كل ما سبق من جلسات لمناقشة مشروع الموازنة كان مجرد تمرين على المناقشات الجدية التي لم تنطلق بعد. منذ اليوم يبدأ المجلس ببحث المواد الإشكالية التي أجّلت ريثما يتم التوافق بشأنها أو ريثما يتم إيجاد الطريقة المناسبة لتمريرها بـ«أقل الأضرار». وبعد هدنة قسرية، تعود التحركات النقابية اليوم إلى الواجهة في محاولة أخيرة لمواجهة الخطط الحكومية التي تصر على المس بحقوق الموظفين وذوي الدخل المحدود
كل البنود الجدية في مشروع الموازنة رُحّلت إلى اليوم. ولأنها كثيرة ومتشعبة، فإن إقرار المشروع قد رُحّل بدوره. أمس، بدا واضحاً أن مجلس الوزراء تحول إلى مرحلة انتظار الاتفاق السياسي على البنود العالقة، وأبرزها الاقتطاع من رواتب وأجور وتعويضات القوى العسكرية والأمنية وموظفي القطاع العام، وزيادة الضريبة على فوائد الودائع المصرفية... أما جلسة أمس، فلم تشهد أي نقاشات جدية في القضايا العالقة، بل تركّزت على موازنات الوزارات والإجراءات المطلوبة لخفض «النفقات التشغيلية». وفي هذا السياق، قدم الفريق الاستشاري للرئيس سعد الحريري دراسة تفترض إمكان خفض ما بين ألف و1200 مليار ليرة من مشروع الموازنة. هذا المبلغ بدا خيالياً، خاصة أن المشروع المنجز من قبل وزارة المالية، سبق أن خفض هذه النفقات بنسبة كبيرة. وبنتيجة النقاش، تقرر أن يعود كل الوزير إلى جلسة اليوم حاملاً معه اقتراحاته لخفض النفقات في وزاراته. ومن الأفكار التي طُرحت أمس، اقتراح يقضي بفرض رسم على المستوردات بنسبة ثلاثة في المئة، في محاولة لحماية الإنتاج الوطني، وفي الوقت نفسه، تكون مهمته تعويض ما لا يمكن تحصيله في حال صرف النظر عن خفض الرواتب.
على خط مواز، وبالنظر إلى الأجواء التي ترشح عن جلسات المجلس، والتي لم تطمئن الموظفين والمتقاعدين، يتوقع أن يشهد اليوم عدداً من الاعتصامات والإضرابات، التي تضاف إلى إضراب أساتذة الجامعة اللبنانية والقضاة، المستمر منذ بداية الأسبوع. وقد أعلن الإضراب الشامل اليوم وغداً في الثانويات الرسمية ودور المعلمين ومراكز الإرشاد والتوجيه، على أن تناقش رابطة أساتذة التعليم الثانوي في اجتماعها بعد ظهر اليوم، التحركات التصعيدية المناسبة والتي «لا سقف محددا لها».كذلك دعا العسكريون المتقاعدون إلى «التعبئة العامة» لإسقاط تهديد السلطة لأمنهم الإجتماعي، متراجعين عن تعليق تحركاتهم الميدانية بانتظار جلاء المعطيات ومعرفة القرارات المستجدة. وفي ضوء ما تسرب إليهم عن استمرار استهداف العسكريّين المتقاعدين، «ولمّا كان توجه الحكومة الأساسي ما يزال بعيداً عن الوفاء و الحوار والعدالة وأقرب إلى منطق الصدام والتحدّي»، أعلنوا «استئناف وتفعيل تحركاتهم بالسرعة القصوى، ودعوة كافة المحاربين القدامى وعائلات كافة العسكريين والشهداء والجرحى، من مختلف الرتب والمناطق، إلى النزول الفوري اليوم، الساعة 11 قبل الظهر، إلى ساحة رياض الصلح، وإلى حين سحب كافة المشاريع المشبوهة»ية
وفي مقابل هذه التحركات، بقي الاتحاد العمالي العام على ارتباكه الناتج عن موافقته على وقف الإضراب، بعد التزام من رئيس الجمهورية بالسعي إلى إلغاء المواد «الإشكالية» من مشروع الموازنة. فلا هو يستطيع العودة إلى الإضراب والاعتصام ولا هو قادر على تبرير استمراره في تعليق الإضراب، خاصة أن الجلسات الحكومية تشير إلى أن كل الوعود التي قطعت بأن يعمد الوزراء، كل في وزارته، إلى إجراءات لخفض النفقات، من دون المس بحقوق الموظفين، قد ذهبت أدراج الرياح. يُضاف إلى ذلك أن وزير المال علي حسن خليل، سبق أن أعلن أنه «لم يتمّ صرف النظر عن المادة 61 من مشروع قانون الموازنة»، وهي المادة التي لها علاقة بالرواتب.رغم ذلك، أكدت مصادر الاتحاد العمالي أن رئيسه سيقدم، اليوم، مذكرة إلى رئيس الحكومة يطالب فيها بإلغاء مواد مشروع الموازنة التي تصيب العمال والموظفين، معلناً أنه في حال عدم التجاوب، فسيكون الاتحاد على موعد مع تحركات اعتراضية جديدة تنطلق مع بداية الأسبوع المقبل.
من جهة أخرى، سلّم رئيس الجمهورية العماد ميشال عون سفيرة الولايات المتحدة الأميركية، إليزابيت ريتشارد، أمس، «أفكاراً لآلية عمل ترسيم الحدود البحرية الجنوبية المتنازع عليها بين لبنان وفلسطين المحتلة». واعتبر رئيس مجلس النواب نبيه برّي أن هذه الرسالة هي أهم تطور في هذا الملف، وتعبّر عن الموقف اللبناني الموحّد. وأشار إلى أن «الكرة اليوم باتت في ملعب الأمم المتحدة والولايات المتحدة الأميركية». وكشف أن هذه الآلية هي تلك التي سبق أن سمعها الموفدون الأميركيون في لبنان، والتي تدعو إلى أن يصار الى ترسيم الحدود البحرية عبر اللجنة الثلاثية المنبثقة أصلاً عن تفاهم نيسان عام 1996، على غرار ما حصل بالنسبة إلى الخطّ الأزرق بعد تحرير الجنوب عام 2000، والتي ترأسها الأمم المتحدة بحضور وسيط أميركي. وفيما توقع رئيس المجلس أن يدفع هذا الموقف الولايات المتحدة الى إرسال موفد جديد الى لبنان لاستكمال البحث في هذا الملف، اعتبر أن حلّه سينعكس ايجاباً على تلزيم التنقيب عن النفط والغاز ومجيء الشركات الأجنبية للعمل في المياه اللبنانية، «وهو أساس لحلّ الأزمة الإقتصادية التي يعاني منها البلد».