمرحلة الثانية بعد تعيين بلمار حين أصبح التحقيق من مهامه، العنوان الثاني هو المحكمة التي يرأسها كاسيزي، والتي يطالبنا الآن البعض بأن نحتكم إليها أو يطالبون المتهمين ظلماً أن يقبلوا بالإحتكام إليها، وثالثاً: الموقف من القرار الإتهامي والتعاطي مع المرحلة الراهنة".
وتطرق الأمين العام لحزب الله إلى العنوان الأول قائلاً: "حول التحقيق، من المعروف أن على التحقيق الوصول إلى الحقيقة، من إشكالاتنا الأساسية أنه أخذ مساراً واحداً: أولا سوريا والضباط ومن ثم مسار حزب الله أو كوادر من الحزب، خلال العام الماضي قلنا أن هنالك مساراً آخراً، وهي الفرضية الإسرائيلية، فلماذا لا يتم العمل عليها"،وتساءل السيد حسن نصر الله "هل اهتم بلمار أو مكتب المدعي العام أبداً بهذه الفرضية ؟؟ بل طلبوا نسخة من قرائن حول هذا الموضوع وقالوا أنها غير كافية، مع العلم أن بلمار يحاول الإستناد إلى الأدلة الظرفية، فهذه الأدلة الظرفية لو طبقناها على فقط ما قدمناه في الموضوع الإسرائيلي لكانت كافية في توجيه الإتهام لـ"إسرائيل"، وقد راجعنا قضاة على المستوى الدولي، ولكن لم يهتم بلمار أو أي أحد في المحكمة بالقرائن، ولم يسأل الإسرائيليين شيئاً، وهذا منطقي وطبيعي لأن المحكمة أُسست لهدف سياسي واضح، وليس مسموحاً التحقيق مع إسرائيلي أو إسرائيليين"، وشدد الأمين العام لحزب الله أن "التحقيق مسيس والمحكمة مسيسة، ولذلك لم يأخذوا القرائن بعين الإعتبار، وبدل التحقيق مع الإسرائيلي أخذوا منه معلومات، وهذا ما يعترف به ميليس شخصياً في جواب لصحيفة "لو فيغارو" عام 2005"، وأضاف قائلاً: "تصوروا "إسرائيل" التي يجب أن تكون متهمة هي جهة تمد التحقيق بمعلومات، وليبرمان في مؤتمر صحفي مع فراتيني يقول: التعاون مع المحكمة هو تعاون مفتوحا وجرى باخلاص، ثالثاً، لدي سؤال في سياق التحقيق: يدرك الناس أنه عندما شكلت المحكمة وعين بلمار مدعيا عاماً، كانت بيروت عنواناً للجنة التحقيق، بعد إلغاء لجنة التحقيق نقلوا عدداً كبيراً من الموظفين والتجهيزات وأخرجوها من لبنان، الكل غادر إلا الكومبيوترات التابعة للجنة التحقيق 97 كومبيوتر، الغريب أنه تم نقلها عن طريق الناقورة إلى "إسرائيل"، وليس عبر مطار بيروت أو ميناء بيروت"، وتساءل السيد حسن نصر الله: "لماذا يتم نقلها عبر "اسرائيل؟ لماذا لم يتم إخراجها من مرفأ بيروت؟، وماذا حصل بهذه الكومبيوترات في "إسرائيل"؟ وكلنا يعلم أن "إسرائيل" متطورة جداً على المستوى التكنولوجي والإلكترونيات"،وذكر أنه "رابعاً، في ما يتعلق بالتحقيق أيضاً، إذا كان التحقيق منصفاً ونزيهاً يجب أن يعتمد خبراء ومستشارين محايدين بالحد الأدنى ليس لهم عداوة أو موقف مسبق من الجهة التي يريدون التحقيق معها، ولكن الضباط والمستشارين لهم خلفية سلبية من المقاومة، وأحد أهم مستشاري بلمار ضابط كبير في الـ"سي آي آي" متهم أنه يعمل على "حزب الله" وعماد مغنية وشريك في مسؤولية الـ"سي آي آي" عن مجزرة بئر حسن وأدت إلى استشهاد العشرات: أي الضباط والخبراء والمستشارين عند بلمار يصنفون في دائرة أصحاب المواقف المسبقة وليسوا حياديين يبحثون عن الحقيقة".
وخلص الأمين العام لحزب الله إلى أن "الذين أوكل إليهم أمر اكتشاف الحقيقة هم هذه النوعية من الناس: بعضهم معادي وبعضهم له موقف سلبي وأغلبهم مرتبط بأجهزة الإستخبارات"، وتساءل السيد حسن نصر الله: "هل هذا الطاقم يوصل إلى الحقيقة؟ هل هو مؤهل للعمل على فرضية: إسرائيل اغتالت الحريري؟"، وأضاف "خامساً، فساد المحققين، فنحن أمام لجنة تحقيق سنقدم الليلة نموذجاً، وهو "غيرهارد ليمان"، وكان نائب رئيس لجنة التحقيق الدولية قبل تشكيل المحكمة، ميليس معروف وليس بحاجة للتحدث عنه، وليمان يبيع وثائق واعترافات وشهادات مقابل الأموال، إذاً بالأموال يخون أمانة الشهود وبعضهم رجال كبار في السياسة، ولا مشكلة في تقديم نسخة عن الوثائق التي باعها"، وسأل الأمين العام لحزب الله: "إذا كان يخون الأمانة فماذا يصنع بالحقائق وبالتحقيق؟"، وأردف قائلاً: "بما يتعلق بالفساد الأخلاقي فحدث بلا حرج، هل تحرك أحد للتحقيق بمسألة الفساد هذه وكنا قد أعلنا ذلك سابقاً؟ سادساً، تورط لجنة التحقيق الدولية مع شهود الزور، السيد بلمار شخصياً، نحن لدينا معلومات ودليل ولكن لن نتحدث بذلك اليوم، عمل وتابع بنفسه مهمة رفع المذكرة الحمراء عن زهير الصديق لدى الأنتربول الدولي، ووقف الملاحقة المتعلقة به لأن جماعة التحقيق الدولي متورطون بهذا الأمر، سابعاً، سرية التحقيق، من أهم شروط أي تحقيق هو السرية، كل العالم يعلم أن هذا التحقيق لم يكن فيه شيئاً من السرية، كله في الصحف منذ سنوات، ماذا يبقى من صدقية هذا التحقيق؟"، وذكَّر بما طلب "لجنة التحقيق من بعض الإخوة الذهاب إلى التحقيق ولو بشكل مسرحي، قلنا لهم أوقفوا التسريب ولم يتوقف ذلك، وهذا سببه الفساد، ثانياً الإختراق الأمني، فكل واحد له علاقة بجهاز استخباراتي، و14 آذار لها وصول إلى بعض المعلومات أيضاً، وثالثاً هنالك تسريب متعمد لأن المطلوب تشويه صورة المقاومة"، وأعرب السيد حسن نصر الله عن أسفه "لأبشع مظاهر التسريب وهو ما حصل من أيام، فبلمار يلتقي مع مدعي عام التمييز اللبناني، وهم في الإجتماع بدأت تذاع الأسماء في وسائل الإعلام، وبعد يوم يقول أن الأسماء سرية، حتى من اللياقات في لبنان أن تكتب الأسماء كذلك: ب.ج، غ.ع، ولكن لماذا أعلنت الأسماء بهذا الشكل؟".
ووصل الأمين العام لحزب الله إلى "النقطة الأخيرة بعنوان التحقيق والمحققين"، وأكد أن "التوظيف السياسي للقرار الإتهامي، لخدمة فريق وليس لخدمة الحقيقة"، واستدرك قائلاً: "نسيت أن أقول أن الأسماء التي تم تسريبها مطابقة تماماً لما ورد في دير شبيغل والتلفزيون الكندي، دير شبيغل نشرت الأسماء في الـ2009، أيام الإنتخابات النيابية في لبنان، حين أنفقت بعض الجهات 3 مليارات دولار، وجزء من المعركة الإنتخابية، كان ما نشر في دير شبيغل، منذ مدة، عندما سقطت الحكومة السابقة، وذهبنا للإستشارات النيابية، حركوا القرار الإتهامي من جديد للضغط على مجلس النواب، وعشية الحشد المنشود لـ13 آذار تم تحريك القرار الإتهامي"، ولفت السيد حسن نصر الله إلى أنه "منذ يومين، بعد انتهاء البيان الوزاري، بين إقراره وزارياً والبدء بجلسات الثقة، أصدروا القرار"، وعزا ذلك إلى "أنهم كانوا يراهنون على فشل الأغلبية الجديدة في تشكيل الحكومة ولكنها تشكلت، لأن المطلوب إسقاط حكومة ميقاتي بأي ثمن، فأتى القرار الإتهامي ليقدم أسلحة لقوة سياسية في الفريق الآخر لإسقاط الحكومة، هذا القرار ليس لمصلحة العدالة بل لمصلحة السلطة"، وعرض قول البعض بأن "يسلم الشباب ذاتهم للمحكمة وليثبتوا براءتهم، أولاً، نريد إعادة النقاش حول دستورية المحكمة وكيفية تشكيلها، ثانياً، هنالك الكثير من الملاحظات التي تثير الشك حول قواعد الإجراءات والتعديلات التي أجريت عليها، ثالثاً، عدم توفر الإنصاف لا عند المدعي العام ولا عند المحكمة والدليل ما جرى مع الضباط الأربعة، اللواء جميل السيد منذ خروجه وهو يتابع المسألة حتى الآن لم يحصل على أبسط حقوق انسان برئي سجن لمدة 4 سنوات، رابعاً، رئيس المحكمة هو كاسيزي، من هو كاسيزي؟"، وأشار الأمين العام لحزب الله إلى شخصية كاسيزي التي عرضت جوانب منها في تقريرين، فأوضح أن "المقطع الأول للسيد أنطونيو كاسيزي وهو صديق عظيم لـ"إسرائيل" بحسب شهادة أحد أصدقائه الكبار الذي أدلى بها بمؤتمرٍ، والمطلوب منا أن نحتكم لصديق كبير لـ"إسرائيل"، وهو المطلوب منه تحقيق العدالة، صديق عظيم لـ"إسرائيل"، ويعتبر المقاومة إرهابية ومنظمات المقاومة إرهابية، تصوروا أن الذي يريد أن نحتكم إليه مسبقا يعتبر المقاومين إرهابيين، ونريد منه تحقيق العدالة هنالك نص بيان وقعه بخط يده ينصح فيها الإسرائيليين في ما يتعلق بأحداث غزة"، وتساءل السيد حسن نصر الله: "هل يمكن لمحكمة بهذا التاريخ والسيرة وبهذا الرئيس أن تحقق عدالة؟"، ليكمل قائلاً: "تصوروا أن "إسرائيل" في رأي كاسيزي هي الدولة الوحيدة في المنطقة التي يسودها القانون وحقوق الإنسان، وما جرى على الفلسطينيين خلال 60 عاماً وما يقارب 11 ألف معتقل فلسطيني هذا كله حقوق إنسان، المجازر الإسرائيلية في لبنان لا مشكلة فيها بنظر، كاسيزي لأن "إسرائيل" تشن حرباً على الإرهاب".
وانتقل الأمين العام لحزب الله إلى "الوضع الحالي"، فقال: "هنالك قرار ظني اتهامي صدر بحق عدد من المقاومين، وكما قلت بعضهم له تاريخ طويل بمقاومة الإحتلال، بمواجهة هذا الوضع لدي كلام للناس ولـ14 آذار ولجمهور المقاومة، للناس أقول لهم، ما تسمعوه وما يتحدث به الإسرائيلي بشكل خاص، يأملون بحرب أهلية ولكن إن شاء الله لن تكون هنالك فتنة بين اللبنانيين وخصوصاً بين الشيعة والسنة، وقلت ذلك منذ سنة"، وكشف السيد حسن نصر الله أنه "من استهدافات التحقيق اشعال فتنة بين اللبنانيين ولن تكون فتنة، وأقول لكم بعد صدور ما يسمى بالقرار الإتهامي لن تكون فتنة ولا حرب أهلية في لبنان، وعلى شعبنا وأهلنا وكل الإتجاهات أن يرتاحوا ويثقوا، ومن جملة العناصر المهمة لوأد أي فتنة هو وجود حكومة مسؤولة وموثوقة وجاهزة للتعامل بروح وطنية مع حدث بهذا الحجم وليس بروح ثأر، ولم تكن جزءاً من الحرب على المقاومة في السنوات الأخيرة، كل الجهات الصادقة والحريصة على الوضع في لبنان حريصة على أن يتم التعاطي مع هذا الحدث بوسائل قضائية وقانونية على اختلاف مواقفنا من الحدث، المفترض المحافظة على البلد ومنع تحقيق أحد أهداف اغتيال الحريري والتحقيق والقرار الظني والمحكمة"، ووجَّه خطابه إلى قوى 14 آذار: "أنتم تعتبرون أنفسكم معارضة وهذا حقكم، وأعرف أنكم ستستفيدون من القرار الإتهامي، وهذا حقكم واللعبة الدولية دائماً، كانت إلى جانبكم، ولكن لدي نصيحتين أو فكرتين: أولاً، لا تحملوا حكومة ميقاتي في هذا الملف ما لا يجوز أن تحملوها وما لم تكن حكومة الحريري أن تحمله، فلو لم تكن اليوم الحكومة برئاسة ميقاتي وكانت حكومة منكم من لون واحد فهل كانت هذه الحكومة تستطيع أن تعتقل هؤلاء الأشخاص أو أن تنفذ مذكرات التوقيف المبلغة من بلمار، ولذلك لا تحملوا البلد تبعات أمر لو كانت الحكومة حكومتكم وحكومة متطرفيكم لما كانت تمكنت من ذلك، نحن نعمل على قاعدة عدم إحراج الحكومة، لا في سنة ولا سنتين ولا بستين أو 600 سنة يمكنهم أن يعتقلوا أو يوقفوا، بعد ثلاثين يوم ستذهب الأمور إلى المحاكمة الغيابية والحكم صادر، ويبقى أن يشتغلوا باللبنانيين لبعض الأعوام، قد تنتهي المحكمة بثلاثة أشهر أو ستة أو ثلاثين سنة".
وطرح الأمين العام لحزب الله "الإقتراح أو النصيحة الثاني لـ14 آذار"، وقال: "لا تطلبوا من الرئيس ميقاتي ولا من حكومته ما قبل الحريري أن يتخلى عنه مقابل البقاء في السلطة، إذا أرادوا سأمنحهم نسخة عن المذكرة المطبوعة عن تركيا وقطر، وكان الحريري موافق على كل شيء فيها، من باب اللياقة لم أخرجها إلى الإعلام، فاقبلوا من ميقاتي ما قبل به الحريري ولا تحمّلوا الرجل وحكومته ما قبل غيره أن يتخلى عنه، وفي تلك الأيام لو قبلنا الحريري رئيساً للحكومة لكانت الوثيقة وقعّت من قبل التركي والسوري والسعودي والفرنسي والقطري وكلينتون ستباركها، ولكن لم نقبل بذلك لإعتبارات وطنية، فالحكومة التي يرأسها الحريري لا تستطيع العبور بالبلد إلى برّ الأمان، لو قبلنا كان كل ما ورد فيها صار رسمياً"، وذكَّر بأنهم "قالوا منذ سنة، حتى لو صدرت مذكرات توقيف، لدينا عقل وسنرى الأدلة، وإذا الأدلة غير صحيحة أو تثير الشكوك فلن نوافق عليه، الدليل ما زال عند مدعي عام التمييز، لماذا يعتبرون الآن أن اليوم تاريخياً وأصبحنا على مقربة من العدالة"، وطمأن السيد حسن نصر الله جمهور المقاومة ومؤيديها قائلاً: "لا تصغوا إلى الاستفزازات التي يريدها البعض للوصول إلى الفتنة، لا سيما الفتنة بين السنة والشيعة التي يريدها البعض في قوى 14 آذار، على الأقل بعض مسيحيي 14 آذار، ولا تخافوا على المقاومة ولا تقلقوا عليها".
وهنا النصل الكامل لكلمة سماحته:" أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا خاتم النبيين أبي القاسم محمد بن عبد الله وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحبه الأخيار المنتجبين وعلى جميع الأنبياء والمرسلين.السلام عليكم جميعاً ورحمة الله وبركاته.طبيعة الحدث كانت تفترض أن يكون الليلة لدينا مؤتمر صحافي، لكن ضيق الوقت والحاجة إلى بعض الإجراءات وبعض الجوانب التقنية والفنية حالت دون عقد مؤتمر صحافي.لذلك الليلة حديثي إليكم هو بديل عن المؤتمر الصحافي، وفي حديث الليلة أيضا باعتبار أهمية الموضوع سوف يتم عرض ـ أثناء كلامي أو بين كلامي ـ بعض مقاطع الفيديو كشواهد أو بعض بطاقات الهوية كما حصل في المؤتمر الصحافي السابق قبل عدة أشهر واعتبرنا أن ذلك هو الجزء الأول ونعتبر هذا الجزء الثاني المتمّم لذلك المؤتمر الصحافي.وأنا فيما سأعرضه إن شاء الله وأتناوله من جوانب في الموضوع لن أعيد ما ذكرناه سابقاً إذا ذكرت به ففقط باختصار شديد وللتذكير، لأن هناك موضوعات عديدة وجديدة نحن يجب أن نطرحها على الرأي العام فيما نواجهه الآن من حدث ومن موضوع. وأكتفي فقط بالتذكير من باب الإشارة ومن يريد أن يدقق ويفصّل يمكنه العودة إلى المؤتمر الصحافي السابق أو المؤتمرات التي عقدت فيما بعد، سواء المؤتمر القضائي أو المؤتمر الذي سبق له صلة بالاتصالات من قبل جهات رسمية وجهات أهلية.طبعا الداعي للتحدث إليكم اليوم هو مناسبة ما يقال عن صدور قرار اتهامي بحق إخوة مقاومين لهم تاريخ مشرف في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي للبنان. هذا القرار الإتهامي الذي صدر هذه الأيام هو برأينا خطوة في مسار طويل بدأت تتضح وتظهر معالمه فيما يتعلق بحزب الله بعد هزيمة إسرائيل وانتصار المقاومة في حرب تموز انتهاءً حتى الرابع عشر من آب، حيث بعد أيام قليلة من هذا الانتصار خرجت جريدة اللوفيغارو في 19 آب 2006، بعد خمسة أيام بمقال تتحدث فيه أن التحقيق الدولي يسير باتجاه حزب الله أو أفراد وكوادر أو قياديين من حزب الله بجريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري. طبعاً هذا الموضوع سابقاً نحن علّقنا عليه وقلنا إن هذه المادة كانت جاهزة بانتظار نتيجة الحرب، فحيث أن نتيجة الحرب كانت مختلفة، لذلك تم إظهار وشهر هذه المادة أو هذا السيف أو هذا السلاح في وجه هذه المقاومة المنتصرة.طبعا شرحنا أيضا في أوقات سابقة أن هذا المسار له مجموعة من الأهداف يريدون تحقيقها بعد الانتهاء ـ أو لا نستطيع أن نقول الانتهاء نهائياً ـ من اتهام سورية، الانتهاء من اتهام الضباط. الآن وصلنا إلى حزب الله.ذكرنا مجموعة أهداف وقلنا فيما تعاونّا عليه نحن وقوى سياسية وشخصيات ومراكز ووسائل إعلام في لبنان وفي العالمين العربي والإسلامي أن نتعاون لإحباط هذه الأهداف. كنا واضحين في كل ما مضى. نحن لا نستطيع أن نلغي المحكمة لأنها قرار صادر عن مجلس الأمن الذي تحكمه الإرادة الأمريكية ولأن المحكمة لها مسار ولها أهداف تريد أن تحققها مهما حصل وأيّاً تكن التبعات أو الخسائر أو الأرباح، ولذلك ذهبنا لمرحلة أخرى، قلنا إن هذا المسار له أهداف، تعالوا لنعطل هذه الأهداف. وتذكرون، تحدّثنا عن تشويه سمعة وصورة المقاومة وقياديها ومقاوميها، تحدثنا عن هدف النيل من إرادة وعزم المقاومة وقيادة المقاومة ومجاهدي المقاومة في مواصلة الطريق، والأخطر والأهم هو هدف إحداث فتنة في لبنان أو حرب أهلية في لبنان، أو بشكل خاص فتنة بين السنة والشيعة وبين الشيعة والسنة في لبنان. هذه الأهداف الرئيسية التي كنا قد تحدثنا عنها سابقاً.طبعا لتوقيت القرار الإتهامي هدف خاص يمكن أن نعرض إليه أثناء الحديث.بناءً عليه أنا سأتحدث بثلاثة عناوين:العنوان الأول: له علاقة بالتحقيق وبالمحققين ولجنة التحقيق في مرحلتيها. كلنا نتذكر بأن التحقيق ولجنته كان له مرحلتان:المرحلة الأولى هي لجنة التحقيق الدولية والمرحلة الثانية بعد تشكيل المحكمة وتعيين بلمار مدعياً عاماً حيث ألغيت لجنة التحقيق الدولية وأصبح التحقيق من مهام مدعي عام المحكمة السيد بلمار.إذاً العنوان الأول هو التحقيق والمحققون.والعنوان الثاني: هو المحكمة التي يرأسها السيد كاسيزي والتي يطالبنا الآن البعض بأن نحتكم إليها أو أن نقبل الاحتكام إليها أو يطالبون المتهمين ظلماً أن يقبلوا بالاحتكام إليها لإثبات براءتهم.والعنوان الثالث: هو الموقف من القرار الإتهامي والتعاطي مع المرحلة الراهنة وفي حديث للناس أولاً ولقوى الرابع عشر من آذار وجمهورها ثانياً ولجمهور ومحبي المقاومة ثالثاً. مقتطفات هامة:- رفضنا التوقيع على الوثيقة لسبب وطني ولو قبلنا بسعد الحريري رئيساً للحكومة لنسي المحكمة- لجمهور المقاومة ومحبيها أقول "لا تقلقوا من شيء" ما يحصل الآن هو جزء من حرب اسرائيل- نحن لا نريد إحراج الحكومة ولا بـ300 سنة يستطيعون ايقاف مقاومين من حزب الله- لدي مذكرة خطية من سعد الحريري يظهر فيها قبوله بنسيان المحكمة شرط الإحتفاظ بالسلطة - هل مطلوب من حزب الله الإحتكام الى كازيزي الصديق العزيز لإسرائيل - القرار الإتهامي هو سلاح لفريق المعارضة للعودة الى السلطة- غيرهالد ليمان يبيع فيها الوثائق مقابل المال - أحد معاوني بلمار ضابط في الـ"CIA" وهو من اصحاب المواقف المسبقة المعادية لحزب الله
القدرة، الدافع، أسلوب العمل، اعترافات العملاء، سرّ عملية أنصارية، صور جوية التقطتها طائرات الـ«أم ك» الإسرائيلية، حركة الطيران الإسرائيلي يوم 14 شباط 2005، العميل غسان الجد... هذه كانت أبرز القرائن التي قدّمها السيّد حسن نصر الله في مؤتمره الصحافي أمس كإشارات إلى تورّط إسرائيل في عملية اغتيال الرئيس رفيق الحريري، داعياً من يريد الوصول إلى الحقيقة أن يفتح الباب للتحقيق مع إسرائيلعلى مدى ساعتين ونصف ساعة استفاض الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله، أمس، في تقديم القرائن التي تتيح توجيه الاتهام إلى إسرائيل في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري. المؤتمر الصحافي كان من جزءين. الأول أضاء على الاتهام الإسرائيلي لحزب الله الذي بدأ منذ عام 1993 مع تلفيقات العميل أحمد نصر الله وصولاً إلى عام 2005، فيما تضمن الثاني القرائن التي تسمح باتهام حزب الله لإسرائيل. ولم يخل المؤتمر من إجابة على تعليقات البعض عن التوقيت «لماذا الآن وليس قبل سنوات» بالقول إن التوقيت مرتبط بالمعطيات التي وفّرها اعتقال العملاء الإسرائيليين في العامين الأخيرين.
بدايات التلفيق
بدأ نصر الله كلامه من اتهام إسرائيل لحزب الله، فعاد إلى التظاهرة التي نظمها حزب الله في أيلول 1993 احتجاجاً على توقيع اتفاق أوسلو «وعارضتها الحكومة اللبنانية برئاسة الحريري، وأطلقت النار وسقط شهداء وحصلت خصومة سياسية بين حزب الله والحريري. دخل الإسرائيليون على هذا الخط من خلال أحد عملائهم الذي عمل على إقناع الحريري بأن حزب الله يخطط لاغتياله ودخل مرحلة التنفيذ، ووجه الاتهام إلى الحاج عماد مغنية». وكشف أنه «بعد أشهر من حادثة 13 أيلول، اعتقلت الاستخبارات السورية أحد كوادر المقاومة الإسلامية في صيدا الحاج علي ديب، المعروف بأبي حسن سلامة. اعتقل في ظروف غامضة، وبعد أيام علمت أنه موجود في عنجر، فذهبت للقاء غازي كنعان، وطلبت منه إطلاق سراحه، فقال إنه صار في دمشق. عاتبته وقلت له: ما القصة؟ فقال لي إن الرئيس الحريري زاره قبل أيام وقال له لديّ معطيات عن شخص لصيق بمغنية، حضر جلسة للحاج عماد مغنية وآخرين خُطّط خلالها لاغتياله في كمين، وهو يقول إن هذا الأمر لا يمكن السكوت عنه، فاعتقلنا سلامة. قلت له جيّد. لكن تبيّن أنه بعد ستة أيام من التحقيق العنجري، طُحنت خلالها عظامه، أنكر أبو حسن سلامة وأُرسل إلى دمشق، وكتبت حينها رسالة إلى الرئيس حافظ الأسد وحُوّل الأمر إلى العماد علي دوبا الذي طلبني للقاء وذهبت، وأراني ملف التحقيق الذي أكد أن لا أساس للاتهام، وأُطلق أبو حسن».
أدعو إلى جمع اعترافات العملاء والقيام بقراءة معمّقة لنشاطهمتابع نصر الله: «في عام 1996، كان أمن المقاومة يلاحق عميلاً يعمل على تصوير مراكز وبيوت في الضاحية والجنوب، اسمه أحمد نصر الله. خلال التحقيق معه لم يكن في بالنا قصة الحريري واللواء كنعان وأبو حسن سلامة. هو ذكر هذا الأمر واعترف بأنه اتصل بأحد الأشخاص المعنيين بأمن الحريري، وقال له إنه لصيق بمغنية وأعطاه معلومات ومعطيات كاذبة. وكان يطلب من أمن الحريري أن يتجنّب الذهاب إلى أوتوستراد معيّن لأن حزب الله سيضع له تفجيراً، وتحكّم لشهور في سير موكب الحريري. ثم نقل عن لسان أبو حسن سلامة أنه اقترح على الحاج مغنية قتل السيدة بهية الحريري، وعندما يأتي الرئيس رفيق الحريري للتعزية نقتله. هذه التلفيقة قدّمها العميل إلى أمن الحريري. وقد سجن العميل حتى عام 2000، حيث أطلق سراحه في شباط وهرب مباشرة إلى فلسطين المحتلة، ولحقت به عائلته، وما زال موجوداً في فلسطين المحتلة، ويجنّد لبنانيين لمصلحة العدو. إذاً استطاع العميل أحمد نصر الله أن يزرع هذه التركيبة بتوجيه من العدو الإسرائيلي».بعدها بُثّ فيديو للعميل أحمد نصر الله يسرد فيه هذه التفاصيل، ما عدّه نصر الله «شاهداً على بداية التلفيق الإسرائيلي (...) والرئيس الشهيد لم يبلّغ فقط غازي كنعان، بل الفريق في سوريا، وله أصدقاء فرنسيون وسعوديون، وقد تمكّن العدو من أن يزرع في ذهن الكثيرين وجود هذا المخطط». ثم ذكّر نصر الله بالاتهام الإسرائيلي لحزب الله، «منذ 14 شباط 2005 الإسرائيليون سارعوا إلى اتهامنا وأبقوا هذا الاتهام في السنوات الماضية عبر دير شبيغل وغيرها، ونشاهد تقريراً مختصراً من الاتهام الإسرائيلي لحزب الله».
قرائن الاتهام
عناصر من الجيش اللبناني في موقع عملية أنصارية (أرشيف)وبعد عرض الفيديو، انتقل نصر الله إلى الجزء الثاني من مؤتمره الذي قدّم فيه قرائن تتيح اتهام العدوّ الإسرائيلي بالاغتيال. فتحدّث أولاً عن قدرة إسرائيل «ولا أعتقد أننا بحاجة إلى الاستدلال على أن إسرائيل تملك القدرة على القيام بهذه العملية وغيرها مما حصل بعد اغتيال الحريري».الدافع كان المعطى الثاني «الكلّ يعلم أن عداوة إسرائيل للمقاومة قوية ومريرة وشديدة، والعدو يهمه أن يستفيد من أي فرصة للقضاء على المقاومة أو نزع سلاحها، ولإسرائيل عداوة مع سوريا لأنها تمانع تسوية شاملة تضيع حقوقنا فيها، ولأنها تساند المقاومة». ونقل نصر الله عن «الرئيس السوري بشار الأسد أنه قبل أسابيع من صدور القرار 1559، زاره قائد عربي، وقال له إن المسؤولين في الولايات المتحدة الأميركية والغرب لا يمانعون بقاء القوات السورية في لبنان، ولكن شرط أن تنزع سلاح «حزب الله» وسلاح المخيمات الفلسطينية، وقد كان جواب بشار الأسد أن المقاومة جزء من الأمن الاستراتيجي لسوريا، وأن إسرائيل اجتاحت لبنان ولم تستطع نزع سلاح المخيمات». أضاف: «صار لزاماً حصول حدث ضخم لإخراج سوريا من لبنان وعزلها وضربها، فكان اغتيال الرئيس الحريري في 14 شباط 2005، واستُخدم هذا الاغتيال لإخراج سوريا يومها، وسيستخدم اليوم في محاصرة المقاومة لنزع سلاحها».الأمر الثالث هو «الأسلوب الإسرائيلي في العمل الذي سيساعد في فهم الإشارات التي سأتحدث عنها. عندما يريد الإسرائيلي الإعداد لعملية يعتمد على الاستطلاع الجوي في المدن والبيوت والمنازل وحركة الأفراد وانتشار القوات المسلحة وقدرتها على السيطرة الفنية من كاميرات وهواتف خلوية. وفي الاستطلاع الميداني يعتمد الإسرائيلي على العملاء والجواسيس، ولا يكتفي بالصور الجوية، بل بالدعم اللوجستي من خلال إدخال متفجرات وأسلحة إلى ساحة العملية للتنفيذ. أليس لإسرائيل نشاط استخباري وعملياتي على الساحة اللبنانية. البعض كان يتعاطى بأنه لا نشاط للعدو وأنه لا علاقة له بالاغتيالات، ووجّهت أصابع الاتهام إلى سوريا، وعندما نجيب عن هذا السؤال نستطيع الوصول إلى جواب ما. نبدأ من العملاء الذين اعتُقل أغلبهم بين عامي 2009ـــــ2010، وهنا أتحدّث عن نماذج، واعترافاتهم عند الأجهزة في محاضر رسمية، وبعض هذه المضامين سُرّبت وكُتبت في وسائل الإعلام».
توقف نصر الله عند اعترافات ستة عملاء والمهمات التي كان يطلبها منهم مشغّلهمهنا توقف نصر الله عند اعترافات ستة عملاء (راجع الكادر)، والمهمات التي كان يطلبها منهم مشغّلهم الإسرائيلي، وخصوصاً لجهة الاستطلاعات الميدانية التي تسبق تنفيذ العمليات عادة، مشيراً إلى أمر مهم جداً هو السؤال عن موقع الشاطئ البحري بالنسبة إلى الهدف، وعن استقبالاتهم للإسرائيليين وإيوائهم إياهم في منازلهم، ونقل حقائب أسلحة وذخائر. كذلك أشار إلى تبنّي تنظيم جند الشام اغتيال الشهيد غالب عوالي في محاولة لزرع الفتنة السنّية ـــــ الشيعية. وقال: «هؤلاء العملاء لديهم هذه الاعترافات عند الأجهزة اللبنانية، في ظلّ الدولة الحالية، وهذه بعض من اعترافاتهم. أنا أدعو إلى أن تقوم جهة ما بجمع كل اعترافات هؤلاء العملاء والقيام بقراءة معمّقة لنشاط العملاء على الساحة اللبنانية، ومن يرد الحقيقة في اغتيال الحريري يجب أن يبدأ من هنا».ثم تطرّق إلى ملف الاتصالات، إذ تبيّن «بعد توقيف عملاء في هذا القطاع أن العدوّ سيطر سيطرة كبيرة على قطاع الاتصالات، وهم يستطيعون تحديد حركة أي شخص ومكانه إذا كانوا يريدون استهدافه (...) وفي موضوع الاستطلاع الجوي، الإسرائيلي لديه قدرة معروفة وعالية في هذا المجال، مع تنوّع طائرات الاستطلاع، لأن الإسرائيلي من أهم الدول المصنّعة لهذه الطائرات، ولديه تطور تقني عال جداً، وهو يصوّر في لبنان الأماكن المستهدفة، ويُعتمد الاستطلاع الجوي كحجر زاوية قد يُستكمل باستطلاع ميداني».من هنا انتقل نصر الله ليكشف سرّ عملية أنصارية، فقال «قبل عام 1997 تمكّنت المقاومة من التقاط بثّ طائرة الـ«أم ك» وهي تصوّر في جنوب لبنان، وترسل الصور إلى إسرائيل. تمكنّا من الدخول إلى خط هذا الإرسال، وأصبح هناك إمكانية أن تصل مباشرة إلى غرفة عملياتنا الصور التي تصل إلى العدو، وهذا كان إنجازاً فنياً. احتفظنا بهذا الأمر لأنفسنا، والتقطنا الصور، وكانت البداية صعبة، لأن قراءة الصور والفيديو صعبة، لا يستطيع أي إنسان، وإن التقط هذه الصور، أن يفهمها مباشرة، ولم تكن قدراتنا الفنية تتيح أن نلتقط كل ما ترسله طائرات الاستطلاع في آن واحد، وأعتقد أنه بعد حادثة أنصارية اتخذ العدو إجراءات احتياطية، فشفّر البث. التقط الإخوة صوراً جوية لطائرة استطلاع إسرائيلية تصوّر من الشاطئ باتجاه البساتين وتمشي خلف طرق معينة إلى أن تصل إلى مكان يؤدي إلى طريق أنصارية. عُرف المكان وافترضنا أن الإسرائيلي سيقوم بعملية في المنطقة، فنصبنا كميناً على هذه الطريق لعدة أسابيع. وفي 5 أيلول 1997 جاء كوماندوس إسرائيلي وسار في الطريق المستطلع وصولاً إلى المكمن الذي أعدّه الإخوة وحصلت المواجهة. ويبدو أن العدو كان يحمل عبوات، وتدخلت المروحيات الإسرائيلية لإنقاذ من بقي وإخراج الجثث وتمكن من سحب الجثث والجرحى وستشاهدون أن لدينا صوراً من طائرة الاستطلاع، لم نتمكن من تصوير ساحة العملية».وبعد عرض فيديو لعملية أنصارية، قال نصر الله إن «هذه المحصلة تعطي صدقية لهذه الوسيلة وتؤكد أن عملية الاستطلاع الجوي كانت تمهيداً لعملية أمنية. هذا نموذج ونبني عليه، وسنقدّم نموذجين عن عمليتي استطلاع جوي تحضيراً لعمليات اغتيال، حيث وُضعت لاحقاً عبوات للاغتيال، وسنعرض صوراً للتحضير ولكن ليس لدينا صور لموكب الأخ الذي استهدف، وما سنعرضه هو المقدمات التي اعتمدها الإسرائيلي».نصر اللّه خلال مؤتمره الصحافي أمس (مروان طحطح)وعرض صوراً من علمية رصد علي ديب (أبو حسن سلامة)، وصور الاستطلاعين الأول والثاني للشهيد محمود المجذوب. وبناءً على ذلك دخل نصر الله في الشق المرتبط بموضوع الرئيس الشهيد رفيق الحريري. قال: «بعد استشهاد الحريري زرت عائلته في قريطم وطلبت العائلة مني أن يساعد حزب الله في التحقيق وشكلنا لجنة مشتركة شارك فيها بعض قياديي حزب الله وممثّل عائلة الحريري وسام الحسن، وجرت قراءة مسرح الجريمة وقُدمت للجنة معطيات عن تحرّك الحريري وأُعدت دراسة أوّلية عن تلك العملية. حصلت تطورات سياسية فانتهى الأمر عند هذا الحد بعدما اتهمت سوريا، إلى أن جاء موضوع «دير شبيغل» وانكشف شهود الزور وبدأ الاتهام يسير بالاتجاه الجديد. زعماء في لبنان سمعوا من مسؤولين في العالم ما ذكرته أنا. شكلنا فريقاً وقلنا له لنبحث جدياً وخصوصاً بعد توافر معطيات العملاء التي تعطينا مؤشراً تجاه العمل الإسرائيلي، وربما يكون العملاء الذين نفذوا عمليات سُحبوا إلى خارج البلاد. من جملة الأفكار التي طُرحت أن لدينا أرشيفاً لمناطق مختلفة، تعالوا لنرجع إلى الأرشيف وما سبق 2005، ونطابق بين خريطة حركة الحريري والأماكن التي يذهب إليها. بقينا نعمل ما يقرب السنة، وفي الأسابيع الاخيرة تعرّض الإخوة لضغط شديد، وأمضوا مئات الساعات لقراءة الفيديو، ووصلنا إلى نتائج مهمة جداً ولافتة جداً، وإذا جمعنا ما وصلنا إليه مع السوابق التي تحدثنا عنها، نصل إلى اتهام إسرائيل، وسنعرض مشاهد لطائرات استطلاع أغلبها فوق بيروت وهي نماذج لعمليات استطلاع إسرائيلية في عدة أزمنة، ويرتبط الاستطلاع الذي سنعرضه بمدينة بيروت والثاني لطريق الحريري إلى فقرا والثالث لمدينة صيدا، وخصوصاً استطلاعات للمنعطفات حيث تصبح حركة السيارات بطيئة».وبعد عرض ثلاثة شرائط فيديو لهذه الأماكن سأل نصر الله: «عندي سؤال كبير في كل المناطق التي يستطلعها الإسرائيلي، هل تعرفون مراكز لحزب الله أو أماكن تجمّع له أو لقيادييه؟ لماذا يتابع الإسرائيلي هذا الطريق وفي أوقات متفاوتة في السان جورج وبالقرب من الشاطئ حيث يعطي للإسرائيلي إمكانية للقيام بأي عمل اغتيال، وهل هذه صدف فقط؟».وتعليقاً على صور الرصد الإسرائيلي للطريق بين بيروت وفقرا سأل: «في تلك المنطقة ليس هناك أحد من المقاومة، ولا أحد يتردّد على تلك المنطقة او يستخدم هذا الطريق، هذا الطريق ليس لنقل عتاد لحزب الله، إذاً لمن يُستطلع هذا الطريق؟».ورأى أن «هذه الصور والأفلام في أزمنة متعددة وفي أماكن متعددة لا يمكن أن تكون على سبيل الصدفة، ومن يقوم بهذا الاستطلاع يحضر لعملية استهداف».
تجاهل هذه المعطيات يؤكد اتهامنا للمحكمة الدولية بالتسييسوتعقيباً على الافلام التي عرضت قال نصر الله «إنها لم تكن على سبيل الصدفة»، وقال: «حصلنا على صور طائرة «الأواكس» وحركة سلاح الجو الإسرائيلي يوم حصول اغتيال رفيق الحريري في 14 شباط 2005 وعرض الفيلم المصور وبالمواقيت المحددة بالساعة والدقيقة للنشاط الحربي الإسرائيلي وطائرة «الاواكس» مقابل سواحل بيروت ونشاط الكتروني إسرائيلي قبالة شواطئ بيروت». وأضاف إنه رُصدت طائرة تجسّس بعد الانفجار بيوم واحد. وذكر نصر الله أن بإمكان لجنة التحقيق الدولية الحصول على خريطة رصد حركة الطيران الإسرائيلي او تطلبه من إسرائيل او دول صديقة لها لديها رادارات، قبل أن يصل إلى ما سمّاه القرينة الأخيرة عن دليل في الأسابيع الأخيرة يرتبط بأحد العملاء التنفيذيين «اسمه غسان جرجس الجد الذي آوى مجموعة مرتبطة باغتيال غالب عوالي في بيته (أو الشهيد علي صالح) وحصلنا على معلومات مؤكدة أنه كان في منطقة العملية في السان جورج في جورج في 13 شباط 2005».وبعد عرض فيديو عن العميل غسان الجد وأبرز نشاطاته وعمله، قال نصر الله إن المعلومات التي جمعت عن هذا العميل قُدمت إلى الأجهزة الأمنية اللبنانية قبل أن نحصل على المعطى المرتبط بالسان جورج في 13 شباط، لكن هذا العميل فرّ من لبنان قبل أن تعتقله الأجهزة الأمنية اللبنانية».وفيما رفض الكشف عن طريقة تحديد مكان الجدّ في 13 شباط 2005، قال «نحن لدينا أدلتنا، وإذا أنشئت في يوم من الأيام لجنة تحقيق غير مسيّسة فسيكون ذلك جزءاً مما يمكن أن نتعاون عليه».وختم: «أنا لا أدّعي أننا نقدم دليلا قطعياً، نحن نقدم قرائن ومؤشرات ومعطيات، أسئلة تفتح آفاقاً جديدة للتحقيق. وإذا كان هناك حقيقة من يريد أن يصل إلى الحقيقة يجب أن يحمل هذه المعطيات ولأول مرة يُفتح الباب للتحقيق مع الإسرائيلي بعد مضيّ خمس سنوات وما يزيد على عملية الاغتيال. هذا بعض ما عندنا ونحتفظ ببقية لزمن آخر لأننا في زمن غادر وماكر. هذه المعطيات التي وفرها اعتقال العملاء 2009ـــــ2010 ساهم أن نتجه بقوة في هذا الاتجاه ولذلك كان تقديم هذه المعطيات الآن. ولو لم نكن مضطرين إلى تقديمها الآن لاحتجنا إلى بعض الوقت لاستكمال معطيات أمتن وأفضل يمكن أن نقدّمها».ثم فتح باب الحوار، فسئل عن موقف المقاومة وحزب الله إذا تجاهلت لجنة التحقيق الدولية هذه المعطيات والتحقيق مع إسرائيل فقال «التجاهل يؤكد اتهامنا لجنة التحقيق بالتسييس». كما سئل عن تقديم المعطيات التي وردت إلى لجنة التحقيق الدولية، فأجاب: للأسف نحن لا نثق بهذا التحقيق، نحن حاضرون لإعطاء هذه المعطيات إلى الحكومة اللبنانية. وسئل متى ساءت العلاقة مع قريطم. قال: منذ حرب تموز، قبلها كنا على تواصل دائم وتناولت العشاء ذات مرة مع سعد الحريري في قريطم مع أصدقاء. وسئل عما اذا كانت المحكمة تستأهل كشف سر من أسرار المقاومة كعملية أنصارية قال: «حماية لبنان وحماية المقاومة أمام ما يتهددهما من أداء المحكمة الدولية يستأهل بذل الدماء وليس كشف الأسرار فقط».
ابراهيم الأمين لأول مرة منذ زمن بعيد، يلجأ حزب الله الى الكشف عن وثائق ومعلومات تتعلق أساساً بالحرب الامنية المفتوحة منذ نحو عقدين بين المقاومة والعدو، تلك الحرب التي تطورت تطوراً غير مسبوق في الاعوام القليلة الماضية، والتي اتاحت للجانبين التعرف على امور كثيرة لا يعرفها لا الجمهور في لبنان ولا حتى الجمهور الاسرائيلي. قبل شهور عدة، عندما قررت قيادة حزب الله إعداد خطة مواجهة لمشروع القرار الدولي باتهام الحزب بالتورط في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، عقدت سلسلة من الاجتماعات المتخصصة في الجسم القيادي في حزب الله، بشقيه السياسي والامني التخصصي. وكانت الوجهة، إعادة رسم المشهد بطريقة اكثر تحديداً، والعمل بقوة، لا فقط على مواجهة الاتهام – الفتنة بالحملة السياسية، بل السعي الى تقديم اتهام بديل، هدفه ليس اصدار حكم قضائي، بل فتح تحقيق قضائي لبناني، او عربي، او دولي، يأخذ بالاعتبار احتمال تورط اسرائيل في الجريمة، وخصوصاً أن اتهام المقاومة، واستدعاء مكتب دانيال بلمار عدداً من كوادر الحزب من الذين تعرفهم إسرائيل وحدها، جعلا الحزب يتصرف بقوة على أساس أن الاتهام إسرائيلي المنشأ وإسرائيلي الاستهداف. العودة الى الارشيف وإعادة فرز المعطيات، وتجميع الاوراق والادلة وإعداد مخطط توجيهي لإنتاج مادة تفيد في السياق، أخذت جهداً كبيراً، خصوصاً أن الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، كما يعلم من هم داخل الحزب قبل خارجه، لا يمكنه التوجه الى قيادات الحزب ولا الى الجمهور بأي أمر لا يكون واثقاً من صحته، فكيف إذا كان عليه توجيه الاتهام لإسرائيل في قضية شديدة الحساسية مثل اغتيال الحريري. فكانت عبارته المحددة للكوادر العاملين في الملف: لن أقول كلمة ليس لها سند مادي صلب، على شكل وثيقة أو تسجيل صوتي أو مصور. على هذا الأساس بدأ العمل، وأعدت خلال فترة غير قصيرة مجموعة كبيرة من الوثائق التي تفيد في الموضوع، وجرى فرزها والتثبت من محتواها، وعرضها لدراسة أهميته ومدى إفادتها. وفي هذه العملية، كانت الامور تجري من دون تحفظ، أي إن الفريق عمل على كل ما لدى الحزب، قبل أن تحصل عملية الفرز التي قضت بإهمال كل دليل مشكوك فيه، وإهمال كل إشارة لا يمكن التثبت منها، وأكثر من ذلك إعداد لائحة بيانية بالموجودات ومصدرها، وهو الامر الاكثر حساسية، لأن على قيادة حزب الله أن تتخذ قراراً هو الاول من نوعه، إذ إن بعض الوثائق تم الحصول عليها من خلال مصادر معينة، تقنية أو بشرية أو غير ذلك، وبالتالي فإن استخدامها قد يعرّض هذه المصادر للخطر، أو قد يفتح أعين العدو وأعين القريب. في فترة من الوقت كان على قيادة الحزب والسيد نصر الله خاصةً اتخاذ القرار في هذه النقطة، وهي التي تبيّن أنها تشمل اموراً شديدة الحساسية، الى ان تقرر اختيار ما يجب ان يظهر كعنصر داعم للفكرة الاساسية. ولأنْ لا احد يعرف تفاصيل ما عرض فإن المؤتمر سوف يظهر للجمهور تفاصيل ما اتفق على استثنائه من لائحة «الاسرار غير المسموح بتداولها».
الخطوة التالية، كانت إعداد الامر على صورة مؤتمر صحافي. وجرى تقسيم الملف الى جزءين اشار السيد نصر الله في خطابه الاخير إليهما: واحد يتعلق باتهام إسرائيل، وثانٍ يتعلق بالتلاعب في عمل لجان التحقيق الدولية. وتقرر يومها إعداد ملف متكامل لكي يعرض في مؤتمر صحافي يظهر فيه السيد نصر الله على شكل أستاذ يشرح درساً في القانون والسياسة، ثم العمل على إعداد الآلية التي تتيح قول ما يجب قوله، خصوصاً أن التقدير الاولي يشير الى حاجة نصر الله إلى ما يتجاوز أربع ساعات لقول كل ما لديه. لكن تم التفاهم سريعاً على ان يتولى السيد شرح بعض الامور بكامل تفاصيلها، وترك ملفات اخرى، يتولى هو الاشارة الى عناوينها والى تفاصيلها بإيجاز، ويترك لقياديين آخرين من الحزب التحدث عنها تفصيلاً. وأكثر من ذلك، لجأ نصرالله الى الاستعانة بآراء جهات قانونية لاجل تقديم رأي في هذه المعلومات والوثائق على اساس انها قابلة للنقض، وسمع الملاحظات الاساسية. حتى انه وخلال الاجتماع الاخير برئيس المجلس النيابي نبيه بري طلب اليه ان يقول رأيه في هذه المعلومات على اساس انه محام وليس رئيسا للمجلس النيابي. ورد بري بعد الاطلاع انه في حال عرضت عليه هذه المعلومات فسوف يطلب فورا العمل على تحويله عناصر اتهامية. إثر الخطاب الذي سأل فيه نصر الله عن معلومات فرع المعلومات عن الموقوف شربل ق. حصلت تطورات سياسية كبيرة في البلاد. وبعد ثلاث خطب ومؤتمر صحافي، والاشارة إلى المؤتمر الصحافي الاخير، بدا أن الفريق الآخر استحق الأمر، وسارع الرئيس سعد الحريري الى التواصل مع قيادات في المنطقة كما في سوريا مثيراً الامر. فكانت الاستجابة السعودية بأن يتولى الملك عبد الله شخصياً رعاية الحل، خصوصاً أن الحريري وضع السعوديين في أجواء أن حزب الله يخطط لعملية انقلابية تطيح الحكومة في البلاد. ولفت الحريري انتباه الملك إلى ان سوريا وحدها القادرة على وقف هذا المشروع. حصلت التطورات التي يعرفها الجميع، وصل نجل عبد الله ومساعده عبد العزيز الى دمشق وبدأ ترتيبات اللقاء، وقال للأسد إن الملك يرغب في أن يرافقه في زيارة قصيرة الى بيروت يكون هدفها التهدئة. لم يمانع الأسد ولكنه قال إنه يريد أن ينتظر نتائج اجتماعه بالملك. فهم عبد العزيز أن الامور قد لا تجري بالطريقة المقترحة. ولما عاد الى والده كان الأسد قد سافر الى بيلاروسيا، وهناك تلقى اتصالاً من عبد العزيز مذكراً إياه بطلب الملك مرافقته الى بيروت، فرد الأسد بجواب دبلوماسي لا يثبت الأمر، فما كان من عبد العزيز الا ان ابلغ الاسد ان الملك يريد ان يتحدث معه مباشرة. وعلى الهاتف اصر الملك على الاسد ان يرافقه الى بيروت، فرد الاسد بإيجابية بدت للملك السعودي غير حاسمة، فكان ان طلب منه على الطريقة العربية وعداً فقرر الاسد عندها مرافقته الى بيروت. جاء الملك الى دمشق وعقد الاجتماع الاساسي مع الأسد الذي استمر أكثر من 3 ساعات أرسل بعدها نجله الامير عبد العزيز الى بيروت لوضع الحريري في الاجواء، قبل ان يعود ويجري استكمال التحضيرات لزيارة الملك والاسد لبيروت. وكان الملك يريد ان يرافقه الاسد لأن في ذلك ما يعزز الصورة التي تطمئن الحريري وبقية فريق 14 آذار. وتم التوافق على ان القرار الظني المفترض صدوره يمثّل خرقاً كبيراً للهدوء، وقد يؤدّي إلى كارثة كبرى. وقال الاسد صراحة للملك السعودي انه لا يمكنه تقديم اي نوع من الضمانات حول مصير الحكومة او الوضع السياسي في لبنان ان لم يتم تدارك الموقف. عندها سارع الفريق الاخر الى تقديم جملة مقترحات حاولت في المرحلة الاولى التركيز على فكرة تأجيل اصدار القرار الظني، ولما ابلغ حزب الله دمشق بأنه يرفض مجرد النظر في الامر، قال الملك السعودي انه سيعمل كل ما بوسعه للانتهاء من الامر نهائياً.
بعدها بدأ الحديث عن التهدئة. وقيل لسوريا وحزب الله «ان السعودية استجابت لطلبكما، نصر الله استهدف من خطابه دق ناقوس الخطر ونحن استجبنا، فاتركوا لنا مجالاً للعمل». وهذا يعني حكماً ان يتوقف حزب الله والسيد نصر الله تحديداً عن اثارة بعض الملفات الخاصة بالمحكمة الدولية وبالتحقيق الدولي وملفات شهود الزور لأن فيها ما يصيب الجميع دفعة واحدة، وهو ما تم الاتفاق عليه. بعدها عاودت قيادة حزب الله الاجتماع، وعملت على فرز الوقائع التي بين ايديها، وتقرر عندها تقسيم الملف الى جزءين منفصلين، واحد يتعلق بشهود الزور وبعمل لجان التحقيق الدولية وهو الذي يتضمن معلومات في غاية الخطورة، ويؤجل بانتظار نتائج المساعي السعودية، والآخر منفصل ويتعلق باتهام اسرائيل بالتورط في جريمة الاغتيال، وهو الذي اعيد البحث فيه وتقررت مواده، بما في ذلك قرار الكشف عن أسرار عملية أنصارية الشهيرة التي وقعت في 5 ايلول 1997، حين وصلت قوة كوموندوس اسرائيلية من وحدة الشييطت البحرية الى شاطئ انصارية للقيام بعمل امني ما، فإذا بها تقع في كمين محكم نصبه حزب الله في إطار عملية امنية معقدة، أدت الى مقتل جميع ضباط الفرقة وعناصرها. بالاضافة الى عملية أنصارية، فإن الحزب قرر كشف ملف خاص يتعلق بأحد العملاء الذين عملوا على إيهام الرئيس الحريري بأنه سيكون عرضة لعملية اغتيال من حزب الله. وقد لوحق واعتُقل وصوّرت اعترافاته قبل أن أن يُسلم إلى الجهات الرسمية حيث أوقف لمدة ثم فر في ظروف غامضة إلى إسرائيل حيث لا يزال هناك.
... ويلتقي حمود ويتابع قضايا عكارواصل الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله لقاءاته السياسية، واستقبل امس إمام مسجد القدس في صيدا الشيخ ماهر حمود وعرض معه الاوضاع العامة، والمناخات السائدة في البلاد، وكان تفاهمٌ على أهمية الوحدة الداخلية وعدم وجود قدرة لأحد على افتعال فتنة مذهبية تنال من المقاومة. ثم استقبل نصر الله وفداً من عكار ضم النواب السابقين وجيه البعريني ومحمد يحيى ومصطفى حسين، وعرض معهم للتطورات في لبنان، وتوقف عند الوضع في منطقة عكار، حيث استمع نصر الله من الوفد الى شرح عن الواقعين السياسي والاجتماعي لتلك المنطقة، وما جرى بين الانتخابات النيابية والانتخابات البلدية، وعن كيفية نجاح قوى المعارضة في الوصول الى الفوز بغالبية البلديات ورئاسة الاتحادات في تلك المنطقة. كذلك كان عرضٌ للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية مع تفاصيل كثيرة أظهرت للوفد أن الأمين العام لحزب الله يملك صورة مفصلة عن واقع القرى والبلدات هناك ويعرف تفاصيل كثيرة عما يجري، وجرى التشاور في آليات تحسين التعاون السياسي بين الافرقاء كافة.
أعلن الأمين العام للأمم المتحدة في 13 أيار 2005 تعيين المدعي العام لمدينة برلين، ديتليف ميليس، رئيساً للجنة التحقيق الدولية في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري. رحّبت قوى سياسية لبنانية يومها بذلك، وأشادت بمضمون التقريرين اللذين وضعهما، واللذين أشارا إلى ضلوع سوريا وحلفائها في لبنان في جريمة اغتيال الحريري. لكن ميليس كان قد اتهم سوريا وإيران بالضلوع بالإرهاب قبل نحو أربع سنوات من ذاك التاريخ (تشرين الأول 2001)، إثر مرافعته أمام محكمة ألمانية في قضية تفجير وقع في برلين عام 1986.ولدى مراجعة أعمال التحقيق التي قام بها، يتبين أن المنحى السياسي يطغى على الأسلوب الجنائي المحترف. وبدا ذلك واضحاً في التحقيق في جريمة تفجير برلين، ومن خلال تراجعه عن طلب توقيف محمد ع. الذي أقرّ محاميه بأنه عميل للموساد الإسرائيلي.بدأت القضية ليل الخامس من نيسان 1986 حين انفجرت عبوة ناسفة في لابيل ديسكو (Labelle Disco) في برلين. أودى الانفجار بحياة عنصرين من القوات المسلّحة الأميركية المتمركزة في ألمانيا الغربية وامرأة تركية، إضافة إلى مئات الجرحى.عشرة أيام بعد الانفجار، وفي مطلع التحقيق القضائي لتحديد المسؤولين عن الجريمة، أغار الطيران الحربي الأميركي، طبقاً لأوامر الرئيس الأميركي رونالد ريغان، على مدينتي طرابلس الغرب وبنغازي في ليبيا، ردّاً على تفجير برلين. أدّى القصف الأميركي إلى استشهاد ثلاثين شخصاً، بينهم أطفال.انطلق التحقيق الألماني، لكن لم تتمكّن السلطات القضائية من جمع الأدلّة وإدانة المتّهمين إلا بعد 15 سنة من التحقيقات المتواصلة. وشملت التحقيقات أشخاصاً مقيمين في لبنان. وتوصّل ميليس عام 2001، إلى النتيجة نفسها التي توصّل إليها الرئيس رونالد ريغان بعشرة أيام عام 1986. لكن لسوء حظّ ميليس في 2001، قرّر جورج بوش تخطي مرحلة اعتبار ليبيا دولة راعية للإرهاب وعدم احتسابها من بين دول «محور الشرّ» (إيران والعراق وكوريا الشمالية) أو الدول المتهمة بدعم الإرهاب (سوريا والسودان)، ما يفسّر عدم تعاون الأجهزة الاميركية تعاوناً كاملاً مع المحقّقين الألمان في قضية تفجير لابيل ديسكو. والدليل على ذلك إعلان القاضي الألماني بيتر مارهوفر لجريدة «يو أس إيه توداي» الأميركية (13 تشرين الثاني 2001) أن «المحكمة فشلت في إثبات أن القذافي كان وراء العملية؛ لأن أجهزة الاستخبارات الألمانية والأميركية رفضت تقديم الأدلّة الكافية لإدانته». لكن المحكمة الألمانية أدانت الفلسطيني ياسر الشريدي والليبي مصباح العتر واللبناني علي شنّع وزوجته السابقة الألمانية فيرينا، وعدّتهم جميعاً ضالعين بالجريمة. وصرّح ميليس يومها: «من نافل القول أن السلطات الليبية هي التي رتّبت الهجوم»، وهو تصريح يتطابق مع ما أدلى به الرئيس ريغان بعد ساعتين من بدء القصف على ليبيا، حيث قال في خطاب مباشر عبر شاشات التلفزيون إن لديه أدلّة «مباشرة ودقيقة وأكيدة» على تورّط ليبيا بعملية التفجير في برلين.قبل عرض التساؤلات عن عمل ميليس في قضية تفجير برلين، نتطرق إلى واقعتين كان قد كشف عنهما بعد سقوط حائط برلين عام 1989 من أرشيف ووثائق سلطات ألمانيا الشرقية المنحلّة:
غيرهارد ليمان رفض تقديم معلومات عن مصادره إلى المحكمة الألمانيةأولاً، تكشف ملفات وزارة خارجية ألمانيا الشرقية أن الإدارة الأميركية أبرقت إلى سلطات ألمانيا الشرقية قبل أيام قليلة من وقوع الانفجار محذرة من «مؤامرة» ليبية يُعَدّ لها. وكان الضابط المسؤول عن القوات المسلّحة الأميركية في برلين قد نبّه جنوده قبل ليلة الانفجار إلى اتخاذ الحيطة، وطلب منهم عدم التردّد إلى الأماكن التي يذهبون إليها عادة.ثانياً، تكشف سجلات الاستخبارات الروسية (ك. ج. ب.) أن العميل محمود أ.ج. ومعاونه محمد ع. هما من بين المخطّطين لعملية تفجير لابيل ديسكو.في أيار عام 1996، طلب ميليس توقيف ياسر الشريدي المقيم في لبنان، ونقله إلى ألمانيا للتحقيق معه على أساس أن الادعاء الألماني يمتلك معلومات كافية عن ضلوعه في عملية التفجير. وكان الشريدي يعمل سائقاً في السفارة الليبية في برلين الشرقية عام 1986.اعتقلت السلطات اللبنانية الشريدي وسلّمته إلى الألمان. وقال المدعي العام اللبناني آنذاك، القاضي منيف عويدات، لمجلّة «فرونتال» الألمانية إن «الأميركيين كانوا وراء طلب توقيف الشريدي». وأضاف مراد عازوري، بحسب المجلّة نفسها، أن القضاء اللبناني لم يحصل يومئذ على أدلّة تثبت تورّط الشريدي في الهجوم الإرهابي، ويقول إن المعلومات التي قدّمها الألمان كانت ترتكز على إشارات، لا على أدلّة واضحة.أُحضر الشريدي إلى ألمانيا وقدّم ميليس محاضرَ التحقيق إلى المحكمة للمباشرة بمحاكمته. لكن القاضي لم يجد الأدلّة كافية وأعرب عن نيّته إطلاق سراح الشريدي في حال عدم تقديم الادعاء مزيداً من الأدلّة خلال فترة زمنية لا تتعدّى ثلاثة أسابيع.في التاسع من أيلول عام 1996، رُتّب اجتماع عاجل في جزيرة مالطا حضره ميليس والمحقّق في الشرطة الألمانية أوفيه فيلهلمس وضابط من الاستخبارات الألمانية يدعى فينترشتاين ومصباح العتر الذي كان موظّفاًً في السفارة الليبية في برلين الشرقية عام 1986. وافق العتر بعد الاجتماع على إدانة الشريدي أمام المحكمة الألمانية بتهمة الضلوع في عملية التفجير مقابل العفو عنه في القضية. وسافر العتر إلى ألمانيا وقدّم إفادته أمام المحكمة قبل أن ينتقل إلى روما حيث اعتقل عام 2000 بعدما قرّرت المحكمة الألمانية توقيفه بتهمة الضلوع بعملية التفجير لعدم اعترافها بنتائج الاجتماع الذي عقد مع ميليس في مالطا عام 1996. اعتقلت الشرطة الإيطالية العتر وسلّمته إلى الألمان. وشرحت المتحدّثة باسم القضاء الألماني ميكاييلا بلومي يومها أن أسباب عدم اعتقال العتر مباشرةً بعد تقديم إفادته أمام المحكمة «ليست واضحة».بعد مرور أشهر قليلة على اعتقال مصباح العتر عام 2001، حكمت المحكمة الألمانية عليه وعلى الشريدي وشنّع وزوجته السابقة فيرينا بجريمة تفجير لابيل ديسكو عام 1986 وأقفلت القضية. وصرّح ميليس أمام المحكمة الألمانية في الرابع من تشرين الأول 2001 بأن الاستخبارات ووزارة الخارجية الليبية هما الجهتان المسؤولتان عن التفجير. وفي التصريح نفسه، شبّه ميليس ذلك التفجير الليبي في برلين بتفجيرات أخرى حصلت في الثمانينيات في أوروبا، واتهم سوريا وإيران بالضلوع فيها. كذلك اتهم ميليس ليبيا وسوريا وإيران بالضلوع في «إرهاب الدولة».لكن المفارقة أن الحكومة الألمانية كانت قد منعت مايكل شتاينر، معاون المستشار الألماني غيرهارد شرودر للسياسة الخارجية، والسفير الألماني السابق في واشنطن جرغن شتروبوك، من الإدلاء بإفادتيهما أمام المحكمة في قضية تفجير لابيل ديسكو. وكان شتروبوك قد كتب في برقية دبلوماسية (البرقية رقم 596 تاريخ 31 آذار 2001) أن شتاينر سبق أن أطلع الرئيس بوش ومسؤولين أميركيين في آذار 2001 على اعتراف معمّر القذافي بتفجير لابيل ديسكو.وكان غيرهارد ليمان، وهو ضابط تحقيق في مكتب التحقيق الفدرالي الألماني وعمل لاحقاً مساعداً لميليس في لجنة التحقيق الدولية في لبنان، قد صرّح أمام المحكمة في الاول من آذار 2001 بأن لدى مكتب التحقيق الفدرالي معلومات عن تورّط القذافي وأجهزة ليبية في عملية تفجير لابيل ديسكو. وعندما طلب منه تقديم تفاصيل عن تلك المعلومات وعن مصدرها الأساسي، رفض مدّعياً أنه ليس مخوّلاً إعطاء المزيد من المعلومات.لكن أبرز ما يدعو إلى التشكك بميليس جاء في 13 آذار 2001 حين طلب إحضار محمد ع. إلى المحكمة للاستماع إلى إفادته، وتقدّم محامي الدفاع عن الشريدي بالطلب نفسه في 10 نيسان 2001. لكن محمد ع. لم يوقف ويُحضر إلى المحكمة كما كان الحال مع الشريدي. وكان الرجل قد غادر ألمانيا عام 1990 إلى مدينة بيرغين النروجية. وعندما سأله صحافيون ألمان زاروه في النروج عن جهاز الاستخبارات الذي يعمل لمصلحته، رفض الإجابة. لكن المحامي المكلّف الدفاع عنه، أود دريفلاند، أعلن أن موكّله «رجل موساد». أما ميليس، فتراجع عن طلب إحضار محمد ع. إلى المحكمة!
بعد سنوات من التحقيق في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، ظهرت بعض نتائج عمل لجنة التحقيق الدولية. وما توصّل إليه المحققون الدوليون مبني في معظمه على ما أنجزته سلطات التحقيق اللبناني. كذلك هي التحقيقات في طريقة التفجير ومحاولة تحديد الانتحاري
حسن عليقيوم 12 تموز 2007، أصدر الرئيس الثاني للجنة التحقيق الدولية، سيرج براميرتس، التقرير الثامن الذي يلخّص أعمال اللجنة خلال الأشهر الثلاثة السابقة لتاريخ إصداره. وفي الفقرة الـ21 من التقرير، أعلنت اللجنة أن تحليلاتها أكدت استنتاجاتها الأولية بشأن طبيعة الانفجار الذي أدى إلى مقتل الرئيس رفيق الحريري يوم 14 شباط 2005. وبحسب هذه التحليلات، فإن انفجاراً وحيداً وقع يوم الجريمة، وهو ناجم عن عبوة ناسفة تقدر زنتها بنحو 1800 كلغ، كانت موجودة فوق الأرض. في اليوم التالي لصدور التقرير المذكور، كان أحد القضاة اللبنانيين يتصفح نسخة عنه. وصل إلى الفقرة الـ21، فكاد يغشى عليه من الضحك. لم يكن رجل القانون مسروراً بقدر ما كان يعبّر عن مرارة: «عندما قلنا قبل عامين وستة أشهر إن الانفجار وقع فوق الأرض، اتهمنا بالعمل لحساب الاستخبارات السورية وبالتواطؤ مع القتلة».القاضي المذكور كان أحد الذين أشرفوا على التحقيق في اغتيال الحريري. وفي الأيام التي تلت الجريمة، ناله ما أصاب غيره من المشرفين على التحقيق، من اتهامات بالتضليل ومحاولة حرف التحقيق. لكنه هو وغيره ممن شاركوا في التحقيقات، خلال الأشهر الثلاثة الأولى التي أعقبت الجريمة، مقتنعون بأن ما أنجز في تلك الفترة هو ما يمكن الاستناد إليه للوصول إلى معطيات جدية. ويتحدث أمنيون وقضاة معنيون بالتحقيق في تلك الفترة عن ثلاثة مسارات تحقيقية جدية، هي تقارير خبراء المتفجرات والفحوص المخبرية للأشلاء، وسيارة الميتسوبيشي، وتحليل الاتصالات. وبحسب هؤلاء، فإن لجنة التحقيق الدولية لم تفتح بنفسها أياً من تلك المسارات، بل إنها استندت إلى ما أنجزته السلطات اللبنانية، من دون أي إضافات في بعض الأحيان.
كيف بدأ التحقيق في الجريمة؟
من اللحظة الأولى لاغتيال الحريري، ظهر إلى العلن مطلب وضع التحقيق في أيدي جهة دولية. معارضو «النظام الأمني اللبناني ـــــ السوري» اجتمعوا في منزل الحريري في قريطم يوم الجريمة، مطالبين بتأليف لجنة دولية للتحقيق. وصدرت دعوات مشابهة، يوم 14 شباط 2005 وفي اليوم الذي تلاه، من السعودية وأوروبا والولايات المتحدة الأميركية.تلاحقت المطالبات بالتحقيق الدولي، لتصل إلى ذروتها مع اجتماع البريستول الذي شهد انطلاقة ما سمّي «انتفاضة الاستقلال»، يوم 18 شباط 2005، وهو اليوم الذي أعلن فيه الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان تأليف لجنة لتقصّي الحقائق، برئاسة المحقق الإيرلندي بيتر فيتزجيرالد. كان ذلك قبل أن يبدأ التحقيق الفعلي بالجريمة، وقبل أن تظهر أخطاء الأجهزة الأمنية اللبنانية.كان الارتباك واضحاً في التحقيق اللبناني، و«في اليوم الأول، لم يكن بين المحققين من يجرؤ على تحمل مسؤولية أي خطوة يجب عليه القيام بها»، بحسب أحد الذين شاركوا في التحقيقات. ظهر الارتباك بعد أقل من 12 ساعة على وقوع الجريمة، وبالتحديد عندما صدر أمر نقل سيارات موكب الحريري من مسرح الجريمة إلى ثكنة الحلو، بإشارة من قاضي التحقيق العسكري الأول الرئيس رشيد مزهر، لـ«الحفاظ عليها»، بحسب أحد المعنيين بالقضية. في ذلك الحين، جرى تقاذف المسؤولية بين القاضي رشيد مزهر الذي كان لا يزال مشرفاً على التحقيق إلى حين تعيين القاضي ميشال أبو عراج محققاً عدلياً، والمدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء علي الحاج، وقائد شرطة بيروت بالوكالة العميد ناجي ملاعب، وقائد لواء الحرس الجمهوري العميد مصطفى حمدان والمدير العام لوزارة الأشغال فادي النمار. فالأمر لم يقتصر على نقل السيارات بعد تصويرها في مكانها، بل تعدّاه إلى محاولة فتح الطريق، قبل أن يتدخل وزير الداخلية حينذاك سليمان فرنجية، والمدير العام للأمن العام اللواء جميل السيد، لمنع فتح الطريق.لكنّ المحافظة على مسرح الجريمة لم تعنِ أن العمل كان على أتمّ ما يرام. ففي مسرح الجريمة، بقي زاهي أبو رجيلي ينزف أكثر من 10 ساعات، ولم يُعثَر على جثته إلا في اليوم التالي. وأبرز فضيحة سُجّلت حينذاك تمثّلت في عثور عائلة الراحل عبد الحميد غلاييني على جثته داخل مسرح الجريمة في اليوم الأول من آذار 2005!
لجنة التحقيق الدولية لم تفتح بنفسها أيّاً من المسارات، بل استندت إلى ما أنجزته السلطات اللبنانيةيقول أحد العاملين في التحقيق إن المستوى الأمني الأرفع في البلاد كان يعيش ارتباكاً غير مسبوق. وتحت الضغط السياسي الذي بدأ يتعرض له منذ اللحظة الأولى للانفجار، خشي عدد من المسؤولين المعنيين تحمّل المسؤولية عن التحقيقات. أضف إلى ذلك، يقول أحد الأمنيين المقرّبين من قوى 14 آذار، كانت بنية الأجهزة اللبنانية تستند في حالات مماثلة إلى القرار الأمني السوري. وعندما ارتبك الأخير بفعل الجريمة، تخلخلت البنية الأمنية اللبنانية. وبين الأمنيين المفصليين في ذلك الحين، يضيف الأمني نفسه، من كان يشك في أن تكون الاستخبارات السورية ضالعة في تنفيذ الجريمة، وبناءً على ذلك، لم يجرؤ البعض على الغوص في التحقيقات، خشية الوصول إلى ما لا يجب معرفته! إلا أن هذا القول يناقض توجّه وزير الداخلية سليمان فرنجية، الذي أمر بفتح تحقيق في المفتشية العامة لقوى الأمن الداخلي لتحديد مكامن التقصير في التحقيقات. ولزيادة الاطمئنان عند آل الحريري، عهد فرنجية بهذا التحقيق إلى العميد أشرف ريفي.لكنّ الفوضى التي حكمت إدارة مسرح الجريمة في الأيام الأولى التي تلت وقوعها (كان مسرح الجريمة في عهدة فصيلة البرج التابعة للسرية الإقليمية الثانية في شرطة بيروت)، لم تمنع نشوء مسارات تحقيقية يصفها أمنيّو الزمن الحالي بأنها كانت جدية.فمنذ اليوم الأول، التقطت بعض الأجهزة الأمنية أنفاسها لتباشر تحقيقاتها. وأبرز من نشط في هذا المجال القطعات الأمنية الآتية:ـــــ قسم المباحث الجنائية العلمية في الشرطة القضائية في قوى الأمن الداخلي (كان يرأسه العميد هشام الأعور).ـــــ قسم المتفجرات واقتفاء الأثر في الشرطة القضائية (كان يرأسه العميد عبد البديع السوسي).ـــــ فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي الذي كان يرأسه العقيد فؤاد عثمان.ـــــ فرع التحقيق في مديرية استخبارات الجيش (كان يرأسه العقيد عماد القعقور).ـــــ الفرع التقني في مديرية استخبارات الجيش (كان يرأسه العقيد غسان الطفيلي).
أبو عدس: تكفير الحريري
مسارات التحقيق في اليوم الأول بدأت تتركز على أحمد أبو عدس الذي ظهر في شريط مصوّر على قناة الجزيرة الفضائية ليتبنّى عملية التفجير بعد نحو 5 ساعات على وقوعها. دُهم منزل عائلته في منطقة الطريق الجديدة، وأُوقف والده ووالدته وشقيقته للتحقيق معهم، قبل أن يتوفى والد أحمد، تيسير أبو عدس، يوم 7 آذار 2005، إثر استدعائه للمثول أمام قاضي التحقيق.من اللحظة الأولى، تبيّن أن والد أبو عدس كان قد تقدم ببلاغ في فصيلة الطريق الجديدة يوم 19/1/2005 عن اختفاء ولده أحمد الذي كان قد خرج من المنزل يوم 16/1/2005، ولم يعد بعد ذلك. وتبين أن شخصاً مجهولاً اتصل بمنزل العائلة في اليوم التالي (17/1/2005) ليقول إن أحمد غادر إلى العراق ولن يعود.خلاصة التحقيقات التي أُجريت مع عائلته ومع أكثر من أربعين شخصاً آخرين أظهرت أن أبو عدس يتبنّى فكر السلفية الجهادية، وأنه اتجه نحو التدين منذ عام 2003. وبين من استُجوبوا أحد معارف أحمد أبو عدس، زياد رمضان، الذي غادر لبنان إلى سوريا بعد أيام على التحقيق معه. وفي دمشق، أوقفته السلطات السورية (لا يزال موقوفاً حتى اليوم) قبل أن تستمع لجنة التحقيق الدولية إليه أكثر من مرة. وفي إفادات عدد ممّن استجوبتهم مديرية استخبارات الجيش، ورد نقلاً عن أبو عدس قوله إن زياد رمضان خبير بالمتفجرات بسبب دراسته للكيمياء.أحمد أبو عدسعدد من أصدقاء أبو عدس أكدوا خلال التحقيق معهم أنه كان يكفّر النظام السعودي والرئيس رفيق الحريري، لأنهما «لا يحكمان بما أنزل الله». وخلال التحقيق مع أصدقاء أبو عدس، ظهر اسم خالد طه، الذي قال أحد المقرّبين اللصيقين من أبو عدس إنه (طه) مسؤول إعلامي في تنظيم القاعدة، قبل أن يظهر بعد عشرة أشهر شخصاً محورياً في التحقيقات التي أجراها فرع المعلومات مع أفراد مجموعة الـ13. وتبيّن أن طه حضر من سوريا إلى لبنان قبل يوم من اختفاء أبو عدس، ثم عاد إلى سوريا في اليوم التالي.وأكد بعض معارف أبو عدس أنه كان يعمل على «إنشاء خلية أمنية» في لبنان. وفي محضر التحقيق مع أحدهم، تحدّث عن حوارات دارت بينه وبين أحمد أبو عدس بشأن «الحكام المسلمين» الذين كان الأخير يشكو ظلمهم. وبين هؤلاء الحكام، كان أبو عدس يشير دوماً إلى الرئيس الحريري، متهماً إياه بالكفر، لأنه «يشرّع الماسونية التي تحارب الإسلام». وفي إفادته لدى مديرية استخبارات الجيش، قال الشاهد أ. ك.: «أعتقد أن أحمد أبو عدس قال لي حينها إنه إذا استطاع قتل الحريري فإنه سيفعل ذلك».في المحصّلة، كان استنتاج محقّقي استخبارات الجيش أن أبو عدس يعمل في مجموعة تتصل بتنظيم القاعدة، وأنه يحمل فكراً تكفيرياً، ولا يُكنّ غير البغض للرئيس الحريري.ومن جملة ما صودر من منزل أبو عدس، كتبٌ دينية وجهاز كمبيوتر استُرجعت مئات الملفات الممحاة منه، بينها ما يتعلق بالمجاهدين في العراق وأفغانستان والأسلحة والمتفجرات. وأكثر ما يلفت النظر بين المضبوطات، لائحة بمؤسسات الحريري.وبعيداً عن أبو عدس، كانت الأجهزة الأمنية قبل تاريخ 15 آذار 2005 قد أجرت كشفاً كاملاً للمنطقة الممتدة من وسط بيروت إلى منطقة المنارة، فاستجوب المحققون مئات الشهود، وتفحّصوا عدداً كبيراً من كاميرات المراقبة في أبنية ومؤسسات خاصة (المحضران 127/302 و128/302 على وجه التحديد). وتبيّن أن بعض هذه الكاميرات لم يصل المحققون إليها بالسرعة المطلوبة، إذ أجري الكشف على تسجيلات بعضها بعد مرور نحو أسبوعين على وقوع الجريمة، علماً بأنها مبرمجة لحفظ التسجيلات مدة لا تتجاوز يومين في بعض الأحيان.
فوق الأرض وتحت الأرض
تبيّن أن العبوة الناسفة تحوي قذائف هاون من عيار 120 ملممنذ اللحظة الأولى لوقوع الانفجار، خرج من يطلق نظرية أنه وقع من تحت الأرض. كانت تلك النظرية تُسهم في تأكيد الاتهام السياسي لسوريا واستخباراتها والأجهزة الأمنية اللبنانية. وقبل أن يخرج النائب محمد قباني ليتحدث عن نفق بين فندق السان جورج والمبنى الذي يقابله، وقبل أن يُدلي «خبراء المتفجرات» بدلوهم في وسائل الإعلام، مؤكدين هذه النظرية، نشرت صحيفة «النهار» في عنوانها الرئيسي صبيحة اليوم التالي للجريمة السؤال الآتي: «هل زُرعت (المتفجرات) تحت الزفت؟».لاقى هذا السؤال أجوبة في وسائل الإعلام، قبل أن تؤكد بتقرير نظّمه أحد ضباط سلاح الهندسة في الجيش، العقيد رولان أبو جودة.قسم المباحث العلمية في الشرطة القضائية بدأ منذ اليوم الأول بجمع أشلاء الضحايا، وإعداد خريطة توضح مكان العثور على كل واحدة منها، قبل إرسالها إلى مختبرات الجامعة اليسوعية ومختبرات جامعة AUST، حيث أشرف على المهمة البروفسور فؤاد أيوب. ونتيجة لنتائج الفحوص، تبين أن 26 عيّنة (أشلاء جُمعت من مسرح الجريمة، بموجب عدد من المحاضر كان آخرها يوم 10/3/2005 تحت الرقم 190/302) تعود إلى شخص مجهول. وبينها جزء من إصبع (إبهام) فيه جزء من بصمة. ولم تتطابق هذه العينات، من خلال فحوص الحمض النووي (DNA)، مع أي ضحية، ولا مع عينات الحمض النووي التي أُخذت من والدَي أحمد أبو عدس. وقد عثر على جميع هذه العينات في
وثائق من التحقيق الأولي(انقر للوصول للصفحة)الجهة الغربية من مسرح الجريمة (أمام الموكب)، قبل أن يعثر يوم 6 آذار 2005 (المحضر الرقم 176/302) على سن تبيّن لاحقاً أنها عائدة للشخص المجهول نفسه. وقد عثر على السن مصادفة داخل مسرح الجريمة، لكن من الجهة الشرقية (قبل مكان الانفجار). وهذه السن هي غير تلك التي أعلنت لجنة التحقيق الدولية في تقريرها الخامس (أيلول 2006) أنها عثرت عليها في حزيران 2006.وبحسب فحوص الحمض النووي الأولية، رجّح الخبراء أن يكون هذا الشخص ذكراً يبلغ من العمر بين 20 و25 عاماً.ورغم أن المحققين يرجّحون أن تكون الأشلاء التي عُثر عليها غرب مسرح الجريمة (بعد الحفرة) عائدة للانتحاري الذي يعتقد أنه فجر نفسه (يستخدمون تعبير «الشخص الأقرب إلى مركز الانفجار، من الجهة الغربية»)، وبالتالي، يجب منطقياً أن تكون جميع أشلائه موجودة أمام الحفرة، إلا أنهم يعتقدون أن السن التي عثر عليها خلف الحفرة دُفعت بالأقدام، نتيجة العدد الكبير من رجال الإسعاف والمحققين والمواطنين الذين دخلوا مسرح الجريمة يوم وقوعها وبعده.وكانت نتائج هذه الفحوص الإشارة الأولى إلى غياب أي دليل على وجود أحمد أبو عدس في مكان الانفجار، رغم أن لجنة التحقيق الدولية، في الفقرة 189 من تقريرها الأول، تشير إلى إمكان «عدم العثور على أثر للحمض النووي لمفجر انتحاري يفجّر عبوة ضخمة».
التحقيقات لم تُستكمَل، فسريعاً بدأت التغييرات الأمنية، وتمركز العمل لدى «المعلومات»وأخذ خبراء مكتب المتفجرات عيّنة من الأتربة الموجودة في الحفرة التي خلّفها الانفجار (محضر رقم 16/302)، قبل أن يرسموا خريطة تظهر جميع البنى التحتية الموجودة في منطقة الانفجار (محضر رقم 172/204). وعثروا داخل الحفرة، في عمق وصل إلى نحو ثلاثين سنتيمتراً تحت التراب، على قطع مهشّمة لسيارة، بينها جزء من محور علبة تغيير السرعة. ولفتَ الخبراءَ حينذاك وجود شظايا تعود لقذائف هاون من عيار 120 ملم (تقرير خبراء مكتب المتفجرات في الشرطة القضائية، المسجل تحت الرقم 32/207 يوم 2 آذار 2005)، وقد اخترقت هياكل بعض سيارات الموكب وبعض حجارة الرصيف قرب فندق السان جورج. وتبين لخبراء المتفجرات أن الوعاء الأسمنتي الذي تصبّ فيه مياه الأمطار (ريغار) وصل إلى الطبقة الأولى من فندق سان جورج، فيما كان غطاء الريغار موجوداً في الطبقة الثالثة.شكْل الحفرة و«انبعاج» الأعمدة الأسمنتية في الأبنية المحيطة بمكان الانفجار والمساحة التي وقعت فيها الأضرار، إضافة إلى انغراز قطع سيارة داخل قعر الحفرة، سمحت للمحققين باستنتاج أن المتفجرة كانت موجودة فوق الأرض، وأنها على الأرجح كانت محمّلة على سيارة، قد تكون القطع الميكانيكية عائدة لها. أما شكل الحفرة وارتفاع ألواح الاسفلت على جوانبها، فيردّه خبراء المتفجرات في قوى الأمن الداخلي إلى «أداء» عصف الانفجار.هذه النتيجة لم ترُق قوى 14 آذار، رغم تقاطعها مع تقرير الخبراء السويسريين الذين طلبت حكومة الرئيس عمر كرامي مساعدتهم. وكان العميد هشام الأعور هو «المتهم» بالوقوف خلف هذا التقرير. وقد وصلته، عبر أحد الأصدقاء المشتركين، رسالة شديدة اللهجة من أحد الأمنيين المقرّبين من آل الحريري، يطلب منه فيها «عدم التلاعب بالتحقيق».لكنّ تقرير المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي وجد من يناقضه. العقيد في الجيش رولان أبو جودة وضع تقريراً آخر يقول فيه إن ثمة احتمالين: الأول أن يكون الانفجار تحت الأرض، والثاني أن يكون الانفجار فوق الأرض. وفي اجتماع عقد في مكتب المدّعية العامة التمييزية القاضية ربيعة عماش قدورة، حصل نقاش بين العقيد أبو جودة والعميد الأعور. أصرّ أبو جودة على القول إن الاحتمالين واردان، فسأله الأعور عن المكان الذي يرجّح أن تكون المتفجرات قد وُضعت فيه، فأجابه بأنها ربما كانت قد وضعت داخل «الريغار». فردّ الأعور بالقول إن احتمال وجود المتفجرات داخل «الريغار» يعني أن هذا الوعاء سيتفتّت، فيما لو كان يحوي 400 كلغ من مادة الـTNT، إلا أن هذا الوعاء الأسمنتي موجود في الطبقة الأولى من فندق السان جورج، وبالتالي، فإن عصف الانفجار رفعه.لم يقتنع أي من المحققَين بوجهة نظر زميله، فيما استخدمت قوى 14 آذار تقرير أبو جودة لتحاول إثبات وجهة نظرها السياسية. وعندما يُسأل المقرّبون من أبو جودة عن سبب وضعه للتقرير المذكور، يجيبون بأنه لم يقم بأكثر من عرض وجهات النظر التي لا يجزم بصحة أي منها. لكنّ أحد المحققين البارزين الذين تولّوا التحقيقات في اغتيال الحريري في الفترة الأولى، يتحدث عن تأثير العميد غسان بلعة، المقرّب من آل الحريري، على العقيد أبو جودة. ويقول المصدر إنه شاهد بأم عينيه بلعة برفقة أبو جودة في مسرح الجريمة بعد نحو يومين على وقوعها. ويعطي الضابط شاهداً على ذلك بالقول إن بلعة كان يخدم حينذاك في المفتشية العامة للمؤسسة العسكرية، ولم تكن له صفة تحقيقية. ثم يضيف: «عندما رأيت بلعة مع أبو جودة، سألت أحد المسؤولين المباشرين عن بلعة في الجيش عمّا إذا كان الأخير مكلّفاً بالحضور إلى مسرح الجريمة، فنفى المسؤول في المفتشية ذلك».
الفوضى لم تمنع نشوء مسارات تحقيقية يصفها أمنيّو الزمن الحالي بالجديةويؤكد عدد ممّن تولّوا التحقيق في اغتيال الحريري، في الأشهر الأولى، أن ثمة عراقيل كانت توضع أمامهم، غير الهجوم الإعلامي والسياسي الذي كانوا يتعرضون له. ومن تلك العراقيل ما واجهه محقّقو فرع المعلومات عندما كانوا يتابعون قضية شريط أحمد أبو عدس. فالشريط المذكور كان قد وُضِع على شجرة قرب مبنى الاسكوا في وسط بيروت، ثم اتصل واضعوه بقناة الجزيرة لإبلاغها بمكانه. ويوم 14/3/2005، بعثت المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي بكتاب إلى قاضي التحقيق العدلي ميشال أبو عراج (يحمل الرقم 616/205 ف م 1) تطلب موافقته للحصول على نسخ من تسجيلات كاميرات المراقبة في الاسكوا. لكنّ المحضر (الرقم 128/302) الذي نظّمه فرع المعلومات في التحقيق في الجريمة يظهر في الصفحة 102 منه (النسخة المطبوعة بواسطة الكمبيوتر) أنه «بعد التنسيق مع العميد المتقاعد إلياس داوود، مسؤول الأمن في مبنى الاسكوا، أفادنا هاتفياً بأن الكاميرات المثبتة على مبنى الاسكوا لا تلتقط سوى مدخل المبنى وأطرافه وداخل المبنى، وأن المَشاهد تُمحى تلقائياً بعد مدة وجيزة. وأضاف أنه سيزوّدنا كتاباً خطّياً للغاية نفسها». لكنّ ما يُنسَب إلى داوود في المحضر الرسمي يتناقض مع ما ورد في التقرير الأول الصادر عن لجنة التحقيق الدولية يوم 20 تشرين الأول 2005، وبالتحديد في الفقرة 197 منه، حيث أوردت اللجنة أنها حصلت «من الاسكوا على أشرطة المراقبة التلفزيونية ليوم 14 شباط 2005، وشاهدتها بهدف محاولة التعرّف إلى أي أفراد أو مركبات يمكن أن يكون لها علاقة بترك شريط الفيديو ذاك أو بالاتصالات الهاتفية بالجزيرة».شيئاً فشيئاً، بدأت الهوية اللبنانية للتحقيق اللبناني تتراجع، مع وصول لجنة تقصّي الحقائق (يوم 25 شباط 2005) إلى لبنان، إذ بات بيتر فيتزجيرالد يتصرّف كوصيّ على التحقيقات. أضف إلى ذلك، يقول أمني أدى دوراً محورياً في تلك الفترة، «صرنا على يقين بأن ثمة لجنة تحقيق دولية آتية قريباً لتولّي التحقيقات، وبالتالي صار معظمنا يخشى ارتكاب أيّ خطأ، وخاصة في ظل الهجمة الشرسة التي كنا نتعرّض لها. كنا، قضاةً وأمنيين، نحاول إنهاء ما بدأنا به، من دون الخوض في تحقيقات جديدة».أحد أوجه تلك الهجمة كان اتهام المحققين اللبنانين بوضع أجزاء من سيارة الميتسوبيشي داخل حفرة السان جورج، والمطالبة اليومية بإقالة القائمين بالتحقيق وقادة الأجهزة الأمنية. ويروي المعنيون بهذا الجانب أن القاضي أبو عراج، بصفته محققاً عدلياً في الجريمة، طلب من القائمين بالتحقيق في قوى الأمن الداخلي النزول إلى مسرح الجريمة لتحديد الأماكن التي استُخرجت قطع المتسوبيشي منها. وبناءً على أمر أبو عراج، أخذ محقّقو الشرطة القضائية معهم أجزاء السيارة، وصاروا يضعون كل واحدة منها في مكان العثور عليها. وفي الوقت عينه، كان ثمة مصوّرون يلتقطون صوراً لما يجري، فاستُخدمت هذه الصور للقول إن المحققين يتلاعبون بالتحقيق، وهو ما استند إليه رئيس بعثة تقصّي الحقائق في تقريره (24 آذار 2005) لزيادة التشكيك في عمل الأجهزة اللبنانية.الجوانب التحقيقية المذكورة لم تُستكمَل. فسريعاً بدأت التغييرات الأمنية في لبنان، ونقلت مركزية العمل إلى فرع المعلومات بإدارته الجديدة (ابتداءً من نيسان 2005). وما تحقق خلال الشهرين الأوّلين لم يكن أكثر من خطوات أولية ينبغي استكمالها. وأبرز تلك الخطوات ما أُنجز على صعيد المسارين اللذين لا تزال المحكمة الدولية تتابعهما حتى اليوم، أي شاحنة الميتسوبيشي والاتصالات الهاتفية.
(غداً: كيف أخفت لجنة التحقيق الدولية نتائج التحقيق عن شاحنة الميتسوبيشي)
«تحقيق» حزب الله
ليل 20 شباط 2005، زار الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله منزل الرئيس رفيق الحريري في قريطم، للتعزية برحيل الرئيس السابق للحكومة. حضر اللقاء أرملة الحريري وأبناؤه، وشقيقته النائبة بهية الحريري. ساد اللقاء حديث وجداني، روى خلاله نصر الله بعض وقائع لقاءاته بالرئيس الحريري.طلبت السيدة نازك الحريري من الأمين العام لحزب الله أن يتولى أمنيون من الحزب التحقيق بالجريمة، فردّ السيد بالقول إن هذا الأمر غير ممكن، لأسباب عديدة منها أن الحزب غير قادر على إجراء تحقيقات عدلية واستدعاء الشهود أو المتهمين، فضلاً عن عدم وجود صفة رسمية تمكنه من دخول الملفات الرسمية في الدوائر الحكومية والأمنية والقضائية. وعرض نصر الله أن يقصد عدد من خبراء المتفجرات في المقاومة مسرح الجريمة، لوضع تصور أولي عن تقديرهم لكيفية حصول الجريمة.لاحقاً، نزل أفراد من المقاومة، برفقة دورية من مديرية استخبارات الجيش، وجالوا في مسرح الجريمة وتفحّصوا عدداً من موجوداتها، وأجروا نقاشات مع عدد من خبراء المتفجرات العاملين في القوى الأمنية الرسمية. وبناءً على ذلك، وضعوا تقريراً أولياً يتضمن تصورهم لكيفية وقوع التفجير. ولفت أحد المعنيين بالقضية إلى أن التقرير كان دقيقاً جداً، ومطابقاً، في بعض أوجهه لما توصل إليه لاحقاً المحققون اللبنانيون، ولا سيما لناحية أن التفجير وقع من فوق الأرض وأن العبوة الناسفة كانت محملة على شاحنة وأنها كانت تحوي قذائف.وقد سلّم مسؤولون من الحزب التقرير إلى العقيد وسام الحسن. وبعد أكثر من عام على ذلك، صار بعض المقرّبين من رئيس الحكومة سعد الحريري، يلمّحون إلى أن التقرير يتضمن معلومات لا يعرفها سوى مرتكبي الجريمة!
حسن عليقيوم 14 شباط 2005، كان رئيس الفرع التقني في مديرية استخبارات الجيش العقيد غسان الطفيلي في الإمارات العربية المتحدة، بمهمة رسمية. وفور معرفته بوقوع جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، ترك الوفد الذي كان في عداده، وعاد أدراجه إلى بيروت، بعد إجراء اتصالات لتأمين تذكرة سفر، وخاصة أنه لم يتمكن من حجز مقعد له إلا في اليوم التالي للجريمة.فور وصوله إلى مركز عمله، التقى الطفيلي مدير استخبارات الجيش العميد ريمون عازار الذي أعطى فروع المديرية صلاحيات كاملة للعمل على التحقيق باغتيال الحريري، من دون مراجعته.اختار الطفيلي عدداً صغيراً جداً من العاملين في الفرع التقني، لمباشرة التحقيقات بالجريمة. كانت الأجهزة والتقنيات الموجودة في مديرية استخبارات الجيش «متخلفة» جداً، وكان تحليل بيانات الاتصالات يتم بشكل شبه يدوي، ولم تكن في حوزة الفرع أي برامج كومبيوتر تمكنه من تحليل الاتصالات.أرسل الطفيلي عدداً من الطلبات إلى شركتي الهاتف الخلوي، عبر النيابة العامة التمييزية، طالباً تزويده ببيانات عن الاتصالات التي أجريت في ساحة الجريمة، وفي منطقة ساحة النجمة. في الأيام الأولى، لم يتمكن المحققون من إحداث أي خرق، قبل أن يجروا فرزاً للاتصالات التي أجريت قبيل وقوع الجريمة، بين ساحة النجمة ومنطقة عين المريسة. كان الطفيلي والعاملون معه يفكرون بأن أي مجموعة تراقب الحريري عليها أن تكون منقسمة إلى مجموعتين: الأولى في ساحة النجمة لتحديد وقت خروجه من المكان ووجهته، والثانية في عين المريسة لتتلقّى المعطيات من الأولى.وبالفعل، أظهرت البيانات الهاتفية صحة هذا التوجه. إذ أظهرت البيانات التي حصلت عليها مديرية استخبارات الجيش من شركة ألفا وجود 6 أرقام هواتف، مسبقة الدفع، كانت ناشطة بين المنطقتين قبل الجريمة، وأنها توقفت عن العمل قبل الانفجار بنحو ثلاث دقائق.التدقيق ببيانات هذه الأرقام بيّن أنها لم تتصل إلا في ما بينها، مع استثناءات قليلة. فهذه الأرقام (03123741، 03125636، 03127946، 03129652، 03129678، 03129893)، أجريت اتصالات منها وإليها مع الرقمين 03292572 و03478662. والأرقام الثمانية المذكورة وضعت بالخدمة ابتداءً من يوم 4/1/2005، من خلال الاتصال برقم التشغيل 1456، من منطقة يرجح أنها تقع بين تربل والمنية. وشغلت هذه الأرقام ابتداءً من الساعة 02:15:29 من اليوم ذاته، بفارق دقائق معدودة بين كل منها. وهذه الأرقام الثمانية، لم تستخدم بعد جريمة اغتيال الحريري، ولم تُعَد تعبئتها، وتركها مستخدموها لتخرجها الشركة تلقائياً من الخدمة يوم 17/3/2005.ركز المحققون عملهم على تحليل اتصالات هذه الخطوط، فتبين أنها استخدمت بعد تشغيلها، خلال 12 يوماً فقط، وفقاً للآتي:يوم 14/1/2005، في بيروت والشمال وجبل لبنان.يوم 20/1/2005، في بيروتيوم 28/1/2005، في بيروت وجبل لبنانيوم 31/1/2005، في بيروتيوم 2/2/2005، أعيدت تعبئتها في الشمال (طرابلس وتربل والمنية)يوم 3/2/2005، في بيروتيوم 8/2/2005، في بيروتيوم 9/2/2005، في بيروتيوم 10/2/2005، في بيروتيوم 11/2/2005، في بيروت ومنطقة الشماليوم 12/2/2005، في بيروت وجبل لبنانيوم 14/2/2005 (اغتيال الحريري، في بيروت، وبالتحديد في المنطقة الممتدة من الروشة إلى وسط بيروت وما بينهما). ويوم الجريمة، تمركز أفراد المجموعة في منطقة وسط بيروت ابتداءً من الساعة الثانية عشرة ظهراً، بعدما تحركوا في المنطقة المذكورة أعلاه. وفي الدقائق الأخيرة التي سبقت خروج الحريري من ساحة النجمة، تمركز ثلاثة من أفراد المجموعة على التقاطعات المحيطة بالساحة، والتي يمكن منها تحديد الطريق التي سيسلكها.
تحدّث المحقّقون عن احتمال أن تكون هناك سيارة مفخخة ثانية قرب برج المر
نوار الدونا توفّي أم قتل في حادث سير، وهو الشاهد الوحيد الذي رأى أحد المشتبه فيهم مرتين؟
واستنتج المحققون وجود رقم محوري بين الأرقام الثمانية، يمكن الترجيح بأن حامله كان مكلفاً بالتأكد من المسار الذي سيسلكه الحريري بعد الخروج من ساحة النجمة. وكان هذا الشخص الذي يستخدم الرقم 03129893، موجوداً على الأرجح في شارع المصارف. وبعد انطلاق موكب الحريري، أجرى اتصالين باثنين من أفراد المجموعة، أحدهما موجود في منطقة القنطاري، والثاني في عين المريسة قرب فندق سان جورج. وعند تحليل تحركات المجموعة، سرت بين المحققين نظرية مفادها احتمال وجود سيارة مفخخة أخرى، غير تلك التي انفجرت في عين المريسة، وأنها على الأرجح كانت موجودة في منطقة القنطاري، قرب برج المر، تحسباً لاحتمال أن يسلك موكب الحريري هذه الطريق من ساحة النجمة إلى منزله في قريطم.اتصالات خاطئةوإلى هذه الأرقام الثمانية، حُدّد هاتفان، أحدهما ثابت في النبطية، والآخر خلوي. وقد تلقى أحد الخطوط الثمانية اتصالاً مدته تسع ثوان من الهاتف الثابت، فيما تلقى الرقم الخلوي ثلاثة اتصالات من اثنين من الهواتف الثمانية (11 ثانية و7 ثوانٍ و5 ثوانٍ).وجرى التدقيق بمستخدمي الهاتفين، فتبين أن الهاتف الثابت في النبطية يستخدم للعموم، ورجح المحققون أن يكون الاتصال قد تم عن طريق الخطأ، نظراً إلى مدته القصيرة. أما الهاتف الخلوي الذي تلقى ثلاثة اتصالات، فرقمه شبيه بأحد أرقام مجموعة الثمانية، وتستخدمه سيدة لا تدور حولها أي شبهات. وقد جزم المحققون بأن اتصالات أفراد المجموعة بها، تمت أيضاً عن طريق الخطأ.الأرقام الثمانية كانت مسجلة بأسماء أشخاص حقيقيين، بموجب مستندات هوية حقيقية وغير مزورة. وقد استدعي هؤلاء الأشخاص إلى التحقيق، فثبت للمحققين أنه ليس هناك أيّ شبهات بحقهم، وأنهم يجهلون كيفية تسجيل هذه الخطوط بأسمائهم.جرت ملاحقة مصادر هذه الأرقام، فظهر أنها مبيعة عبر شركة باور غروب إلى شخص يملك محلاً لبيع الهواتف الخلوية في طرابلس، يدعى مصطفى مستو، ويعمل في محله شاب يدعى أيمن طربيه.استدعت مديرية استخبارات الجيش مديرين وموظفين من شركة باور غروب، إضافة إلى مستو وطربيه، وموظفين في شركة ألفا، إضافة إلى عدد كبير من أصحاب محال بيع الخلوي في طرابلس. ونتيجة التحقيقات، تبيّن أن هؤلاء الأشخاص لا صلة لهم بالجريمة، وأنه ليس هناك سجلات ممسوكة جيداً في معظم المحال، وأنه «يمكن الزبون أن يشتري خط هاتف خلوي من دون أن يترك صورة عن هويته. وأحياناً، تُلصق أي نسخة عن بطاقة هوية موجودة لدى أصحاب المحال، وذلك للاستفادة من مبلغ ثلاثة دولارات أميركية عن كل خط تتسلم شركة الخاتف الخلوي أوراقاً ثبوتية لصاحبه»، بحسب ما يرد في الملخص الذي أعدّته استخبارات الجيش.انتقل محققو الاستخبارات لدراسة الهواتف التي استخدمت عليها هذه الخطوط الخلوية، فلاحظوا أن اثنين من هذه الهواتف كانا قد استخدما لتشغيل رقمين خلويين، أحدهما يعود إلى موظفة في شركة معروفة (وكيل حصري لأحد ماركات الهاتف الخلوي)، والآخر يعود إلى شاب سوري الجنسية يدعى نوار الدونا، يملك محلاً لبيع الأجهزة الخلوية في طرابلس.بيانات شركة ألفا في صلب التحقيقات (أرشيف)استدعت مديرية استخبارات الجيش الموظفة المذكورة التي تبيّن أنها كانت قد استعملت في مركز عملها، لمدة ساعتين من يوم 8/12/2004، أحد الأجهزة الخلوية التي استخدمها لاحقاً المشتبه فيهم بمراقبة الحريري.أما نوار الدونا، فأفاد بأنه كان قد باع يوم 30/12/2004 خمسة هواتف خلوية (من دون خطوط) لشخص مجهول اشتراها من دون وثائق ثبوتية، رافضاً الحصول على استمارة كفالة هذه الخطوط. ولفت الدونا إلى أن من اشترى الخطوط عاد بعد نحو أسبوع، وبالتحديد يوم 5/1/2005، وقال للدونا إن أحد هذه الأجهزة الخلوية معطل. فأخذ الدونا الهاتف من المشتري، ثم وضع عليه رقمه الخاص لتجربته، قبل أن يصلحه ويعيده للمشتري، إذ إن العطل الوحيد الذي كان فيه هو أن أحد أزراره لا يعمل بطريقة صحيحة. وهذه الهواتف الخمسة، استعملها أفراد المجموعة التي يعتقد أنها راقبت الحريري.حتى ذلك الحين، كان نوار الدونا الشاهد الوحيد الذي يصرح بأنه قابل، مرتين، أحد المشتبه فيهم الرئيسيين باغتيال الحريري. وفي حادثة شديدة الغرابة، توفي نوار الدونا بحادث سير في منطقة المتن، (على طريق بكفيا)، في تشرين الثاني 2005. وقيل حينها إن جثته تهشمت، فيما بقي من كان معه في السيارة حياً.في المحصلة، اختتم الفرع التقني في استخبارات الجيش المرحلة الأولى من تحقيقاته، وسط هجوم سياسي عنيف على رئيسه العقيد غسان الطفيلي، من قبل قوى 14 آذار. إذ لم تترك هذه القوى، وعلى رأسها النائب وليد جنبلاط، مناسبة من دون المطالبة بإقالة الطفيلي الذي كان قد أمسك بالخيط الأصلب، حتى ذلك الحين على الأقل، في التحقيقات بالجريمة. وكانت قوى 14 آذار تتهم الطفيلي بأنه الأذن التي يستخدمها النظام الأمني اللبناني ـــــ السوري للتنصت على السياسيين. ووصل الأمر ببعض الفريق السياسي إلى حد اتهام الطفيلي، اتهاماً مبطناً، بتسهيل مهمة اغتيال الحريري من خلال التنصت عليه.أنجز الطفيلي مهمته الأولية، ونظم تقريراً بالتزامن مع تعيين العميد جورج خوري مديراً للاستخبارات بالوكالة، خلفاً للعميد ريمون عازار الذي طلب إجازة نهاية نيسان 2005، وتوجه مع عائلته إلى باريس، نتيجة للضغوط السياسية والإعلامية التي تعرض لها منذ اغتيال الحريري.سلّم الطفيلي تقريره إلى خوري، الذي أطلع قائد الجيش العماد ميشال سليمان على مضمونه. فطلب سليمان إحالة الملف على قاضي التحقيق العدلي.عند هذا الحد، انتهت مهمة الطفيلي الذي أقيل لاحقاً من منصبه. أحيل الملف على لجنة التحقيق الدولية. وعندما أصدرت تقريرها الأول يوم 20 تشرين الأول 2005، صُدِم المحققون اللبنانيون بأن رئيس اللجنة، ديتليف ميليس، نشر وقائع التحقيقات التي كانت قد أنجزتها استخبارات الجيش في هذا المسار. ويلفت أحد الأمنيين إلى أن هذه المعطيات كان يجب أن تبقى طي الكتمان، لأنها مثلت أبرز خرق جدي في مسار التحقيقات. وبحسب أمني معني بالملف، فإن ميليس، بنشره هذه التفاصيل، أحرق احتمالاً، ولو ضئيلاً، لأن يرتكب مستخدمو الهواتف الثمانية خطأً باستخدام أحد الأجهزة الخلوية التي استعملوها خلال مراقبة الحريري، فيما لو كانوا لا يزالون يحتفظون بأحدها. ورغم ضعف هذا الاحتمال، يضيف الأمني، «كان لا بد من الرهان عليه».قبل ذلك، حصلت حادثة ذات دلالة لم يتنبه القائمون بالتحقيق في استخبارات الجيش إلى دلالاتها إلا بعد أكثر من ثلاثة أعوام. فعندما كان محققو الفرع التقني يدققون في البيانات الموجودة في شركة ألفا، بقي عدد منهم داخل المبنى الرئيسي للشركة أياماً عديدة، محاولين الحصول على أي معطيات تمكنهم من تحديد أفراد المجموعة. وفي أحد الأيام، فوجئ العقيد غسان الطفيلي بالمديرة التنفيذية لشركة ألفا، الهولندية إنيكي بوتر، تتصل به وتصر على لقائه في أسرع وقت ممكن. حدد لها الطفيلي موعداً في منزله الذي زارته برفقة أحد مديري الشركة. كانت بوتر تشكو للطفيلي ضيقها من وجود أمنيين داخل الشركة، طالبة منه أن يأمرهم بالمغادرة. فأجابها الطفيلي بأن ما يقوم به المحققون يرتبط بجريمة كبرى، ولا يمكن فرض جدول رمني للتحقيقات، وبالتالي، فإن المحققين سيبقون المدة التي يشاؤون، من أجل الحصول على كل ما يريدونه. وعندما لمحت بوتر إلى عدم وجود إذن قضائي يسمح لمحققي الفرع التقني بالبقاء داخل الشركة طوال الوقت، رد عليها الطفيلي بالقول إن ثمة استنابة قضائية عامة، وإن عمل الاستخبارات يصنّف في خانة المصلحة العليا للدولة، و«يمكنك أن تشتكي عند أي مرجع تريدينه». وللتذكير، فإن بوتر هي ذاتها المديرية التي تدور حولها الشبهات، منذ أن غادرت لبنان في نهاية عام 2008، من دون إبلاغ رؤسائها، إذ إنها طلبت إجازة، وغادرت بيروت إلى قبرص، ولم تظهر منذ ذلك الحين.فرع المعلومات يلحق الاستخباراتفي وقت لاحق، وبالتحديد في شهر أيلول 2005، توصل المكتب التقني في فرع المعلومات إلى النتيجة ذاتها التي كان قد توصل إليها الفرع الفني في مديرية استخبارات الجيش قبل نيسان من العام ذاته. وكان فرع المعلومات يلحق استخبارات الجيش «عالدعسة». فعلى سبيل المثال، توقف محققو فرع المعلومات طويلاً أمام إحدى لوائح الخطوط الخلوية الموجودة في شركة باور غروب، بعدما تبين لهم أن أرقام الخطوط الخلوية التي استخدمت يوم الجريمة تحمل على اللائحة علامات بقلم فوسفوري. ذهب المحققون بعيداً في استنتاجاتهم، قبل أن يتأكدوا من أن أحد موظفي الشركة كان قد وضع الإشارات الفوسفورية على الأرقام، بعدما سأله عنها محققو استخبارات الجيش بعد نحو 40 يوماً على وقوع الجريمة.واستناداً إلى البرامج المعلوماتية التي كانت قد توافرت للفرع، رسم النقيب وسام عيد المسار الذي سلكه الحريري طوال الشهرين
توصل فرع المعلومات إلى النتيجة ذاتها التي كانت قد توصلت إليها استخبارات الجيش قبل 6 أشهر
احتجّت مديرة شركة ألفا التي غادرت لبنان فجأة على عمل استخبارات الجيش في الشركة
السابقين لاغتياله. وقد ارتكز عيد على أرقام ثلاثة ممن يرافقون الحريري بشكل شبه دائم، والذين كانوا يتلقون اتصالات على هواتفهم الخلوية خلال تحرك الموكب، وهم مستشاره الإعلامي هاني حمود ومدير مكتبه العقيد وسام الحسن ومرافقه الشخصي الشهيد يحيى العرب. ومن خلال بيانات الاتصالات التي كان يجريها ويتلقاها المذكورون، رسم عيد خريطة للطرقات التي كان يسلكها موكب الحريري.وتبيّن لعيد والفريق العامل معه، بعد إجراء تحليلات للاتصالات المواكبة لهذا المسار، وجود ثمانية خطوط خلوية تمثّل مجموعة مقفلة (لا تجري اتصالات إلا في ما بينها)، هي ذاتها التي كانت الاستخبارات قد توصلت إليها سابقاً.وكرّر فرع المعلومات الخطوات التحقيقية ذاتها التي أنجزتها الاستخبارات. استجوب عشرات الأشخاص، قبل أن يوقف، بناءً على إشارة النيابة العامة التمييزية، أربعة عاملين في تجارة الخلوي، هم رائد فخر الدين وماجد الأخرس وأيمن طربيه ومصطفى مستو. والاثنان الأخيران، أبقيا قيد التوقيف حتى بداية شهر آب عام 2008، من دون مسوّغ قانوني، سوى تضارب إفادتيهما مع إفادة رائد فخر الدين، إذ قال مستو وطربيه إنه هو من اشترى منهما عشرة خطوط خلوية، وإنه هو من باع ثمانية منها للمجموعة التي يعتقد أنها راقبت الحريري حتى لحظة اغتياله. فالتحقيقات التي أجراها فرع المعلومات مع الموقوفين جرت بعد نحو تسعة أشهر على بيع الخطوط، وكانت بعض التفاصيل قد غابت عن ذاكرتهم، وخاصة أنهم قاموا بعملية البيع على نحو اعتيادي، ولم يتوقفوا عند أي من تفاصيلها. وبحسب مسؤولين أمنيين متابعين للقضية، فقد تعرّض عدد من الموقوفين للضرب المبرّح خلال التحقيق معهم.في النهاية، تبنّت لجنة التحقيق الدولية التنائج التي توصلت إليها مديرية استخبارات الجيش، ثم فرع المعلومات. والأخير، بعدما عجز عن إحداث خرق يمكنه من تحديد هويات أفراد المجموعة التي يعتقد أنها راقبت الحريري، لجأ إلى «حيلة» تحقيقية بُنيت عليها لاحقاً استنتاجات نظرية أدّت إلى نقل التحقيق باغتيال الحريري إلى مسار جديد، ظهر في صحيفة لو فيغارو في آب 2006، قبل صحيفة دير شبيغل بداية عام 2009.■ انقر هنا لتنزيل عرض أنجزه النقيب الشهيد وسام عيد يظهر تحركات المجموعة المقفلة خلال الدقائق التي سبقت اغتيال الحريري. (الأسماء الواردة قرب أرقام الهواتف لا صلة لها بالجريمة، بل استخدمت من دون علم أصحابها لتسجيل الهواتف المشبوهة) .
اغتالا الحاج... لم يغتالاه
بعد أسبوع على اغتيال اللواء فرنسوا الحاج (12/12/2007)، أوقف فرع المعلومات في المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي شابين من بلدة لالا في البقاع الغربي، إثر الاشتباه في ارتباطهما بتنظيم القاعدة وفتح الإسلام. وبحسب المعلومات الأمنية والقضائية، فقد عثر في حوزتهما على كمية من المتفجرات. عملية التوقيف، بحسب أمنيين متابعين لها، لم تكن متصلة بجريمة اغتيال الحاج. لكن ثمة معطيات ربطت بين الأمرين.فبعد اغتيال الحاج، اتصل بالأجهزة الأمنية أحد الشهود قائلاً إنه شاهد الشخص الذي كان يقود السيارة المفخخة، مرتين، قبيل الجريمة. إذ التقى به في الطريق وهو يقود سيارته، ثم رآه في المكان الذي ركن فيه السيارة المفخخة قرب المجلس البلدي في بعبدا. وقد تمكن أحد المحققين من وضع رسم تشبيهي للمشتبه فيه، بناءً على الوصف الدقيق الذي أعطاه الشاهد الذي يعمل جراحاً تجميلياً.وعندما أوقف فرع المعلومات الشابين في لالا، فوجئ المحققون بأن أحدهما، سليم أ، شبيه إلى حد بعيد بالرسم التشبيهي للمشتبه فيه. وقال أحد المعنيين بالملف إن الرسم التشبيهي يكاد يكون صورة للموقوف!المفاجأة لم تقتصر على ذلك. فالرجل الذي باع، قبل أيام من الجريمة، السيارة لأشخاص يعتقد أنهم نفذوا عملية الاغتيال، كان قد أعطى مواصفات عامة لأحد الذين اشتروا السيارة، تنطبق على موقوف لالا الثاني، محمد ع.وبناءً على ذلك، استدعى فرع المعلومات الرجل الذي باع السيارة، وعُرِضَ عليه الموقوف مع أربعة أشخاص آخرين. وطلب المحققون منه اختيار الشخص الذي يعتقد أنه اشترى السيارة منه. من دون تردّد، أشار البائع إلى الموقوف محمد ع.!في الساعات اللاحقة، كان محققو فرع المعلومات يعتقدون أنهم توصلوا إلى كشف من اغتالوا العميد فرنسوا الحاج، وخاصة أن المعطيات الموجودة بين أيديهم تشير إلى أن الشابين الموقوفين مرتبطان بمجموعة من تنظيم القاعدة متمركزة في مخيم عين الحلوة، ويرأسها الناشط المعروف نعيم عباس. لكن الموقوفَين كانا ينفيان أي صلة لهما بالجريمة، مؤكدين أنهما كانا في البقاع عند حصول الجريمة وقبلها وبعدها.انتقل محققو فرع المعلومات إلى العمل على البيانات الهاتفية، فلم يظهر فيها ما يثير الشبهة، إذ إنها أكدت أن الهواتف التي كان يستخدمها الموقوفان لم تغادر منطقة البقاع. كذلك أكدت إفادات الشهود أن الموقوفَين لم يغادرا البقاع الغربي خلال الأيام السابقة للجريمة، ولا يوم وقوعها.ومن ناحية أخرى، كان المحققون قد تمكنوا من أخذ عينات بصمة وراثية (DNA) عن مقود السيارة المفخخة الذي عثر عليه في مسرح الجريمة. ولم تطابق أيّ واحدة من هذه العيّنات البصمات الوراثية للموقوفين. وبناءً على إشارة القضاء، أقفل التحقيق مع الشابين في هذه القضية، علماً بأن مسؤولين من المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي يؤكدون أن الجيش ولجنة التحقيق الدولية حققا في إمكان وجود صلة للموقوفَين بجريمة اغتيال الحاج، وأن النتيجة التي توصل إليها الطرفان مطابقة للنتيجة التي توصل إليها فرع المعلومات.
تهديد وتراجع في التحقيق باغتيال حاوي
خلال التحقيق في جريمة اغتيال الأمين العام الأسبق للحزب الشيوعي اللبناني جورج حاوي (اغتيل يوم 21/6/2005)، قصد الشاهد بلال خ. مركز فرع المعلومات وأدلى بإفادة قال فيها إنه شاهد يوم 13/6/2005 شخصاً يتحدث عبر الهاتف، وينظر إلى المبنى الذي كان يقطن فيه حاوي. أضاف الشاهد إن الشخص المجهول تقدّم منه وعرّف عن نفسه بأنه يملك شركة في كورنيش المزرعة، وأنه يريد توظيف شاب للعمل ناطور مبنى. وبدأ الشخص المجهول يسأل بلال عن اسمه والمنطقة التي ينتمي إليها، قبل أن يزوّده برقم هاتف تبيّن لاحقاً أنه غير صحيح.وقد وضع المحقّقون رسماً تشبيهياً قال بلال إنه يعود للشخص المشبوه بنسبة 30 في المئة.ويوم 5/7/2005، اتصل بلال برئيس فرع المعلومات في حينه سمير شحادة، ليبلغه بأن أشخاصاً مجهولين أتوا إلى مكان سكنه في منطقة وطى المصيطبة، مدعين أن شحادة هو من أرسلهم، طالبين منه أن يرافقهم. وعندما رفض بلال فتح الباب لهم والخروج من منزله، غادروا. ونفى شحادة لبلال أن يكون هو من أرسل إليه مبعوثين.لاحقاً، غادر بلال لبنان إلى فنزويلا، «خشية على حياته». وبقي في العاصمة الفنزويلية حتى شهر نيسان 2006، حين رجع إلى لبنان. وبعد عودته، قال إن أشخاصاً يتحدثون اللغة العربية بلهجة لبنانية صاروا يطاردونه في كراكاس، مدّعين أنهم رجال أمن لبنانيون، وهو الأمر الذي يعرفه أصدقاؤه وأقاربه اللبنانيون في فنزويلا.وبعد عودته إلى لبنان، أعيد استجواب بلال في فرع المعلومات، وعُرِضَت عليه صور 6 أشخاص، للتثبت مما إذا كان بينهم من يشبه الشخص الذي وضع له رسم تشبيهي. لكن بلال أصرّ على أن هسام هسام، الذي كان قد ظهر على وسائل الإعلام أثناء وجود بلال في فنزويلا، هو الشخص الذي رآه قبل اغتيال حاوي بأسبوع قبالة منزل الأخير. لكن الضابط المحقق في فرع المعلومات طلب من بلال «التدقيق جيداً في الرسوم الشمسية» الستة، فاختار الشاهد واحداً منها، قائلاً إن صاحبه يشبه صاحب الرسم التشبيهي. إلا أن الشاهد بقي مصراً على أن من رآه قبيل اغتيال حاوي ليس سوى هسام هسام، وهو ما كرره أمام أصدقائه في لبنان وفنزويلا، علماً بأن ضابطاً من فرع المعلومات يؤكد أن المحققين كانوا قد عرضوا هسام هسام شخصياً على بلال (قبل ظهور هسام على وسائل الإعلام)، وأن بلال نفى وقتئذ أن يكون هسام هو الشخص الذي رآه قبل اغتيال حاوي.بعد ذلك، أرسلت إفادة بلال الجديدة إلى لجنة التحقيق الدولية، من أجل الاستناد إليها في ملف يربط اغتيال حاوي باغتيال كل من الرئيس رفيق الحريري والصحافي سمير قصير ومحاولة اغتيال الوزير الياس المر.
الرواية الرسمية لقضية «الحجّاج الأوستراليّين»
في الأسبوع الأول الذي أعقب اغتيال الرئيس رفيق الحريري، أثارت قضية الحجاج الأوستراليين لغطاً كبيراً في الوسط السياسي والإعلامي. فيوم اغتيال الحريري، وردت إلى الأجهزة الأمنية اللبنانية معلومات عن مغادرة ستة أشخاص مطار بيروت الدولي، بعد أقل من ساعتين على وقوع الجريمة، وأن بينهم شخصاً يشبه أحمد أبو عدس. وهؤلاء هم لبنانيون من منطقة الشمال (معظمهم من المنية)، يحملون الجنسية الأوسترالية. حينذاك، أعلنت السلطات اللبنانية هذه المعطيات التي رأى بعض الأمنيين فيها مساراً جدياً ينبغي التدقيق فيه إلى النهاية. في المقابل، اتهمت القوى المعارضة لـ«النظام الأمني اللبناني ـــــ السوري المشترك» السلطات بمحاولة تضليل التحقيق عبر ابتداع رواية الحجاج الأوستراليين. في ما يأتي، تنشر «الأخبار» ما ورد حرفياً في محضر التحقيق اللبناني، وفي المراسلات التي بعثت بها السلطات الأوسترالية عبر الأنتربول إلى السلطات اللبنانية.يورد المحضر الرقم 128/302 (تاريخ 15/2/2005، نظّمه رئيس فرع المعلومات حينذاك العقيد فؤاد عثمان) المعطيات الآتية:«بنتيجة المتابعة توافرت معطيات عن أسماء بعض المشتبه فيهم وهم:يوسف ر. وسام ر. مصطفى ر. كامل ح. أيمن س. محمد ع.تبيّن أن المذكورين غادروا الأراضي اللبنانية الساعة 14.40 من تاريخ 14/2/2005 على متن طائرة تابعة لطيران الخليج متجهين إلى دولة البحرين ومنها إلى سيدني ــــــــ أوستراليا.بناءً على إشارة القضاء المختص سُطّر كتاب إلى أنتربول كانبيرا في أوستراليا للعمل على توقيف الأشخاص المذكورين.بتاريخ 16/2/2005 ورد جواب الشرطة الفيدرالية الأوسترالية وتضمّن ما يأتي:بنتيجة الإجراءات المتخذة حُدّدت هوية الأشخاص الستة كما يأتي:يوسف ر.: مولود في 31/5/1980.وسام ر.: مولود في 3/4/1981.مصطفى ر.: مولود في 30/6/1977.كامل ح.: مولود في 18/8/1977.أيمن س.: مولود في 25/11/1983.محمد ع.: مولود في 16/6/1979.
أكدت الرسالة الأولى وجود آثار متفجّرات على مقعدي اثنين من الركابأثبتت التحريات أن الأشخاص الستة وصلوا إلى مطار سيدني الساعة 8.45 مساءً من تاريخ 15/2/2005 على متن الرحلة الرقم GA148.اشتبهت السلطات اللبنانية في الأشخاص الستة المذكورين أعلاه بناءً على المعلومات الآتية:* غادر الستة مطار بيروت بعد ساعة ونصف من عملية التفجير.* لم يكن في حوزتهم أي حقائب.* تبيّن أن واحداً من الأشخاص الستة يشبه شخصاً ظهر في شريط فيديو عائد لمجموعة متطرفة أعلنت مسؤولياتها عن التفجير.إن السلطات اللبنانية تعي جيداً أن السلطات الأوسترالية ستواجه صعوبة كبيرة في إصدار مذكرات توقيف بحق الأشخاص الستة بناءً على هذه المعلومات فقط، وقد أفادتنا الوحدة المختصة بالاسترداد في مكتب النائب العام بأنه لا يمكن إصدار مذكرات توقيف بناءً على المعلومات المذكورة أعلاه.بعد مراجعة طيران الخليج AIR GULF، تبيّن أن الأشخاص الستة كانوا من بين مجموعة من 14 شخصاً حجزوا بطاقات سفر الى جدة بغية أداء فريضة الحج، علماً بأن عملية حجز بطاقات السفر جرت في 21/12/2004 على أن تكون العودة الى أوستراليا في 15/2/2005. نظراً إلى عدم توافر رحلات مباشرة الى جدة، جرى حجز بطاقات سفر الى بيروت على أن تتولى المجموعة حجز بطاقات السفر من بيروت الى جدة.حوالى الساعة 14.30 من نهار الثلاثاء الواقع فيه 15/2/2005 عقد اجتماع في مقر الشرطة الفدرالية الأوسترالية في كانبيرا شاركت فيه كل الوكالات المعنية، وجرى تبادل كل المعلومات التي جمعت حتى تاريخه. عقب الاجتماع، اتفق على أن تتولى الشرطة الفدرالية الأوسترالية استجواب أعضاء المجموعة عند وصولهم الى المطار في سيدني.من جهته، أعطى مكتب سيدني لمكافحة الإرهاب التعليمات الأخيرة بشأن هذه المسألة وتولت الشرطة الفدرالية الأوسترالية المسؤولية عن الرد الميداني طلب المساعدة من الوكالات (الآتية): ضابط الارتباط المسؤول عن الحماية الأمنية PSLO، جهاز الجمارك الأوسترالي، إدارة النقل DOTARS، شرطة نيو ساوث ويلز، إدارة الهجرة DIMIA، مدير النيابة العامة CWDPP.من جهتها، تولت شرطة نيو ساوث ويلز تأمين وسائل إضافية لدعم الرد الميداني. وبعد أن تستجوب الشرطة الفدرالية الأشخاص المعنيين، سيخضعون لإجراءات خاصة بالعلوم الجنائية (أخذ عينات عن بقايا مواد متفجرة).فضلاً عن ذلك سيعمل جهاز الجمارك على إخضاع حقائب المعنيين ومقاعدهم في الطائرة للتصوير بالأشعة بحثاً عن بقايا مواد متفجرة، وسترسل الكلاب المختصة بالكشف عن القنابل الى الطائرة.النتيجة:حوالى الساعة 20:45 وصلت الرحلة رقم GA148 الى مطار سيدني. وفور وصولها خضع المعنيون لتفتيش دقيق حيث تبيّن أن الأشخاص الستة المشتبه فيهم يحملون معهم حقائب خلافاً للمعلومات الواردة أعلاه.وبعد الانتهاء من تفتيش الحقائب، خضع عشرة أشخاص من المجموعة للاستجواب، من بينهم الأشخاص المشتبه فيهم، علاوة على كل من خالد م. وتقي الدين ع. وعاطف ش. وطه م.لم تستجوب رؤيا ج، ولم يجر تحويلها الى الشرطة الفدرالية الأوسترالية عقب تفتيش حقائبها.أما الأشخاص الثلاثة الباقون من المجموعة، فلم يسافروا برفقتهم.بعد استجواب المجموعة جاءت الأجوبة كلها متماسكة، إذ أكدوا جميعهم أنهم سافروا بغية أداء فريضة الحج، وأنكروا تورطهم في عملية التفجير أو معرفتهم بأي معلومات عنها.الجدير ذكره أن المشتبه فيهم كانوا متعاونين جداً خلال استجوابهم.طُلب من الاشخاص الستة الخضوع لفحص جنائي بحثاً عن بقايا مواد متفجرة. وافق ثلاثة منهم على الخضوع لهذا الإجراء وهم: يوسف ر. ومحمد ع. ووسام ر.ستنقل هذه العينات الى مركز الأبحاث الجنائية للمعاينة.بعد معاينة المقاعد في الطائرة، عثر على آثار صغيرة لمادة الـTNT على مقعدي وسام ر. ومحمد ع.في نهاية الأمر، أطلق سراح المعنيين وغادروا المطار من دون وقوع أي مشاكل.نعلمكم أن المواطن الفلسطيني المقيم في لبنان المدعو أحمد تيسير أبو عدس لم يكن من بين ركاب الطائرة.سنعلمكم بنتيجة معاينة العينات فور الانتهاء منها».(انتهت رسالة السلطات الأوسترالية)يضيف المحضر:بتاريخ 22/2/2005، ورد كتاب من أنتربول كانبيرا في أوستراليا تضمن ما يأتي:بتاريخ 22/2/2005 جرى تسلّم تقرير مكتب العلوم الجنائية الكيميائية التابع للشرطة الفدرالية الأوسترالية وتضمن ما يأتي:«بعد تحليل ما جرى رفعه من المشبوهين الثلاثة، لم يعثر على أي بقايا متفجرات عادية عضوية أو غير عضوية أو أي آثار لمواد متفجرة».بناءً على ما تقدم أعلاه، ومن خلال التحقيقات الأخرى المجراة، يمكن الاستنتاج بأن جميع الأشخاص المستجوبين ليس لهم أي علاقة بالتفجير وليسوا على معرفة بالمتورطين.ستتولى الشرطة الفدرالية الأوسترالية ختم التحقيق».(انتهت الرسالة الثانية).وبعدما راجع فرع المعلومات سجلات المديرية العامة للأمن العام، تبيّن أن حركة سفر الأشخاص الستة المذكورين أعلاه خلال الشهرين السابقين لاغتيال الحريري كانت وفقاً للآتي:دخلوا لبنان آتين من البحرين يوم 31/12/2004، وغادروا إلى السعودية يوم 1/1/2005.دخلوا لبنان آتين من السعودية يوم 25/1/2005، وغادروا يوم 14/2/2005 إلى أوستراليا.بعد ورود أجوبة السلطات الأوسترالية إلى السلطات اللبنانية، وبعد الاستماع لإفادات عدد من أقاربهم في لبنان، «لم يتبيّن وجود ما يثير الشبهة في قضيتهم»، فأقفل التحقيق في هذه المسألة.
عمر نشابة بدأت رحلة نقل الاختصاص القضائي من السلطات الوطنية الى جهات دولية عبر آليات الأمم المتحدة في 24 آذار 2005، يوم قدّم رئيس بعثة تقصي الحقائق الإيرلندي بيتر فيتزجيرالد تقريره الى الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك كوفي أنان. البعثة خلصت، بعد أقل من شهر من تقصي «الحقائق» (بينما استغرق عمل لجنة مماثلة شارك فيها فيتزجيرالد في قضية اغتيال الرئيسة الباكستانية بينازير بوتو نحو تسعة أشهر)، إلى «أن أجهزة الأمن اللبنانية والاستخبارات العسكرية السورية تتحمل المسؤولية الرئيسية». وأضاف تقريرها: «من أجل كشف الحقيقة، لا بد من أن يعهد بالتحقيق إلى لجنة دولية»، إضافة الى التوصية بمنح «سلطة تنفيذية» لتلك اللجنة. وذكر التقرير «إن من المشكوك فيه إلى حد بعيد أن تتمكن مثل هذه اللجنة الدولية من الاضطلاع بمهماتها على نحو مرضٍٍٍٍ، وأن تحظى بالتعاون الفعلي الضروري من السلطات المحلية، ما دامت القيادات الحالية للأجهزة الأمنية اللبنانية باقية في مناصبها». وبالتالي، يبدو أن قرار التخلّص من المدير العام للأمن العام اللواء الركن جميل السيد والمدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء علي الحاج ومدير الاستخبارات في الجيش العميد ريمون عازار وقائد الحرس الجمهوري العميد مصطفى حمدان قد اتخذ قبل صدور القرار 1595 (7 نيسان 2005) الذي أنشأ لجنة التحقيق الدولية المستقلة. ذلك القرار الذي كُلّف ديتليف ميليس، على ما يبدو، بإيجاد صيغة لتطبيقه عبر سجن الضبّاط، هو بمثابة إشارة انطلاق لعملية سطو تدريجي لقوى دولية على الضابطة العدلية اللبنانية. ومن أبرز الدلائل على ذلك السطو المنهجي، ما ورد في مذكرة التفاهم التي وقّعها ميليس عن لجنة التحقيق الدولية ووزير العدل خالد قباني عن الجمهورية اللبنانية في 16 حزيران 2005. لكن قبل الدخول في مراجعة نقدية لمضمون المذكرة، لا بدّ من التذكير بأن القرار 1595 رحّب باستعداد الحكومة اللبنانية «للتعاون التام مع هذه اللجنة في إطار سيادة لبنان ونظامه القانوني»، وقرّر أن مهمة اللجنة تنحصر بـ«مساعدة السلطات اللبنانية في التحقيق الذي تجريه». لكن مثلما اختلفت شروط العمل ومعايير التطبيق بين ما نصّ عليه قرار مجلس الامن الرقم 1757 (2007 إنشاء المحكمة) وبين قواعد الإجراءات والإثبات الخاصّة بالمحكمة الدولية (2009) (كما بيّن مقال يوم أمس)، كذلك نلاحظ تناقضات بين مضمون قرار مجلس الأمن رقم 1595 (2005 إنشاء لجنة التحقيق) ومذكرة التفاهم بين لجنة التحقيق الدولية والجمهورية اللبنانية. رغم تضمن نصّ المذكرة أنه «يعود للجنة أن تحدد أصول الإجراءات الخاصة بها على أن تأخذ في الاعتبار القانون اللبناني والإجراءات القضائية المعمول بها في لبنان»، تشير الفقرة الخامسة منها الى عدم أخذ القانون والإجراءات القضائية المعمول ﺑﻬما في لبنان بالاعتبار. فيذكر مشاركة «اللجنة في أي تحقيق له صلة بالقضية، سواء تم بناءً على طلبها أو لا» ومنحها حقّ «إعطاء التوجيهات للسلطات المختصة بشأن أي عمل يجب، أو لا يجب، القيام به خلال هذه التحقيقات ﺑﻬدف الحفاظ على الأدلة أو الحصول عليها». لا شكّ في أن ذلك مخالف للقانون ولمبدأ السيادة القضائية. لكن الأمور لا تتوقف عند هذا الحدّ، بل «يمكن أن يشارك قاضي التحقيق العدلي، بناءً على طلب اللجنة وفق ما تراه ضرورياً، في إجراءات التحقيق، بما في ذلك الزيارات إلى مكان الجريمة وفي عمليات التفتيش والبحث وفي استماع الشهادات التي قد تطلبها اللجنة». ماذا بقي إذاً من سلطة المحقق العدلي الذي يعدّه القانون اللبناني من أرفع مراجع التحقيق الجنائي في قضايا تمثّل خطراً على أمن الدولة وسلامتها؟ هل يجوز، بحسب الأصول القانونية والدستورية، أن تُمنح جهة أجنبية صلاحيات تتيح لها «إعطاء التوجيهات للسلطات المختصة»؟ مذكرة التفاهم تنصّ على: «تسلّم جميع ما في حيازة السلطات اللبنانية من أدلة وثائقية ومعلومات مادية أو واردة في شهادة الشهود بشأن القضية وذلك بأقرب وقت ممكن (...) كما تسلّم للجنة أي معلومات وأدلة وثائقية أو مادية أو واردة في شهادة الشهود». فالمطلوب، بمعنى آخر، تسليم كامل ملف التحقيق في ما يشبه التنازل عنه لجهة دولية، بينما يخالف ذلك القرار 1595. المذكرة تتيح كذلك للّجنة «الدخول من دون عائق إلى جميع الأماكن والمؤسسات» من دون تحديد أي استثناء. «جميع الأماكن والمؤسسات» يمكن أن تشمل رئاسة الجمهورية وديوان المحاسبة والأرشيف السرّي للمحفوظات، والمصرف المركزي، وقيادة الجيش وغيرها.
ابراهيم الأمين منذ زمن غير قصير تملك الجهات المعنية في حزب اللّه معلومات وافرة عما يجري في لجنة التحقيق الدولية، منذ أيام ديتليف ميليس وبعده سيرج براميرتس، ثم مع مجيء دانيال بلمار. كان حزب الله في قلب الموضوع. عناصر الاتهام التي عمل فريق الادعاء السياسي على جمعها، احتاجت إلى جهود بُذل قسم كبير منها في لبنان. وهذه الجهود معروفة بحدها الأدنى من حانب الحزب، إن لم يكن أكثر. وجهاز المقاومة الأمني لم يتوقف عن متابعة كل ما من شأنه تكوين خطر على المقاومة، بما في ذلك ملف التحقيق نفسه، وخصوصاً أنّ المعطيات السياسية لم تكن تحتاج إلى كثير شرح ليعرف الحزب أنه المستهدف الأول والأخير. إلا أنّ طريقة مواجهة قيادة الحزب لهذا الملف تبدّلت بعد عدوان تموز عام 2006 عمّا كانت عليه قبل ذلك التاريخ. وهو ما لمسه الطرف الآخر الذي تصرّف بارتباك إضافي، بعدما أظهر الحزب خلال مواجهات تموز قدرات مفاجئة على إدارة الملفات الميدانية والسياسية والدبلوماسية. كما أبرز خبرة أمنية خاصة، ربما كان كثيرون في لبنان ـــــ كما في إسرائيل ـــــ يشكّكون في أصل وجودها. وكانت نتائج الحرب وحدها كفيلة بتنبّه الأجهزة الأمنية اللبنانية والعربية والدولية للتعامل بطريقة مختلفة مع الحزب. وخصوصاً أنّ فرع المعلومات ـــــ على سبيل المثال ـــــ تصرّف في مرحلة معيّنة على أنه مخترق من أمن حزب الله، وأن الكثير من المعلومات التي يعمل عليها الفرع تصل إلى الحزب عبر مصادر بشرية وربما غير بشرية، أو هذا على الأقل ما يردّده ضباط كبار في الفرع، من الذين يشكون من استمرار أزمة الثقة بينهم وبين الحزب، رغم ملف التعاون الكبير في ملاحقة شبكات التجسّس لمصلحة إسرائيل. وإلى جانب التحقيقات التي شملت العشرات من أصدقاء الحزب وحلفائه، من موظفين وشخصيات سياسية وإعلامية وإدارية وغيرها، فإنّ الحزب تعامل مع ملف الاعتقال التعسفي للضباط الأربعة على أنه قضية تخصّه. وإن كان هناك سيل كبير من الملاحظات التي يبديها معنيون بالأمر على بعض الأمور، لكن المحصّلة تشير إلى أن الحزب تبنّى قضية هؤلاء الذين ظُلموا، وعمل بقوة على دعمهم ومنع التعرّض لعائلاتهم، وسعى مراراً إلى إنضاج تسوية سياسية تخرجهم من السجن، لكنه كان يحاذر الاصطدام المباشر بالرئيس سعد الحريري قبل توليه رئاسة الحكومة وبعدها. حتى عندما وقعت أحداث السابع من أيار، لم يبادر الحزب ـــــ وكان بمقدوره أن يفعل، لو أراد ـــــ إلى ممارسة شكل آخر من الضغط لإطلاق سراحهم. عدا أنّ الضبّاط أنفسهم كانوا قد رفضوا أمراً من هذا النوع، لأنهم كانوا يسعون بعد فترة من الاعتقال إلى الحصول على براءة من المحكمة الدولية نفسها، لا من القضاء اللبناني الذي أظهرت التطورات أنه لم يكن خارج دائرة قرار اعتقالهم التعسفي لنحو 4 سنوات. قبل أكثر من عام، عندما قرّر قاضي الأمور التمهيدية إطلاق سراح الضباط الأربعة بناءً على توصية المدعي العام في المحكمة الدولية، تصرّف الحزب ـــــ كما قوى سياسية أخرى في البلاد ـــــ على أساس ان ما حصل قد يكون كافياً لطيّ صفحة. لكن الحزب أخطأ كما قوى أخرى في المعارضة، من الرئيس نبيه بري إلى آخرين ـــــ ما عدا العماد ميشال عون ـــــ عندما لم يبادر إلى طرح الموضوع على الحكومة وأمام رئيس الجمهورية وعلى طاولة الحوار الوطني. يومها قيل كلام كثير عن أهمية الهجوم على الفريق اللبناني والإقليمي والدولي الذي سبّب اعتقال هؤلاء، والضغط لطرح قضية شهود الزور وفبركة الأدلّة وتورّط موظفين وشخصيات لبنانية في الأمر، على طاولة المراجعة والمحاسبة. وكانت نتيجة هذا الخطأ، أن استعاد فريق الادّعاء وجيش المفبركين حيويته وإمساكه بزمام المبادرة ليصل بالأمور إلى ما وصلت إليه اليوم. كانت هناك وجهات نظر مختلفة حيال طريقة التصرف. والأكيد بعد مراجعة أربعة أعوام، أن في قيادة الحزب، العليا أو التنفيذية، من كان يملك رأياً لا يستند إلى حقائق كبيرة، أو كان لديه تقويم غير دقيق لوضع الفريق الآخر، إلا إذا كانت هناك اعتبارات ليست معروفة للمتابعين. وقد أدّى ذلك إلى تراكم الأمور إلى حدود باتت معها الدعوة إلى المحاسبة أو المراجعة صعبة، حتى وصلنا إلى يومنا هذا، حيث يعتقد كثيرون أن المطالبة بالتحقيق ما كانت لتحصل لولا وصول الحزب إلى قناعة معلوماتية وتحليلية بأن قرار اتهامه قد اتُّخذ. وهو أمر يؤثّر سلباً في أصل هذه الدعوة، وإن كان لا يمسّ أحقيتها وشرعيتها وضرورة السير بها حتى النهاية.
الآن، ثمّة معركة مفتوحة بشأن المحكمة والقرار الاتهامي، وقد ينقص أن ينشر حزب الله ما لديه من وثائق ومعلومات عن عمل أجهزة أمنية لبنانية وعربية ودولية في فبركة أدلة وتقديم معلومات تخدم فكرة اتهام عناصر من الحزب بالتورّط في جريمة اغتيال الحريري. لكن الأمر لن يكون على هذه الصورة، وخصوصاً عندما يكون الحزب في وارد البقاء ـــــ الآن على الأقل ـــــ في مرحلة تنبيه الطرف الآخر إلى خطورة ما يقوم به على هذا الصعيد. لكنّ ردود الفعل الحقيقية الآتية من الجانب الآخر، لا تشير إلى استعداد حقيقي للتراجع عن الجريمة القائمة، بل هناك معلومات ومؤشرات تدل على نية هذا الفريق التصعيد والمضيّ حتى النهاية في لعبته، آملاً دعماً إقليمياً وخارجياً يعوّض ما فاته في أيار عام 2008، وهو الأمر الذي سيدفع الحزب إلى خيارات غير محمودة. وفي هذا السياق، لم يتأخر الوقت كي يقوم الحزب بحملة واسعة، تشمل فئات مختلفة من الشعب اللبناني، وقواه الفاعلة على اختلاف مواقعها، وتتوجّه إلى جهات عربية ودولية، وخصوصاً ما يتعلق بالرأي العام، في سياق توضيح حقيقة ما يجري، وتهيئة المسرح لأي خطوة قاسية، يبدو أننا نتجه إليها ما لم يحمل الملك السعودي دلواً كبيراً من المياه الباردة يلقيها على الرؤوس الحامية المنتشرة في «الوسخ التجاري» ومحيطه، لأنه متى أمكن إشراك كثيرين في معركة رفض المؤامرة على المقاومة، فسيشعر عملاء أميركا وإسرائيل الكبار والصغار على حد سواء بدرجة أعلى من العزلة، وسيشعر الجمهور الراكض خلف هؤلاء بأنّ الخيارات العشوائية باتت تمسّ المصالح الأساسية للعيش بأمان. المهم في ما سبق ألّا يخرج بعض القادة في الحزب معتبراً هذا الكلام «أسْتَذة في الوقت الضائع»، وخصوصاً أولئك الذين يرفضون الاستفادة من تجارب غيرهم.
عمر نشابة تلقى دانيال بلمار، المدعي العام في المحكمة الدولية الخاصة بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وفريق عمله، صفعة قوية من قاضي الإجراءات التمهيدية دانيال فرانسين. فالقاضي البلجيكي لم يكتف بعقد جلسة استماع علنية في 13 تمّوز الفائت للبحث في قضية كان بلمار قد أصرّ على أنها من خارج اختصاص المحكمة، بل أصدر قراراً أمس بشأن طلب اللواء الركن جميل السيّد من المحكمة الحصول على المواد الثبوتية الخاصة بالافتراء والاحتجاز التعسّفي الذي تعرّض له، أعلن فيه أن المحكمة مختصّة للفصل في أساس الطلب، ومنَح السيّد صفة الادعاء أمام المحكمة بغية تحصيل طلباته. وكان المحقق العدلي اللبناني القاضي إلياس عيد قد أمر باعتقال السيّد واللواء علي الحاج والعميدين ريمون عازار ومصطفى حمدان في 30 آب 2005، بناءً على توصية ديتليف ميليس رئيس لجنة التحقيق الدولية المستقلة الذي استند بدوره إلى إفادات شهود زور. واستمرّ الاعتقال بعد تولي القاضي صقر صقر (الذي يشغل اليوم منصب مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية) التحقيق العدلي. ولم يفكّ القضاء اللبناني احتجاز الضبّاط الأربعة إلا بعد صدور أمر بذلك عن القاضي فرانسين من لاهاي في 29 نيسان 2009. وبالتالي أُطلق الضبّاط مع انكفاء السيادة القضائية الوطنية اللبنانية لمصلحة جهة دولية. ما أضافه فرانسين إلى ذلك عبر الحكم الذي صدر عنه أمس، هو تسهيله فتح ملف محاسبة المسؤولين عن ذلك الاعتقال التعسّفي في القضاء اللبناني. فرئيسا لجنة التحقيق الدولية سيرج براميرتس ودانيال بلمار كانا قد ذكرا في كلّ تقاريرهما الدورية لمجلس الأمن الدولي أنهما قدّما للمدعي العام لدى محكمة التمييز القاضي سعيد ميرزا آراءهما بشأن الاستمرار باعتقال الضباط الأربعة، وما يطلبه اللواء السيّد اليوم هو تسليمه نسخة عن تلك الآراء. فإذا تبيّن أن القضاء اللبناني خالف آراء اللجنة بشأن استمرار الاعتقال، يمكن أن ينكشف التدخل السياسي في القضية، إذ إن اللجنة، بحسب مذكرة التفاهم الموقعة بينها وبين الدولة اللبنانية، يفترض أن تكون مطّلعة على كامل مضمون ملفّ التحقيق. لماذا إذاً يكون موقف القضاء اللبناني مخالفاً لموقفها بشأن استمرار الاعتقال؟ هل تعرّض القاضيان سعيد ميرزا وصقر صقر لضغوط سياسية حثّتهما على عدم إطلاق الضبّاط؟ ما يطلبه السيّد اليوم، على ما يبدو، هو أن يُطرح هذان السؤالان في محكمة عادلة. ولم يكن أمام القاضي فرانسين خيار إلا ملاقاته في المطالبة بحقه في الوصول إلى العدالة بشأن اعتقاله التعسّفي. استند القاضي إلى اجتهادات محكمة العدل الدولية والمحاكم الجنائية الدولية للحسم بأن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان تتمتّع بسلطة الفصل في مسائل لا تدخل في اختصاصها الأصلي، لكن تتصل به اتصالاً وثيقاً، ومن بينها تسهيل وصول الأشخاص الذين اعتقلوا تعسّفاً إلى العدالة عبر توفير المستندات والوثائق التي يحتاجون إليها لتحقيق ذلك.
يذكر أن القاضي فرانسين كان قد أقرّ في قراره الصادر في 29 نيسان 2009 بأن الشهود الذين استند إلى إفاداتهم لاعتقال الضباط غيّروا إفاداتهم، وأحدهم سحبها بالكامل (الفقرة 37)، وذكر كذلك أن المعلومات التي احتجز الضباط على أساسها «لم تكن موثوقة بما فيه الكفاية» لاتهامهم بالجريمة (الفقرة 12). وبالتالي طلب السيّد الحصول على المستندات الآتية: ـــــ صورة طبق الأصل مصدقة من محاضر إفادات الشهود التي تدل على تورطه المزعوم على نحو مباشر أو غير مباشر في اغتيال الرئيس رفيق الحريري، ـــــ التقارير المحالة على النائب العام اللبناني بشأن تقويم الإفادات المذكورة أعلاه، وبالتحديد تقرير براميرتس المؤرخ في 8 كانون الأول 2006. ـــــ رأي المدعي العام بلمار في احتجاز السيّد وسائر الموقوفين، الذي بلّغه إلى النائب العام اللبناني. ـــــ وأية أدلة أخرى في حوزة الرئيس قد تكون ضرورية لملاحقة مرتكبي المخالفات. وجاء قرار القاضي فرانسين، أمس، بتأجيل الفصل في أساس الطلب لحين تأكده من أن تسليم تلك المستندات والوثائق لا يؤثر سلباً في تحقيق جار أو لاحق، أو يتنافى ومصالح أساسية كسلامة الأشخاص المعنيين بهذه المواد، أو يمسّ بالأمن الوطني أو الدولي. ولتبيان إذا ما كانت تلك الشروط قائمة أو لا، دعا القاضي فرانسين أمس كلاً من اللواء السيّد والمدعي العام بلمار إلى الإجابة عن أسئلة تتعلّق بالمواد التي يطلبها السيّد من الناحية القانونية واللوجستية والإجرائية في غضون عشرة أيام.
قرار القاضي دانيال فرانسين
نعرض في الفقرات الآتية أجزاءً من مضمون قرار القاضي فرانسين. (يمكن الاطلاع على الوثيقة الكاملة عبر موقع «الأخبار»). بعد شرح الخلفية الإجرائية (أولاً: الفقرات من 1 إلى 6) وعرض موضوع الطلب (ثانياً: الفقرة 7) واستعادة حجج المستدعي (السيّد) والمدّعي العام (بلمار) (ثالثاً: الفقرات من 8 إلى 22)، انتقل القاضي فرانسين إلى بيان الأسباب (رابعاً) حيث ورد الآتي: «28. يمكن طرح السؤالين الأولين الموجهين إلى قاضي الإجراءات التمهيدية على النحو الآتي. أولاً، هل تتمتع المحكمة بالاختصاص للفصل من طلب المستدعي الحصول على مواد الملف الجزائي الخاص به؟ ثانياً، هل يتمتع المستدعي بالحق في اللجوء شخصياً إلى المحكمة بهدف الحصول على هذه المواد؟ إضافة إلى ذلك، على قاضي الإجراءات التمهيدية الإجابة عن سؤال ثالث ينبثق من السؤالين الأولين، ألا وهو: هل يتمتع المستدعي، في هذه الحالة، بالحق في الحصول، ولو جزئياً، على الملف الجزائي الخاص به؟ باء ـــــ اختصاص المحكمة: جيم ـــــ صفة المستدعي للادعاء أمام المحكمة: 29. قبل النظر في أساس القضية، يجب تحديد ما إذا كانت المحكمة تتمتع بالاختصاص للفصل في طلب المستدعي الحصول على البعض من مواد الملف الجزائي الخاص به. 30. يُحصر الاختصاص المادي للمحكمة حصراً تاماً، كما لحظ المدعي، بالاختصاص القضائي الذي تمنحه إياه المادة 1 من الاتفاق بين الأمم المتحدة والجمهورية اللبنانية المُرفق بقرار مجلس الأمن الرقم 1757 (2007) والمادتان 1 و2 من النظام الأساسي، أي مقاضاة الأشخاص المسؤولين عن الاعتداء الذي وقع في 14 شباط/ فبراير 2005 وأدى إلى مقتل رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري وآخرين، وعند الاقتضاء، مقاضاة مرتكبي اعتداءات أخرى متلازمة. لذا، لا يمكن المحكمة تجاوز هذا الاختصاص قانوناً من دون خرق مبدأي القانونية والاختصاص الأساسيين. 31. لكن، وفقاً للاجتهاد المستمر لمحكمة العدل الدولية والمحاكم الجنائية الدولية، وغيرها من المحاكم الدولية، تتمتع كل محكمة دولية بسلطة الفصل في مسائل لا تدخل ضمن اختصاصها الأصلي بحد ذاته، لكن تتصل به اتصالاً وثيقاً، ما يحتّم دراسة هذه المسائل ضماناً للإنصاف في الإجراءات ولحسن سير العدالة. بمعنى آخر، تتمتع المحكمة، في إطار تأديتها لمهماتها الرسمية، باختصاص ضمني للفصل في مسائل فرعية تتعلق بمهماتها، أو قد يكون لها وقع عليها، ويجب الفصل فيها خدمة لمصلحة العدالة. 32. تجدر الإشارة في هذا الإطار إلى أن النظام الأساسي للمحكمة والقواعد لا يمنحان المستدعي صراحة صفة تخوله الحصول على مواد الملف الجزائي الذي اتهم واعتقل بموجبه. لكن موضوع الطلب يدخل ضمن السلطة الضمنية للمحكمة إذ إنه يتصل بصورة وثيقة باختصاصها المادي والأصلي، وإن الفصل فيه ضروري ضماناً للإنصاف في الإجراءات، ولحسن سير العدالة (...). 34. على صعيد آخر، يقوم الطلب على أحد الجوانب الأساسية لحقوق الدفاع كما ينص عليها القانون الدولي، أي حق المتهم في الحصول على مواد الملف، وهو حق يجب أن تضمنه المحكمة خدمة لمصلحة العدالة. 35. لذا، نظراً لاختصاصها الحصري، إذا قضت المحكمة بعدم اختصاصها للفصل في هذا الطلب، تحرم المستدعي إمكان نظر قاضٍ في مطالبه بإنفاذ أحد الحقوق الأساسية، فتجرده بذلك من حقه في الاستفادة من حماية قانونية فعلية. 36. ختاماً، وبناءً على ذلك، تتمتع المحكمة بالاختصاص للفصل في الطلب.
37. بعد تبيان اختصاص المحكمة للفصل في الطلب، يجب تحديد ما إذا كان المستدعي يتمتع بصفة الادعاء أمام المحكمة.دال ـ الحق في الحصول على الملف الجزائي وشروط إنفاذه
في المرحلة الراهنة للتحقيق: 39. لكن بالرغم من ذلك، لا يعتبر المستدعي غير معني بالإجراءات المقامة والمتواصلة أمام المحكمة، إذ تنص المادة 4، الفقرة 2 من النظام الأساسي على أن ينقل الأشخاص المحتجزون من قبل السلطات القضائية اللبنانية رهن التحقيق في قضية الحريري إلى عهدة المحكمة. كما تقضي المادة 17 من القواعد بأن يفصل قاضي الإجراءات التمهيدية في مواصلة احتجاز هؤلاء الأشخاص ضمن مهلة معقولة بدءاً من تاريخ نقلهم إلى عهدة المحكمة. والحال أن المستدعي هو أحد هؤلاء الأشخاص (...). 41. وتجدر الإشارة هنا إلى أن المدعي العام لم يوجّه تهمة إلى المستدعي منذ تاريخ نقله إلى عهدة المحكمة، لكن يصدر قرار بمنع محاكمته. وفي هذا الإطار، ينبغي التذكير بأن إخلاء سبيل المستدعي قد تم من دون المساس بملاحقات محتملة قد تلجأ إليها المحكمة الخاصة لاحقاً، كما ينص عليه قرار قاضي الإجراءات التمهيدية الصادر بتاريخ 29 نيسان/ أبريل 2009. 42. في ضوء هذه الظروف، يتمتع المستدعي بصفة الادعاء أمام المحكمة بشأن المسائل المتعلقة بحرمانه من حريته. 43. بما أن للمحكمة اختصاصاً للفصل في الطلب وللمستدعي صفة للادعاء أمامها، يتعين الآن تحديد ما إذا كان من حق المستدعي، نظراً لوضعه المبين في الفقرات 39 إلى 41 أعلاه، الحصول على الملف الجزائي الخاص به. وفي حال الإيجاب، يجب النظر في كيفية إنفاذ هذا الحق وتحديد، عند الاقتضاء، نطاقه وشروطه. 44. تجدر الملاحظة أن الحق في الحصول على الملف الجزائي هو حق يمنحه القانون العرفي الدولي لكل شخص متهم. ويشكل هذا الحق إحدى أبرز الوسائل لضمان إنفاذ فعال لحقوق الدفاع، ولا سيما لغرض الطعن بقانونية الاحتجاز وبطبيعته التعسفية (...). 46. وينبغي التذكير في هذا السياق بأن لبنان صدّق، في 3 تشرين الثاني/ نوفمبر 1972، على العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي دخل حيز النفاذ بتاريخ 23 آذار/ مارس 1976(...). 49. تكرس المادة 110 من القواعد بصورة غير مباشرة حق المتهم في الحصول على مواد الملف الجزائي الخاص به. إذ تنص أحكام هذه المادة على أن يتسلم المتهم نسخاً عن الأدلة المؤيدة التي أرفقت بقرار الاتهام عند طلب تصديقه، وأيضاً جميع إفادات المتهم التي تلقاها المدعي العام، وذلك في غضون 30 يوماً من مثوله الأول أمام المحكمة أو في أي مهلة أخرى يحددها قاضي الإجراءات التمهيدية. كذلك ينبغي أن يحصل ضمن المهلة التي حددها قاضي الإجراءات التمهيدية أو غرفة الدرجة الأولى على نسخ عن إفادات جميع شهود الادعاء، وكل الإفادات الخطية، ونصوص الإفادات، أو سواها من النصوص التي تم تنظيمها. 50. أما في ما يتعلق بالاتهام، فينبغي التعاطي مع هذا المفهوم بمرونة كما أشارت إليه المحكمة الأوروبية، إذ يجب ألا يفهم بمعناه الصارم، بل بما يعني إبلاغاً رسمياً صادراً عن السلطة المختصة يوجه اتهاماً بارتكاب جرم، وبما يتطابق أيضاً ومفهوم ترتب انعكاسات جسيمة على وضع المشتبه به. 51. أخيراً، تظل حقوق الدفاع قائمة حتى إذا لم يعد الشخص الخاضع لتحقيق جزائي متهماً بصورة رسمية أو إذا صدر قرار بمنع محاكمته. ويطبق ذلك أيضاً على الحق في الحصول على الملف الجزائي، فلا يمكن أن يسقط هذا الحق بمجرد إخلاء سبيل الشخص المعني. إذ ينبغي أن يكون الحق في الاطلاع على المواد المستخدمة في الإجراءات بمثابة النتيجة الطبيعية للحق الأساسي في الحصول عند الاقتضاء على تعويض عن الضرر الناتج من احتجاز غير قانوني، وهو حق مكرس في الصكوك الرئيسية لحماية حقوق الإنسان، وإلا بقي هذا الحق حبراً على ورق، وذلك لعدم التمكن من إثبات عدم قانونية الاحتجاز. 52. لذا، مع أن المحكمة لم توجه اتهاماً رسمياً إلى المستدعي، ينبغي أن يؤخذ في الاعتبار تبلغه، في مذكرة التوقيف الصادر عن السلطات القضائية اللبنانية، الجرم المسند إليه وما ترتب عنه من انعكاسات جسيمة على وضعه، وخصوصاً بسبب احتجازه، بالرغم من انتهاء هذا الاحتجاز. وفي هذا الصدد، يجب أن يستفيد المستدعي من الحقوق الأساسية للدفاع المماثلة لتلك الممنوحة لأي شخص متهم كالحق في الاطلاع على ملفه الجزائي. 53. أما في ما يتعلق بمسألة إنفاذ الحق في الحصول على الملف الجزائي، فيتبين وفقاً للتشريعات والاجتهادات الوطنية والدولية أن هذا الحق ليس مطلقاًَ، إذ قد يخضع لبعض القيود، ولا سيما أن تسليم المواد المعنية قد يؤثر سلباً في تحقيق جارٍ أو لاحقٍ، أو يتنافى ومصالح أساسية كسلامة الأشخاص المعنيين بهذه المواد، أو يمس بالأمن الوطني أو الدولي. ويمكن أن ترتبط هذه القيود بالصعوبات الملازمة لإجراء التحقيقات في مجال الإرهاب. في بعض الحالات، ومن أجل تذليل هذه الصعوبات، تم التسليم باحترام هذا الحق حتى لو لم يُمنع الحق في الاطلاع على الملف إلا لمحامي المتهم. (...) 56. بما أنه تم التسليم باختصاص المحكمة وبتمتع المستدعي بصفة الادعاء بغية إنفاذ حقه في الحصول على الملف الجزائي، لم يعد موضوع اندراج إشكالية القيود أو الحدود لهذا الحق ضمن أساس الملف مطروحاً. لكن في هذه المرحلة من الإجراءات، ينبغي السماح للمدعي العام وللمستدعي بعرض ملاحظاتهما وحججهما في هذا الصدد. 57. من هذا المنطق، يدعو قاضي الإجراءات التمهيدية كلاً من المستدعي والمدعي العام، وهو الوحيد الذي يحوز الملف الخاص بقضية الحريري، إلى الإجابة عن الأسئلة الآتية وفقاً للشروط المُهل المبنيّة في هذا التقرير. 1) هل تدخل كل المواد التي يطلب المستدعي الحصول عليها في الملف الجزائي الخاص به، وهل هي في حوزة المدعي العام؟ 2) هل تُطبّق القيود والحدود المذكورة في الفقرتين 53 و54 أعلاه على هذه الحالة المعيّنة؟ 3) هل تُطبّق قيود وحدود أخرى؟ 4) في حال وجود قيود وحدود أخرى، هل تُطبّق على كل المواد التي يطلب المستدعي الحصول عليها أو على البعض منها فقط، وفي هذه الحال، على أي منها؟ 5) في حال منح المستدعي الحق في الحصول على الملف، كيف يتم ذلك، بمعنى آخر، هل يجب أن تُسلّم المواد أو النسخ عنها إلى المستدعي أو لن يحق له سوى الاطلاع عليها؟ وهل يجب أن يُحصر الحق في الاطلاع عليها على محاميه فقط؟ 6) هل تُطبّق آليات المساعدة المتبادلة الدولية في الشؤون القضائية، وفي هذه الحال، ما الذي يترتب عنها من نتائج بالنسبة إلى طلب المستدعي؟ 38. في هذا السياق، يلحظ قاضي الإجراءات التمهيدية أن المستدعي لا يُعتبر فريقاً كالمدعي العام والدفاع وفقاً للمادة 2 من القواعد، ولا متضرراً مشاركاً في الإجراءات وفقاً للمواد 2 و17 و86 من القواعد، ولا حتى طرفاً ثالثاً أو صديقاً للمحكمة بحسب المادة 131 من القواعد. وكما أحسن المدعي العام الإشارة، لا ينص صراحة الاتفاق ولا النظام الأساسي للمحكمة ولا القواعد على إمكانية شخص من غير الأشخاص السالفي الذكر تقديم طلبات إلى المحكمة.
خامساً ـــ الحكم
لهذه الأسباب (...) إن قاضي الإجراءات التمهيدية، يعلن أن المحكمة مختصة للفصل في أساس الطلب، ويعلن أن المستدعي يتمتع بصفة الادعاء أمام المحكمة بغية الحصول على مواد الملف الجزائي المتعلّق بقضية الحريري الخاص به. ويقرّر، قبل الفصل في أساس الطلب، أن تودع المذكرات الخطية للمستدعي والمدعي العام التي تضم إجاباتهما عن الأسئلة المطروحة في الفقرة 57 من هذا القرار لدى قلم المحكمة ضمن مهلةٍ أقصاها الأول من تشرين الأول/ أكتوبر 2010. ويقرّر أن تُسلّم المذكرات إلى المستدعي والمدعي العام في الوقت نفسه بعد ترجمة مذكرة المدعي العام إلى الفرنسية. ويقرّر أن يودع المستدعي والمدعي العام إجاباتهما لدى قلم المحكمة في غضون 10 أيام من تاريخ التسليم المتزامن للمذكرات».